الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزء الثاني من : في قيادة مقتدى الصدر

اسماعيل شاكر الرفاعي

2023 / 6 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


- [x] الجزء الثاني

( 4 )

استراتيجية الهجوم
( 1 )
- [ ] في وقت مبكر من تاريخ العراق الحديث ، كان يوسف سلمان يوسف ( فهد ) 1901 - 1949 : يكتب عن الواقع الاجتماعي العراقي الذي بلغت تناقضاته حداً لا يمكن بعده العيش بأمان : ان لم يتم تحطيم بنية الواقع الاساسية التي تَشاركَ في تأسيسها : الاستعمار البريطاني والنظام المَلَكي ، وقاعدتهما الاجتماعية المتمثلة بالاقطاع والضباط الشريفيين . وقد جسد يوسف سلمان هذه الرؤية السياسية في قوله الشهير : " قووا تنظيم حزبكم ، قووا تنظيم الحركة الوطنية " الذي تم رفعه في المؤتمر الاول للحزب الشيوعي 1945 ، كتعبير عن موقف طامح الى نقض وتغيير ما يطفوا فوق سطح الواقع من عشائرية وطائفية ، كانت - هي السبب وراء تشرذم السكان وتوزعهم على عصبيات متصادمة ، او في احسن الاحوال غير متفاعلة . وفي هذا يكون وعي يوسف سلمان السياسي قد بلغ المعنى الحقيقي للتغيير ، وجعله هدفاً لنشاط حزبه السياسي : للارتفاع بالتجمعات الاهلية العشائرية والطائفية : من دوائر عصبياتها القديمة وتوحيدها تحت راية العصبية للوطن والدولة ، فشعار : قووا تنظيم حزبكم ، قووا تنظيم الحركة الوطنية : تعبير عن ارادة سياسية ترى : بان أي حزب في العراق ، اياً كانت مرجعياته المعرفية : دينية ام بشرية ، يكون نجاحه مشروطاً يدعم وجود احزاب المجتمع المدني الاخرى ، وليس التآمر عليها ، فقوته من قوتها ، وسيؤثر عليه ضعفها لا محالة : وقد قدمت احداث تاريخ العراق اللاحق منذ سنة 1945 تأييداً لهذه الرؤية …
- [ ] ( 2 )
- [ ] انتشرت افكار الحزب الشيوعي التغييرية ومعها توسع الحزب تنظيمياً بشكل لافت ، وتوسعت كذلك جميع الاحزاب التي تبنت استراتيجية الهجوم : خاصة احزاب جبهة الاتحاد الوطني 1957 التي لعبت دور القاعدة الاجتماعية لانقلاب 14 تموز 1958 الذي تحوَّلَ الى ثورة بفعل الاستراتيجية الهجومية التي تبناها الضباط الاحرار ، والتي تطابقت تقريباً مع الاستراتيجية الاساسية لاحزاب جبهة الاتحاد الوطني التي كانت تروم تغييراً شاملاً . لقد كانت الاستراتيجية الهجومية وراء انتشار الحزب الشيوعي العراقي في سنوات العهد الملكي ، وهو يقود المظاهرات الضخمة ضد سياسة الحكومات الملكية المتخاذلة ، ويتحدى قادته اعواد المشانق . وحين سمح الحزب لنفسه بان يتراجع خطوة الى الوراء ، ويسلم قيادة استراتيجية الهجوم ( هنا : اشير او اذكر بوقائع حدثت : لا افسرها ولا انتقدها ) في اطوار مختلفة من العهود الجمهورية ، تحوّلَ من حزب جماهيري حقيقي بامكانه قيادة مظاهرات مليونية الى حزب اقلية . وينطبق الشيء نفسه على حزب البعث الذي كان سبب انتشاره يعود لتبنيه استراتيجية هجومية ، ولكنها على عكس مقولة : " قووا تنظيم حزبكم ، قووا تنظيم الحركة الوطنية " كانت غاية استراتيجيته الهجومية : التفرد بالسلطة واحتكار القرار ، ومارس ازاحة الاحزاب الوطنية بأبشع اشكال الاضطهاد ، وسممَ حياة الناس بحروبه الخارجية مستخدماً في الحالتين : الاغتيالات السياسية والقتل الجماعي …
- [ ] ( 3 )
- [x] تتناغم استراتيجية الهجوم مع التكوين النفسي والثقافي والاجتماعي لاعضاء التيار الصدري : المتمسكين بعضوية عشائرهم وقبائلهم ، وما يتبع ذلك التمسك من الالتزام بتنفيذ اوامر شيوخهم في القيام بغارات مسلحة داخل المدن ( الدّگة العشائرية ) او التطوع في المواجهات المسلحة التي تقع بين العشائر باستمرار : من غير الشعور باي حرج من مفهوم سيادة الدولة ، او الشعور بتأنيب الضمير من انتهاك حرمة القضاء . فهل يصلح التيار الصدري وهو متمسك بهذا الولاء البدائي السابق على الولاء الوطني للدولة : ان يكون اداة التغيير الشامل : والتغيير يبدأ عادة باحترام سيادة الدولة فعلاً لا قولاً ؟
- [ ] تتطلب منهم سيادة الدولة : القيام بجمع السلاح فوراً من بطون قبائلهم ، ما ان يشكلوا حكومة الاغلبية ، كما تتطلب منهم سيادة الدولة : الكف عن اهانة القضاء بذبح النساء كالنعاج جهاراً ( غسل العار ) ، وان يخففوا الكثير من غلوّهم في النظر الى قائدهم نظرة تقديس ، فيبايعونه على الموت دونه : وهذا هو معنى التوقيع بالدم على طلب البقاء اعضاء في تنظيمه السياسي . متنازلين له عن انسانيتهم ، ومانحين له الحق بقيادتهم كالعبيد ، وهو ما يتضمنه التعهد . فهل شعار التغيير الذي يرفعه قائدهم يعني العودة بالعراقيين الى الوراء مئات السنين ، حيث نظام العبودية الذي تخلت عنه جميع المجتمعات البشرية ؟
- [x] انهم محكومون الآن بوعي ديني يفرض عليهم اتباع رجل الدين مقتدى الصدر في كل ما يصدر عنه من قرارات وتوجيهات و ( فتاوى ) ، وفقاً لمبدأ : التقليد الشيعي ( المتمثل برجوع غير العالمِم الى العالِم .. وفي الاحكام الشرعية الخمسة التي هي : الواجب والحرام والمستحب والمكروه والمباح ، يتمثل التقليد بالرجوع الى فتوى المجتهد الذي توفرت فيه شروط الاجتهاد والعمل برأيه ) وهذا يتنافى مع مفهوم المواطنة ومفهوم حقوق الانسان : فهل بامكان التيار الصدري القيام ببناء مؤسسات الدولة الحديثة لتحقيق التغيير المنشود : من غير التطبيق الفعلي لهذين المفهومين ؟
- [ ] فأي انواع الوعي سينتصر : هل سينتصر وعي الولاء للقبيلة ، على وعي الولاء لسيادة الدولة : فيرفضون جمع السلاح من بطون عشائرهم ، ويستخدمون هذا السلاح ضد الدولة اذا ما فكرت حكومة الدولة ببسط سيطرتها ، وتطبيق مبدأ السيادة للقضاء على مافيات : بيع السلاح ، وتهريب المخدرات ، ونهب المال العام ، وتكوين الشركات الوهمية .
- [ ] قد لا يشعر اعضاء التيار بالامان في دولة : معظم اجهزتها الامنية والقضائية مرتشية ، فيلجؤون الى العيش في ظل كتلهم الاجتماعية الكبيرة ، متمسكين بتقاليدها واعرافها ، وتنفيذ ما تفرضه عليهم تلك الاعراف من التزامات . وهم من زاوية نظر اخرى : يعيشون في مجتمع هرمي ذي فوارق طبقية صارخة ، وكلما ازدادت هذه الفوارق الطبقية حدة ، ازدادت آيدلوجيته الذكورية هيمنة : واصبحت علاقة العنف هي العلاقة الوحيدة التي تتوسط العلاقات الاجتماعية ، وليس قانون الدولة . وقد شجع العرف العشائري على تعميم حالة التعويض المالي كمعادل لما يلحق افراده من اذىً مادي او معنوي . لقد جففت علاقة المال هذه اي مشاعر انسانية في العلاقات بين العشائر ، وجعلت الناس تنسى التسامح كمقدمة ضرورية لنقل هذه التجمعات الاهلية درجة في سلم التطور الاجتماعي والفكري والسياسي . وحين اصبح عموم المجتمع يتعامل بمنطق جمع المال لحل المشاكل ، فقدت الاديان قدرتها على صناعة البعد الروحي وتسويقه . وهذا سيعمق من نهوض الهويات الفرعية ووقوفها بوجه الدولة .
- [ ] ولهذا يشعر اعضاء التيار الصدري بالسعادة والحبور حين يتلقون اوامر الهجوم من رئيس القبيلة او من قائدهم السيا- ديني . فهذه الاوامر تسحبهم فعلياً من اسفل الهرم الاجتماعي الذي يرزحون تحت ثقله . وهذا ما لاحظناه في مظاهراتهم وهجومهم المتكرر على السلطات في الخضراء ، وفي لعب دور الوصاية على متظاهري تشرين 2019 ، اذ تشعرهم تاكتيكات الهجوم بالتحرر من صنوف الكبت الدفينة التي يعانون منها منذ صولة الفرسان التي قادها نوري المالكي ضدهم في 2008 ، وهكذا يصبح مقتدى الصدر : الذي يزج بهم في مواقف تحدٍ عبر المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات ، وخاصة عبر الهجوم على الخضراء ، واحتلال البرلمان ورئاسة الحكومة : قائداً معبوداً ، اذ يمنحهم مع كل قرارٍ في الهجوم : اجنحة للطيران في عالم البطولة واساطيره الحالمة ، في وسط حرمهم من كل شيء ، حتى من امتلاك كرامتهم الانسانية كبشر …








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 5.4 مليار دولار تكلفة السيطرة العسكرية الإسرائيلية على غزة


.. تصاعد الانقسامات السياسية.. حرب غزة لم تنجح في توحيد الصف ال




.. طفلان يختبئان داخل تنورة والدتهما من البرد في غزة


.. كتائب القسام تعلن أن مقاتليها قطعوا إمداد قوات الاحتلال شرق




.. الترجي التونسي يستضيف الأهلي المصري في ذهاب الدور النهائي|#ه