الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحية إلى التحالف الأتاتوركى الكردى وإلى الأمام تركيا الحديثة

عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)

2023 / 6 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


قادت الدولة العثمانية التركية الشرق الأوسط الإسلامى لأكثر من خمسة قرون ، فلماذا لاتقود الشرق الأوسط العلمانى أيضاً ، طرح التحالف الأتاتوركى الكردى الذى تحقق فى الإنتخابات الرئاسية التركية الأخيرة ، وبرغم خسارتها ، هذه الفكرة بقوة على المتابعين لمحنة الشرق الأوسط ، فهل يمكن أن تمثل تركيا الجديدة ، تركيا التحالف الأتاتوركى الكردى، القيادة والدولة النموذج التى يبحث عنها الشرق الأوسط فى معركته للتحرر من الموروث الإسلامى الذى إنبعث بعنف وأجهض محاولات التحديث الطويلة منذ السبعينات حتى اليوم ؟
الإجابة ببساطة هى نعم ، فقد وضع مجرد مشهد الإنتخابات الديموقراطية الحرة تركيا على سلم القيادة فى الشرق الأوسط مرة أخرى ، كما دعم ذلك الدور القيادى الممكن وجود مكونين ديموقراطيين علمانيين فى تركيا ، ليس لهما نظير فى سائر أنحاء الشرق الأوسط ، هما حزب الشعب الجمهورى الأتاتوركى ، والأحزاب العلمانية الكردية ، واللذان إستطاعا نسيان كل ماضيهما الصراعى وتجاوز كل العقبات الحالية، والتقيا على هدف هزيمة الفاشية الإسلامية ، من أجل تركيا علمانية ديموقراطية حرة ، إن تلك الحقائق الجديدة كافية وحدها لإن تشرف تركيا والشعب التركى وتعيده إلى مكان الصدارة فى الشرق الأوسط مرة أخرى ،،،
تأسس حزب الشعب الجمهورى سنة 1924 على يد مصطفى كمال أتاتورك، أبو الأتراك ، الذى قاد حرب الإستقلال التركية ضد الحلفاء بعد خسارة تركيا الحرب الأولى وإنهيار جماعة الإتحاد والترقى ، التى حكمت تركيا فى بدايات القرن العشرين والتى كان ينتمى إليها . إستطاع مصطفى كمال طرد اليونان من الأناضول بعد أن كانوا قد تقدموا فيها وأوشكوا على إزالة الدولة التركية وإعادة الإمبراطورية البيزنطية إلى الوجود مرة أخرى ، وفرض على الحلفاء معاهدة لوزان 1923 التى إعترفت فيها بالارضى التى تتكون منها اليوم تركيا الحديثة فى آسيا وأوربا ، وفى نفس السنة قام بإلغاء السلطنة والخلافة وأعلن تركية جمهورية ، وفى سنة 1928 أصبحت جمهورية علمانية وحذفت الفقرة التى تنص على أن الإسلام دين الدولة الرسمى ، وهكذا تم تأسيس تركيا القومية العلمانية الحديثة، بدستور علمانى ورئيس شديد الإيمان بالعلمانية وبمبادىء الثورة الفرنسية ، وبالنموذج الأوربى للحضارة ، والعداء الشديد للنهج الإسلامى، والذى لم يتورع عن وصفه بأفظع الصفات ، دون مجاملة أو مواربة ،،،
وبعد وفاة مصطفى كمال سنة 1938م قُويت حركة المعارضة ضد تسلط حزب الشعب الجمهورى فسمح خليفته عصمت إينونو وبسبب تأثير المثل الديموقراطية للحلفاء الغربيين فى الحرب العالمية الثانية بتأسيس نظام متعدد الاحزاب ، وظهر الحزب الديموقراطى - الإسلامى - بزعامة عدنان مندريس - كمنافس رئيسى لحزب الشعب الجمهورى ، وبدأ يكتسب شعبية بشكل ثابت حتى إنتصر فى إنتخابات عام 1950م وسمح إينونو بالإنتقال السلمي للسلطة فى تحدى كبير من أجل الديموقراطية ، ورغم قبول حزب الشعب بإنقلاب الجيش على مندريس وإعدامه بسبب ميوله الإسلامية سنة 1960 ، وبتدخل الجيش فى مناسبات أخرى حاسمة لحماية البلاد من الفوضى ، فقد أثبت حزب الشعب أصالة ديموقراطيته مرة أخرى عندما رفض إنقلاب الجيش ضد أردوغان سنة 2016 برغم ميوله الإستبدادية ، وظل على إيمانه بالديموقراطية حتى الإنتخابات الأخيرة التى قاد فيها تحالفاً علمانياً كان بينه وبين القضاء على حقبة أردوغان الإسلامية مجرد خطوة.
وبنفس الشكل إتخذت الحركة الوطنية للأكراد ، الذين يمثلون حوالى ربع الشعب التركى ، طابعاً قومياً فى العصر الحديث تأثراً بالحركة القومية فى أوربا ، ولذا فقد كان من الطبيعى أن تدخل فى صدام مع القومية التركية المسيطرة ، وشهد القرن التاسع عشر ثورتان كبيرتان للأكراد وهى ثورة بدرخان بك أمير بوتان سنة 1836 وثورة الشيخ عبيدالله النهرى فى منطقة هكارى بين الحدود العثمانية الفارسية سنة 1880، واللتان تعاونت السطات العثمانية والفارسية فى القضاء عليهما.
وفى القرن العشرين ، إكتسبت الحركة الوطنية الكردية زخماً كبيراً بعزل السلطان عبدالحميد الثانى، ووصول حركة تركيا الفتاة وجماعة الإتحاد والترقى إلى الحكم سنة 1908، وإعلانها لمبادئ الحرية والمساواة بين شعوب الإمبراطورية، ففى نفس السنة تأسس ناد كردى فى إسطنبول، وأصدر صحيفة بعنوان التعاون والترقى الكردى على نموذج جمعية الإتحاد والترقى التركية ، كما تأسست نواد مشابهة فى أنحاء متفرقة من تركيا.
وبعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى ، منح الأكراد حق تقرير المصير بموجب معاهدة سيفر 1920، لكن مصطفى كمال تمكن من قمع الحركة الوطنية الكردية وفرض معاهدة لوزان 1923 على الحلفاء والتى تم فيها تجاهل معاهدة سيفر. وكان من نتيجة ذلك ان أنفجر الأكراد فى ثورة كبرى إشتهرت فى التاريخ بإسم قائدها الشيخ سعيد بيران، لكن السلطات التركية وبإشراف مصطفى كمال نفسه، إستطاعت قمع الثورة وإعدام الشيخ سعيد مع قيادات الثورة.
وفى سنة 1927 إنفجرت ثورة أخرى فى جبال إرارات فى شمال شرق كردستان بقيادة حزب سياسى جديد يسمى خويبون بمعنى الإستقلال ترأسه الوطنى الكردى إحسان نورى باشا ، لكن السلطات التركية تمكنت من القضاء عليها بقسوة سنة 1931 كما حدث مع ثورة الشيخ سعيد . وفى سنة 1938 قضت السلطات التركية على ثورة دير سيم التى تزعمها الشيخ سيد رضا بالتعاون مع السلطات الإيرانية والعراقية من خلال حلف سعد الذى أنشأته بريطانيا بهدف القضاء على الحركات الإنفصالية فى الشرق الأوسط، فتم قمع الثورة وإعدام الشيخ سيد رضا ومعاونيه.
وفى سنوات الحرب الثانية ، حافظ الأكراد على الهدوء ، بشكل عام ، حيث كانوا يأملون أن تسجيب دول الحلفاء لمطالبهم القومية ، بعد أن تضع الحرب أوزارها . لكن أحد لم يهتم بمطالبهم حيث تعاظم مركز تركيا فى الشرق الأوسط بسبب ظروف الحرب الباردة.
وفى أعقاب إنقلاب 1960م ضد حكومة مندريس ذات التوجه الإسلامى ، قامت السلطات الجديدة بإعتقالات واسعة بين صفوف الكرد ، وفى حدود تلك الفترة بدأت المطالب القومية الكردية ترتبط بالحركة الإشتراكية التركية ومع فصائل اليسار ، وخاصة مع حزب العمال التركى. ومع إرتباط الحركة الوطنية الكردية بالحركات اليسارية التركية، بدأت السلطات التركية، بقيادة حزب العدالة ورئيسه سليمان ديميريل، بإتخاذ إجراءات أشد قسوة فى بداية السبعينات، مما أثار موجة من الإحتجاجات تزعمها تيار اليسار فى كل أنحاء تركيا. ونتيجة لتلك الإضطرابات قام الجيش سنة 1971م بإنقلاب سلمى وتولت حكومة إنتقالية السلطة ، وأعلنت حالة الطوارئ فى البلاد ، وبدأت فى قمع الحركة الوطنية الكردية وحركات اليسار، وظل ذلك الوضع سارياً حتى سنة 1973 حين أجريت الإنتخابات وفاز حزب الشعب الجمهوى وعاد إلى السلطة مرة أخرى فى إئتلاف مع حزب الرفاه الإسلامى بقيادة نجم الدين أربكان. ونتيجة لمساعى حزب الشعب الجمهورى أصدر مجلس الأمة التركية سنة 1974م قانون العفو العام ، والذى تم بمقتضاه إطلاق سراح المعتقلين السياسيين من السجون . وفى سنة 1978م نشأ حزب العمال الكردستانى ذو التوجه اليسارى، الذى إتخذ من العمل المسلح وسيلة لتحقيق مطالب الأكراد الوطنية ، والذى تصدر المشهد السياسى منذ الثمانينات وحتى اليوم ، كما تأسس فى بداية التسعينات فرع للحزب الديموقراطى الكردستانى- الذى نشأ أولاً فى العراق- بتوجهه القومى التقليدى.
تصاعدت حركة الأكراد القومية بالتحالف مع أحزاب اليسار وتطورت إلى كفاح مسلح ، هدد كيان الدولة القومية الذى أسسها مصطفى كمال ، مما أدى إلى إنقلاب عسكرى سنة 1980 بقيادة رئيس الأركان كنعان إيفرين ، والذى قام بقمع الإضطرابات بقوة السلاح ، لكن حكومة تورجوت أوزال التى تولت السلطة سنة 1983 عمدت إلى إجراء بعض الإصلاحات فى المناطق الكردية فى شرق البلاد، من أجل تهدئة الحالة الثورية فى البلاد، إلا أن ذلك لم يمنع حزب العمال الكردستانى من تفجير صراعه المسلح مع الدولة التركية سنة 1984 إنطلاقاً من شمال سوريا بشكل خاص ، والذى إستمر لنحو خمسة عشر عاماً حين قبض على زعيمه عبدالله اوجلان بنيروبى بكينيا سنة 1999م وصدر ضده حكماً بالإعدام خفف بعد ذلك إلى حكم بالسجن مدى الحياة.
ومع مجئ حكومة العدالة والتنمية إلى الحكم فى تركيا بقيادة أردوغان سنة 2002 بدأت محاولات التوصل إالى تسوية سياسية شاملة للقضية الكردية، وبدوره أعلن أوجلان من سجنه ببحر مرمرة سنة 2004 عن إستعداده للقبول بمطلب الحكم الذاتى بدلاً من الإستقلال التام ، وبدأت سلسلسة مشاورات سرية متقطعة مع حكومة العدالة والتنمية ، برعاية أوغلو وأردوغان ، والذى حاول إستثمار ماضى العداء المشترك للكماليين ، الذى يجمعه بالأكراد ، للتوصل إلى تسوية سياسية يدعم بها حكم العدالة والتنمية ، وبالفعل أعلن عن تسوية سياسية سنة 2012م، ووضعت موضع التنفيذ الفعلى سنة 2013 والذى توج بنجاح حزب الشعوب الديموقراطى الكردى، الجناح السياسى لحزب العمال الكردستانى، فى دخول الإنتخابات التشريعية وحصوله على 80 مقعد من مقاعد البرلمان بنحو 13% من الأصوات سنة 2015 ، لكن علاقات السلم لم تدم بسبب الظرف الإقليمى - فى الواقع - وبروز دور أكراد سوريا فى محاربة تنظيم الدولة الإسلامية - مما دفع بعناصر حزب العمال إلى العودة لإمتشاق السلاح ، والقتال مرة أخرى من أجل الإستقلال، وقد تدهورت العلاقات بعد ذلك بين الأكراد وبين أردوغان الذى لم يكتفى بإستمرار سجن عبدالله أوجلان بل أضاف إليه زعيم حزب الشعوب الديموقراطى صلاح الدين ديميرطاش، والذى قال فى حملته الإنتخابية الأخيرة بأنه لن يفرج عنه أثناء حكمه.
وبرغم كل هذه السنوات الطويلة من الكفاح ذو الطابع القومى فقد خفف الأكراد من لهجتهم القومية أخيراً إلى إيمان أكبر بالديموقراطية وحقوق الإنسان ، كما خففوا من مطلب الإستقلال إلى مطلب الحكم الذاتى فى تركيا ديموقراطية علمانية، وهو ماأفسح المجال لتحالفهم الثابت مع حزب الشعب الجمهورى فى الإنتخابات الأخيرة، وبرغم الخلاف حول التحالف مع أحد الأحزاب القومية المتطرفة، والمتاجرة الإنتخابية بقضية اللاجئين السوريين، فبمرجعيتهم المشتركة وتوجههم الحضارى الواحد ، قد واصلا التحالف وأصبحا معاً على بعد مجرد خطوة من الإطاحة بالفاشية الإسلامية الأردوغانية التى لم ينقذها سوى التحالف مع فاشى صغير إسمه أوغان،،،
قدمت لنا الإنتخابات التركية درساً كبيراً للمستقبل ، قدم أفضل مالديك من قيادات ولا تخضع للتوازنات والمراتب ، كن نفسك ولاتخشى العوام وتقدم وتحالف فقط مع نظرائك ولاتتاجر بالمبادىء ، فالصراع صراع مبادىء قبل أن يكون إقتصاد أو مصالح ، تحية إلى التحالف الأتاتوركى الكردى ، وإلى الأمام تركيا الحديثة ،،،
أهم المراجع ،،،
1-لماذا نجحت تركيا وفشلت مصر- عبدالجواد سيد
2-مختصر تاريخ الأكراد والثورة الكردية - عبدالجواد سيد
3-قصة مصر فى العصر الحديث، الصعود والإنحدار- عبدالجواد سيد
4-تاريخ الشرق الأوسط - بيتر منسفيلد - ترجمة عبدالجواد سيد
5-أتاتورك - أندرو مانجو - ترجمة عمر سعيد الأيوبى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التاريخ الأسود لعمالة الشيوعيين للموساد
ثامر فواز الشمري ( 2023 / 6 / 1 - 16:55 )
مو هذي النسبة في أعرق الديمقراطيات الغربية
هو أنت فاكر تركيا اليوم جمهورية بلحه والعسكر ونسبة 99%
المهم التحالف تبعك هذا عنصري انفصالي فاشل
ولولا الدعم غير المحدود غربيا خاصة في الإعلام
والمال الخليجي ما حصل نسبة تذكر
بس السؤال هل الذي فاز في الانتخابات الشعب أو الساعة والأحزاب؟
لعنة الله على الصهاينة وأدواتهم الشيوعيين الخونة
لا تنسى نسبة المشاركة الشعبية فاقت وتفوقت على الدول الأوروبية نفسها.


2 - الرد على الأستاذ تامر تعليق رقم 1
عبدالجواد سيد ( 2023 / 6 / 1 - 17:52 )
أستاذ تامر المقصود أن النسبة متقاربة وأن الفوز على أردوغان ممكن إذا تحالفت الأحزاب العلمانية ضده ، بالنسبة للدعم هناك خلط وإندفاع فى تعليقكم ، الغرب فعلاً وخاصة أوربا تدعم حزب الشعب والأكراد ولكن الخليج يدعم أردوغان كيف يمكن للخليج الرجعى أن يدعم أتاتورك، أستاذنا الفاضل مش كل حاجة عملاء وخونة وصهاينة أغانى قديمة نحن نعبد الديموقراطية وحقوق الإنسان ولانعبد ديكتاتور مثل أردوغان يتخذ من الدين وسيلة للحكم ، فى عرف الشعوب المتحضرة الدين لله والوطن للجميع ، وقد ذكرت لحضرتك فى تعليقات الفيس أننى وفدى قديم ولذلك فأنا أيضا أتاتوركى وكوردى وأؤمن بالحضارة الأوربية جارتنا الحبيبة ، التحية والتقدير وإلى الأمام تركيا الحديثة

اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال