الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغذاء .. كيف وصلنا إلى الوضع الحالى ؟

أحمد فاروق عباس

2023 / 5 / 30
الصناعة والزراعة


شهدت بداية الثمانينات ما سمى " إجماع واشنطن " Washington consensus وهو يشير إلى قائمة الإصلاحات الاقتصادية العشرة المحددة التى أُدعى أنه تم الإتفاق عليها فى واشنطن لتكون مرغوبا في تطبيقها في أمريكا اللاتينية عام ١٩٨٩ وهى :
- الانضباط المالى .
- إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام .
- الإصلاح الضريبى .
- تحرير سعر الفائدة .
- سعر صرف تنافسى .
- تحرير التجارة .
- تحرير الاستثمار الأجنبى المباشر في الداخل .
- الخصخصة .
- إلغاء الضوابط التنظيمية .
- تعزيز حقوق الملكية .
ومع الزمن توسع مفهوم إجماع واشنطن ليشمل السياسات الاقتصادية التى تفرضها واشنطن على الدول النامية بواسطة صندوق النقد الدولي والبنك الدولى ووزارة الخزانة الأمريكية ..
ومع ظهور إجماع واشنطن بدأت المؤسسات الاقتصادية الدولية بالإضافة الى العديد من الجهات المانحة الثنائية أو متعددة الأطراف في فرض مجموعة من السياسات على القطاعات الاقتصادية المختلفة في الدول النامية ، مدعية أن ما يحدث هو تشوهات في السوق تؤدى إلى عدم الكفاءة الاقتصادية ..
وفيما يخص القطاع الزراعى هوجمت سياسات مثل وضع تعريفات جمركية على الواردات الزراعية وصور الدعم المختلفة للمزارعين ، وفتح نقاش يرمى الى أن فتح باب الاستيراد كفيل بتحقيق الأمن الغذائي بصورة أكثر كفاءة اقتصادية ..
وفى الثمانينات واجهت دول نامية كثيرة حول العالم أزمات اقتصادية صعبة ، تمثلت في تعطل كثير من مشروعات التنمية لنقص التمويل وازدياد الديون ، ثم جاءت أزمة الانخفاض الشديد فى سعر البترول - وهو مصدر الدخل الوحيد أو الرئيسي لكثير من الدول العربية والدول النامية - ليجعل الأزمة الاقتصادية تصل إلى درجة حرجة ..
وكان أن لجأت الدول النامية واحدة بعد أخرى إلى مؤسسات التمويل الدولية طلبا للمساعدة ، وكانت تلك جاهزة بقائمة طلبات واجبة التنفيذ حتى تقدم أموالها للدول التى تطلب المساعدة ..
وتمثلت تلك السياسات فى سياسة التكيف الهيكلى ( بواسطة البنك الدولى ) وسياسة التثبيت الهيكلى ( بواسطة صندوق النقد الدولي ) ..
فوقعت تونس - على سبيل المثال - برنامج التكيف الهيكلى مع البنك الدولى عام ١٩٨٧ ، وكان المطلوب من تونس - تحرير أسعار المدخلات والمخرجات ، وتقليل نشاط الدولة ، وتحرير التجارة الدولية ، ووضع الإطار القانوني لاقتصاد قائم على السوق ، وشمل المطلوب فى قطاع الزراعة تحديدا إزالة دعم المدخلات الزراعية ، تفكيك مؤسسات التسويق التابعة للدولة ، وتخلى الحكومة عن أسعار الضمان للمنتجات والمشتريات ، وتحرير الواردات الزراعية ..
وقدمت النيوليبرالية الاقتصادية الجديدة المتمثلة في إجماع واشنطن " نصائح " محددة بخصوص نوع السياسات المطلوبة لتحقيق الأمن الغذائي في الدول النامية وهى :
- نهج قائم على التجارة فى مجال الأمن الغذائي وفقا لمبدأ الميزة النسبية الذى يحكم التجارة الدولية ، وكان معنى ذلك - بالنسبة لدول مثل البلاد العربية - الابتعاد عن زراعة المحاصيل التى تستهلك المياه بكثافة مثل القمح والشعير والأرز وقصب السكر والمحاصيل المطلوبة لغذاء الماشية والتى توفر منتجات الألبان واللحوم ..
- التحول نحو محاصيل أقل استهلاكا للمياه مثل الفواكه والخضروات والمحاصيل الشجرية للاستهلاك المحلى والتصدير ، ويمكن استخدام عوائد الصادرات - طبقا لإجماع واشنطن - لدفع فاتورة الواردات الغذائية وخاصة الحبوب ..
وقد طبقت كثير من البلدان النامية ومنها دول عربية كثيرة هذه التوصيات لحاجتها الشديدة للتمويل الخارجى ، وقدمت لبنان ومصر نموذجا لذلك ، وإن كان هناك دول عربية قدمت حماية كبيرة لقطاع الزراعة ..
وقد نمت المنطقة العربية بمعدل أعلى من المتوسط العالمى خلال الفترة ٢٠٠٠ - ٢٠١٠ ( ٤ - ٥ % بالقيمة الحقيقية ) لكن هذا العقد من النمو الاقتصادي في العالم العربى لم يأخذ فى اعتباره النمو الكثيف للعمالة من الفقراء ، وفى مصر التى حققت نمو اقتصادى بلغ ٥ % خلال ٢٠٠٠ - ٢٠١٠ ارتفع عدد الفقراء فيها من ٧, ١٦ عام ٢٠٠٠ إلى ٢١,٦ عام ٢٠١٠ ..
وينفق الفقراء في المنطقة العربية ما بين ٣٥ - ٦٥ % من دخلهم على الغذاء ، وأى إرتفاع فى أسعار الغذاء أو النفط عالميا يؤثر فورا ومباشرة على هؤلاء ، لكن يخفف من أثر ذلك شبكات الحماية الاجتماعية وخاصة دعم الغذاء ..
وقد أدى إستعمال الغذاء كسلعة استثمارية إلى زيادة أسعاره ، ومن ثم نمت التجارة المالية واعتبار الغذاء سلعة يتم المضاربة عليها فى البورصات ، باعتبارها استثمار مغرى وطويل الأجل ، يمكن أن يخزن الثروة ويحميها من التضخم والانكماش في الأصول النقدية ، وقد أدى جذب ذلك الإستثمارات وخاصة من الصناديق الاستثمارية العالمية ..
ونحو ٧٥% من التجارة العالمية فى الحبوب واللحوم تقوم بها حاليا أربع شركات عالمية ضخمة فقط ، وتسمى الأربعة الكبار ، وهى : Archers Midland و Bunge و Cargill و Dreyfus وهى تتحكم في تجارة الغذاء العالمية ، وتسيطر على نحو فعال على الأمن الغذائي العربى ..
وبالنسبة للدول العربية فقد أدى إرتفاع اسعار الغذاء عالميا إلى ثلاث نتائج خطيرة هى :
١ - زيادة التضخم المحلى .
٢ - زيادة العجز التجارى .
٣ - زيادة الضغوط المالية على الموازنة العامة للدولة .
وقد أدى كل ذلك إلى التحكم فى غذاء الشعوب بواسطة قوى دولية نافذة ، وارتفاع أسعاره بصورة مستمرة .
وهناك من رأى أن ذلك هو المنطق الطبيعى للرأسمالية ، حيث يتحول كل شئ إلى سلعة بغض النظر عن قيمته .. الماء والغذاء والفنون والدين والرياضة والآداب ... إلى آخره .
وأن الحل أولا فى تحول العالم من تلك الرأسمالية الجامحة إلى نظام أكثر إنسانية ..
وهو ما يعد - حتى الآن - أقرب إلى الأمانى والأحلام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. تقارير: الحرب الإسرائيلية على غزة دمرت ربع الأراضي الزراعية




.. مصادر لبنانية: الرد اللبناني على المبادرة الفرنسية المعدّلة


.. مقررة أممية: هدف العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ البداية ت




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على خان يونس