الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استنزاف بوتين: تكتيكات واستراتيجيات الحرب

نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)

2023 / 6 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


تتعثر، وعلى نحو غير متوقع، حرب بوتين ضد الجارة أوكرانيا، وتأخذ خذه الحرب أبعاداً ومسارات أخرى غير محسوبة، وليس البتة كما خطط لها جنرالات الكرملين أو كما تمنى لها بوتين وأسماها ذات يوم عملية عسكرية محدودة لن تستمر سوى بضعة أسابيع، لكن، ها هي اليوم، تطوي شهرها السادس عشر من دون أفق أو توقيت لتضع أوزارها، في ظل انخراط كامل وشامل للغرب، وللولايات المتحدة تحديداً، في العمليات العسكرية وقيادتها عملياتياً من البنتاغون نفسه، مع غموض تام حول نهاية الحرب أو وجود مجرد تكهن وتصور لكيفية ومتى تحسم معاركها الصغرى مع إصرار عسكري غربي، واضح، كما يبدو، على إلحاق هزيمة مذلة ومجلجلة، بروسيا وجيشها، وهذا ما هو متوقع تماماً اليوم مع تدفق السلاح الهائل لأوكرانيا وإمطارها بسيل من المساعدات المالية واللوجستية، بما لا يشي بأي نزوع لتبريد ميداني، أبداً، بغية استنزاف بوتين مادياً ونفسياً وزعزعة ثقة الناس به وبشرعيته الداخلية وإحداث حالة من البلبلة والتذمر والامتعاض الداخلي وتأليب الرأي العام المحلي والدولي ضده باعتباره البادئ و"مجرم الحرب" الذي يرتكب الفظائع هناك، مع بروز وظهور أصوات ناقدة للحرب ولتكلفتها البشرية والمادية الباهظة ما سيؤدي، حكماً، ومع مرور الزمن، الذي يراهن عليه الغربيون جيداً، لتركيع بوتين، وتآكل صورته، تمهيداً لإسقاطه، والانقضاض على روسيا، تنفيذاً للهدف المعلن بتفكيك الاتحاد الروسي العقبة الكأداء أمام طموحات الناتو للهيمنة والسيطرة،
فما يحدث اليوم في الحرب القيصرية البوتينية هو تكرار واستنساخ حرفي للحرب القيصرية السوفيتية في أفغانستان من عملية استنزاف تام وتدريجي للقوة العسكرية الروسية حيث حلت الجيوش والمتطوعون والمرتزقة الغربيون من كل حدب وصوب لمقاتلة الجيش الروسي، مكان "الجهاديين الإسلاميين" الذين حاربوا الجيش الأحمر السوفييتي ثاني أكبر جيش بالعالم في حينه، واستنزفوه وأسقطوه في افغانستان ما أدى لاحقاً لهروب مذل وانسحاب من الميدان وسقوط وتفكك الاتحاد السوفييتي، بعدها، وبعدما مني بخسائر مروعة، إذ قدّرت إحدى الإحصائيات خسائر الجيش الروسية البشرية، اليوم، في أوكرانيا، بأكثر من مائتي ألف قتيل بمن فيهم من كبار الضباط والجنرالات والجنود، وهذا ما يعادل حجم جيش كامل في دول أخرى، والذين كانوا يستدرجون لكمائن في ساحات القتال حيث يتم قنصهم واصطيادهم كالعصافير وقتلهم، وكما يعرف بالعلوم العسكرية، فالقوة المهاجمة يجب أن تكون أضعاف أضعاف القوة المدافعة، وهذا هو السر في هذه الخسائر الكبرى والمؤلمة التي يتعرض لها بوتين وجيشه الذي مكث أشهراً طوال حتى سيطر على مدينة صغيرة مثل "باخموت" ما فضح حقيقة القوة العسكرية الروسية وخوائها وتواضع ادائها.
لكل حرب عبر التاريخ مفاجأتها التي غيـّرت مسارها، وقلبت موازينها، والتي لم تكن، أصلاً، واردة في الحسبان، وهي ذاتها-أي المفاجآت- التي تغيـّر، اليوم، وجهة ودفة ومسار الحرب، فلقد كانت القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما وناغازكي مفاجأة الحرب العالمية الثانية التي أرعبت دول المحور، وأدت لاستسلام اليابان، وحيث كانت القنبلة يومها رسالة لباقي الدول حول قوة وجبروت هذا السلاح، ما أدى لحسم الحرب لصالح "الحلفاء" الغربيين، وتبدو المسيـّرات الـ Drones التي وصلت قباب الكرملين، وانفجرت فوقه، وحيث كان القيصر يتناول عشاءه، مفاجأة هذه الحرب التي لم يحسب أحد حسابها ولم تدخل في المعادلات، ورغم أنها ما زالت تستخدم على نطاق ضيق واستحياء، لكنها ستغيـّر مسار الحرب، ومعها وجه العالم، ربما، ومرة واحدة إلى الأبد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمطار الغزيرة تغرق شوارع لبنان


.. تشييع جثماني الصحفي سالم أبو طيور ونجله بعد استشهادهما في غا




.. مطالب متواصلة بـ -تقنين- الذكاء الاصطناعي


.. اتهامات لصادق خان بفقدان السيطرة على لندن بفعل انتشار جرائم




.. -المطبخ العالمي- يستأنف عمله في غزة بعد مقتل 7 من موظفيه