الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا، بين طبيعة الدولة و طبيعة النظام

حسام تيمور

2023 / 6 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


الإشكال العميق في المسألة التركية، و علاقتها بما يسمى "الصراع" العربي الاسرائيلي، هو في التمييز بين "طبيعة الدولة"، و "طبيعة النظام".
إن الفهم الكلبيّ ل"طبيعة الدولة" على اساس الفهم السطحي ل"شكل النظام السياسي" يولد فهما مشوها، و عبيطا جدا، لطبيعة الدولة و طبيعة النظام معا !
تاريخيا، كانت اوراشاليم و الأراضي المحيطة بها قبلة للاتراك، حيث شارك هؤلاء في معركة القدس، مع جيش صلاح الدين الايوبي، ضد الصليبيين، كما كان لهم حضور، في عهد المماليك و حروبهم، و تحديدا الظاهر "بيبرس"، كما تقول المصادر التاريخية، حيث كان موكلا للمقاتلين الاتراك بحماية "يافا" بعد تحريرها من قبل هذا الاخير.
و قبل حوالي 350 عاما من الانتداب البريطاني، كانت الاراضي المقدسة تحت حكم الدولة العثمانية، و من بين الاسباب التي انتجت مفهوم "الانتداب" عوض "الاحتلال"، اضافة الى الوضع الاستثنائي للمنطقة، نجد قبل كل شيء" قبول تلك المنطقة"، بالاستعمار الانجليزي، او استئناسها به، كمخلص من الدولة العثمانية التي كانت قد وصلت فعليا الى مرحلة الفشل و الانهيار، و قبل ذلك باعتبارها دولة قهر و اضطهاد باسم الدين، او الولاية ..، أي باعتبارهم، اي سكان المنطقة او الولاية، "شبه مرتدّين"، عن الدولة، او "دين الدولة"، و منهم الاقليات العرقية و الدينية و السياسية، التي سارعت بالهجرة او الهروب الى هناك، و اليهود كذلك، و ذلك قبل صدور وثيقة "وعد بلفور" طبعا، المضمنة مع اول مصادقة أممية على الانتداب البريطاني، و ذلك باعتبارهم "خونة" او "متعاونين" مع الاستعمار.
هنا بالذات، حيث ستنطلق الهجرات اليهودية/الصهيونية الى الارض المقدسة، حيث أخذت الارض صبغتها الخصبة، في ظل ارتخاء قبضة الدولة، و في سياق صدور كتاب "الدولة اليهودية" سنة 1896، و بداية الحشد و التخطيط لمشروع اقامة "دولة اسرائيل"، و ذلك "قبل سقوط الأرض المقدسة تحت الانتداب البريطاني"، بشكل رسمي، و "رغم اصدار السلطان العثماني الأخير "فرمانا" يقضي بوقف هذه الهجرات"، قبل ان يتراجع عنه بسبب ضغوطات القوى الاستعمارية، و بعد ذلك حدث ما حدث على التوالي، من اعلان الارض المقدسة منطقة تحت الاحكام العرفية للانتداب البريطاني، مع تضمين مرسوم ملكي "وعد بلفور" مع بنود هذا الانتداب.
تشبه قصة الارض المقدسة و سكانها، من حيث البنية العامة، أي تاريخيا و انثروبولوجيا، قصة "يهود الدونما" في عهد السلطان محمد الرابع، و التي انتجت "يهود الاندلس" و "يهود فاس"، و الخليط الناتج عن الطائفتين نفسهما كذلك، "يهود المغرب"، في مرحلة تاريخية سابقة !
إن الوعي الثقافي العميق للاتراك هنا، يغفر لليهود المطرودين من ارض الخلافة العثمانية، لاسباب لها علاقة بالدين، او الهرطقة، او ادعاء احدهم "النبوة"، باسم طائفته، لكنه لا يستسهل ابدا، فرية "الانتداب" البريطاني، على الارض المقدسة، و غيرها الكثير من ارهاصات الانقسام و التشظي المودي الى سقوط حتميّ للدولة، و تلك الثورات و التمردات المشبوهة، التي تتولد في لحظة ضعف الدولة، و تدعمها القوى الاستعمارية المتربصة، بشكل مباشر، او تنخرط فيها بالدعم و التأطير او حتى التسليح و التجنيد و الضم الى مقدمة الجيوش المهاجمة! و هذا الوعي الثقافي تشكل عبر أكثر من محطة، و تقريبا، في اغلب مناطق النفوذ العثماني قبيل انهيار الدولة.
و كذلك لا يوجد مقابل لهذا النمط الاستعماري، في تاريخ الاستعمار، إلا "الحماية" الفرنسية، في منطقة شمال افريقيا، و التي اسست لدولة المغرب، او "المخزن اليعقوبي"، الذي كان لنفس اليهود مرة أخرى الدور الابرز في بنائه و الامساك بمفاتيحه، كما كان لهم دور آخر، في مسالة الهجرات اليهودية، المتأخرة، هناك.
إن الاتراك في المركز، و بعيدا عن الوازع الديني، او الارث العثماني المجرّد، بهذا المعنى، يعتبرون الفلسطينيين و غيرهم من رعايا الخلافة سابقا، هنا و هناك، "أوباشا" و قوادين مباشرين، للاستعمار الانجليزي و الفرنسي، أو خونة ساعدوا بريطانيا على التغلغل، او على الأقل،
"لم يقاوموا الاستعمار"، بشكل ذاتي، كما ينص على ذلك العرف القبلي، على ادنى مستوى طبعا، او قبل وازع الانتماء و الولاء لدين او دولة.
حدث كل هذا قبل خروج "مشروع" هرتزل" من قمقمه، و قبل ظهور الحركة الصهيونية على الأرض، للمطالبة بحقها التاريخي او الأزلي، كما تعتبره، في تلك "الارض"، و هنا تحول الانتداب، بشكل دراماتيكي، الى "وعد بلفور"، و طبعا، لم يجد المنبطحون للاستعمار/الانتداب، و المستأنسون به، أي اداة فعلية و فاعلة للمقاومة، و تم افتراسهم كالخراف، فور جلاء "الانتداب"،
و كما كان للانتداب كذلك دور مهم في توطين "ادوات" اقامة الدولة اليهودية، قبل سنوات من تاريخ النكبة، عبر التجنيد و التثقيف و غيرهما، مقابل نوم و استئناس "العرب و غيرهم"، فقد تصاعد العداء "الصهيوني" هذه المرة تجاه سلطة الانتداب البريطاني نفسها، و بشكل غير مسبوق، في مراحل معينة، لضمان استتباب الهجرات اليهودية لما قبل "النكبة"، حيث تعرضت مصالح "الاستعمار" في العالم باسره لضربات قاسية، من قبل منظمات و عصابات تعمل بالموازاة مع الحركة الصهيونية، بشعار "اسرائيل حرة" ، و كله طبعا، مقابل نوم العرب و تطبيعهم مع "الانتداب" ؟!
إن من لا يقر بالصراع القائم بين الامبرالية و الصهيونية، كقطبين اساسيين متناقضين و متنافرين، هو حتما، بيدق مجاني، و ليس فقط رخيصا، في يد احديهما، حتى و إن كان "مقاوما"، او "فدائيا"، فالغباء هنا واحد، و لا فرق بين الراية السوداء، او الحمراء !
وكما ان المشروع الصهيوني، ليس وليد سنة 1948 او 1917، بل هو مشروع قديم كذلك، شأنه شأن المشروع الصليبي، الذي لم يبدأ كصراع مع العرب، الذين لم يكن لهم وجود من اساسه قبل الاسلام !
هذا الصراع هو المعروف تاريخيا، بحملات الاسترداد ! التي كان هدفها، استرجاع الاراضي المقدسة، التي يعتبرها "الصليبيون" حقا للمسيح و الصليب و الكنيسة، و كذا الانتقام و التنكيل باليهود، الذين "كفروا" بالمسيح، و قاموا بتقديمه للصلب على يد الرومان ! و ما حدث من مذابح في هذا السياق تحديدا، يتجاوز كل ما لحق طبعا كما تجمع كافة المراجع التاريخية!
"و طبعا، دون اغفال أهمية المنطقة، اقتصاديا، بالنسبة لهواة التحليل المادي و الجيوستراتيجي".
و كما ان فتح "عمر ابن الخطاب" كذلك، لم يكن موجها بأي شكل ضد اليهود، سواء دينيا او عسكريا، او حتى "ثقافيا"، بل كان بمعية اليهود، و يهود الجزيرة، الذين منهم من اعتنق الاسلام، و منهم من بقي على يهوديته و شارك في الغزو او الفتح، و نال نصيبه من الغنائم !
و كما ان جيش صلاح الدين، كذلك، لم يكن يحارب "اليهود"، او اليهودية"، بل كان موجها ضد "الصليبيين"، الذين كانوا يذبّحون اليهود و يستعبدونهم، و ينفونهم من الارض، في مشهد يعادل "التطهير العرقي"، او "افران النازية" .. و منهم من شارك أيضا، اي "يهود الشام"، في ما يسميه جحاش "المقاومة" اليوم، معركة القدس، الى جانب "الاتراك"،
و مازال الى اليوم ممثلا، كارث تاريخي و فخر "يهودي" في جيش الدفاع اليوم، تحت اسم "لواء جُولاني"، و دون اغفال رمزية صلاح الدين عند بعض اليهود، كنبي مخلص غير مرسل، او كرديّ خدم اليهود اكثر من اليهود !
هكذا فإن "الارث العثماني" هنا، و مردوده الثقافي تحديدا، يغلب كفة "اليهودية" و "الصهيونية"، على الثقافة الوليدة، لما بعد الاستعمار الانجليزي/الفرنسي، رغم ان الصهيونية خرجت كما يظهر، من رحم هذا الاستعمار، لكنها، تمكنت من فرض واقع آخر جديد، فوق هذا الاستعمار.
واقع لم يقم فقط، بسحق القومية العربية الوليدة، باعتبارها تاريخيا، و في عهد "الدولة العثمانية"، احد اقطاب المعارضة، و احد اسباب تدهور الحكم السلطاني التقليداني، و الديني، المطلق، و احدى اهم ارهاصات تفكك الخلافة، من منظور الانثروبولوجيا السياسية.
بل كان هذا الواقع الجديد، بمثابة سحق و اذلال لفكرة "الغرب" الاستعماري نفسه، بجمهورياته الحرة، و تيجانه العريقة، و هو ما لم تستطع الجمهورية التركية الناشئة على اطلال الدولة العثمانية ، القيام به الى اليوم، كونها ببساطة "نتاج استسلام و سقوط لهذه الدولة"، و بمعنى انها وريثة للهزيمة و الاستسلام فقط
هكذا فإن العقل القومي العربي يظل تابعا ثقافيا للغرب، و الاستعمار، و إن ادعى محاربته، و مقاومته، و خادما له بالمعنى السياسي، او عندما نتحدث عن سؤال "الغاية" من الفعل السياسي في بعده الثقافي، و ببساطة لانه هو الصناعة الاستعمارية الوحيدة هنا، و من الانظمة القومية الى الكيانات الاصولية من السلفية الى الاخوان، و وصولا الى ما يسمى ب"الدولة الوطنية"، و الاقتصادات اللبرالية، و المجتمعات المدنية، الحديثة، المعاصرة، الى الارياف "الهجينة، او قرى الاسمنت، و الاقليات الدينية و العرقية ! و بكافة قضاياها التي تجد دائما داعما لها في الغرب، حسب تقلبات المصالح.
عندما نتامل "طبيعة النظام" في تركيا، نجد ان هناك دائما، جدارا سميكا يفصل بين النظام كأداة حكم و ممارسة للسياسة، و بين النظام كأداة ترتبط بطبيعة الدولة، و خاضعة لها، أو النظام السياسي، المحكوم ب"طبيعة الدولة" أو "المعنى التاريخي" للدولة .
و عندما يتحدث "مهرج" الممانعة، عن مواقف تركيا من فلسطين و اسرائيل، او زيف شعارات النظام السياسي، في نسخته "الاردوغانية"، فهو يتجاهل أن سياسة اردوغان و القدس، اساسا، مناقضة لطبيعة الدولة، و توجهاتها الكبرى، و هي مع الصهيونية و الفكرة اليهودية قطعا، ضد الغرب، و ارث الاستعمار و الانتداب.
و لو كان الأمر بيد "الخليفة العلماني"، لحذف قبل كل شيء "بند العلمانية" من دستور الدولة، تماشيا مع سياساته و توجهاته، و بمساعدة نفس الغرب، و حقق بذلك المصلحة الكبرى و الغاية المثلى لتنظيمات الاسلام السياسي، و رعاتها في الغرب، كما تقول نفس السردية، سردية المهرج المقاوم و الممانع في سن اليأس.
و هنا المدخل لفهم "طبيعة الدولة"، بعيدا عن مزايدات "غلمان الممانعة"، او كيف يثق جيش الدفاع الصهيوني في مطاعم "تركيا" التي كانت توفر وجبات جاهزة لجنوده على جبهات القتال في غزة، كما كان يوثق لذلك "الغزاويون" انفسهم، بعد انسحاب القوات الاسرائيلية، و في نفس الوقت كان اردوغان يهدد و يرغد و يزبد، و يرسل مليون جهاز "آيباد" لاطفال و مدارس غزة، من اموال "المسلمين" طبعا، و ليس "الاتراك".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ 7 عقود، فيتنام تدعو فرنسا للمشاركة في إحياء ذكر


.. غزيون عالقون في الضفة الغربية • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اتحاد القبائل العربية في مصر: شعاره على علم الجمهورية في ساب


.. فرنسا تستعيد أخيرا الرقم القياسي العالمي لأطول خبز باغيت




.. الساحل السوداني.. والأطماع الإيرانية | #التاسعة