الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاردوغانية وارتداداتها المحتملة على الامن العراقي : قراءة في نتائج الانتخابات التركية الاخيرة

دهام محمد العزاوي

2023 / 5 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


دكتور دهام محمد العزاوي
مستشار سياسي – وزارة التخطيط
على مدى شهر كامل من التحشيد الاعلامي والاصطفاف الجماهيري، عاش العراقيون، كغيرهم من الشعوب العربية والاسلامية، في ترقب تام لنتائج انتخابات الرئاسة التركية (2023-2028)،والتي انحسرت في جولتها الثانية بين تحالف الجماهير بزعامة الرئيس رجب طيب اردوغان وتحالف الشعب بزعامة كمال كليجدار اوغلو، والحقيقة ان انقسام الشارع العراقي بين مؤيد ومعارض لاردوغان، كان مبنيا في غالبيته على دوافع عاطفية اكثر من كونه مبنيا على اسس منهجية وعلمية، ودون وعي لحقيقة ودوافع المرشحّين اللذان يتنافسان على اسس انتخابية حزبية تقتضي تحشيد واستخدام كل الادوات الشعبية التي تخدم مشروعهم السياسي، والوصول الى الحكم وتحقيق المصالح العليا للأمن القومي التركي. فالمصالح التركية هي الحاكمة على توجهات الرجلين دون اي اعتبار للقضايا والاعتبارات الشخصية والعاطفية التي تفكر بها الجماهير.
لايختلف كثير من العراقيين على ان اردوغان ظاهرة سياسية فريدة في تاريخ تركيا استطاع خلال عقدين من الزمان ان ينقل تركيا الى مصاف متقدم اقليميا ودوليا من الناحية السياسية والاقتصادية والتجارية، بل وحتى الاجتماعية حيث وحّد الهوية التركية واستطاع ان يقدم نفسه كنموذج لقائد سياسي وطني نزيه وحازم جامع لكثير من الاتراك، ونجح في تقديم صورة مغايرة عن حركات الاسلام السياسي التي تسيّدت المشهد العربي والاسلامي، صورة قوامها الفعل والانجاز والنتائج وليس الشعارات المليئة بالغيبيات والانقطاع عن الواقع.
لقد ابرز اردوغان منهجا جديدا في التنمية قوامه ان ليس هنالك دولة فاشلة واخرى ناجحة، وانما هناك منهج واضح وشفاف في ادارة الموارد والاقتصاد، واستثمار امثل للطاقات وتوجيهها نحو البناء والتنمية، وبما يقضي على البطالة والفقر، والامية والمديونية وينشط الصناعة الوطنية، ويفسح مجالا للقطاع الخاص ليكون شريكا اساسيا للتنمية، وهو ما فعله اردوغان طوال عقدين من الزمان بعد ان كانت تركية عبارة عن اقطاعية غربية يعبث باستقرارها وامنها العسكر الموالون للمشروع الامريكي الغربي، وبعد ان كان المواطن التركي مشتت في هويته الوطنية، وغارقا بانتماءاته الفرعية، وبعد ان كانت الصناعات التركية مرتبطة بالرساميل الغربية وينخر الفساد والمديونية بالاقتصاد التركي.
لقد اعاد اردوغان احياء الهوية التركية ولكن وفق رؤية جديدة تأخذ بنظر الاعتبار متغيرات الواقع المحلي والاقليمي والدولي، دون ان ينسى الماضي العثماني، لقد اعاد اردوغان ربط الاتراك بماضيهم واحيا ارادة المواطن وقراره السياسي المستقل، فالمواطن كما يؤكد اردوغان دائما في خطبه هو سيد بلده ، وان الاستماع الى إرادة الشعب واحترامها هو سر النجاح في الحياة السياسية.
لكن من جهة اخرى يرى معارضو اردوغان ان طريقة حكمه لم تكن ديمقراطية وانه لبس ثوب الديمقراطية ليحقق طموحاته الشخصية فهو رجل قومي متعصب بلباس ديني سعى طوال عقدين الى تكريس منهجه في الحكم بطريقة قسرية انعكست في تقلص مساحة الحريات العامة وحرية الصحافة واعتقال المعارضين، ولاسيما بعد فشل انقلاب عام 2017، وقد اظهرت الانتخابات التركية تراجعا واضحا في شعبية اردوغان وتصاعدا في قوة المعارضة وهو ما ظهر في نتائج الانتخابات وحصول زعيم المعارضة كمال كليجدار اوغلو على نسبة كبيرة ومؤثرة من اصوات الناخبين تقارب 48% وفي مدن مهمة مثل اسطنبول وانقرة وازمير وديار بكر التي شهدت تراجعا كبيرا في شعبية اردوغان، ولو قيّض لمرشح الرئاسة الثالث سنان اوغان الانحياز الى جانب المعارضة لكان الوضع السياسي في تركيا قد تغير بالكامل ، الا ان سنان اوغان قد حث انصاره للتصويت لاردوغان الذي فاز بفارق بسيط عن غريمه العلماني المتطرف، الامر الذي يظهر حجم تأثير المعارضة التركية وقوتها المستقبلية.
ويتخوف كثير من الباحثين في الشأن التركي ان الازمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها تركيا وتراجع الليرة التركية المخيف، والانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية التي نجمت عن الزلزال الذي ضرب الولايات العشر من شرق الاناضول مطلع العام 2023 وشرد ملايين السكان ، اضافة الى ازمة اللاجئين السوريين في تركيا ستكون لها تأثيرات على شعبية الرئيس اردوغان، بل ربما ستكون لها ارتدادات سياسية على علاقات تركيا بمحيطها الاقليمي، اذ ان أي فشل او تراجع في قدرة حكومة اردوغان للاستجابة لمطالب السكان الاقتصادية، قد يدفع اردوغان لتبني عمل امني اوعسكري خارجي يستعيد به ثقة الشارع بشعبيته المتأرجحة، وقد تكون سوريا والعراق بالون اختبار سيجدد ويعزز فيهما اردوغان حضوره الاقليمي عبر الاستمرار بسياسة مليء الفراغ الامني في المناطق الحدودية الرخوة في شمالي العراق وشمالي سوريا. وتوظيف فائض القوة العسكرية للجيش التركي لفرض اجندات سياسية معينة، تحت ادعاءات مكافحة الارهاب وتقليص نشاطات حزب العمال الكردستاني.
ان قراءة متأنية للأمن الوطني العراقي وما يعانيه من اختلالات هيكلية ينبئ بان السنوات الخمس المقبلة من حكم الرئيس اردوغان ستكون مليئة بالتحديات التي تطل براسها على علاقات العراق وتركيا في مسائل حساسة وجوهرية، لم تجد حلا الى اليوم، وفي مقدمتها التدخلات العسكرية والقواعد التركية في الاراضي العراقية وتواجد حزب العمال الكردستاني التركي على الاراضي العراقية، والتدخلات الامنية والاستخبارية التركية في شمالي العراق، وهيمنة الشركات التركية على اقتصاد اقليم كردستان، ومسالة استئناف تصدير النفط من اقليم كردستان عبر الاراضي التركية، وقضايا التنظيمات الارهابية العابرة لحدود البلدين، فضلا عن قضية المياه والسدود التركية المتصاعد بناءها وتأثيراتها السلبية على الامن الوطني العراقي، وقضية كركوك وهويتها في ظل وجود التركمان وادعاءات تركيا بحمايتهم، اضافة الى ملف العلاقات التجارية ووجود الشركات والاستثمارات التركية في العراق والاستثمارات العراقية في تركيا ووجود مئات الاف العراقيين اللاجئين في تركيا وغيرها من القضايا التي تؤثر بشكل مباشر في استمرارية العلاقات او توترها، مما يتطلب رؤية عقلانية تتجاوز اخطاء وحساسيات المرحلة الماضية وتتطلع الى مرحلة جديدة تأخذ بنظر الاعتبار مصالح الشعوب لا مصالح الحكومات. ويبقى السؤال المطروح على عاتق الحكومة والبرلمان والنخب العراقية. ما هي الاوراق المثلى التي يمتلكها صانع القرار العراقي لتوظيفها بشكل امثل للضغط على الحكومة التركية وبشكل يحقق في الحد الادنى مصالح العراق السياسية والاقتصادية والتجارية؟ وهي يمتلك العراقيون اوراقا تفاوضية يتمكنون من توظيفها في ظل حالة الضعف والتشرذم والانقسام الذي يعانيه العراق؟ ان بقاء الرئيس اردوغان في السلطة لخمس سنوات مقبلة ربما سيعطي فرصة لامكانية التفاهم وبناء جسور جديدة للثقة كونه قد عاصر غالبية المشكلات القائمة بين العراق وتركيا وخبر ظروفها المحيطة وهو على استعداد للتعاطي الايجابي مع متغيراتها. ولكن في ذات الوقت فان استمراره في الحكم لهذه الفترة الطويلة وتمكنه من تثبيت مرتكزات حكمه قد تلعب دورا في تصلبه السياسي في بعض القضايا، مما قد يخلق حساسيات ومشكلات مضافة في علاقات البلدين. وفي كلا الحالتين يجب ان تكون الحكومة العراقية بشخص رئيس وزرائها الاستاذ محمد شياع السوداني مستعدة للتعاطي مع مستجدات الواقع التركي بروح وطنية عالية وليس لدوافع انتخابية آنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قراءة فاحصة للانتخابات التركية
د.نضال المزاحم ( 2023 / 5 / 31 - 09:24 )
احسنت دكتورنا الفاضل
كل العمليات الديمقراطية في الدول المجاورة للعراق تأثر على استقرار الوضع السياسي للبلد ، ويمكن الاستفادة من هذه التجارب لخدمة العملية الديمقراطية ولخدمة العلاقات الدبلوماسية

اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم