الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حصيلة حركة النضال ضد غلاء المعيشة و مقترحات للسير بها قدما

المناضل-ة

2006 / 10 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


ردا على تصاعد غلاء المعيشة، بادرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى دعوة فروعها إلى أسبوع احتجاج وطني من 02 أكتوبر إلى 08 منه، مع سعي إلى التعاون مع غيرها من قوى النضال. أعطت هذه المبادرة حركة تنسيقيات شملت أهم المدن تقريبا، حيث قامت مكونات تلك التنسيقيات من فروع نقابية وحزبية وجمعيات محلية إلى جانب فروع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتنظيم وقفات احتجاجية تعرض بعضها للمنع.

مضى شهر على انطلاق هذه الدينامية نراه كافيا لوضع حصيلة وللتساؤل عن آفاق العمل وسبل تطويره.

لا شك أن مبادرة الجمعية، وما لقيت من تجاوب، تعبير عن حاجة ماسة إلى التصدي للتعديات المتصاعدة ضد الأحوال المعيشية لقسم عريض من المجتمع. فثمة حرب اجتماعية أتت على شروط العمل والحياة بفرض مستوى بالغ الارتفاع من البطالة، والهشاشة، وفرط استغلال النساء واضطهادهن، واستعباد الأطفال، وتدني الأجور، وضعف الحماية الاجتماعية، وتدهور ظروف العمل، هذا كله على نحو غير مسبوق ومنذر بتعاظم ظواهر الهجرة "السرية"، والآفات الاجتماعية المترتبة عن الإفقار الشديد، وارتفاع درجة إفراط التدين الناتج عن اليأس من كل مخرج من الأزمة، وما يشكل من أرضية خصبة لتوسع القوى السياسية الرجعية الدينية.

إنها سياسة دامت عقودا، كلها اغتناء أقلية طفيلية بالنهب والسلب، واشتدت من جراء تدبير مشكل الديون وجر البلد من قبل القوى الامبريالية إلى ما يسمى بالتبادل الحر منذ توقيع اتفاقية "الشراكة" مع الاتحاد الأوربي، ثم اتفاق التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى.

وقد تميز هذا الهجوم الكاسح بمسايرة قوى المعارضة التاريخية له، بل وإسهام إطراف منها في تنفيذه بالمشاركة في حكومة الواجهة، وشل ما تمسك بزمامه من منظمات النضال وحتى تفكيكها بعمليات انشقاقية كما حصل لقسم من الحركة النقابية.

ولقد جاء موقف الأجهزة النقابية مناقضا لتطلعات القاعدة والعديد من الأطر النقابية وعموم العمال، إذ لم يكن في المستوى المطلوب حيث بقي في حدود التنديد الكلامي الذي يعنى في آخر المطاف قبول ضربة إضافية للأجراء وعموم الكادحين بعد كل الويلات السابقة كالخصخصة، وإلغاء مكاسب عديدة بقانون الشغل، وإضفاء المرونة عليه، وإلغاء مجانية التعليم بما يسمى "الميثاق" ومجانية خدمات الصحة، وإلغاء دعم العديد من مواد الاستهلاك الأساسية، وسياسة اللاتشغيل، وتجريم العمل النقابي،الخ. كان ابسط واجبات النقابة العمالية الدعوة إلى إضراب عام دفاعا على القدرة الشرائية، ومن اجل تحسين عام لأوضاع الشغيلة.

و لم تشارك غالبية الأحزاب المنتسبة إلى اليسار في الحملة بفعالية وبتجنيد كامل قواها بما يتناسب مع أهمية مسألة المعيشة. وثمة أحزاب أخرى تدعي معارضة الحكومة الحالية، ولها قاعدة واسعة، تتجاهل موجة الغلاء وجهود التصدي لها.

ان الموقف هنا سياسي، قوامه خيار واع لمساندة الطبقات المالكة والمسيطرة في صراعها ضد القاعدة الشعبية العريضة، موقف ناتج عن تقييم للوضع السياسي بالبلد يرى في التعبئة الشعبية خطرا على الاستقرار الاجتماعي، و"الانتقال الديمقراطي"، علاوة على حسابات نيل شهادة حسن سلوك للفوز بحصص في البرلمان المقبل. هذا ما جعل حركة التنسيقيات ضد غلاء المعيشة سباحة ضد تيار جارف من الاستسلام للسياسات المعادية للشعب. سياسات لا تخفي الادعاءات والكلام المنمق شيئا من حقيقتها الصارخة، وهذا ما دفع أبواقا عديدة إلى التحامل على حركة لم تقم سوى بحد أدنى من واجب الدفاع عن حق البشر في حياة لائقة.

وبعيدا عن كل مبالغة في تقدير حركة التنسيقيات ضد غلاء المعيشة وقدرتها على صد العدوان، يتعين على مناضلي هذه الحركة النظر بموضوعية إلى حجمها ودرجة التجاوب الشعبي معها، واستجلاء مكامن القوة والضعف فيها.

تمثل حركة التنسيقيات الأولى من نوعها في الرد على إجراء ظالم لقسم عريض من المجتمع. فهي أول تعاون ميداني بين قوى مناضلة، بعد أن كانت النقابات وحدها تتدخل بالإضراب، أو كانت الجماهير الشعبية تخرج إلى الاحتجاج من تلقاء نفسها. وطبعا لا مجال لمقارنة فعل التنسيقيات بالإضرابات العمالية، ولا بالتحركات الشعبية العفوية، من زاوية حجم المشاركة والقدرة على الضغط. فبوجه عام كانت الاستجابة الشعبية للوقفات الاحتجاجية التي دعت إليها التنسيقيات متواضعة، لم تبلغ الآلاف سوى بمدينة طاطا بفعل التعبئة الشعبية القائمة فيها منذ 2005. ومن المثير للانتباه بهذا الصدد غياب مدينة ايفني عن التعبئة، وغياب الشباب الجامعي لا سيما أن طلاب فاس كانوا سباقين منذ نوفمبر 2005 إلى احتجاجات ضد غلاء خدمات النقل شملت الجامعة والإحياء الشعبية المجاورة.

باختصار بقيت الاستجابة دون مستوى حجم مشكل غلاء المعيشة، لكنه مستوى محفز بالنظر إلى عدم اعتياد الساحة الشعبية على هذا النوع من التدخل المنظم.

لا شك أن من أسباب نقص الاستجابة الشعبية ذلك الأثر السلبي لتواطؤ القيادات النقابية على معنويات القسم المتقدم من الجماهير، وحالة تباطؤ النشاط التي تجتازها جمعية المعطلين التي سبق أن أعطت المثال عن الاحتجاج الشعبي القوي، وتعثر انوية مناهضة العولمة –اطاك-. كما يمكن البحث عن أسباب هذا النقص في طرق العمل التي تعودت عليها منظمات النضال،لا سيما فيما يخص الارتباط بالجماهير الشعبية.

لا تكمن إذن الأهمية التاريخية لحركة التنسيقات في حجمها، ولا في مدى الاستجابة الشعبية لها، بل في نوعيتها.إنها تشكل، بعد لجان التضامن مع معتقلي مناجم ايميني في العام 2005 ، خطوة نوعية على مسار حركة النضال الشعبي بالمغرب.

آفاق الكفاح ضد غلاء المعيشة

بعد شهر من الاحتجاج وتأسيس التنسيقيات، تقف حركة النضال ضد الغلاء أمام سؤال آفاق المستقبل، أي الصيغ البرنامجية والعملية لمواصلة العمل وتطويره.

جلي أن جهود النضال ضد الغلاء لن تكتمل إلا بانضمام النقابات العمالية بصفتها اتحادات وطنية، وهذا ما يلقي على مناضلي اليسار داخلها واجب الدفاع عن الموقف النقابي السليم، المتمثل في الذود عن قدرة العمال الشرائية، والسعي من خلال أجهزة القرار لتبني هذا الموقف. كما يتوجب على المناضلين النقابيين تخصيب حركة التنسيقيات بإدخال طرق النضال العمالية إليها، بتنظيم إضرابات محلية عامة او قطاعية حسب الشروط الميدانية.

هذا ولا غنى لكل حركة نضالية تتوخى صد هجوم ذي طابع طبقي عن تنسيق وطني بمعنى تلاقي الجهود والأهداف وطنيا على نحو يتفادى تشتت القوى وتضارب المبادرات. لكن كل سعي إلى التوحيد يتطلب أوسع ديمقراطية تغلق باب الميول إلى اغتصاب حق المشاركين في الحركة النضالية في اتخاذ القرار، وتحول دون مصادرة مبادرات التنسيقيات المحلية و كامل صلاحياتها في التدخل محليا طبق ما تراه مناسبا. إن الديمقراطية، علاوة على ذلك، شرط للحفاظ على التنوع الذي يطبع التنسيقيات ويمثل إحدى أوجه قوتها، و شرط لتأمين جماهيرية حركة النضال ضد الغلاء. وجلي ان تنسيقية وطنية تضم ممثلين عن التنسيقيات المحلية هي الصيغة الأمثل كهيئة قرار مفتوحة للجميع، تنبثق عنها لجينة تنسيق تنفيذية، تقنية أكثر ما يمكن، تتحرك في حدود الصلاحيات المخولة لها من التنسيقية الوطنية.

لكن اكبر التحديات بوجه مناضلي حركة النضال ضد الغلاء تتمثل أساسا في تعميم التنسيقيات بباقي المدن والقرى، وتعزيزها و تأمين امتداد جماهيري لها، برفع درجة التحريض والتعبئة وسط المتضررين من الغلاء ( المناشير، العرائض، ...)، و بتنويع الأشكال النضالية الميدانية (وقفات، اعتصامات، مسيرات، حفز الامتناع عن أداء فاتورات الماء والكهرباء،...). ولن يتأتى هذا الزخم الجماهيري المطلوب دون رفع راية مطالب شعبية قادرة على لف أوسع المتضررين، وأهمها بنظرنا ما يلي:

إلغاء الزيادات الأخيرة في الأسعار

فسخ عقود التفويض لشركات توزيع الماء والكهرباء

التراجع عن إلغاء مجانية الخدمات الصحية (إلغاء مرسوم 30 مارس 1999 وتوابعه) ووقف ما يعد من إجهاز على مجانية خدمات عمومية أخرى منها التعليم( الميثاق)

زيادة عامة في الأجور ورفع حدها الأدنى القانوني

تطبيق السلم المحرك للأجور والأسعار

إحداث تعويض على البطالة

فرض الضريبة التصاعدية على الدخول المرتفعة والضريبة على الثروة

خفض نسب الضريبة على القيمة المضافة على مواد الاستهلاك الجماهيري

إلغاء الديون العمومية

استرجاع المال العام المنهوب من الضمان الاجتماعي والبنوك العمومية وباقي مؤسسات الدولة.

لقد أبانت الحكومة، بإصرارها على رفض تراجع فعلي عن الزيادات في الأسعار، و برفضها رفع الأجور، وبمضمون ميزانية 2007 ، أنها ستواصل هجومها على شروط حياة الأغلبية ومنها غلاء المعيشة. و تجد ملاذا في تمطيط المفاهيم و التلاعب بالأرقام لإبراز طابع اجتماعي مزعوم لميزانيتها، و تواصل التذرع بأسعار البترول في السوق العالمي، بينما ليست تبعية البلد المفرطة في مجال الطاقة سوى نتيجة سياسة الحكومات المتعاقبة منذ عقود. و من جانبهم يلح أرباب العمل المصدرون، ومعهم البنك العالمي، على خفض سعر الدرهم الذي يعني مزيد من الغلاء. هذا علاوة على أن الغلاء ملازم للسياسة النيوليبرالية بمجلها، لقيامها على الخوصصة وتسليع التعليم والصحة و كل شيء، وإلغاء دعم المواد الأساسية.

إننا إزاء حرب اجتماعية شاملة ستعصف بما تبقى من مكاسب طفيفة، ولن يوقفها سوى استنهاض قوى النضال بما يتيح بناء ميزان قوى شعبي، لأن مناهضة الغلاء جزء من مقاومة إجمالية تستدعي بديلا شاملا، وأدوات نضال كفاحية،عمالية، نسائية وشبابية، بالمدن والقرى، وبمقدمتها حزب العمال الاشتراكي.

عاشت تنسيقات النضال ضد الغلاء !

النصر لكفاح الكادحين المقهورين !

جريدة المناضل-ة

28 اكتوبر 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة