الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة التنوّع الثقافي

عبد الحسين شعبان

2023 / 5 / 26
الادب والفن


تقف الأبعاد الثقافية وراء ما يزيد عن ثلاثة أرباع (¾) الصراعات الكبرى في العالم حسب الأمم المتحدة، وذلك يعني أن المجتمعات تعيش صراعًا ثقافيًا متواصلًا على صعيد أوضاعها الداخلية والخارجية، وهو ما دعاها إلى تجسير الفجوة بين الثقافات المختلفة، بهدف تحقيق السلام والاستقرار والتنمية، علمًا بأن التنوّع الثقافي يُعتبر جزء لا يتجزأ من الجيل الرابع لحقوق الإنسان، فحتى لو كانت الأسباب الاقتصادية والتجارية والعسكرية والجيوبوليتيكية وراء الصراعات، إلّا أنها تكتسب طابعًا ثقافيًا كمبرّر فكري، لإعطائها مشروعية أو مقبولية لخوضها، فالقوى الاستعمارية رفعت راية التمدّن عند احتلالها البلدان المستعمرة، وقد تغلّفت العديد من الحروب والنزاعات المسلحة، الداخلية والخارجية، الإقليمية والدولية، ببراقع ثقافية.
وكانت محطة 11 أيلول / سبتمبر 2001 وتفجيرات نيويورك وبرجيْ التجارة العالميين، إحدى العلامات البارزة على صعيد المسوّغات الثقافية والدينية التي قيلت لتبرير الإرهاب، وإيجاد ذرائع له، وهو ما دفع اليونيسكو بعد شهرين من هذا العمل الإرهابي إلى تبنّي إعلان عالمي بشأن التنوّع الثقافي (تشرين الثاني / أكتوبر 2001)، وجوهره القبول بالآخر، واحترام خصوصياته في اللغة والملبس والعادات والتقاليد، وأساس ذلك الحق في الاختلاف والإقرار بالتعددّية واعتماد الحوار وسيلة لإحلال السلام.
وقد تضمّن إعلان اليونيسكو 12 مادة، وأكّد على أن التنوّع الثقافي هو الأساس في التراث المشترك للإنسانية، بل اعتبر الدفاع عنه واجبًا أخلاقيًا ملزمًا. ولعلّ مثل هذا الإلزام في المجتمعات المتقدمة يكتسب طابعًا قانونيًا عبر تشريعات وتطبيقات تنزل عقوبات حين يتم خرقها أو التجاوز عليها.
وقد اتّخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في العام 2002، قرارًا باعتبار يوم 21 أيار / مايو "يومًا عالميًا للتنوّع الثقافي من أجل الحوار والتنمية"، وعادت في العام 2005، حين دعت إلى حوار الحضارات لتحسين التفاهم والعلاقات بين مختلف الأمم والشعوب والثقافات والأديان، وبالطبع فإن ذلك يمكن أن يكون عبر إعادة النظر بمناهج التعليم ومن خلال الأدب والفن والرياضة، وقد ساهمت العولمة في التقارب بين الثقافات على صعيد البلدان المتعدّدة الثقافات، والتي تعيش في نفس الرقعة الجغرافية الحدودية الدولية، أو بين دول الجوار أو مع بقية دول العالم، مقرّبة بين شعوبها وأممها ولغاتها وأديانها.
الهدف من إعلان يوم للتنوّع الثقافي هو إبراز الثراء والغنى العالمي لمختلف الثقافات، والدور المهم الذي يلعبه الحوار بينها لتحقيق السلام والتنمية، في إطار التعددية واحترام حقوق الإنسان الثقافية والتراث الثقافي بوصفه مصدرًا للإبداع والتضامن الدولي.
وإذا كانت الحروب تصنع في العقول، فلا بدّ من تشييد حصون السلام في العقول أيضًا، حسب دستور اليونيسكو، وحين تغيب مساحة الحوار، ترتفع وتيرة التعصّب، وإذا تحوّل الأخير من التفكير إلى التنفيذ يصبح تطرّفًا، والتطرّف حين يصير سلوكًا يصبح عنفًا، وإذا ضرب العنف عشوائيًا يتحوّل إلى إرهاب، خصوصًا حين يتمكّن من إضعاف ثقة الفرد والمجتمع بالدولة، وإذا كان عابرًا للحدود يتحوّل إلى إرهاب دولي يهدّد السلم العالمي.
وقد اجتمعت في المكسيك وفودًا من 150 دولة في أيلول / سبتمبر 2022، في أكبر مؤتمر عالمي مخصّص للثقافة خلال العقود الأربعة المنصرمة، واعتمدت بالإجماع إعلانًا تاريخيًا للثقافة دعا إلى دمجها كهدف محدّد خاص في أجندة التنمية لما بعد 2030. وأكّد المؤتمر على مجموعة الحقوق الثقافية التي يجب مراعاتها في السياسات العامة، سواء كانت حقوقًا اجتماعية أم اقتصادية أم تتعلّق بحرية التعبير، إضافة إلى حق مجتمعات السكّان الأصليين في حماية معارف أجدادهم، وحماية وتعزيز تراثهم الثقافي والطبيعي.
وتجسّد خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 (سبتمبر / أيلول 2015)، إضافة إلى القرار المتعلّق بالثقافة والتنمية المستدامة (الجمعية العامة للأمم المتحدة - كانون الأول / ديسمبر 2015) رسالة اليوم العالمي للتنوّع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، إذْ ستكون أكثر عمقًا وشمولًا في تحقيق الأهداف اﻟ 17 للتنمية المستدامة، بالاستفادة من الإمكانات الإبداعية لثقافات العالم المتنوّعة، والمشاركة في حوار متواصل لضمان استفادة جميع أفراد المجتمع من التنمية المستدامة، لأن التنوّع الثقافي يُعتبر محرّكًا للتنمية، ليس على الصعيد الاقتصادي فحسب، بل وسيلة عيش لحياة فكرية وعاطفية ومعنوية وروحية أكثر اكتمالًا.
والتنمية المستدامة تقوم على ثلاثة أبعاد أساسية هي البُعد الاجتماعي والبُعد الاقتصادي والبُعد الثقافي، ويمكن إضافة بعدًا رابعًا مهمًا، وهو البُعد البيئي، ويتطلّب ذلك عالميًا دعم نُظم مستدامة لحوكمة الثقافة وتحقيق تبادل متوازن للسلع والخدمات الثقافية، ودمجها بسياسات التنمية وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
ولعلّ مناسبة الحديث عن التنوّع الثقافي كان مداخلة لي في مؤتمر نظّمته مجموعة 21 لحريّة الدين والمعتقد وتجمّع الأقليات في العراق، بعنوان " أسئلة الثقافة والتنمية".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي