الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جماليات الوصف

بديع الآلوسي

2023 / 6 / 1
الادب والفن


جماليات الوصف _ في قصة حديقة كيفين _للقاص بديع الآلوسي  
للناقدة : أنفال كاظم 
يعد الوصف من ابرز وسائل السرد القصصي، اذ لايمكن لأي سارد ان يتخلى عنه بشكل او بآخر ،لذا حرص الروائيون والقاصون على كيفية الاستخدام الأمثل لهذا العنصر ، فالوصف يستخدم لإبطاء الزمن السردي وإعطاء صورة ذهنية عن الأشخاص والمشاهد ، وكذلك ردم الفجوة السردية التي قد تحدث في النص القصصي ، فضلاً عما يقدمه من معلومات للقارئ عن فكرة القصة او مقصدية الكاتب وتحديد الشخصية وطبيعتها ،فالوصف يساعد على تطور واكتشاف الأحداث وبناء اللغة القصصية ووصف الشخصية والمكان والموجودات … وفي قصة (حديقة كيفين) للقاص والفنان التشكيلي بديع الآلوسي ، والتي نشرت ضمن مجموعته القصصية (الأرواح المرئية) ٢٠١٢ ، نجد ان القاص استخدم هذه التقنية _تقنية الوصف بشكل جمالي وفني و بمستوى عالي من الشعرية ، وبوجهات نظر متفاوتة ينطلق فيها مرة من الراوي الذي يأخذ على عاتقه قص الحدث القصصي ووصف شخصياته وأماكنها ، ومرة من منظور الشخصيات ، وفي كلا الحالتين نجد انه قد برع في توظيف هذه التقنية لخدمة جوهر القصة ، الا وهي ولادة الحلم البعيد على أعتاب الأمل المتجدد الذي ينتشل الإنسان من بؤسه ويأسه ، ومن الجدير بالذكر فقد استلهم القاص فكرة القصة واستمدها من عبارة مستوحاة من قصيدة لشاعر إنكليزي (وليم بليك) وهي (رؤية العالم في ذرة رمل …والجنة في وردة برية) ، وهذا بالفعل آخر ما صرح به العجوز (كيفين) الشخصية القصصية الرئيسة التي يتمحور حولها السرد القصصي والذي لطالما آمن بأن كل إنسان يجب ان يكون له حلمه الخاص مهما كان صغيرا. او كبيراً ، عندما باح بمشاعره أمام زوجته الطاعنة بالشيخوخة ببراءة وابتسامة ملؤها الأمل والتفاؤل (- سأرى الجنة في وردة برية) … فمن ناحية الحدث القصصي ومفارقته ؛ فقد اجتهد القاص بإيصال الحدث القصصي بطريقة تتكئ على الرمز والمفارقة المدهشة والمُثمرة ، و التي وصفها يوسف حطيني (ثمة مجالان أساسيان تجول المفارقة فيهما ،هما مجالا الشكل الفني والموضوع ،اذ يمكن للقاص ان يسعى في داخل احدهما او في كليهما ،من اجل الكشف عن الحوامل الممكنة للثنائيات الضدية التي يرتضيها شكلاً للتعبير عن مكنوناته)  فقد دارت القصة حول العجوز كيفين المولع بحديقته والمأخوذ بجمالها وسحر وردة (الأوركيد) التي احبها حباً جماً و تؤنسه وتدهشه بظاهرها وباطنها والتي لطالما تمنى ان يرى فيها الجنة (يا إلهي متى أرى الجنة في وردة الأوركيد ؟) ، والمستمتع حد اللعنة بتلك الطقوس التي يخلقها لنفسه في أحضان جنينته بعيداً عن الأمطار والثلوج ، والذي لم يبرح قلبه الشك والوسواس والخوف مع كل مرة يتذكر فيها مدى حسد أهالي (سان تيور) له ، ومدى تقدم الوقت بشكل ممل وقاسٍ خصوصاً بعدما ايقن تماماً بأن التقاعد ماهو الا موت بطيء ، يسترعي منه الالتفات لأمرٍ ما يشغل به وقته ، و ان يصب جُل اهتمامه على شغفٍ بنكهة حُلم يأمل بتحقيقه ، ليقتل اليأس ويفجر آبار الأمل في قلبه الحائر ، ليجد ضالته أخيراً الا وهو تحويل مرتع الأبقار والخيول الى حديقة  لازوردية كأنها جنة زرعت بأنامل ملائكية، (بدأت حياة جديدة تدب فيها منذ الأسبوع الأول لأحالته على التقاعد ، حينها التبست أفكار الأمل واليأس في ذهنه ، ذات يوم ، وبينما هو جالس في باحة الدار مع زوجته ، يراقبان تحليق السنونو الذي يحوم حولهم ، اقتنع بمصارحتها :ـ التقاعد موت بطيء ، لابد من هدف . 
تساءلت وهي تقضم تفاحة : ماذا ستفعل ؟- سأفعل ما وشوش لي الملاك في نومي ، نعم ، قال لي ، ما زال ثمة وقت ، عليك بحديقتك المهملة)…
لتتمحور القصة حول تلك الحديقة بأسرارها التي كانت كالحلم الذي مات داخل زهرة ليولد داخل زهرة آخرى وبحلم جديد ، وقد كانت المفارقة في آخر القصة تحمل بين طياتها الكثير من الأوصاف المُبهرة (شرع يروي لها ما أفشت له الحديقة من أسرار ، مكث طويلاً وهو يتطلع الى السماء ، واخترقت الدموع وجنتيه ، تاركا ًزوجته تحدق به باندهاش … لكنه سرعان ما نهض ، صمت لحظة ، ابتسم وكأن إحساسا ً بالارتياح بدا على وجهه ليقول ببراءة :-سأرى الجنة في وردة برية) … اما الشخصيات فقد أولاها اهتماماً كبيراً من ناحية الوصف فكما ذكر محمد عزام (ان الوصف يعمل على الكشف عن الطباع الخلقية للشخصية من خلال الحوارات التي تجري على ألسنة الشخصيات وما يصدر عنها من الأفعال داخل الحكاية ، ورسم الشخصية يعمل على إضفاء صفة الجمالية على البناء القصصي) فقد أولى القاص اهتماماً خاصا بشخصيته من ناحية منحه اياها الأوصاف الخارجية والداخلية كون ميسيو كيفين كان يعاني من القلق والفزع و الهواجس والوساوس القهرية اتجاه حديقته حتى بات قلبه يقطن في متاهة الخوف اتجاه الكثير من الأمور مثل الحسد والثعبان وجارته والديكين والاعشاب الضارة ، وزوجته ولا اباليتها وعدم اكتراثها فكل تلك كانت بمثابة عوائق لحلمه الجليل ، وكما جاء في القصة (يؤدي واجبه و قلبه يخفق بالوساوس ، كلما تذكر أهالي سان تيور الذين يحسدونه ويرمون الأحجار في حوض السمك الملون الخاص به … فجأة ًأمسك كرشه الصغير وقال في خلده : أمر مزعج ، كأن نارا ً تشتعل في أحشائي ، لماذا ، الى متى هذا الخوف ؟ ) وهنا وظف الوصف توظيفاً تفسيرياً كما ذكر جيرار جينيت ( تكشف هذه الوظيفة في الوصف عن التركيب النفسي للشخصية وتفسير ماينتج عنها من أفعال وسلوك وتشير الى مزاجها وطبعها بطريقة تخدم وتكمل الحكاية) ، وقد وصف القاص الحالة الإنسانية والابعاد النفسية التي عاشها العجوز كيفين وهو متذبذب بين أحلامه الصغيرة وخيباته الكبيرة … وليس هذا حسب بل منح الاوصاف للشخصيات الثانوية كزوجته وجارته والسيدات الثلاث ، ومن ناحية وصف الأماكن التي تؤدي دوراً كبيراً في العملية الإبداعية باعتبارها الوعاء الذي يحتضن حدث القصة ، ويمنح انطباعات خاصة للقارئ ليحسسه بنكهة الجو المألوف والمناخ داخل القصة وكما وصفه عبيد محمد و سوسن البياتي (المكان يحتاج الى تركيز وصفي عالٍ يأتي على كل جزيئاته ومكوناته وقضاياه وتشكيلاته وقد يتوقف نجاح أي قصة على المهارة التي تتكشف عنها قدرة القاص على وصف المكان ) ، وكما وصف حديقته المكان الأليف بالنسبة له  فمن تلك المشاهد(كانت حديقة كيفين تستقبل رائحة البحر والروابي التي تحيط بها) و ـ(-نكاد لا نصدق ، يا إلهي ، كأن الملائكه هي التي زرعت هذا الورد تلألأت عيناه بنشوة الفرح ، وحين تجولون للاستراحة عند الينبوع ، وقفت احداهن وقالت مبتسمة: أنت محظوظ ، هل تعلم انك تملك كنزا ً ؟ وأشارت الأخرى الى وردة الكميليا وتساءلت : كم ثمنها يا ترى ؟ استحوذ عليهن العجب حين قال وبلا تردد : إن أزاله اي فصيلة يخل بإيقاع ونظام الأشياء في الحديقة) ولم يستثني القاص بمنح الأوصاف لكل الموجودات بتفاصيلها الدقيقة لكل ما حوله كنوع من أنواع الوصف بوظيفته التزيينية التي جعلت القصة كصورة إبداعية في ذهن المتلقي وإظهار البعد الجمالي للأشياء الموصوفة مثل شكل الحديقة والطاحونة الصغيرة و ناقوس الكنيسة والشمس والغيوم وغيرها من الموجودات  ، واخيراً قد لعب الوصف دوراً كبيراً في البناء الفني لقصة حديقة كيفين وتشكيل السرد القصصي ، من خلال ضمها للكثير من المقاطع الوصفية  المتنوعة من حيث الأشكال والتعابير بفنية تنطوي على بساطة مُلفتة للنظر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا