الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط – 3

حسام علي

2023 / 6 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


لقد تمكنت الصليبية الاوروبية من مواصلة الهجمات وبكل الطرق، وكان الفرنسيون يقومون بدور كبير فيها إلا أن دورهم لم يقتصر فقط على ساحات القتال، بل تجاوز الى ميادين أخرى ثقافية وتبشيرية وأخلاقية ومؤسسات وجامعات وغيرها.. بقصد تدمير البناء الاسلامي من الداخل وتخريب المجتمع والفرد المسلم، وكان لكل ذلك مردود سلبي على أوضاع المسلمين والبلاد الاسلامية التي نكبت بهذا الاستكبار. ويمكن إجمال الآثار السلبية بالنقاط التالية:
1. احتلال وتدمير وتجزئة البلاد الاسلامية، فقد احتلت فرنسا جزءا كبيرا من البلاد الاسلامية، إذ استولت على الجزائر وتونس والسنغال وتشاد، وفي عام 1912 تم رسميا تقسيم مراكش بين النفوذ الفرنسي والاسباني، وتم احتلال بقية افريقيا المسلمة وتم احتلال سوريا ولبنان واعلان الانتداب الفرنسي في مطلع القرن الماضي وساهمت فرنسا في ضياع فلسطين وتشريد شعبها وتسليمها للصهيونية العالمية.
2. ربط البلاد الاسلامية اقتصاديا بالاستكبار الفرنسي وتدمير الانماط الاقتصادية والانتاجية السائدة في تلك البلاد كالحرف والمهن التقليدية الاسلامية والصناعات.. وما يجره ذلك اجتماعيا واقتصاديا على المسلمين.
3. إعداد وتكوين واستخدام مجموعات وشخصيات نصرانية شرقية كنقاط ارتكاز محلية، وإعدادها للقيادة في المنطقة الاسلامية بعد تكوينها عسكريا وثقافيا كالمارونيين وقيادات حزب البعث والقيادات القومية المحلية بشكل ملحوظ والقيادات الثقافية ومؤسسات النشر والاعلام.
4. إعداد وتكوين واستخدام مجموعات واتجاهات عميلة فكريا وسياسيا وثقافيا.. للاستكبار، لتكون بمثابة نقاط ارتكاز داخلي في جسد الامة الاسلامية مثل بورقيبة و(ليوبولدسنغور) وغيرهما.. أو الاحزاب والجمعيات والمؤسسات العميلة المعروفة بولائها لفرنسا في بيروت، أو كحزب البعث العربي الاشتراكي.
5. محاولة ترك تأثيرات ثقافية ولغوية فرنسية واضحة وعميقة في المجتمعات الاسلامية، وذلك من خلال إضعاف اللغة العربية، والتأكيد على دور المدارس الفرنسية، كما نلاحظ ذلك في المغرب الاسلامي والسنغال وموريتانيا ولبنان.
وبذلك أصبحت فرنسا، تقليديا، من المحاربين الاشداء للاسلام والمسلمين، بعد أن اعتبرت نفسها مسؤولة عن النصارى الشرقيين، ولذلك فأن تاريخ فرنسا والاستكبار الفرنسي يرتبط بأذهان المسلمين بميزتين أساسيتين:
أولا: الروح الصليبية النصرانية التي تحقد على الاسلام وتحاول أن تحط من قدر المسلمين وإضعاف معنوياتهم. لأنها نصبت نفسها حامية للنصارى ورافعة شعار الدفاع عن الشرقيين منهم.
ثانيا: نشر الثقافة الفرنسية ولغتها، باعتبارها في الغالب لغة الثقافة الغربية ومن ثم سحق الثقافة الاسلامية وتدمير اللغة العربية باعتبار أن اللغة هي الرافد الذي يمد الجسد الاسلامي بالفكر والمعرفة.
وهنا لابد من الاشارة الى نقطة جوهرية، ألا وهي أن الثقافة الفرنسية المعدة للتصدير هي ثقافة تجهز وتعد إعدادا خاصا. واذا كانت هذه النقطة تمثل مسألة محورية في تاريخ الاستكبار الفرنسي، فأنها من جهة أخرى تشكل مأساة متكاملة الابعاد والجذور في جزء حيوي من هذه البلاد، وهي ما زالت تعصف بكيان المسلمين روحيا وفكريا وماديا، فاللغة والثقافة ليستا أدوات الكلام والتعبير المجرد، بل اللغة والثقافة شبكة متكاملة من الروابط والاسس السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتشكل الفرد والمجتمع وتحدد اتجاهاتهم وقناعاتهم الحياتية والاجتماعية، وبذلك يتجاوز تأثيرها الظواهر البسيطة الى عمق البناء الفردي والاجتماعي.
لقد تحرك الاستكبار الفرنسي خلال قرون من العمل والعنف والاحتيال، وتمكن خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين من السيطرة على جزء مهم وأساسي من العالم الاسلامي، ولا تزال تأثيراته باقية الى يومنا هذا، بمعاونة ومساعدة متواطئين ومتخاذلين، سواء في الداخل أو ممن يعتاش على الفتات، في الخارج.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك


.. إسرائيل -مستعدة- لتأجيل اجتياح رفح بحال التوصل -لاتفاق أسرى-




.. محمود عباس يطالب بوقف القتال وتزويد غزة بالمساعدات| #عاجل


.. ماكرون يدعو إلى نقاش حول الدفاع الأوروبي يشمل السلاح النووي




.. مسؤولون في الخارجية الأميركية يشككون في انتهاك إسرائيل للقان