الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب - لحقيقة كما عشتها

جاسم الحلوائي

2006 / 10 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


صدر في بغداد عن "دار الرواد" في بداية الشهر الجاري الكتاب الذي يحوي ذكرياتي تحت عنوان "الحقيقة كما عشتها". ويجرى الآن التهيؤ للطبعة الثانية. ولصعوبة وصول الكتاب لقرائي الذين تابعوني على مواقع الصحف الأليكترونية خارج الوطن، وجدت من المفيد إطلاعهم على مقدمة الكتاب .

مقدمة الطبعة الأولى

حتى آذار عام 2005، لم اقرر كتابة ذكرياتي، وكنت أقول للعديد من الأصدقاء والأقرباء الذين طالبوني بالكتابة، بأنني لست بصدد ذلك. وكنت كلما فكرت بالأمر، أجد نفسي أمام مأزق حقيقي فأصرف النظر عن ذلك. كنت أخشى أن تبدو ذكرياتي وكأنها تعود الى عصر غابر، لا بمقياس الزمن ، وإنما بمقياس سعة وعمق التحولات التي جرت في الواقع بعد إنهيار النظام الإشتراكي السابق، وإنتهاء الحرب الباردة ونشوء القطب الواحد، وتأثيرات العولمة، الموضوعية وغير الموضوعية، والثورة التكنولوجية والمعلوماتية، وما رافق كل ذلك وتبعه من تجديد آيديولوجي حصل لدي ولدى الحزب الشيوعي العراقي الذي أنتمي إليه. لقد تحول الحزب من حزب شديد المركزية ذي ضبط حديدي الى حزب ديمقراطي، من حيث جوهره واهدافه وبنيته وتنظيمه ونشاطه، ومن حيث علاقاته بالقوى الإجتماعية والسياسية الأخرى. و تبنى الحزب التعددية والتداول السلمي للسلطة، وظل متمسكاً بإنتمائه الإشتراكي.

يتمثل المأزق الذي أشرت اليه في الفرق النوعي بين وعيي الآن ووعيي قبل التحولات التي ذكرتها، فلدي الآن رؤية أخرى فيما كان ينبغي أن يكون موقفنا من الأحداث والتطورات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والفكرية التي عشتها، شاهدا عليها أومشتركا فيها أو مساهما في صناعتها، من خلال وجودي كعضو في الحزب أو في قيادته لفترة غير قصيرة. والمقصود هنا ليس رأيي في هذا الموقف أوذاك في المنعطفات السياسية الهامة في إطار آيديولوجيتنا وستراتيجيتنا السابقتين، ومواقفي الصحيحة أوالخاطئة منها، فهذا ما حاولت أن أعالجه من خلال قراءتي النقدية لها. إنما المقصود هو وجهة نظري من منطلق أيديولوجي وستراتيجي متجددين. لذلك يجد القارئ نفسه أحياناً أمام محاكمتين للحدث الواحد، إحداهما في سياق الحدث التاريخي الموضوعي، والأخرى في سياق آيديولوجي متجدد. وكان ذلك حلا للموقف الحرج الذي أشرت اليه. وبذلك أعتقد أنني حافظت على الحقيقة التاريخية من التشويه وضياع المسؤولية من جهة، وتفاديت إرسال أية رسالة خاطئة قد تحملها تلك الحقيقة، بسبب الظروف التي تحققت فيها، وذلك بإبداء رأيي بها إستنادا الى المنطلقات الجديدة من جهة أخرى.

ما كتبته أشبه بسيرة ذاتية، وهو ليس بمذكرات بل هو أبسط من ذلك، إنه ذكريات ذات علاقة مباشرة ووثيقة بشخصي في أغلب الأحوال. إنها تختلف عن المذكرات التي تتعامل مع الأحداث التاريخية بالدرجة الأولى. لم أتهيئ لكتابة الذكريات مسبقا ولم أستحضرها، إلا بعد مباشرتي بالكتابة. وقد كتبت ونشرت معظمها على شكل مواضيع غير متسلسلة تاريخيا، خلافا لترتيبها في هذا الكتاب. وكانت المواضيع في البدء مشروعا بسيطا وليس للنشر. كانت مجرد معلومات لإطلاع العائلة بالدرجة الأولى. ولكن تشجيع أصدقائي، الذين قرأوا الأوراق الأولى، لنشرها ومساعدتهم لي لاحقا، مشكورين، وخاصة الرفيق يونس بولص متي ( أبوسيفان) مسؤول موقع الصحيفة الالكترونية "الناس"، حوّل طبيعة المشروع من الخاص الى العام. فتطلب ذلك النظر بجدية وبمسؤولية أكبر الى هذا المشروع والإطلاع الأوسع على المصادر ذات العلاقة لتحفيز الذاكرة والتوثق والتدقيق في المعلومات ولتوثيق تلك التي لم أكن شاهد عيان مباشرأ عليها.

وإخترت من الذكريات ماهو جدير بالمعرفة والقراءة بتقديري الخاص. وقد ولجت في بعض تفاصيل مناطق وزوايا تاريخ الحزب الشيوعي العراقي والحركة الوطنية الديمقراطية التي لم يجر، حسب علمي، تناولها سابقا، أو جري تناول بعضها من زوايا معينة.

وسعيت لتدوين الحقيقة كما رأيتها وسمعتها وفهمتها أو بعبارة أخرى، كما عشتها. فهل وفقت في ذلك؟ هذا ما يقرره القارئ وليس أحد سواه. وهل يمكن أن تعتبر تلك الحقيقة ناقصة أو غير دقيقة أوموهومة جزئيا أو كليا ؟ ربما، لنقص في معلوماتي أو لعدم إدراكي الصحيح للموضوع، ولكن ليس عند كتابتها ونشرها من قبلي. وبالتأكيد هناك آراء مختلفة حول بعض الحقائق الواردة في الكتاب من قبل الآخرين، هم عاشوها أيضا أو درسوها، ولكنهم فهموها بطريقة أخرى. وأدوات "حسم" الخلاف هنا معروفة وهي الحجج والأدلة الموثقة، وهذا ماحاولته جهد الإمكان، خاصة بالنسبة للأمور التي أعتقد إنها موضع خلاف. وعندما كانت الوثيقة تعوزني، فلم تكن اسماء ذوي العلاقة من الأحياء تعوزني. ومع ذلك تبقى الكثير من الحقائق التاريخية نسبية ويمكن أن تعدل بتوفر وثائق ومعلومات جديدة لم تكن معروفة.

وما هو جدير بالمعرفة والقراءة لا يخص الأحداث فقط، وإنما يخص دور الأشخاص أيضأ. ولم تكن هناك مشكلة أو عائق أمامي لقول الحقيقة بقدر ما يتعلق الأمر بشخصي، ولكن المشكلة تكمن عندما يتعلق الأمر بالآخرين. فلم أكن أرغب بالإساءة الى أحد ولم أقصد ذلك إطلاقا. وكنت أربأ بنفسي من تحويل أوراقي ميدانا لتصفية حسابات شخصية، ولم أصغ لمن همس في أذني أن أفعل ذلك. والحقائق التاريخية عادة ما تضايق بعض الأحياء ولا ينجو من حسابها حتى الشهداء، ولكن لامفر من ذلك إذا ما توخينا قول ما هو جدير بالمعرفة والقراءة. وقد تجنبت ذكر الأسماءعندما كان من الممكن قول الحقيقة بدون ضرورة لذكرها.

لم اكن أتصور، مع الأسف، بأنني سأكتب يوم ما ذكرياتي أو مذكراتي. وأسفي ليس على عدم الإحتفاظ بالكثير من المواد والوثائق المفيدة فحسب، بل على عدم تأملي في الأشياء والناس والأماكن والأحداث بدقة أكبر. ولم يكن يتطلب ذلك مني جهدا كبيرا، وأقصى ما كان يتطلبه الأمر ، هو أن لا ألغي إحتمال الكتابة ، بشكل مطلق، كما فعلت. ولكن بجانب نقطة الضعف هذه توفرت لدي إمكانية لم تتوفر لدى الكثيرين ممن سبقوني في كتابة مذكراتهم أو ذكرياتهم وهي، إن جوانب من الثورة التكنولوجية وسرعة الإتصالات كانت في خدمتي للتوثق من المعلومات أو إستكمالها أو لإطلاع بعض من ذوي العلاقة على النص الذي يخصهم وأخذ موافقتهم المسبقة على النشر، وذلك عن طريق البريد الألكتروني والمكالمات التلفونية ، بل وحتى المناقشات المباشرة على الكومبيوتر ( صوت وصورة) بما في ذلك الإتصالات مع العراق هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى معرفتي بآراء القراء فيما أنشر مباشرة من خلال التقنيات الحديثة وإستلامي الملاحظات والتعليقات والمقترحات والإستفسارات المباشرة. والأخيرة قد أفادتني كثيراً. فالثناء، حتى الذي لم يكن يخلو من مجاملة، كان يمتعني ويشد من أزري لمواصلة المشوار.إلا أن أكثر ما أفادني هي تلك التصويبات والملاحظات النقدية الملموسة. وبهذه المناسبة أتوجه بالشكر الى جميع الذين ساهموا في ذلك.

ومن خلال الكومبيوتر والإنترنيت، وما تحويه من خدمات متنوعة وإستخدام ذلك في الكتابة والنشر والمراسلة، تجددت حياتي. فنشأت لدي علاقات صداقة رائعة مع العديد من الكتاب والأدباء والفنانين والقراء، وتجددت صداقات قديمة. وتبادلت معهم، ولاأزال، رسائل عزيزة على قلبي، بعضها بيني وبين عدد من ذوي الشهداء، آثرت نشرها في الكتاب.


جاسم الحلوائي
حزيران 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال