الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب في اوكرانيا مفترق طرق ( 4 )

آدم الحسن

2023 / 5 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


كان من الممكن تجنب الحرب الروسية الأوكرانية لو أن الولايات المتحدة الأمريكية و معها بعض من دول حلف الناتو و بالأخص بريطانيا لم تعطل تنفيذ اتفاقية مينسك التي كانت هي الحل الوحيد لمعالجة قضية الأوكرانيين من القومية الروسية بطريقة سلمية بموجب مبدأ حق تقرير المصير , كذلك لو تعهد حلف الناتو قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا بعدم ضم أوكرانيا لهذا الحلف النووي و عدم التهديد بإحداث خلل خطير في التوازن الاستراتيجي بين الغرب و روسيا لما حصل كل هذا الدمار في أوكرانيا و هذه المأساة الإنسانية لشعبها , لكن ال " لو " لم تنجح و اصبحت روسيا بين خيارين لا ثالث لهما :
إما القبول بتفوق استراتيجي مستمر لصالح القطب الأمريكي الأوحد و إطالة أمد حقبة تفوق هذا القطب و إدامة هيمنته على العالم أو الدخول الى أوكرانيا عسكريا و منع تمدد حلف الناتو في الأراضي الأوكرانية و تحمل ما سيترتب على ذلك من عقوبات غربية قاسية و عشوائية عليها .
اختارت روسيا المواجهة و دخلت بعملية عسكرية محدودة الأهداف في أوكرانيا لإحداث تغيير يمنع انضمام أوكرانيا لحلف الناتو ليس في هذه المرحلة فقط بل في المستقبل ايضا و الدفاع عن حق سكان الدونباس بالعيش في ارضهم دون أن تتسلط عليهم بنادق كتائب النازيين الجدد ككتيبة اوزوف , هذا الخيار بالنسبة الى روسيا كان اقل الشرين ضررا بالنسبة لها , لذلك كانت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أمرا ليس فقط متوقعا بل أمرا مؤكدا و رد فعل على المخطط الناتوي .
بعض الآراء تحدثت من إن روسيا لم تعطي الحل السلمي الوقت الكافي , الأمر ليس كذلك إذ لم يكن بإمكان روسيا الانتظار لحين ما تتمكن اوكرانيا من السيطرة الكاملة على اقليم الدونباس و تهجير جميع سكان الإقليم الأصليين , و هم من القومية الروسية من ارضهم فقد كان القصف الأوكراني على الدونباس شغال و بكثافة عالية و قد تضطر اوكرانيا ايضا للتخلي المؤقت عن مطالبتها بجزيرة القرم من اجل الإسراع بتكامل الشروط الخاصة بالانضمام لحلف الناتو , لو أن روسيا قد انتظرت اكثر لكان الأوان قد فات ...!
شيئاً فشيئاً تحولت الحرب على الأرض الأوكرانية الى حرب هجينة , أي حرب بين روسيا و حكومة زيليتسكي التي اصبحت تقاتل بالوكالة نيابة عن حلف الناتو حيث اخذ الناتو يدير العمليات العسكرية من الخلف بكل طاقته الاستخباراتية و أقماره الصناعية و بتصعيد تدريجي لمستوى الدعم اللوجستي و تجهيز الجيش الأوكراني بالمعدات و الأليات العسكرية لغاية ما وصل الدعم الى الموافقة على تسليح اوكرانيا بطائرات F16 .
الرئيس الروسي بوتين أعلن اكثر من مرة و بكل حزم و وضوح إن روسيا لن تسمح بعد الآن لأمريكا أن تكون شرطي العالم , هذا هو الهدف الرئيس الأهم من دخول روسيا في مواجهة عسكرية مع الناتو في أوكرانيا .
الحرب في اوكرانيا جعلت العالم يقف عند مفترق طرق , لهذا المفترق ثلاثة اتجاهات رئيسية , تعتمد هذه الاتجاهات على نتائج المعارك الحربية الجارية حاليا بين روسيا و الناتو على الأرض الأوكرانية .
الحرب الروسية الأوكرانية كأي حرب اخرى ستكون لها نهاية , لا توجد حرب دون نهاية , هنالك ثلاثة احتمالات لطبيعة نهاية هذه الحرب :
الاحتمال الأول : خروج روسيا مهزومة من هذه الحرب بعد أن تتمكن القوات الأوكرانية المدعومة بشكل كبير من بعض دول حلف الناتو و على رأسهم امريكا و بريطانيا و بولندا , عندها ستحل الكارثة على حكومة الرئيس الروسي بوتين و ستحصل انتكاسة كبيرة للاتحاد الروسي قد تؤدي الى انهياره و تفككه الى دويلات متناحرة .
يحمل هذا الاحتمال مخاطر كبيرة على السلم و الاستقرار في العالم اذ من المحتمل توزع الترسانة النووية التي تتضمن بحدود ستة الاف رأس نووي بالإضافة الى البنى التكنولوجية لتطوير و تصنيع المزيد من الأسلحة النووية بين هذه الدويلات , هذا الأمر خطير للغاية و سوف لن تسمح بحصوله امريكا و حلفائها لذا فأن مخاطر انتشار السلاح النووي بشكل عشوائي يهدد حياة البشرية سيمنع من احتمالية الدفع باتجاه تحقيق هزيمة كبيرة و مذلة لروسيا , عندها ستسمح امريكا و معها دول الناتو لروسيا في هذا الوضع الجديد بلملمة جراحها و الجلوس على طاولة المفاوضات بشروط غير قاسية على روسيا و يمكن تحملها من قبل التيار المعتدل الروسي الذي يقوده الرئيس الروسي بوتين , لكن يبقى هنالك خطر كبير أخر و هو تحرك التيار القومي الروسي المتشدد بقيادة ميدفيدف أو غيره من المتشددين لاستلام السلطة في الاتحاد الروسي إذ من المحتمل جدا أن تتم عملية استلام المتشددين للسلطة بطريقة تسليم و استلام متفق عليها بين التيار المتشدد و التيار المعتدل , عندها ستنتقل الحرب الى مرحلة جديدة , من عملية عسكرية خاصة محدودة الأهداف الى حالة إعلان روسيا الحرب الشاملة على اوكرانيا يكون فيها استخدام الأسلحة النووية الروسية التكتيكية لضرب اهداف في أوكرانيا امرا واردا جدا , و القنابل التكتيكية التي تمتلكها روسيا لها قوة تدميرية منخفضة تعادل 3 - 5% من القوة التدميرية لقنبلة هورشيما ... ! التيار القومي الروسي المتشدد لن يقبل بالحلول الوسطى لذلك سيجد العالم نفسه عند حافة الجحيم النووي كما حصل في أزمة الكاريبي بين الاتحاد السوفيتي السابق و الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي كندي حين اراد الرئيس الروسي خروتشوف نصب صواريخ نووية في كوبا حينها انتهت تلك الأزمة بسحب روسيا لأسطولها الحامل للصواريخ النووية و الذي كان متجه صوب كوبا مقابل سحب امريكا لصواريخها النووية من تركيا .
شروط التيار القومي الروسي المتشدد ستكون شاملة لا تخص الوضع في اوكرانيا فقط بل سيتعداها لتحقيق امن مشترك لكل الأطراف وفق مبدأ الأمن لا يتجزأ " امن لك مقابل أمن لي " و لن يتحقق امن شامل لأوربا اطلاقا دون رجوع حلف الناتو لحدوده في زمن الحرب الباردة و من الشروط الأخرى لهذا التيار الروسي المتشدد هو أن لا يكون الحكم في أوكرانيا مدعوم من قبل النازية الجديدة و أن لا تكون هنالك صواريخ نووية باتجاه المدن الروسية و منها العاصمة الروسية موسكو خارج نطاق الاتفاقيات الموقعة سابقا بين روسيا و امريكا .
قد يوسع التيار القومي الروسي المتشدد عملياته العسكرية لتمتد الى مولدافيا و جورجيا كي يضمن عدم تقدم الترسانة النووية الأمريكية باتجاه الأراضي الروسية من جهات اخرى و ذلك من خلال منع هاتين الدولتين من الانضمام الى حلف الناتو .
مولدافيا و جورجيا هما من الجمهوريات السوفيتية السابقة و عدد سكانهما محدود و فيها اقاليم انفصالية سكانها من القومية الروسية , اقليم ترانسنيستريا في مولدافيا و اقليمي ابخازيا و اسيتيا الجنوبية في جورجيا .
الاحتمال الثاني : خروج الجيش الأوكراني من هذه الحرب مهزوما و هذا سيؤدي الى تفكك اوكرانيا و تقسيمها الى اجزاء تحصل دول الجوار الأوكراني على حصصها منها و ستكون حصة روسيا و بولندا هي أكبر الحصص , و يبقى وسط اوكرانيا و عاصمته كييف بيد سلطة هزيلة يتم الاعتراف بها و بحدودها من قبل روسيا و امريكا باعتبارها اوكرانيا الجديدة , لكن تفكك الجيش الأوكراني قد ينتج عنه حرب أهلية و هذا ليس في مصلحة روسيا و لا في مصلحة دول حلف الناتو , لذا من المتوقع أن تتوقف الحرب قبل الوصول لهذا الاحتمال .
الاحتمال الثالث : توقف الحرب دون هزيمة روسيا و لا هزيمة اوكرانيا حيث تدخل العلاقة بين روسيا و اوكرانيا حالة اللا حرب و اللا سلم , و هذا يتحقق من خلال الوسيط الصيني أو مجموعة وسطاء يشكلون لجنة وساطة مشتركة ذات تأثير مهم و قد تشترك في هذه اللجنة المشتركة : الصين , فرنسا , الهند , السعودية , جنوب افريقيا , مصر , تركيا , البرازيل .
هذا الاحتمال هو الأقرب للواقعية من الاحتمالين الأول و الثاني , و ليس غريبا أن نجد زيلينسكي و قد تحول موقفه الى موقف معتدل و واقعي و يعلن عن موافقته للرجوع لاتفاقية مينسك باعتبارها حلا عادلا و يعلن ايضا عن حيادية اوكرانية الدائمة مع بعض الضمانات لحفظ ما يتبقى من ماء وجهه ...!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل نجح الرهان الإسرائيلي في ترسيخ الانقسام الفلسطيني بتسهيل


.. التصعيد مستمر.. حزب الله يعلن إطلاق -عشرات- الصواريخ على موا




.. تركيا تعلن عزمها الانضمام إلى دعوى -الإبادة- ضد إسرائيل أمام


.. حراك الطلاب.. قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه أميركا بسبب إسرائ




.. لماذا يسعى أردوغان لتغيير الدستور؟ وهل تسمح له المعارضة؟