الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخية ومفصلية الانتخابات الرئاسية التركية (٣ )

توفيق التونجي

2023 / 5 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


السيد كمال قليچدار أوغلو ينتمي الى عائلة فقيرة لهذا يكرر دائما قائلا:

"أتعهد بألا ينام طفل وهو جائع في تركيا حين أصل لسدة الحكم." داعيا الى نشر المحبة في اشارة يؤديها بأيديه في خطاباته الى الشعب. هذا الحلم اختفى اليوم مع ظهور نتائج الغير نهائية من الجولة الثانية للانتخابات رئيس الجمهورية التركية والتي جرت 2023-05-28.
كنت قد كتبت في الحلقتين الماضيتين في (الحوار المتمدن) متابعاتي للانتخابات المفصلية والتاريخية في تركيا لما له من تاثير على دول الجوار والسياسة الدولية. واليوم وبعد انهاء الجولة الثانية من التصويت لانتخاب رئيس الجمهورية أحاول ان اعرض لكم، قارئي الكريم ما آل إليه من نتائج.

أذكركم بان حسب نتائج الجولة الأولى من التصويت لم يحصل فيها اي من المرشحين نسبة النصف و اكثر. مما أدى الى توجيه انتقادات الى السيد كمال قليچدار أوغلو حول فشله. خاصة من قبل رفاقه في الحزب وبدلا من تقوية مواقع الحزب والتحضير للجولة الثانية من التصويت تعالت الأصوات بالمطالبة بتنحيه من رئاسة حزب الشعب الجمهوري وأمور داخلية حزبية اخرى فيما يخص الصراع الحزبي و سياسة الحزب بالنسبة لمحاربة الإرهاب والتعاون مع القوى السياسية من الكورد و امور تنظيمية حزبية داخلية اخرى. الجدير بالذكر بان حزب الشعب الجمهوري قديم وكان لسنوات بمثل القوة السياسية الكبرى في تركيا منذ تأسيسها ولكن لم يتمكن الاستمرار بعد تنامي القوة السياسية التي اعتمدت على الفكر التراثي الديني الإسلامي وتعاونهم الاستراتيجي مع القوى اليمينية وعلى رأسها حزب الحركة القومي ذو التوجهات الفاشية. أي ان هذه ليست المرة الأولى لخسارة هذا الحزب أي حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات ونتائجها اليوم شبيه بما اولت عليها انتخابات 2018 ولا توجد أي فروق جذرية بين الأحزاب السياسية في تركيا خاصة في السياسة الداخلية وما يسمى محاربة الإرهاب وهناك تطابق كامل في الأمور السياسية الأساسية ما عدا حزب HDP ذو التوجهات الكوردية والمحظور وزعيمه السيد صلاح الدين دميرتاش معتقل بتهمة التعاون مع حزب العمال الكوردستاني المحظور.
بعيدا عن فكرة ان الانتخابات دوما يشوبها شبهات بالتزوير وأمور أخرى يخص بنزاهتها وفي جميع دول العالم دون استثناء ناهيك عن دور الدول الأخرى في التأثير بصورة وبأخرى على نتائج الانتخابات انطلاقا من مصالحها.

بعد الخسارة التي مني بها مرشح تحالف الأمة المعارض السيد كمال قليچدار أوغلو وكما كان متوقعا لها مقابل فوز السيد رجب طيب اردوغان بنسبة تعادل حوالي 52,1 %، بعد فرز 99 % من الاصوات . قد تتغير هذه النسبة في النتيجة النهائية قليلا بعد الانتهاء من فرز الأصوات خارج تركيا والنقاط الحدودية لكنها لا تقل من النصف زائد واحد، في الجولة الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية في تركيا. السنوات القادمة ورغم سيطرة حزبه على مفاصل الدولة وبإتلافه مع حزب الحركة القومية في البرلمان يمثل قوة كبيرة لا ياستهان بها في السياسة التركية.
لكن السنوات الماضية لم يجلب حزبه الى المواطن العادي الكثير فالحالة الاقتصادية لتركيا في ضعف مستمر وتهاوي للعملة الوطنية ونسبة التضخم الكبيرة وقد بعث بقواته العسكرية الى خارج تركيا و لمناطق النزاع في العديد من الدول العربية واحتل أراضي في العراق و سوريا. كما انه يتبع سياسة التدخل والهيمنة وفرض الراي على العديد من الدول. ويتبع كذلك سياسة معادية للغرب بصورة عامة وبصورة خاصة للاتحاد الأوربي ولحف ناتو رافضا انضمام السويد الى الحلف من ناحية ومن ناحية أخرى بتعاونه مع روسيا في المجال السياسي والعسكري. داخليا لم يأتي سياسة محاربة الإرهاب بنتائج جذرية ولا يزال دماء مواطني تركيا تسيل هنا وهناك. حيث ان المسالة الكوردية وعدم حلها بالطرق الديمقراطية والسلمية الحوارية تضلل على مجمل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية لتركيا منذ تأسيس الدولة التركية الحديثة عام ١٩٢٣ وقد سميتها في سلسلة من الكتابات ب" قضية العصر" اما قمع الحريات العامة وخاصة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016 وزج الآلاف من المواطنين من مدنين والمثقفين والعسكريين في غياب السجون والمعتقلات بحجة مناصرة الانقلابين الذي اتهم فيه أنصار المعارض والداعية الإسلامية ) فتح الله كولن ( الملتجئ الى الولايات المتحدة الأمريكية ، بنسلفانيا بتدبير وتنفيذ الانقلاب.
من المتوقع ان سنوات الخمس القادمات ستكون مفصلية في تاريخ دولة تركيا الحديثة على الأقل من الناحية الاقتصادية والتنمية الاقتصادية ومن ناحية السياسية الداخلية وربما الجغرافية السياسية. لان الحكومة ستكون تحت هيمنة القوى القومية السلبية. باعتقادي بان السيد اردوغان لن يكون بوسعه الاستمرار على السير في نفس منهجه السياسي و كما كان يسير عليها منذ 2014 خاصة سياسته العربية وتدخلاته المباشرة في الشؤون الداخلية لدولها وصولا الى هيمنه الفكر السياسي المشابه لفكر حزبه ( حزب العدالة والتنمية) في كافة الدول العربية وما يسمى ب (الأجندة الاخوانية) وإعادة أمجاد الخلافة الإسلامية بقيادة تركية كسابقتها "الدولة العثمانية". وقد أقر استفتاء أُجري عام 2017 مقترح السيد أردوغان بتوسيع سلطات الرئاسة وجعل منصب رئيس الدولة كذلك رئيسا للحكومة وإلغاء منصب رئيس الوزراء. وبذلك سيطر لوحده على مقاليد الحكم باكملة كما يعرف في العرف السياسية ب (دكتاتور)، وحده يرسم السياسات المتعلقة بالاقتصاد والأمن والشؤون الداخلية والدولية.
لا ريب ان السياسة التي يتبعها اليوم في النظام الرئاسي التركي وصلاحياته الواسعة حول الحكومة بأكملها الى آلة بيده وجمد اوصالها. فهو بوحدة من يقرر في البلاد وقوله تحول الى قانون خذ مثلا من السياسة الدولية فهو دون ان يلجئ حتى الى البرلمان صرح عدم قبول عضوية مملكة السويد في حلف ناتو دون اللجوء الى البرلمان حسب ما ينص عليه قوانين ناتو في قبول الأعضاء الجدد أي ان برلمانات الدول الأعضاء عليها قبول العضو الجديد. هذه السياسة شل عمل البرلمان والنظام الديمقراطي ومؤسساتها بالكامل. يسميها النظام ومناصروه بالدعاية السوداء القادمة من خارج تركيا. ولا يعتبرون كل ذلك إخلالا بالنظام الديمقراطي.
الجدير بالذكر ان جذور هذا الحزب قديمة جدا في تركيا وكانت دوما تعادي السياسة العلمانية التي انتهجها مؤسس تركيا مصطفى كمال أتاتورك وذلك بسن قوانين مشابهة لتلك الغربية "قوانين روما" وفصل الدين عن السياسة. حيث ان "حزب السلامة" ومن ثم الفضيلة الذي كان يتزعمها عراب الحزب المرحوم (السيد نجم الدين اربكان ) كان دوما يتفاخر في السبعينيات بمليون عضو في حزبه. كما ان المصالح الدولية والمحلية في تغيرات مستمرة.وربما سيتوجه وبقوة وبشراسة وبتطرف في معاداته للغرب وخاصة باتجاه الاتحاد الأوربي مع التوجه الى روسيا من كافة الجوانب واستخدام مسالة ألاجئين كسلاح و رأس الحربة في سياسته الأوربية واستخدامهم كاداة للضغط والابتزاز. هذا بعد ان تعدى السوريين منهم فقط حوالي الأربعة ملايين وحسب السيد كمال قليچدار أوغلو العشر ملايين ( اعتقد الرقم مبالغ فيه ويشمل جميع ألاجئين وليس فقط السوريين منهم
اما الوضع الجديد لحزبه في ظل البرلمان الجديد ضعيف برلمانيا واعتماده على القوى القومية من ناحية ومن ناحية أخرى لتبلور المعارضة ووحدته وقوته داخل البرلمان التركي الجديد, سياتي بالجديد في السياسة التركية. الأيام القادمة حبلى بتغيرات في المنطقة بشكل عام وربما سيبدأ العد التنازلي للوجود العسكري التركي في سوريا وربما خارطة طريق وخطط لإعادة جميع المهاجرين بالتدريج بعد تامين مساكن لهم وخلال الخمسة سنوات القادمة وبالتعاون مع سوريا، ايران و روسيا طبعا .
اعتقد بان الأمر سيكون على شكل عودة طوعية على الأقل في البدا وبتأثير مباشر من القوى القومية المؤثرة. ولن يكون هناك اي أمل بالسلام مع الكورد في المنظور القريب على الأقل ومن المؤكد بان العمليات العسكرية ستزداد شدتها خاصة في سوريا والعراق وبدرجة اقل في ليبيا والدول الأخرى. يجب ان لا ننسى بان الجيش التركي يعتبر احد اكبر الجيوش في المنطقة والثاني من حيث العدد بين دول الناتو. وبذلك سيبقى الملف الكوردي مغلقا حتى إشعار أخر وربما تكون هناك مفاجئات وتغيرات في خارطة الشرق الأوسط, من يدري ما يحمل القدر.

كان امير القطر اول المهنئين لفوز السيد اردوغان ونحن نتمنى مرة اخرى لهذا البلد الجار ولشعبه ان تكون هذه الانتخابات فاتحة خير عليهم وعلى جميع دول الشرق ويعيد السلام والاستقرار لدولها والاطمئنان الى شعوبها بعيدا عن الحكم الدكتاتوري و مغامرات العسكر والقوى القومية والطائفية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجة السودانية والسعودية مع اوسا وفهد سال ??????????


.. جديد.. رغدة تتحدث عن علاقتها برضا الوهابي ????




.. الصفدي: لن نكون ساحة للصراع بين إيران وإسرائيل.. لماذا الإصر


.. فرصة أخيرة قبل اجتياح رفح.. إسرائيل تبلغ مصر حول صفقة مع حما




.. لبنان..سباق بين التهدئة والتصعيد ووزير الخارجية الفرنسي يبحث