الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيولُ ربيع الشمال: 9

دلور ميقري

2023 / 5 / 27
الادب والفن


حاجته الجسدية لماهو، كانت ماسّة بعد نحو أسبوعٍ من الحرمان. لكنه حين أغفى وهو يستعيدُ تقاسيمَ جَسَدِها، حلم بفتاة رمو. صادفها على طريق النهر، مغلّفة قليلاً بالضباب، وكان عُريها قد جعلها أكثر ضخامة مما هيَ عليه في الواقع. بقيت تمشي أمامه، كهضبة متنقلة، كمعبد فرعونيّ جرى نقله إلى مكانٍ آمن كيلا يُغرقه طوفان النيل. لكنه لم يرَ الهضبة ولا المعبد، بل كانَ نظرُهُ معلّقاً بردفيها، المهتزين بشدّة مع كل خطوة. أدركَ أنه من المحال نيلها بآلة آدمية مألوفة، ولا محيصَ عن استعمال أداة أميلي الكهربائية؛ إنما من القياس المُستعمل من لدُن نساء الجبابرة. حزنَ لحال الصديق، الذي لن تكون معاناته أقل وطأة من ألمه بسبب قبحه. كأنما نقلت إليها الريحُ تلك الأفكار، فما لبثت أن التفتت: " حقاً، إن القِبْلَ واسعٌ كبوابة المعبد. لكنك تسعى إلى دبري، الأضيق من خَرْق النبال ".
النهارُ المُتسلل خِلَل النافذة المفتقدة للستارة، كانَ يلوحُ رائعاً ويدعوه للخروج إلى الطبيعة. لكنه استعادَ قبل كل شيءٍ، حلمَهُ الإيروسي، كي يقصّه فيما بعد على مسمع نورو، المولّع بالفضائح. فطورٌ متعجّل، كغداء رجال الأعمال. والخميرة الفاسدة، يظنّ أنه من هؤلاء الأخيرين: " أحرصُ في كل سفرةٍ إلى بيروت أن أمر على القاهرة، يومين ترانزيت، لكي أستلقي في حمّام البخار بالفندق بينما إحداهن تدلّك جسدي ". من العار تشبيهه بالهضبة أو المعبد، كذلك لن ينسى الثورُ الإهانةَ الملتصقة باسمه. إذاً، سنكنّيه منذ الآنَ بالخميرة الفاسدة.
" لا تشتهِ امرأةَ قريبك؛ لكنني اشتهيتُ بالحلم فتاةَ رمّو، وهوَ كان يشتهي فتاتي بالواقع. بيدَ أنني نسيتُ الفتاةَ القاصر، بمجرّد حفظي جيداً لتفاصيل الحلم البذيء. وجوليا، كيفَ تقضي وقتها مع تاجر المخدرات: هل يمدّها بالهيرويين مجاناً أم بسعر التكلفة؟ هل يقوّد عليها، سعياً لمزيدٍ من الدخل الهارب من الضرائب؟ رباه جوليا، الأجمل من آلهة رومانية؛ الأكثر أناقة من شوارع روما؛ الأفدح تهتكاً من عُري بطلات أفلام بازوليني: تعالي إليّ هذا المساء ـ بدلاً من الفتاة المعتوهة! ـ الملتصقة بمصيري مثلما يلتصقُ الحلزونُ بورق النبات ".
ذلك المونولوج، انسابَ داخلَ دارين وهوَ مستلقٍ تحت شجرة عملاقة في " حديقة الملك ". لعلنا قلنا، في مكانٍ آخر، أنها حديقة تستلتقي بدَورها على طول مجرى النهر، المُحاذي لمرسى السفن، بعبير أزاهيرها وتغريد طيورها. ثمة أيضاً، عند الحدّ الشمالي من الحديقة، يقبع الديسكو المُفضّل لثلة الأصدقاء، والمكّون من دورين. إنه قصرٌ قديم، شأنَ العمارات المحيطة به، ومنها إحدى الكليات الجامعية. بحرة واسعة، بيضوية الشكل أو تظهر مستطيلة أحياناً، كانت ترتسم على مياهها ظلالُ الأشجار، المتناسقة بانتظام بأسفل مبنى الديسكو، علاوةً على خطوط سباحة البط والإوز. على الهضبة المُشجّرة، يسود بالطبع القصرُ الملكيّ المهيب على المكان بأسره. ولكن أية أسرة ملكية أقامت ثمة، وفي أي عصر؟ إن دارين يكاد لا يذكر شيئاً من التاريخ السويديّ، الذي قرأه في المرحلة الأخيرة من دراسته. أما تاريخ الرومان، أما تاريخ أسلاف جوليا، فإنه انبثقَ من ذاكرته بكل حيوية غبّ تعرفه على تلك السليلة الجميلة: جوليا دومنا، القيصرة من الأسرة الأولى، المنتمية لفرع أصله من حمص السورية؛ أسرة، أفنى أعضاؤها بعضهم البعض في صراع على العرش أو مجاناً.. جوليا دروسيلا، شقيقة القيصر كاليغولا ( وقيل أنها كانت عشيقته )، وكانا قد بقيا الوحيدين أحياء من أسرتهما البالغة ستة أفراد، قتلهم الواحد بأثر الآخر، جدّهم المُوسوس، الامبراطور تيبيريوس، انتقاماً من والدتهم ذات النفوذ الهائل في روما؛ جوليا دروسيلا، التي حاولت لاحقاً كبحَ جماح جنون شقيقها وميله إلى سفك الدماء، انتقاماً من أشباح الماضي لا خشيةَ مؤامرة مُحتملة..الخ. جوليتان، رممهما هناك في مراقد مجهولة. وثمة جوليا، في الكوريدور، كانت بالأمس ترقدُ عاريةً ليلاً تحت عينيّ المُحب، المُتلصص.
المساءُ حلّ أخيراً، وهوَ ذا يسرّع خطاه إلى المسكن، ماراً تحت الظلال الوردية للكاتدرائية العظمى. الرطوبةُ تتغلغل في مشامه، ولن تتأخر عن التغلغل ثمة، رطوبةُ ما بين العمودين الرخاميين الذين من لحم ودم. الشارع الكبير ( ستور غاتان )، ما لبثَ أن استقبله بصف البوبات ( المقاصف ) إلى اليسار، التي يحمل كل منها اسمَ مدينة سويدية؛ بحسب الطلبة المنحدرين منها. وإلى اليمين، يقبع كالقنفذ متجرُ صاحبنا، الخميرة الفاسدة، وكان دارين قد امتنع تماماً عن الذهاب إليه كما علمنا. أخيراً في نهاية الشارع، الكوريدور، الجاثم ثمة ـ كأبي هول الأحاجي والأسرار والألغاز والنبوءات والفضائح.. وخصوصاً الفضائح!
بعد نحو ساعة، قضاياها على السرير في أوضاع غير محتشمة، هاهما يأخذان الدربَ الإسفلتيّ المُترب، الموازي للنهر، وصولاً إلى لوتهاغن. تذكّر دارين عندئذٍ تفاصيل الحلم، لكنه لم يشأ البوح بها لماهو. ما عتمَ مخيمُ العربات المشدودة بالسيارات، أن لاحَ وقد احتلّ ساحةً كبيرة ثمة، وكانت مضاءة بشكل كابوسيّ بأعمدة نور هائلة الارتفاع. عربة صديقته، المحمولة على العجلات، كانت عبارة عن حجرة مربعة مع زاوية تستخدم كمطبخ، تصدّرها سريرٌ فاره. فما لبثا أن ارتميا على السرير، لمواصلة نوبات جماع لم يكملاها؛ نوبات، تمتّ ولا ريب للعصر الوسيط، أينَ عاشت الجواري الفارسيات، المتغنيات بأشعار الفردوسي وحافظ وسعدي وعمر الخيام.
الحمّام كان مشكلة، لأنه مشتركٌ بين العربات ويقع على طرف الساحة. ذهبت ماهو لتغتسل، بينما ظل صديقها ينتظرها في السرير. لما عادت، وجدته يغط بالنوم كطفل صغير. حدبت عليه عندئذٍ، متأملة تقاسيمه المتناسقة وكأنها تراه لأول مرة. بعد ذلك، نهضت بنشاط لإعداد العشاء. طبخت له طبقاً يؤثره، مكوناً من صلصة ناصعة كالفضة مع معكرونة قزمة وقطع صدر الدجاج. كذلك كانت تعلم كم يُحب الأرز على الطريقة الإيرانية، المبثوث فيه حبات الليمون الصغيرة، اليابسة. كافأ دارين جهودها على مائدة الطعام، بالقول: " لو لم تكوني معتوهة حقاً، لما تركتِ حجرتك في الكوريدور وجئتِ للسكنى في خم الدجاج هذا "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس