الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


امتحان لجدية الدولة الأردنية في الالتزام بحقوق الإنسان

باتر محمد علي وردم

2006 / 10 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


مع إختيار الأردن عضوا في لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، يبدو أن الحكومة تواجه أخيرا ساعة الحقيقة فيما يتعلق باستحقاق تشريعي أخلاقي ودولي يتعلق بالمصادقة على الاتفاقيات الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان عبر تمريرها في قنواتها الدستورية الوطنية واعتبارها تشريعات وطنية قابلة للتطبيق.

خلال السنوات الماضية كررت منظمات حماية حقوق الإنسان ومنظمات تعزيز الديمقراطية في المجتمع المدني الأردني مطالبة الحكومة بطرح هذه الاتفاقيات أمام مجلس النواب للمصادقة عليها. وإذا كان الزخم في النقاش الوطني حول هذه المسألة قد ارتفع في بعد المسؤولية الجديدة التي يتحملها الأردن في لجنة حقوق الإنسان، فإن الخيار الديمقراطي الذاتي كان يتطلب أن تبادر الحكومة وفقا لقناعات ناضجة بتمرير هذه الاتفاقيات في قنواتها الدستورية لتعزيز مسيرة حقوق الإنسان في الأردن وتقوية المنظومة التشريعية الوطنية بمبادئ الاتفاقيات الدولية. وعلى كل حال فقد بررت الحكومة في تقريرها الثالث والرابع معا للأمم المتحدة بتاريخ 27/10/2005 عدم المصادقة على الاتفاقيات بترتيبها المتأخر على جدول أولويات مجلس النواب في مناقشاته لمشاريع القوانين المدرجة على جدول أعماله.

وبما أن اختلاف الوسائل لا يفسد الود حول الهدف النهائي وهو المصادقة الفعلية لا الشكلية على هذه الاتفاقيات، فإن الدولة مطالبة الآن بالتعامل جديا مع هذه الاتفاقيات واستحقاق المصادقة النيابية. وفي الواقع فإن هذا المطلب كما اسلفنا ليس حديثا وقد تم ذكره في الأجندة الوطنية وفي كل تقارير المركز الوطني لحقوق الإنسان ومعظم تقارير المنظمات المحلية والعربية والدولية.

ولكن الموضوع سقط، وبطريقة غير متوقعة من توصيات وثيقة "كلنا الأردن" والتي يفترض أن تشكل "إجماعا وطنيا" حول أولويات الإصلاحات السياسية والاقتصادية. وبالرغم من أن بندا واضحا في الورقة الأولية التي تم إعدادها للنقاش في جلسة حقوق الإنسان تضمن ذكرا واضحا لأهمية "التقيد بالتزامات المملكة بالمواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بالمرأة والتي صادق عليها الأردن، وتمريرها بكافة المراحل الدستورية ليتسنى نشرها بالجريدة الرسمية".

والغريب في الأمر أن جلسة حقوق الإنسان في الملتقى قد شهدت نقاشا حول المصادقة على الاتفاقيات، حيث طالب بعض المشاركين بأهمة وجود توصية واضحة بتصديق الاتفاقيات الدولية دستوريا، وتم مناقشة الموضوع بناء على نظريتين.
النظرية الأولى أفادت بأن هذه التشريعات ليس بالضرورة أن تمر عبر مجلس النواب لأنها لا ترتبط بالمادة الدستورية التي تحدد الاتفاقيات الدولية التي تعرض على المجلس بأنها تتضمن التزامات مالية على الأردن. وقد اشار أصحاب هذه النظرية إلى القلق من عدم قيام المجلس بالموافقة على هذه الاتفاقيات في ظل تركيبة اجتماعية وثقافية محافظة في هذا المجلس تتعارض مع المبادئ التي تتضمنها الاتفاقيات. أما الجانب الآخر من التحليل فأكد بأن الاتفاقيات يجب أن تمر بالمجلس لأسباب دستورية وأخرى لها علاقة بأهمية عدم تجاوز دور المجلس وعدم إضعاف القدرة التشريعية التطبيقية لهذه الاتفاقيات إذا لم يتم مناقشتها والمصادقة عليها نيابيا.
لتحديد الأمور لا بد من التركيز على الاتفاقيات الأساسية، فقد وقع الأردن فعليا على 16 اتفاقية ومعاهدة لحقوق الإنسان، ولكن الاتفاقيات الرئيسية هي:
1- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
2- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية
3- الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري
4- الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو)
5- اتفاقية حقوق الطفل
6- الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب

هذه المنظومة من الاتفاقيات تشكل أساس مبادئ حقوق الإنسان في العالم، واية دولة جادة في تطبيق حقوق الإنسان والالتزام بالمعايير الدولية لا بد لها من تضمين هذه الاتفاقيات ضمن التشريعات الوطنية. وفي هذا السياق يواجه الأردن مشكلة أخرى هي تحفظ الحكومة على العديد من المواد في هذه الاتفاقيات. وهو تحفظ يعود إلى حوالي 20 سنة في بعض الأحيان وقد تجاوزته القوانين الأردنية نفسها بعد تحديثها.

بالنسبة لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة فقد تحفظت الحكومة على المادة (9/2) والمادة (15/4) المتعلقتان بمنح المرأة حقا متساويا مع الرجل في ما يتعلق بجنسية الأطفال وفيما يتعلق بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل السكن والإقامة، بالإضافة إلى المادة (16/1) المتعلقة بحقوق المرأة في المسائل المتعلقة بالزواج.
وبالنسبة لاتفاقية حقوق الطفل فقد تحفظ الأردن على المواد (14، 20، 21) والمتعلقة بتبني الأطفال وحرية الطفل في الفكر والوجدان والمعتقد، وموضوع الرعاية البديلة للطفل. ومن الواضح أنه في كلتا الاتفاقيتين هناك تحفظات أردنية تصب في جوهر مبادئ الاتفاقية، مما يثير التساؤل حول الرغبة الجدية في المصادقة على الاتفاقية وتجاهل قضايا جوهرية فيها. ناهيك عن بعض التاشريعات الوطنية التي تتضمن إخلالا بمبدأ "عدم التمييز" ضد المرأة ومنها قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات.

وبالإضافة إلى التحفظات التي سجلها الأردن فهناك الكثير من الممارسات والقرارات التي تتناقض مع الاتفاقيات المذكورة. وعلى سبيل المثال فقد قررت الحكومة وضع مجموعة من الشروط لتقنين قبول الطلبة غير الأردنيين في المدارس الأردنية، ويعتقد بعض المحللين والمراقبين في مجال حقوق الإنسان أن هذا القرار يتناقض مع اتفاقية حقوق الطفل التي تنص على عدم التمييز في التعليم. كما أن اتفاقية مناهضة التعذيب تظهر على ساحة النقاش الداخلي في كل مرة يتم فيها إصدار تقرير من مراكز مراقبة حقوق الإنسان الدولية عن ممارسات التعذيب في السجون الأردنية.

من الواضح أن التوجه نحو تضمين الاتفاقيات في التشريعات الوطنية هو جزء متكامل مع منظومة الإصلاح السياسي والإداري في الأردن وتحتاج بالتالي إلى قرار واضح وصريح من الحكومة وتعهد بتقديم هذه الاتفاقيات إل مجلس النواب وبالتالي نقل المسؤولية إلى عاتق المجلس. ولكن في نفس الوقت فإن المجلس سوف يدخل الآن في دورته العادية الأخيرة وهو مثقل بأكثر من 20 مشروع قانون ومنها مشاريع قوانين مفصلية مثل الأحزاب والبلديات ومكافحة الفساد وضريبة الدخل والمطبوعات والنشر، وهي قوانين سوف تستنزف الكثير من جهد ووقت المجلس وفي أغلب التوقعات فإن الدورة العادية وحتى في حال وجود دورة استثنائية أخرى لن تتمكن من مناقشة الاتفاقيات الدولية.

وبطبيعة الحال لا يحتاج الأمر إلى الكثير من الذكاء لمعرفة أن أي انتخابات نيابية سوف تجري حسب قانون الصوت الواحد المعمول به حاليا ستكون نتيجتها برلمان محافظ قد يشعر بعدم توافق مع اتفاقيات حقوق الإنسان بل وتناقض معها في الكثير من المحاور الجوهرية مما يعني تقليص فسحة الأمل في قيام المجلس بتمرير هذه الاتفاقيات والمصادقة عليها.

من المهم في هذه المرحلة مواصلة تسليط الضوء إعلاميا وحقوقيا وسياسيا وفي كل المحافل والمنابر الممكنة على أهمية تضمين الاتفاقيات الدولية، وأن تمثل هذه المسألة واحدة من أهم أولويات حركة حماية حقوق الإنسان في الأردن واستمرار الزخم الذي يجعل الحكومة والدولة تشعران بمزيد من الاهتمام حول ضرورة تنفيذ هذا الإجراء لإعطاء صورة صادقة عن جدية الدولة الأردنية في مجالات حقوق الإنسان. إنها عملية قد تكون طويلة بالمقياس الزمني، ولكن على الأقل فنحن مرتاحون لأنها بدأت من نقطة ما ولا بد من الاستمرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد قضية -طفل شبرا- الصادمة بمصر.. إليكم ما نعرفه عن -الدارك


.. رئيسي: صمود الحراك الجامعي الغربي سيخلق حالة من الردع الفعال




.. بايدن يتهم الهند واليابان برهاب الأجانب.. فما ردهما؟


.. -كمبيوتر عملاق- يتنبأ بموعد انقراض البشرية: الأرض لن تكون صا




.. آلاف الفلسطينيين يغادرون أطراف رفح باتجاه مناطق في وسط غزة