الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأردن ودول الخليج: معادلة الأمن والسياسة ومُعضلة والاقتصاد

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2023 / 5 / 30
السياسة والعلاقات الدولية


لا خلاف ان الهاجس الأمني لعب دورا هاما في قيام مجلس التعاون الخليجي عام 1981م، وذلك لتحقيق أغراض سياسية وأمنية بواجهة اقتصادية في ظل التحديات الاقليمية التي كانت تواجهها دول الخليج آنذاك، تحديداً من جانب العراق وإيران وأزمات الخليج المتوالية بين عامي 1980 و 2003م.
والأردن، كان على الدوام الطرف الأكثر عرضة لأزمات منطقة الخليج، بحكم قسوة الجغرافيا السياسية التي فرضت عليه أن يكون جزءٌ لا يتجزأ من منطقة عربية مضطربة سياسيا واقتصاديا، وفي سبيل مواجهة تحديات أزمات المنطقة، عملت سياسة الاردن الخارجية على اتخاذ الحياد الايجابي، واحياناً السلبي، في تلك الأزمات، تارة لحاجة الأردن لكافة القوى السياسية في المنطقة، وتارة للحيلولة دون اقحام الأردن في خلافات سياسية إقليمية لا حدود لها، لاسيما الصراع على زعامة المنطقة بين بعض الأنظمة السياسية الهادفة لتغيير موازين القوى الإقليمي.
بقيت علاقات الأردن مع دول الخليج، بصفة عامة، تدور في اطار المصالح المتبادلة وفق قواعد "الامن ، السياسة، الاقتصاد"، فالأردن يعتمد بصورة كبيرة على الدعم المالي والاقتصادي الخليجي، خاصة السعودي، وبالمقابل تستفيد دول المجلس من دعم الأردن السياسي والأمني ضمن معادل توازن القوى الإقليمي، تحديداً، العراق وإيران، وحاول الأردن في نهاية الثمانينات أن يوازي القوة السياسية والاقتصادية لمجلس التعاون الخليجي، من خلال تشكيل مجلس التعاون العربي (ضمّ الأردن العراق ومصر واليمن) وشكل بذلك طوقاً استراتيجياً لدول المجلس، لكن سرعان ما جاءت حرب الخليج عام 1990/1991م لتعلن نهاية حلم التعاون العربي، وظل الأردن أسير الحفاظ على علاقات تحالفية متباينة - الى حد ما- مع دول مجلس التعاون الخليجي.
مع مطلع الألفية الثانية، بدأت علاقات الأردن مع دول مجلس التعاون الخليجي تأخذ مسارا تحالفيا أكثر من أي وقت مضي، فبعد قطيعة استمرت عقد كامل بسبب موقف الاردن من حرب الخليج الثانية عام 1991م.
ومع تولي الملك عبدالله الثاني الخلافة السياسية في الأردن، بدأت دول الخليج تتقرب من الاردن بصورة مكثفة على مبدا الشراكة والمصالح المتبادلة، لكنها لم تخرج عن مبدأ الدعم المالي والاقتصادي مقابل الأمن والسياسية، واتضح ذلك بصورة جلية من خلال تقديم مساعدات مالية كبيرة للأردن نظير حياده في حرب الخليج الثالثة عام 2003م.
توالت المنح والمساعدات الاقتصادية الخليجية لتصدي الاردن -ونيابة عن دول الخليج- للتيارات المتشددة في المنطقة، وفي الحرب على الارهاب، ولعب الاردن دوراً لافتاً في هذا الصدد في الخليج العربي والعراق وافغانستان، ونجح في تجفيف منابع الارهاب التي كانت تهددّ دول المجلس، خاصة السعودية.
يتصور الأردن الرسمي أن دوره الأمني والسياسي في المنطقة، وعُقدة الجوار الجغرافي لشبه الجزيرة العربية، تفرض على دول المجلس تقديم دعم سنوي لموازنته المالية ودعم استقراره الاقتصادي، وبالمقابل تعتقد دول المجلس أن دعم الاردن ضرورة سياسية لا أمنية، تحت عنوان دعم دول "مجموعة الاعتدال" العربي المتحالفة مع دول الخليج العربية والولايات المتحدة ضد "دول المواجهة"، خاصة بعد الثورة الإيرانية عام 1979م.
وعندما طُرح عام 2011م؛ وبصورة مفاجئة من جانب السعودية، ضم الأردن والمغرب الى مجلس التعاون الخليجي، تحت الاحساس بخطر امتداد "الربيع العربي" الى الدول الملكية المحافظة في المنطقة، توقع الأردن أن الفرصة، أخيراً، قد لاحت بالأفق لحل مشاكل الطاقة والموارد التي تعاني منها البلاد ، لكن المشروع السعودي سرعان ما اصطدم بمواقف دول خليجية اخرى، رفضت الفكرة جملة وتفصيلا، لأسباب سياسية بحته، ولإرضاء السعودية، وافقت دول المجلس على تقديم مساعدة مالية بقيمة "خمسة مليارات" دولار للأردن والمغرب على مدى خمس سنوات، ورحّب الأردن بالمنحة الخليجية، رغم تفضيله -بتصوّرنا- لفكرة الانضمام لمجلس التعاون الخليجي، وأيضا على قاعدة "الأمن مقابل السياسية والاقتصاد".
لم يخفي الطرفان –آنذاك- أهدافهما من وراء دعوة الأردن للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، فدول المجلس تبحث عن استفادة قصوى من نفوذ الأردن السياسي والعسكري في المنطقة لصالح المنظومة الخليجية، فيما يرمي الأردن الى الاستفادة من المزايا الاقتصادية الكبيرة للسوق الخليجية سواء لجهة توفير فرص عمل للأردنيين او جذب استثمارات خليجية للأردن، والحصول على مساعدات مالية اكبر من تلك التي يحصل عليها لسد العجز المتنامي في موازناته السنوية وديونه المتراكمة .
بعض دول المجلس، التي عارضت فكرة انضمام الأردن والمغرب للمجلس، رأت أن ثمة تعارض مع الطبيعة المحافظة للمجلس، خاصة في التطور السياسي، كما أن ذلك يُشكّل بداية تجاوز الاختلافات بين الدول المتشابهة في أنماط الحكم على نحو يتخطّى العامل الجغرافي إلى الفضاء الأيديولوجي السياسي، وبالمقابل انتقدت بعض التيارات السياسية في الاردن الفكرة، ورأتها عودة للمربع الأول في مجال الاصلاح السياسي، فانضمام الاردن، خليجيا، يعني تراجعه عن شروط العملية الديمقراطية واستجابته لضغوط الكتلة الخليجية، سياسيا وامنياً!
وخلال العقد الماضي، تعرضت العلاقات بين الطرفين لشد وجذب، على وقع الازمات السياسية في المنطقة، خاصة في سوريا والعراق واليمن وملف القضية الفلسطينية، فوقف الدعم المالي والاقتصادي عن الأردن، في بعض السنوات، كان لأغراض سياسية بهدف إجبار الاردن على لعب دور اكبر في بعض الأزمات الإقليمية، فمثلاً خلال الأزمة السورية، ضغطت بعض دول الخليج على الأردن للتدخّل عسكرياً أو دعم المعارضة في الجنوب السوري بالسلاح، وفي أقصى المطالب كانت الدعوات "الخفيّة" بأن يخوض الأردن حرباً بالوكالة نيابة عن الأخرين!! وهو ما رفضه الأردن جملةَ وتفصيلاً، وانعكس سلباً ولسنوات على علاقة الطرفين.
لقد أجبرت الظروف الاقتصادية الأردن على اتخاذ خطوات اقتصادية داخلية صعبة لمواجهة عجز الموازنة، خلال السنوات الماضية، خاصة في ظل تراجع برامج الدعم الخليجي المالي والاقتصادي للبلاد، وساهمت هذه الظروف في تحريك الشارع الأردني باتجاه المظاهرات والاحتجاجات التي شهدها الأردن خلال العقد الماضي.
ولم يستحب الأردن لفتح جبهة سياسية مع روسيا لمواجهة الضغوط الاقتصادية، فضلا عن اغراءات ايرانية في مجال الطاقة، وفق منهج الحفاظ على المصالح المشتركة مع دول المجلس والحيلولة دون احداث شرخ في منظومة الانظمة المحافظة في المنطقة، لكن الضغوط السياسية الخليجية على الاردن، وتداعيات الأزمة السورية، التي ما زالت أثارها قائمة، وضعت الأردن في موقف لا يحسد عليه، فمن جهة لا يستطيع أن يخرج عن تحالفه ومصالحه المشتركة مع دول المجلس، ومن جهة أخرى لا يمكنه ان يعرّض أمن البلاد لمخاطر النزاعات الإقليمية وتصفية الحسابات الشخصية !!
ويبدو أن "الفهم" الخليجي لدور الأردن السياسي والعسكري في الأزمات الإقليمية، مثل الأزمة السورية أو العراقية أو القضية الفلسطينية، لا يأخذ بالحسبان العواقب الأمنية والجيوسياسية على استقرار الاردن وأمنه، فالأردن كان ومازال ضحيّة كافة حروب المنطقة منذ عام 1948م وحتى اليوم، بما فيها حروب الخليج، وحركات اللجوء الانساني والضغط المستمّر على بنيته التحتية وموارده الشحيحة، رهنت مواقفه السياسية بالاستجابة للضغوط الداخلية أكثر من الخارجية، وأحيانا بالتوازن قدر الإمكان، فكان الأردن كمن يمشي على حبل مشدودٍ من الطرفين .. وهذا ما لا تدركه بعض دول الخليج !
لقد آن الأوان لتسيير دفة العلاقات بين الطرفين على قاعدة أخرى، بعيداً عن حسابات المقايضة بين الأمن والسياسة والمنح، لأن الأمن مصلحة مشتركة للطرفين، ولعبة موازين القوى في المنطقة بحاجة لتحالفهما، والمطلوب خلق واقع "جيوسياسي" جديد يغيّر معادلة "الحاجز السياسي – الأمني" لمواجهة خطر وتحديات المرحلة المقبلة، خاصة في ظل امتدد اخطبوط النفوذ الإسرائيلي والإيراني والتركي في المنطقة العربية، على حساب الوهن القومي والعجز العربي في زمن التشرذم والردِّة !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و