الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشكلة الغذاء فى مصر والعالم العربي

أحمد فاروق عباس

2023 / 5 / 28
الصناعة والزراعة


كنت أقوم خلال هذا الفصل الدراسي - الفصل الدراسى الثانى من العام الجامعى 2022 / 2023 - بتدريس مقرر " اقتصاديات العالم العربي " لطلاب الفرقة الرابعة بالكلية ..
وفكرت تماشيا مع المتغيرات الجديدة فى بلدنا مصر ، واستجابة للتطورات التى يمر بها الاقتصاد العالمى وليس الإقتصاد العربى فقط أن أختار شيئا عن مشاكل الغذاء فى العالم العربي ، وما يتصل بهذه الموضوع من موضوعات قريبة مثل الاقتصاد الزراعى ، واقتصاديات المياه ، والأمن الغذائي ، والسياسات الدولية في مجال الغذاء ..
لذا اخترت بعض الفصول من كتاب عالمة الاقتصاد البريطانية جين هاريجان ..
وهى أستاذ للاقتصاد فى جامعة لندن ، وعملت خبيرة اقتصادية فى بعض وزارات زراعة بعض الدول الإفريقية مثل ملاوى ، كما عملت مستشار فى بعض المنظمات الاقتصادية مثل منظمة الأغذية والزراعة وبنك التنمية الأفريقي ..
وقد درست باستفاضة أوضاع ومشاكل الغذاء فى العالم العربي ، وخلصت من دراستها بكتاب مهم صدر عام 2014 ..
وعنوان الكتاب The Political Economy of Arab Food Sovereignty
او : الاقتصاد السياسى للسيادة الغذائية فى العالم العربي ..
ونسخة من الكتاب صدرت باللغة العربية عام 2018 عن سلسلة عالم المعرفة في الكويت ..
اخترت أول أربعة فصول فقط من الكتاب لجعلها ضمن المقرر الدراسى عن الاقتصاد العربى ، فقد كان المقرر يحتوى على موضوعات اخرى مثل التكامل الاقتصادي العربي واقتصاديات البترول وغيرها ..
وكتاب عالمة الاقتصاد البريطانية يحتاج فى قراءته إلى عين يقظة ، لذا جعلت دراسته - مع الطلاب - دراسة ناقد وليس دراسة متلقى سلبى ، ليس له إلا الاستماع بلا تمييز أو رأى ..
وسوف اقوم بتلخيص أهم ما فى الكتاب والتعليق عليه ، لأهمية موضوعه الشديدة ، ولأنه - فعلا - موضوع الساعة فى مصر وفى العالم ..
شهد العالم عامى 2007 - 2008 أزمة غذاء عالمية طاحنة ، فقد ارتفعت أسعار القمح بدءا من مارس 2007 إلى مارس 2008 بنسبة 130% وتضاعفت أسعار الأرز ثلاث مرات تقريبا ، وجاءت الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 لتحد من إرتفاع أسعار الغذاء ، لكن قامت أزمة غذاء عالمية أخرى عامى 2010 - 2011 ، بدأت في يونيو 2010 ووصلت إلى ذروتها في فبراير 2011 !! تضاعفت خلال أقل من 12 شهر الأسعار العالمية للقمح والذرة ..
وقد توقعت كل من منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية والفاو أن إنتاج الغذاء على مستوى العالم سيحتاج إلى زيادة بنسبة 40% بحلول عام 2030 ، وبنسبة 70% بحلول عام 2050 لتلبية الطلب المتوقع ..
إن أسواق التصدير الحالية للأغذية الأساسية مثل الأرز والذرة والقمح وفول الصويا تتركز بدرجة عالية فى خمسة بلدان مصدرة هى : الارجنتين واستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ، حيث توفر هذه الدول 73% من الحبوب المتداولة عالميا ، وتمثل العلاقة مع أمريكا أهمية خاصة لأنها أكبر مصدر عالمى للذرة والقمح والأرز وثالث مصدر لفول الصويا ( بعد الأرجنتين والبرازيل ) ، وتعتمد الإمارات على إيران في الحصول على نسبة كبيرة من واردتها الغذائية ..
ينظر إلى الدول العربية على أنها واحدة من أكثر المناطق التى يحتمل أن تعانى من قصور الأمن الغذائي في العالم ، فهى أكثر مناطق العالم عجزا في الغذاء ، ومعظم البلاد العربية تستورد ما بين 25 - 50 % من احتياجاتها الغذائية ، وتتراوح نسبة واردات الحبوب من إجمالى الاستهلاك بين 40 - 50 % وتصل في بعض البلدان الآن ( مثل العراق واليمن ولبنان وفلسطين إلى 70 % ) ، وتمثل الواردات الغذائية أكبر حصة من المنتجات المستوردة فى البلاد العربية ، وتقدر بما بين 11 - 34 % من إجمالى السلع المستوردة ..
ويرجع العجز الكبير فى الغذاء فى المنطقة العربية إلى عوامل جانبى العرض والطلب ، بالإضافة الى عوامل طويلة الأجل ..
فمن عوامل جانب الطلب مثلا زيادة عدد السكان ، وقد شهدت بعض البلاد العربية بعضا من أسرع معدلات النمو السكانى فى العالم فى العقود الخمسة الماضية ، وبالإضافة إلى نمو السكان شهدت المنطقة نموا سريعا في الدخل بسبب البترول ، سواء في الدول البترولية أو الدول العربية الأخرى التى استفادت من هجرة أبناءها إلى دول البترول ، بالإضافة إلى تغير أنماط الاستهلاك ( التركيز على اللحوم ومنتجات الألبان ، حيث أن 30%من الحبوب فى العالم تذهب الآن لإطعام الحيوانات ) ..
وإنتاج اللحوم يحتاج إلى مساحة أرض تعادل 10 أمثال ما يحتاج إليه إنتاج السعرات الحرارية النباتية ، وإلى كمية فحم مجرى تحتاج إلى 11 مثلا ، وإلى كمية مياه رى تعادل 100 مثل ..
وفى الصين على سبيل المثال ارتفع نصيب الفرد من استهلاك اللحوم سنويا من 20 كجم عام 1985 إلى 50 كجم عام 2002
بالإضافة إلي أسباب أخرى لمشكلات الغذاء مثل تغير المناخ والكوارث الطبيعية ( الفيضانات والجفاف والمطر المفرط والعواصف والصقيع والبرد وحرائق الغابات ) واثرها على قطاع الزراعة وأسعار الغذاء ، فرض قيود على التصدير ، وحظر تصدير الحبوب ..
وقد كان لتغير المناخ أثره على المحاصيل ، مثل الفيضانات المدمرة فى باكستان وتايلاند وكندا واستراليا ، والجفاف في روسيا وأوكرانيا والأرجنتين ، وحرائق الغابات في روسيا ، فتايلاند وفيتنام تسيطران على أكثر من نصف تجارة الأرز العالمية ، وقد كان للفيضانات في تايلاند عام 2011 إثرها في الارتفاع الحاد في أسعار الأرز العالمية ، وقد انتشر الجفاف في روسيا عام 2010 مما أدى إلى حرائق مدمرة أثرت على محصول الحبوب السنوى ، وقد دمر أكثر من 10 مليون هكتار من الأراضى الزراعية ، إلى جانب 20 % من المحاصيل ، مما تسبب في فقدان 20 % من القمح المخصص للتصدير ، ما اضطر روسيا لمنع تصدير القمح فى أغسطس 2010 ..
وقد أدى كل ذلك إلى أزمة غذاء عالمية طاحنة خلال الفترة 2007 - 2010 أدت إلى إرتفاع شديد في أسعار الغذاء وتضخم كبير وعجز تجارى كبير في الدول المستوردة مثل مصر والسودان والجزائر وأغلب البلاد العربية ..
وبالنسبة للوقود الحيوى : فنظرا لارتفاع أسعار النفط بدأت بعض الدول الكبرى - خاصة أمريكا - في إستخدام المحاصيل فى إنتاج الوقود الحيوى ( الولايات المتحدة تستأثر بمفردها على 28% من الصادرات العالمية فى الحبوب ) ، وتقدم كل من أوربا وأمريكا دعما للمزارعين لإنتاج محاصيل الوقود الحيوى ، ففى أمريكا يجرى فى السنوات الأخيرة تحويل جزء كبير من محصول الذرة إلى الوقود الحيوى ..
وقد زاد إنتاج الذرة في الولايات المتحدة من 200 مليون طن عام1995 إلى 350 مليون طن عام 2010 ، فى الوقت الذى زاد فيه الإنتاج الكلى من الذرة المستخدم في إنتاج الايثانول من أقل من 5% إلى ما يزيد على 35% ، وبما أن أمريكا تستحوذ على ثلثى الصادرات العالمية من الذرة ، فإن استخدام الذرة في أمريكا فى الوقود الحيوى أدى إلى ارتفاع أسعارها بشدة فى الأسواق العالمية ..
وتنتهج البرازيل سياسة مماثلة ، حيث تكرس كميات متزايدة من فول الصويا وقصب السكر للوقود الحيوى ، في حين يستخدم إنتاج الوقود الحيوى فى أوربا نحو 7% من الإمدادات العالمية للزيوت النباتية ..
وقد كان نمو الدخل الحقيقي فى المنطقة العربية منذ عام 1970 كبيرا ، وفى عام 2011 بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في مصر أربعة أمثال ما كان عليه عام 1970 ، وكانت الزيادات شبيهة بذلك في أغلب الدول العربية غير البترولية ، وأدت زيادة السكان مع زيادة الدخل إلى التحول نحو اللحوم ومنتجات الألبان بالإضافة إلى زيادة الطلب على الحبوب وحبوب اعلاف الماشية ..
ولم تكن أزمة الغذاء الحالية أو أزمة 2007 - 2010 هى الأزمات الوحيدة فى مجال الغذاء فقد سبقتها أزمات أخرى أشهرها فى أوائل السبعينات ..
فقد شهد العالم أزمة غذاء عالمية كبرى أعوام 1972 - 1974 ، مما ذكر الدول العربية بضعفها أمام أسواق الغذاء العالمية ، وبين 72 - 1974 ارتفعت أسعار الأرز 220% ، والقمح 180% ، والذرة وفول الصويا ما بين 50 - 90 % ..
وبحلول أوائل السبعينات كانت أمريكا الشمالية المصدر الرئيسي للحبوب في العالم ، وقد دفعت الفوائض الدائمة في الحبوب وانخفاض الاسعار - وخاصة القمح - الولايات المتحدة ، ومعها كندا وأستراليا إلى خفض الإنتاج بمقدار الثلث أوائل السبعينات ..
هذه فكرى عامة - مركزة وسريعة - عن اقتصاديات الغذاء على المستوى العالمى ..
ويطرح سؤال هنا نفسه :
هل هناك علاقة للسياسة - أقصد سياسات الدول ومطالبها - بالغذاء ؟!
وهو ما سنحاول الإجابة عنه فى مرة قادمة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح