الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب في اوكرانيا مفترق طرق ( 3 )

آدم الحسن

2023 / 5 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


مضى على الحرب الروسية الأوكرانية سنة و بضعة اشهر و ليس لهذه الحرب مِنْ نهاية قريبة لها و السبب الأساسي هو أنها لم تحقق كل النتائج التي ارادتها الإدارة الأمريكية منها بعد .
كمحاولة للتوصل الى معرفة المدى الذي ستسير اليه هذه الحرب لابد مِنْ تحديد الأهداف الأمريكية المسبقة لها و ما تحقق من هذه الأهداف و ما لم يتحقق بعد , إن اهم هذه الأهداف :
الهدف الأول : عزل روسيا عن اوربا بغربها و شرقها .
بعد انتهاء الحرب الباردة و خلال العقود الأخيرة عَملتْ الإدارات الأمريكية المتعاقبة , جمهورية كانت أو ديمقراطية , على عزل اوربا عن روسيا , بعكس استراتيجية روسيا الاتحادية للفترة ما بعد انتهاء الحرب الباردة التي كانت تستند على جعل روسيا جزءا اساسيا من اوربا وذلك من خلال الاندماج الاقتصادي و الثقافي بها و التوافق معها على بعض الجوانب السياسية و الأمنية كي تكون روسيا احد المكونات الرئيسية للكتلة الأوربية , هذا التوجه الروسي نحو اوربا إستفز الإدارات الأمريكية المتعاقبة , فإذا اندمجت روسيا بكل ثقلها الاقتصادي باعتبارها اغنى دولة في العالم بالثروات الطبيعية و بمساحتها التي تبلغ حوالي سدس الكرة الأرضية و بالطاقات البشرية المتقدمة علميا و صاحبة اكبر ترسانة نووية بالإضافة الى خبرتها المتراكمة في تكنولوجيا الفضاء و التكنولوجية النووية بأوربا التي تمتلك اركان مهمة من التقدم العلمي و التكنولوجي فسيشكل هذا الاندماج مع مرور الزمن كتلة اقتصادية متكاملة الأركان و ستتفوق هذه الكتلة على الثقل الاقتصادي و العسكري و العلمي و التكنولوجي الأمريكي .
لقد تجسدت محاولات امريكا في عزل اوربا عن روسيا في العديد من المحاور و من بين هذه المحاور تقليص اعتماد اوربا على الغاز الروسي الرخيص و ذي الجودة العالية التي تتناسب مع احتياجات اوربا لتقليل الانبعاثات الكاربونية , لقد وصل الأمر بالإدارات الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية على الشركات الغربية التي تشارك في تنفيذ مشروع مد انبوب نقل الغاز الروسي للسيل الشمالي 2 .
من جانب آخر عملت الصين على سحب روسيا لتكون ضمن الكتلة الاقتصادية الأسيوية و بذلك التقت الاهداف الأمريكية مع الخطط الصينية في عزل روسيا عن اوربا , فجاءت الحرب الروسية في اوكرانيا لتحقيق الهدف الأمريكي في ابعاد روسيا عن اوربا حيث أدت العقوبات الغربية على روسيا باندفاعها بقوة نحو الشرق و كانت الصين مستعدة لاحتضانها فتحققت مصلحة امريكا و الصين معا ...!
من خلال استعراض سريع لما جرى خلال فترة الحرب الروسية الأوكرانية يمكن التأكد من إن امريكا قد حققت نجاحا كبيرا في عزل روسيا عن اوربا و ما تفجير انبوب الغاز للسيل الشمالي 1 بالإضافة الى انبوب الغاز للسيل الشمالي 2 المتوقف اصلا إلا دليلا من بين ادلة عديدة على هذا النجاح الأمريكي , و كنتيجة اخرى لهذه الحرب فقد تحقق هدف امريكا في حصول قطيعة كبرى في معظم المجالات بين الاقتصاد الروسي و الاقتصاد الأوربي بسبب فرض العقوبات الشديدة و المتنوعة و التي لم تفرض سابقا بهذا الحجم من قبل الغرب على أي دولة في العالم مما عزل روسيا بشكل شبه كامل عن اوربا .
لقد سبق و حذرت المستشارة الألمانية ميركل قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بعدة سنوات من دفع روسيا و اجبارها للتوجه شرقا باتجاه الصين كي لا يتشكل حلف استراتيجي بين روسيا و الصين فتتكامل هاتين القوتين لتشكلان كتلة اقتصادية و عسكرية و علمية و تكنولوجية لا يمكن تحديها أو اللحاق بها اطلاقا , تؤكد هذه التصريحات للمستشارة الألمانية أن القيادة الألمانية و قيادات اوربية اخرى كانت تدرك بأي اتجاه ستسير الأحداث و التطورات الجيوسياسية في العالم بتخطيط و دفع من امريكا ... !
الهدف الثاني : انهاك الاقتصاد الروسي لدرجة بلوغه مرحلة الشلل التام من خلال فرض اقصى انواع العقوبات الاقتصادية و المالية و أدارة الأعمال التجارية على روسيا , عقوبات قاسية من الناحية النوعية و الكمية من قبل امريكا و حلفائها على روسيا و على من يجهز روسيا بالأسلحة أو بالعتاد الحربي و اتخاذ كافة الأساليب لترهيب و إخضاع مَنْ يمكن اخضاعه من دول و مؤسسات مالية لتطبيق اقصى قدر من هذه العقوبات .
يرى الكثير من المتابعين للشأن الاقتصادي الروسي أن العقوبات على روسيا لم تحقق الهدف الذي كان مقصودا منها و حصل العكس في بعض جوانبها حيث اصبح الاقتصاد الروسي اكثر استقلالية عن الغرب .
لقد استنفذت العقوبات الاقتصادية الغربية التي قادتها امريكا على روسيا كل امكانياتها و لم تحقق شيء مهم بل بالعكس فأن الكثير من هذه العقوبات اضرت فقط بحلفاء امريكا الأوربيين و نفعت الصين كثيرا و ساهمت في إعادة هيكلة الاقتصاد الروسي ليكون اقتصادا اكثر انتاجية و دفعه للابتعاد بخطوات مهمة عن الاقتصاد الرّيعي حيث اصبحت هذه العقوبات حافزا ايجابيا في انعاش الصناعات الوطنية الروسية حيث بدأ ضخ السلع الروسية للسوق المحلي بدلا عن السلع المستوردة من الغرب بالإضافة الى دخول سلع من دول الشرق و خصوصا من الصين للسوق الروسية بدلا عن السلع الغربية .
إن فشل العقوبات الغربية على روسيا كان امرا حتميا بسبب وجود الصين كداعم اقتصادي عملاق لروسيا .
لا شك أن الاقتصاد الروسي , بمساعدة و دعم الصين , سيخرج من هذه الحرب الاقتصادية الغربية عليه اقوى مما كان عليه قبل فرض العقوبات , و سيتحقق المثل " رب ضارة نافعة " .
لقد كان فشل الرئيس الأمريكي بايدن في إقناع الرئيس الصين بالتخلي و لو جزئيا عن روسيا أمرا متوقعا حيث كان الرد الصيني شديد و حاسم و واضح حيث اعلن الرئيس الصيني أن علاقة الصين بروسيا اعلى من مرتبة التحالف و وصفها بأنها علاقة شراكة شاملة في كل المجالات , و بذلك كانت اهم تداعيات الحرب الحالية بين روسيا و الغرب في أوكرانيا هي خلع روسيا لثوبها الأوربي و الرجوع الى وسطها الأسيوي .
الهدف الثالث : تقليص نفوذ روسيا و تحجيم علاقتها بالدول الأخرى , حيث يتحقق هذا الهدف من خلال عدة مسارات :
المسار الأول : عزل روسيا عن الدول الأخرى دبلوماسيا حيث تم طرد دبلوماسيين روس من سفارات روسية عديدة في الدول الحليفة لأمريكا بحجج مختلفة قَابَلها اجراءات و ردود فعل مماثلة من قبل الحكومة الروسية .
المسار الثاني : شن حرب نفسية واسعة النطاق ضد روسيا و من يقف الى جانبها و لتحقيق هذا الهدف تم فرض حصار و عقوبات على النشاط الإعلامي الروسي كي تتمكن دوائر صنع القرار السياسي في امريكا من توجيه الرأي العام و خصوصا في الغرب بالطريقة التي تخدم اهداف هذه الدوائر .
المسار الثالث : حرمان روسيا من المشاركة في الفعاليات الرياضية الدولية و النشاطات الإنسانية الأخرى و وصلت محاولات زج النشاط الإنساني في مستنقع السياسة لدرجات غير معقولة منها منع تدريس الأدب الروسي في بعض الجامعات الغربية و شمل هذا المنع مؤلفات الروائي الروسي الكبير دستوفسكي رغم تصاعد اصوات الاحتجاجات من بعض المتحضرين الأوربيين لكنها لازالت اصوات خافتة ... !

(( يتبع ))








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنس الشايب يكشف عن أفضل صانع محتوى في الوطن العربي.. وهدية ب


.. أساتذة ينتظرون اعتقالهم.. الشرطة الأميركية تقتحم جامعة كاليف




.. سقوط 28 قتيلاً في قطاع غزة خلال 24 ساعة | #رادار


.. -لن أغير سياستي-.. بايدن يعلق على احتجاجات طلاب الجامعات | #




.. هل يمكن إبرام اتفاق أمني سعودي أميركي بعيدا عن مسار التطبيع