الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على ربوة الإنتظار..-ها أنا جالس على مقعد لست فيه-.. - قراءة خاطفة- في قصيدة الشاعر التونسي الكبير -د-طاهر مشي

محمد المحسن
كاتب

2023 / 5 / 26
الادب والفن


"ما أحوجنا اليوم..أكثر من أي وقت مضى إلى قراءة الشعر وتأمّل معانية،ومواطن الجمال فيه،ندرك حاجات أجسامنا ونجهل ما تتوق إليه أرواحنا،حتى تضمر فتختفي البهجة في قلوبنا..
قصائد-د-طاهر مشي أشجار مورفة وارقة نستظل تحتها خلال رحلتنا ،فتميل علينا أغصانها المثقلة بقطوفها الدانية وتحثّنا ثمارها البعيدة على التتسلّق إلى قممها العالية..
يتسم عنده شعر الغزل بالمواربة حينا،وحينا بجرأة تستدعيها حرارة المواطن في مشاعر،فيكون لها تأثير وقوّة.وفي الحالتين يجد خيال القارئ براحا وأفقا ينطلق فيه أنّى يشاء.."
يقول ستيفن سبندر :” أعظم الشعر هو ما يكتبه شخصٌ يجهد نفسه ليذهب إلى أبعد مما يمكن ” ففي الغالب لا يمكن أن يكون الشعر شعراً إلا إذا كان مدعوماً بوعي بواقع العالم ونظرة معينة للأشياء المحيطة بنا،فلا بد من الاكتشاف والبحث عن لغة جديدة تحاكي الواقع الملموس فالشعر عند الشاعر-د-طاهر مشي-هو مجازفة وتجريب و كسر للثبات والجمود في قصائد يمكن تصنيفها بقصائد تجريبية تخلق عوالم أخرى يتنفس عطرها وتعطر ما حولها لما تحمله من رؤية إبداعية و عمق شعري.
إن قصيدة النثر خيارٌ جماليٌّ تقدم بناءً وفضاءً شعريا بمعايير فنية مغايرة لما هو سائد عن الصورة الذهنية التي كوّنها القراء منذ قرون طويلة عن الشعر العربي الذي يعتمد على الوزن وتفعيلاته.وهي تساعد القارئ على أن يكون خلاقا في استخراج الدلالة النفسية والفكرية وفرادة الرؤية التي يمتلكها شاعر عن آخر دون أن يكون واقعا تحت تأثير الموسيقى والصور المجازية المفرطة.
وهنا أضيف : إن قصيدة النثر هي موقع المواجهة على حد تعبير باربارة جونسون* ـ بين الداخل والخارج،حيث تقوم على حالة المفارقة والتقابل في التصور الذهني بين الشعر والنثر.
لنقرأ معا ما جادت به قريحة شاعرنا د-طاهر-مشي،هذه الشذرات التي تجلى فبها الطابع الوجداني العاطفي :
"هناك …على ربوة الانتظار
جلست سيدة حسناء،
تسرح خصلات شعرها السوداء،
تمشط جدائلها وتنظر بكل حياء
فازدادت حلكة الظلام اختناقا
وعم الصمت ارجاء المكان،
تهادى النسيم يداعب وجنتيها
ويصافح الندى كلتا يديها
فتراقص حبل الذكريات بين عينيها..
يحررالشاعر د-طاهر مشي قصيدته،ويمنحها حرية التحليق في فضاءات مباغتة، وينعكس هذا على اللغة، فتصبح أكثر شفافية واختزالا،ويكثفها بوخزات لها وقع الحب أحيانا والألم أحيانا أخرى والإشتياق في سياقات ابداعية أخرى..يدسها في نسيج الصورة،فتكتسب جدة وحيوية:
"تنهدت الصعداء من الاعماق
وواصلت مداعبة شعرها الملقي فوق كتفيها
وهامت روحها بين ادراج الحياة
اجتاح خاطرها الشوق للماضي،
رددت بعض الكلمات
“يا حسرة على تلك الليالي”
يتسم النص الشعري لدى-طاهر-مشي- بجملة من السمات الجمالية والتقنية،حيث اللغة المكثفة والمختزلة للعالم،والولع بالمشهدية البصرية،وحضور العنوان بوصفه بنية نصية لها اشتغالها الدلالي في النص وبناء درامي له محمولاته الثقافية والمعرفية..
ختاما أقول:"-د-طاهر مشي شاعر تـفـجر الشعـر في قـلبـه كما تفـجرت الصخرة بالماء لقوم موسى دون سابق عهد،فتعهده بالشكر والجهد فما انبجس كما انبجست،ومد يديه إلى السماء،ورنا ببصره إلى العلياء،واستسقى من الإبداع,وطلب منه العطاء فأعطاه،و اشترط عليه الجهد،فاجتهد ,فكان .
شعره ليس نظما كالناظمين،بل سيل جارف من الألم والأمل،وحنان قلب مفعم بالحب،الشوق والغرام ..
حجز-طاهر مشي-مقعدا بين كبار الشعراء المعاصرين وصار علما لامعا من أعلامهم ،فأسهم بمداد قلمه،وقوة عزيمته،ورؤيته الواضحة بتغير خارطة الشعر والشعراء حتى أجبرها بالمرور من قصائده .
فبارك الله بهذا الشاعر وبأمثاله ممن-يكتبون-كما قلت سابقا-بحبر الرّوح ودم القصيدة..يرسم بقلمه لوحات-فنية/شعرية راقية-ولا نملك إلا أن نقول له :
نحن عندما نكتب لا نكتب بحبر القلم،فحسب،بل نكتب بدماء القلوب..فعذرا ان ظهرت بعض الجراح على السطور
كـــم هــو جميل عندما تكتب كلمات.يراهـــا البعـــض جميلــــه..و يراهــــا البعــــض معبـــّره ..و يراهــــا آخرون بلا معنــــى!! لكــــنك أنت الوحيــــد الذي تعلـــــم-يا شاعرنا الفذ- عندمـــــا تكتبهــا..ماذا يوجــد بين السطور وخلفها..
على سبيل الخاتمة:
-د-طاهر مشي...هذا الشاعر الذي يحمل ريحان الحرف الشفيف،حلمه دفاتر تخطها أشعة الشمس..تتلاقى أمام بوابة إبداعه مرايا ومرافئ،وأوطان للريح والنخيل والأرخبيلات والجرح واليمام والحب والغرام..بين يديه تبحر القصيدة حاملة استداراتها القزحية،وتتدلى خطاه من سقفها الماطر المليء بغوايات الشعر الأبهى..
اقتحمتني بدون استئذان قصيدته "على ربوة الإنتظار"، حيث رأيت الشاعر يزرع في القلب نرجسة..تهيم عند الصباح وجدا..ويغمرها في الأصيل احتشام..
-على ربوة الإنتظار-هي قصيدة قصيرة لكن تأثيرها كبير.في كلّ مرّة -أستنطقها- أطرب وأتلذّذ بنصّها كأنني أقرأها للمرّة الأولى.وكيف يمكن ألّا أتلذّذ بنصّ شعريّ تتغزّل قوافيه وأبياته بحالة حبّ بين حبيبين وتتلوّن بصور شعريّة فتّانة لا يمكن للذائقة الجمالية والأدبية والعاطفية إلّا أن تقع تحت سحرها.
ختاما الشاعر التونسي الألمعي د-طاهر مشي-"هو طفل"- لا يصغي لغير صلوات قلبه..تائه بين أصابع الشوق والغرام..هو عشق يتسلل من ثقوب الصمت والغرام..
قبعتي..يا طاهر..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سكرين شوت | صناعة الموسيقى لا تتطلب آلات فقط بل أيضاً إحساس.


.. أول ظهور لفنان العرب محمد عبده بعد إعلان إصابته بالسرطان




.. «جمع ماشية ورحيم ومرادف البؤس».. أسئلة أثارت جدلًا في امتحان


.. تششيع جنازة والدة الفنان كريم عبد العزيز




.. تشييع جثمان والدة الفنان كريم عبد العزيز.. وتعديل موعد العزا