الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


*مدرسة الحياة*

لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)

2023 / 5 / 29
الادب والفن


(1*) مقطع من مقاطع -الجزء الثاني- للملحمة الشعرية ( مش-بهلول في باديتي) سردية تعبيرية من طفولة :لخضر خلفاوي)
—-

*كتب:لخضر خلفاوي*
—-
كنتُ أُعَلِّمُهُ العدّ و الحساب
و ملّكتُ يمينه ما ملكت يميني
حزمة من الخُشيبات
التي صنعتها من قصب
السكّر ..
أرهقته بخُشيباتي
ما يلبث أن ينتهي من العدّ
حتى تذوب الخشيبات !
و يدركنا يوم الغدّ دون أمّنا..
يضيع العد كما تضيع في عجالة
حلاوة السكّر!
***
كانت جارتنا "حسينة"
تُحبني كثيرا
ربما حدّ الهوس
رغم يتمي
رغم عريي
رغم جوعي لأمي
و عطشي
للقصاص من الدّنيا
فكلما اختلت بي و نحن نلعب
الغُّميضة
أو نُمارس بكل مواراة بعض الشيء
لعبتنا المفضلة
كنّا نحبّ تكرار لعبة "ليلة العرس"
التي تبدأ بالقُبل
البدائية البريئة
و بها شغف الأطفال
و تنتهي بالزفاف
و دخول العريس
على عروسه !
كانت عذريتنا أعظم
و أمتن
و أقوى
من أن تُفضّ بمعاول
فضولنا الصّبياني
لكنّ لا ندري من زرع فينا
بذرة حب اختراق الواحد منا للآخر
و أنّ بالاختراق
نقتل فتنة البعاد و الفراق
و الحرمان !
**
يبدأ العد التنازلي
لانتعاش هشاشة عذريتنا
عند نمو جدار الفصل المجتمعي
العرفي بيننا..
كلّما استفحل سُلُوك
تنفير الآخر من الآخر
تشويه الأنا بالأنا
كلمّا ابتعدنا كل يوم عن طفولتنا
باتجاه عالم الكبار ..
كل الأشياء التي تكبر
فيها إشكالية أكبر !
يُصلحُ اليوم الذي مضى و نعرفه
خير من مجاهيل الغدّ
نكبر بكل شجع و مكر و بكل العقد
و يختلط الحساب
حتى تُصبح هذه العذرية
على شفة حفرة من التدمير الشامل !
كأنها فقاعة صابون نحميها طول
حياة العُذرية
من هبوب نسمة الفكر المُبيح
الفاقعة !
***
كانت في أغلب خلواتنا
ترمي رمي الرماة
بشفتيها
شفتي
تُقبّلني بحرارة العاشقات
البالغات المتمرّسات
لم أكن أدري وقتها أن الفقر
و الحزن
و القهر يصنعون من بؤسائهم
عُشّاقا من طراز ماجوسي
تضطرم في سنّ متقدمة
داخل قلوبهم و نفوسهم
نيران العشق الأبدي
الحزن أطلق عليهم تعويذات
اللعنة بالعشق الذي لا يتعب
من التعب !
وباء محتوم يداوي كالترياق
القلوب المقهورة المكسورة
في مفترق الطرقات !.
***
كنتُ أملّك شماله ملكَ شمالي
صرة القُريصات الملوّنة
كنت حريصا ألا يخطئ أخي
في الحساب …
أخي عادل كان يرى النجوم قبل
أن تُولد…
و يحبّ قطفها ليعلّق عليه أُمنياته!
كنتُ ظله اللصيق الراعي
و كنتُ أقول له و أنا أنظر إلى
سُرَّتهِ المنكشفة و هو يحاول
أن يُبهرني بحيويته
ليتسلّق شجرتنا في الباحة
و يقطف لي تينة خضراء لم يدركها
بعد موسم القطف :
-العادل لا يجب عليه تضييع
الحِساب!
و هكذا كنتُ أحدث نفسي
و أنا أتأمّله في حركاته ..
-آه لو تعلم مغبة الحساب يا ابن أُمّي
و نحن نأتي إلى هذا العالم
يحاسبنا الأولياء
و في الكُتّاب و المدارس
يحاسبنا المعلمون
كذلك الجهلة و الأمّيون
و الذين لا أبا و لا أمّا لهم
و في الشارع يحاسبنا الناس
و الجيران
و لما نبلغ سن التكليف
(يسمونه سن الرشد )
***
-محكوم علينا مذ الولادة
الانطلاق من القاع إلى القاع
القمم هي مجرّد أوهام افتراه 
سُلوكُ - التّقاعع-
مهمّة النجاة من القاع جد صعبة
و أحيانا شبه مستحيلة!
يحاسبنا في الدنيا المجتمع
و المتفرّق أيضا ..
تُحاسبنا الحماقات
كما تحاسبنا الحكمة أيضا
و الدّين
و تُحاسبنا الأعراف
و تحاسبنا مؤسسات الدولة
و تحاسبنا القوانين الوضعية
و القوانين السماوية
و لما نغفو و نسترخي
و ننام تحاسبنا
الكوابيس
و لما نستيقظ
تُحاسبنا يقظة بشكل مستمر
الحياة الدّنيا
يعني ذلك يحاسبك بشكل مطلق
البغاء شخصيا .
نحنُ المَبغَيّ عليهم !
***
كل يوم تبزغ فيه شمس
إلا و حاسبتنا بكروبها
و نعيش هكذا بين حساب و حساب
و نضيع بين زحمة الحساب
في انتظار حساب الله !
كنتُ أقول له مازحا :
ففي الحساب عقاب
يا أهل "دوار المشطاب"!
كان يضحك من حماقات قولي !
ضحكته كانت تسعدني ..
تطمئنني ..
بأنه ليس سجين غيبوبة حزن!
**
أخي ..
الذي تبَنّيته ليلة تطليق أُمّي
و أنا طفلا
تعلّم عدّ دموعنا الحارقات
بعد عزلنا عن الوالدة !
ثمّ انتهت العدة ،
عدّة أُمّي ..
و ما انتهى "عادل" في
عدّ الكدمات التي تصيب
قلبه على قلبي
عند كل صباح عندما يستيقظ
و لا يجد نفسه في حجرها ..
ما انتهت عدّتنا نحن في إحصاء
تسونامي الوجع
عند كل نبض
فيه لغياب أمّنا ألف
ممات
و ممات ..
***
عندما تقدمنا في العمر
استحالت خشيباته إلى
أشجار أوكالِبْتوس العملاقة
و أشجار السرو …
كنا نجري بينها، نتخَفّى
و نتسابق و نلعب
على ضفاف
الوادي
و أنا أقول له و أُشهده:
يا أخي ( الخُشيبات) كَبُرت..
كذلك الحساب .. يا ابن أُمّي !..
أردت أن امتحن قدرته على الحساب
مرة أخرى :
-كم لبثنا في حياة اليتم يا ابن أُمٍّ… !؟
فكّر قليلا و انقشعت اشراقات اللعب التي
كنّا عليها ..
قطعَ غُصن شجرة سرو مرسوس الأوراق
طأطأ الرأس و هو يحاول فركها…
رمى الغُصن ماء الوادي و هو متكدّر الوجه
تباعد الغُصن يسبحُ في الاتجاه المعاكس …
و علقَت الإجابة في حلقه …
- قرناً أو بعض قرن، لا أدري !
يا فيصل ! لا ترهقني بسُؤْلَكَ ..
اسأل " القرون الأولى"!
و لا تسأل القرية الظالم أهلها !
-معكَ حقّ يا عادل .. معك حقّ!
الحساب كَبُرَ كثيرا ..
و نِصال الفقد و الوجع
خُشباً مُسنّدة !.
و هذي قريتنا
يخشاها المُرسلون .
—-
*) كاتب، مفكر ، مترجم، تشكيلي ، مصوّر فوتوغرافي ، إعلامي و مدير نشر-تحرير صحيفة ( الفيصل)- باريس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط


.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش




.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح