الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة: مُجرّد قِناع

ادريس الواغيش

2023 / 5 / 27
الادب والفن


قصة قصيرة: مُجرّد قِناع
بقلم: إدريس الواغيش


كثيرا ما كنت وحدي في انكسار الطرقات، غريبٌ أطارد ما تبقى من أحلامي، أمشي وقدماي متورّمتان من حرّ الجَمر، متقلب المزاج، مشّاء لا يعرف إلى أين يفضي به المسير. أونس نفسي بنفسي، حين يأخذني العياء في عزلتي، أغنّي ولا يسمع غنائي أحد سواي. جسدي لهيب يسيح فوق الأرض، عقلي حقيبة أوجاع متنقلة. أمشي على هدي الخريطة، أبحث عن فرحي التائه مثلي.
عيناي ملتصقان بواجهات المحلات والمتاجر أو تحملقان في السماء بحثا عن فرح لا أعرفه، قد يكون غيمة معلقة في السماء، سحابة صيف عابرة أو طيف قوس قزح. كنت غارقا في الرّحيل، أتمثل فرحي المنتظر، ربما يكون فرحي مجرّد وَهم ساكن في أبراج الحنين. كنت أجري مثل طفل صغير يطارد الأحلام، تائه في حيرة من أمري، أجمع ما تسّاقط من أوراق خريفي. لم أكن أحمل معي غير جمجمتي فوق رأسي، ومع ذلك، كنت أحسّ بالأثقال تهد كتفيّ، تتثاقل خطواتي، كلما ضاعت الطريق من قدمي، وكنت أعرف أن حدس أمي رحمها الله لن يخطئ، كانت تقول لي دائما في إصرار: لا تحزن يا ولدي، فرحك ينتظرك...!!
كان همّي يزداد، وتتعدّد المسالك أمام قدميّ، حين تشتبك خطواتي في الطرقات، وفي زحمة الأحداث، تتزاحم الفوضى في رأسي، وأخاف أن تضيع مني ملامحي. كنت أستحضر ما قرأته في الكتب، فلا أجده ينفعني. وحدث أن وصل هاتف من أمي إلى أذني، وقد بدأت رياح اليأس تهزني، كان صوتها، كما عهدته، يخاطبني: لا تيأس يا ولدي، سيأتيك فرحك. خذ الطريق الذي يثق فيه عقلك ويرتاح إليه قلبك..!!
استجمعت عزيمتي وقوّتي، استحضرت شتات ذهني، وبدأت أتلمّس جدران عقلي، وإذا بالطريق ينبسط أمامي. كنت مصرًّا على المسير، لأنني سئمت من الوقوف ومن عسر الانتظار، ولم يكن الرجوع ممكنا، ولو خطوة واحدة إلى الوراء. كان سراب الوهم يختلط عليّ مع الحقيقة من حين لآخر وأنا وسط الطريق، يملأ مرآي وممشاي، ويتمدّد ظلي أمامي. طردت عماي، وتابعت رحلتي مقتفيا أثر فرحتي، وأنا أردّد أغنية طريق كنت قد حفظتها منذ طفولتي عن ظهر قلب، وألفت سماعها من حنجرتي في الطريق.
كنت لا أختلف عن طفل صغير يجتهد في لملمة معالم فرح وعدته به أمه، انتظرته في شبابي، لم ألتقه في طريقي، ولا حصل في كهولتي، ورغم ذلك كله لم أيأس، ومن يدري، قد ألتقيه يوما في شيخوختي. كان الناس الواقفين على جنبات الطرقات وأنا أمرّ أمامهم، منبهرين بما يرونه مني، ويصدقون ما يرون، أما أنا، فقد كنت أعرف حقيقة أمري، ولكن كان خوفي الأكبر أن يصيبني الوهن قبل الوصول إلى مبتغاي. وصدفة، وجدتني ألتقي بصديقي عامر، ابتسم في وجهي، تظاهرت من جهتي بالفرح ضدا في الوجع الساكن في داخلي.
ألقى عليّ التحية، رددت بأحسن منها، قال لي: أراك فرحا هذه المرة على غير عادتك.
قلت له، وعيناي تبحلقان في السماء بحثا عن فرح منتظر: لا زال البحث جاريا، أما ما تراه على وجهي من ابتسامة، هو مجرد قناع أكمل به الرحلة يا صاحبي...!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا