الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزب العمال الشيوعى المصرى : موقفنا من حكم السادات

سعيد العليمى

2023 / 6 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


الناشر سعيد العليمى
تقديم : كاتب هذا المقال هو رفيقنا الراحل سعيد عبد المنعم ناطورة – وصاحب اسم القلم هشام محمد حسين – عامل من عمال الغزل والنسيج بمدينة الإسكندرية ، وعضو في لجنة حزب العمال الشيوعى المصرى المركزية ، والمسؤول الداخلى عن جريدة الإنتفاض . وقد نشر المقال أدناه أولا في جريدة الإنتفاض ثم أعيد نشره في مجلة " شيوعى مصري " طبعة الداخل .
مجلة الشيوعى المصرى – العدد السابع – مارس 1976.
( نقلا عن جريدة الإنتفاض- عدد السبت 24 يناير 1976 )
موقفنا من حكم السادات
يحاول اليسار الرسمى دائما تجنب الاشارة الى دور السادات كقائد للردة الوطنية الشاملة فى اتجاه امريكا واسرائيل والغرب الاستعمارى ، فهم يفرقون دائما بين السادات وبين ما يجرى من انبعاث للقوى اليمينية المغرقه فى رجعيتها فى بلادنا . ويتجنبون مناقشة نصوص اتفاقية الخيانة الوطنية الثانية التى عقدها النظام المصرى مع امريكا واسرائيل وعدم ابراز دور السادات الذى وقع على هذه الاتفاقية والبعض منهم ينحى باللائحة على الاتحاد السوفييتى الصديق لتقصيره فى حق السادات .
وهنالك من تحتوى جمجمته على تلافيف " الدهاء" الساذج ويتصور ان كل ما يجرى امام اعين الجميع هو محض مؤامرة خبيثة يخدع بها السادات امريكا حتى تنسحب اسرائيل . والمشكلة فى رأيه فقط تتمثل فى أن القوى الوطنية والتقدمية والصديق السوفييتى لا يفهمونه أما " الجادين" منهم فهم يقفون غير مصدقين ان من قاد حرب اكتوبر " الوطنية التحريرية " فى نظرهم يمكن ان يخون . وبعضهم يحاول " تعميق المسألة وينصح بعدم التورط فى اتهام السلطة الحاكمه بالخيانة الوطنية حيث يفترض ذلك المناداة باسقاطها وذلك هوالانحراف اليسارى بعينه فى رأيهم ويقسمون السلطة بطريقة لا نستطيع امساك أنفسنا من الضحك عليها .
فهى تنقسم فى رأيهم الى 1- خائن عميل . 2- متهادن مستميت فى التهادن 3- وطنى متقلص يخشى الصدام مع العنصرين السابقين ..الخ ( المقصود هنا هو الحزب الشيوعى المصرى الذى أعيد تأسيسه عام 1975 من فلول " حدتو" وغيرها من الحلقة الثانية في الحركة الشيوعية المصرية ) . تلك النظرات " الميكروسكوببة" التى تدعى الدقة للهروب من تسمية الاشباء بأسمائها الحقيقية وتحديد المسئولية المحددة للاشخاص المحددين الذين يمثلون نظام حكم بعينه ويقودونه نحو الكارثة الوطنية . ونحن بالطبع لن نقع فى الخطأ الشائع الذى يفسر التاريخ والاحداث تبعا لأمزجه الزعماء ونزواتهم أوبراعتهم أوغبائهم بل ان نظرتنا الى السادات على اعتباره قائدا للطبقة البرجوازية البيروقراطية الحاكمه الذى يقودها من أجل مصالحها فى سياق تاريخى محدد . ولقد قمنا من قبل بتحديد موقفنا من بعض اتجاهات اليسار الرسمى وميزنا وجهنا الثورى المعبر عن مصالح الطبقه العامله وجماهير الشعب المصرى وابرزنا خطورة الدور التضليلى الذى يلعبه هذا اليسار المزعوم لصالح السلطة الحاكمه وطبقتها من خلال محاكمتنا لمواقفها فى القضية الوطنية والديمقراطية . وسنحدد الآن موقف جريدتنا من نظام حكم السادات الأمر الذى ينسجم مع التحدد والوضوح الثوريين . اننا نؤيد بوضوح كامل لا لبس فيه اسقاط نظام حكم السادات والاطاحه الثورية بالسلطة الطبقية البرجوازية البيروقراطية للأسباب التالية .
أولا: فى اعقاب حرب اكتوبر 1973 عقد النظام المصرى مع الاستعمار الامريكى واسرائيل اتفاقية سياسية عسكرية وذلك فى 18 يناير 1974 ثم أعقبها بالاتفاقية الثانية فى اول سبتمبر 1975 وهذه الاخيرة اضافت ابعادا خطيرة فى علاقة النظام فى مصر بالعدو الصهيوني والاستعمار الامريكى بمقتضاها يكون الوضع كالتالى:
(1) انهاء حالة الحرب مع اسرائيل من الناحية الفعليه والسماح بمرور شحنات بضائعها من قناة السويس ناقلة بذلك العلاقات المصرية – الاسرائيلية من محور الصراع الدائر التناحرى الى محور التعايش وحسن الجوار مع هذا الكيان الاستعمارى الاستيطانى العنصرى الأمر الذى يعد خطرا يعيق المصالح الاساسية للشعب المصرى والشعوب العربية كما يعد نفيا للوجود الفلسطينى .
(2) حققت على التراب المصرى لأول مرة الوجود الاستعمارى للامبريالية الامريكية بادئة بقاعدة تجسس عسكرية تديرها قوة قوامها مائتين من الخبراء واضعة بذلك قوى التحرر العربية بما فيها المصرية والفلسطينية تحت التهديد المباشر للعسكرية الامريكية التى اكتوى بنارها الشعب الفييتنامى وشعوب الهند الصينية .
ثانيا (1) فتح نظام السادات الباب على مصراعية لدخول رؤوس الاموال الاستعمارية واضعا له كل التيسيرات اللازمة من قوانين ومناطق حرة وغيرها لاستثمار عرق الشعب المصرى ماديا وبشريا ومقوضا بذلك الاستقلال الاقتصادى النسبى الذى كان قد تحقق فى فترة صعود الطبقة البرجوازية البيروقراطية كطبقة اجتماعية . ويعنى ذلك وضع الشعب المصرى تحت القهر المزدوج للاستعمار بالتحالف مع هذه الطبقة الحاكمة الخاصة ذات المصالح التقليدية مع الاستعمار ، وايضا وضع الانجازات الوطنية السابقة فى خدمة الاحتكارات الاستعمارية ومن ثم اقرار السيطرة الاستعمارية على مصر سياسيا واقتصاديا .
(3) بعث نظام السادات الطبقات والفئات الرجعية القديمة ذات المصالح التقليدية مع الاستعمار والتى كانت قد صفيت كطبقات من قبل ، وفى هذا رفعت الحراسات عن اراضى وعقارات كبار ملاك الارض القدامى وصدر قانون رفع الايجارات فى صالح هؤلاء كما صدرت لصالح الرأسمالية الخاصة القوانين واللوائح والقرارات التى ترفع القيود عن التجارة الخارجية ، ومنحها التوكيلات التجارية التى تجعلها تعمل فى خدمة الشركات الاحتكارية الاستعمارية العالمية وكذلك تخفيض الحد الاقصى للشريحة الضريبية كما طرحت اسهم العديد من شركات القطاع العام للبيع لتقليص حجمه وتمويله فى الاطار الذى يستفيد منه الحلف الطبقى الرأسمالى . كما قام السادات بنفسه بالافراج عن جاسوس الاستعمار الامريكى مصطفى امين ، واستحضر أخيه العميل الآخر للاستعمار وأفرد لهما الصحف الرسمية وغيرها واعاد السادات كل أبواق الدعاية الاستعمارية من الخارج واتاح لاقلامهم وحناجرهم كل وسائل النشر والاعلام وأضاء لهم الاشارة الخضراء كى يقوموا بفتح النيران الكثيفة على كل ايجابيات العهد الناصرى ، كالسد العالى والقطاع العام ومعاداة الاستعمار والرجعية العربية والعلاقات مع الاتحاد السوفييتى والمعسكر الاشتراكى ...مثل هذه الايجابيات التى لم تعرف الجذرية نظرا لعداء الناصرية للحريات الديمقراطية للطبقات الشعبية وفى مقدمتها حق التنظيم المستقل . ولم يكتف السادات بهذا بل لقد قام بنفسه بقيادة حملة ظالمة مسعورة على الاتحاد السوفييتى الصديق الذى وقف الى جانبنا داعما ومؤبدا فى احلك الظروف والذى يعود اليه الفضل فيما يمكن أن تفخر به بلادنا كالسد العالى، ومجمع الحديد والصلب فى حلوان ، ومصانع الالمونيوم فى نجع حمادى وترسانه بناء السفن فى الاسكندرية ، واصلاح الآف الافدنة فى اراضى الصحراء ، واقامة شبكة كهرباء السد العالى والعديد من المشروعات الاخرى ، وايضا دوره الكبير فى دعمنا بالسلاح والوقوف الى جانبنا ضد الاستعمار على كل المستويات كما شن نظام السادات وابواقه الدعائية هجوما واسعا على المقاومة الفلسطينية واغلق اذاعتها فى مصر . اعتقل وطرد الكثير من الطلاب الفلسطينين ، وفى الوقت الذى يجرى فيه كل هذا فى الداخل لصالح الطبقات الرجعية الاستغلالية يجوع الكادحين والفقراء من الشعب المصرى وتقمع بقسوة اصوات احتجاجاتهم وانتفاضاتهم ولا يسمح لهم بأبسط الحقوق الديمقراطية .
ثالثا : (1) وعلى المستوى العربى يعقد نظام السادات علاقات التحالف مع الرجعية العربية وعلى وجه الخصوص السعودية ذلك النظام المغرق فى رجعيته وعمالته للاستعمار .
(2) كان لاتفاقية الخيانة الثانية التى عقدها نظام السادات أثارها المباشرة على المقاومة الفلسطينية فى لبنان حيث يتناقض وجود هذه المقاومة بشكل جذرى مع الحل الامريكى – الاسرائيلى – المصرى للقضية الفلسطينية . فينما ترى المقاومة الفلسطينية خوض حرب التحرير الشعبية حتى النهاية ضد الوجود الصهيونى الاسرائيلى من اجل اقامة فلسطين الديمقراطية العلمانية يرى الآخرون الاعتراف بأسرائيل وانهاء الحرب واقامة علاقات حسن جوار معها ...الخ الخ . الامر الذى يتناقض مع وجود البندقية الفلسطينية المصوبة الى صدر العدو الاسرائيلى ، ولذلك وحتى يتم استكمال خطط التسوية لابد من نزع هذه البندقية ولايهم بعد ذلك ماذا يكون مصير سكان المخيمات الفلسطينية . من هذا يأتى اتهام نظام السادات بالوقوف الى جانب قوات الكتائب الفاشية والجيش اللبنانى لضرب المقاومة الفلسطينية والقوى الوطنية التقدمية اتهاما موضوعيا .
(3) يمارس نظام السادات ضغطا على النظام السورى من خلال عقده لاتفاقات خيانه منفردة تجبر النظام السورى على استكمال السير معه فى التسوية بنفس الخطوات وفق الشروط الامريكية لعقد اتفاقية خيانة مماثلة.
(4) وكما قام السادات من قبل بالمشاركة في قمع الحركة الشعبية فى السودان فهو يتواطأ على تصفية الحركة الشعبية فى منطقة ظفار بالخليج العربى من قبل قوات انجليزية – ايرانية – اردنية مشتركة .
رابعا: وعلى المستوى العالمى يحل العلاقات مع الامبريالية الامريكية وحلفائها محل العلاقات مع البلدان الاشتراكية وقوى التحرر الوطنى فى العالم ويقوم بذلك على تقليص حجم التجارة الخارجية ذات الشروط الافضل للشعب المصرى – مع البلدان الاشتراكية وعقد الصفقات والاتفاقات طويلة الاجل مع البلدان الاستعمارية . ويستقبل السادات العديد من وفود الشركات الاحتكارية الاستعمارية ويتباهى امامهم بأن لديه ارخص يد عامله فى العالم . كما يقوم نظام السادات بتنظيم الاستقبالات الحافلة لزعماء الدول الاستعمارية ، " نيكسون " و"ديستان" وبقية زعماء البلدان الاستعمارية فى اوروبا وغيرها كما يحتفى كثيرا باستقبال شاه ايران عميل الاستعمار القوى فى منطقة الشرق الاوسط . ويعبر نظام السادات عن موقفه الآن بجلاء من قوى التحرر الوطنى فى العالم حينما يقوم بمبعوثه حسنى مبارك فى مؤتمر القمه الافريقى الاخير بمحاولات دؤوبه لامرار المخطط الامريكى فى انجولا الرامى الى عدم الاعتراف بسلطة الحركة الشعبية مموها ذلك بالحرص على وحدة الشعب الانجولى ومطالبا بتشكيل حكومة من الجبهات الثلاث فى الوقت الذى تقف فيه العديد من البلدان الافريقية والاسيوية وغيرها معترفة بسلطة الحركة الشعبية التى قادت ولسنوات طوال كفاح الشعب الانجولى ضد الاستعمار البرتغالى والتى تكللت بالانتصار الاخير ، وينظرون الى الجبهتين الاخريين كصنائع للاستعمار دفعت على المسرح مؤخرا، وعماد قوتها هو المرتزقة من جنوب افريقيا العنصرية .
ولم تكن تلك الردة الوطنية الشاملة على كل المستويات وفى كل المجالات مفأجاة لنا على اى وجه فقد كانت جريدة " الانتفاض" نفسها وليدة الحركة الديمقراطية التى كانت تقاوم ببسالة الخط الاستسلامى للسلطة الطبقية محذرة دائما من قيادة هذا الخط للكارثة الوطنية الى نشهدها الآن منعكسة على كل الاشياء . كما ان موقفنا من نظام حكم السادات ليس نابعا من رد فعل عاطفى متشنج خدع فى " وطنية" النظام ورئيسه والطبقة السائدة ، بل ولاننا اصحاب منهج علمى كذا نرى ان الطبقة البرجوازية البيروقراطية الحاكمة حتى وهى فى أوج تناقضاتها مع الاستعمار لم تكن تعرف اغلاق الباب نهائيا وتقطيع كل الجسور معه ، كما وان موقفها المعادى على طول الخط لحركة الجماهير الشعبية وعلى الاخص موقفها المعادى جذريا والمصفى للحركة الشيوعية يلتقى موضوعيا مع المصالح الاستراتيجية للاستعمار العالمى حيث يمثل ذلك اضعافا لقوى الثورة والتحرر الوطنى المناهض له . ومن جهة اخرى فان بنيتها الاقتصادية لم تكن لتستطيع الفكاك من قبضة السيطرة الاستعمارية على السوق الرأسمالي العالمى ثم هى ايضا كطبقة برجوازية انانية لم تعرف فيما ادعته من خطه وتخطيط لاقامة صناعات لا توفر للبلاد احتياجاتها الحقيقية . وهذا الاقتصاد الذى اقامته هذه الطبقة لم يكن ليقوى على أن يلعب دورا متماسكا فى حمل اعباء معركة وطنية فضلا عن تحويله الى اقتصاد حرب . والواقع ان هزيمة 1967 لم تكن هى التى جعلت الطبقة البرجوازية الحاكمة تلتقى مع الاستعمار وبكلام آخر فان تسليم هذه الطبقة للاستعمار والدخول معه فى علاقات تبعية جديدة لم يكن ليحتاج الى هزيمة كهزيمة 1967 فهى بحكم طبيعتها كرأسمالية بلد متخلف ومعادية لا بسط اشكال الليبرالية البرجوازية كانت ستلتقى حتما مع الاستعمار على المدى الاستراتيجى وفق ما يتراءى لدور التبعية الجديد الذى تراه ملائما لمصالحها . غير ان واقع الهزيمة جاء ليدخل التعديلات التى تتفق مع رغبة الاستعمار وعلى رأسه امريكا فى الاسراع باخضاع هذه البرجوازية التى سببت له ازعاجا فى مرحلة من تاريخها . اى ان واقع الهزيمة وضع الاساس الذى هو الاحتلال الاسرائيلى لسيناء – الذى يجبر السلطه الطبقية فى بلادنا على الخضوع التدريجى للمنطق الاستعمارى الامريكى والاسرائيلى المشترك منذ قبولها لقرار مجلس الامن 242 وللمبادرة الامريكية ولبقية حلقات السلسلة الاستسلامية . غير ان القضية فى نظر الاستعمار لم تكن مجرد الموافقة على قرارات أو مبادرات بل أنها التغييرات الخطيرة التى تجرى فى النظام نفسه فى مواقفه المحلية والعربية والعالمية بما يتلاءم مع أهداف الاستعمار . لقد اصبح اتجاه ترابط رأسمالية قومية متخلفة مع الرأسمالية العالمية بعد هزيمة 1967 يتم من خلال اعنف الضغوط وتجسد ذلك فى الاحتلال الاسرائيلى . فحتى يتم انسحاب اسرائيل من سيناء كان لابد لبرجوازيتنا الحاكمة ان تتبع سلوكا يحظى برضاء الاستعمار الامريكى ويتلاءم مع مصالحه وأهدافه طالما هو الذى فى يده مفاتيح الحل فعلى قدر ما تفرط وعلى قدر ما تسلم على قدر ما تحصل من أرض فى سيناء .لقد فرضت الهزيمة وواقع الاحتلال الاسرائيلى ان يكون الاستعمار الامريكى هو الذى يفرض الاساليب والاشكال والمعدلات التى تتم بها التسوية ، وعلى هذا الأساس جرت وتجرى كل حلقات وخطوات التسوية الاستسلامية التى ترمى فى النهاية الى احلال السلام الامريكى . وبهذا السياق التاريخي المحدد شهدت الفترة من قبول مبادرة روجرز فى اغسطس 1970 حتى 6 أكتوبر 1973 اخطر التغييرات فى سياسة السلطة الرأسمالية الحاكمة على كل المستويات : ففيها بدأت العلاقات مع البلدان الاستعمارية فى اووربا الغربية تتعزز فى المجالات الاقتصادية والسياسية .. ... هدمت الكثير من الجسور فى العلاقات مع الاتحاد السوفييتى ، وفتح الباب امام النمو الرأسمالى التقليدى ، وشن الهجوم على عبد الناصر الذى كان وما يزال رمزا وطنيا بالاضافة الى قمع الحركة الوطنية الديمقراطية الشعبية الوليدة ...الخ الخ . لقد مثل كل ذلك نقاط التقاء حاسمه مع الاستعمار الامريكى ، وبالرغم من القطيعة الدبلوماسية التى كانت قائمة وقتها . وبصفة خاصة فلقد كان لاقدام السادات على اعلان مبادرته فى تلك الفترة وردوده على اسئلة يارنج الاسرائيلية وتدخله الرجعى السافر لقمع الحركة الشعبية فى السودان لقد كانت تلك خطوات شديدة الايجابية فى نظر الاستعمار . ايضا فلقد شهدت تلك الفترة بالذات نهاية فترة قصيرة كانت فيها العلاقات المصرية – السوفييتية مزدهرة وبدت معترضة لهذا السياق غير ان الهزيمة وورطة النظام الناتجة عنها اوجبت تعزيز هذه العلاقات فى النواحى الاقتصادية والعسكرية حتى يمكن مقاومة الشروط الامريكية الاسرائيلية بالاستسلام دون قيد أو شرط لأطول فترة ممكنة . وفى أعقاب مبادرة روجرز شابت العلاقات المصرية – السوفيتية حالات من الفتور وصلت ذروتها عند طرد السادات للخبراء السوفييت مصورا ذلك باعتباره تحريرا للارادة الوطنية من السيطرة الاجنبية . ولم تفلح معاهدة الصداقة التى ابرمت فى اعقاب انقلاب 15 ما يو لطمأنة السوفييت بعد تصفية اتجاه على صبرى – شعراوى جمعة الذى كان أكثر استعداد للتمسك فترة اطول بهذه العلاقات – لم تفلح تلك المعاهدة والمستمرة حتى الآن فى وقف التدهور المستمر فى العلاقات المصرية – السوفييتية حيث يجرى تصفية هذه العلاقات تدريجيا فى اتجاه القطيعة النهائية طبقا لما يمليه السياق التاريخى المحدد الذى تتحقق بمقتضاه التسوية على الطريقة الامريكية . ولم تأت حرب اكتوبر قافزة على هذا السياق بل كانت مغامرة محسوبة فرضتها أزمة الضغوط التى مورست على النظام المصرى فيما عرف بحالة اللاحرب واللاسلم ( وسرعان ما واجه النظام في اعقابها الكارثة العسكرية فى الثغرة ") بعدها راح السادات يعلن عن مبادرة جديدة لاتفاق سلام مع اسرائيل وهو فى قمة زعمه عن الانتصار. ثم أعقب ذلك الاتفاقيتين الاستسلاميتين بكل ما احتوتهما من نصوص وبكل ما افرزتهما من نتائج تبرهن على أننا لا نجنى سوى الحصاد المر لهزيمة 1967- وليس الانتصاراالمزعوم لأكتوبر فلقد اجبرت مصر على الخضوع فى النهاية للشروط الامريكية الاسرائيلية . تلك هى الاسس والاعتبارات التى نبنى عليها موقفنا الآن الذى يطالب بإسقاط حكم السادات.
ويقتضى طرحنا لشعار الاطاحة بحكم السادات ان نقف وقفة قصيرة للتوضيح :
ان اى قوى للثورة الاشتراكية مهما يكن وزنها فى الواقع لابد وأن يكون هدفها على المدى الطويل الاستراتيجى هو الاطاحة بسلطة البرجوازية وديكتاتوريتها وتقويض الاسس البرجوازية للنظام القديم واقامة النظام الاشتراكى الجديد . وعلى ذلك فلايمكن القول بالثورة الاشتراكية على الاطلاق الا بهذه الاطاحة . ولقد كانت هناك قبل حرب أكتوبر بعض التحفظات التاكتيكية على شعار الاطاحة بالسلطة الطبقية للبرجوازية وهذه التحفظات كانت نابعة من تقدير وزنا للتناقض كان مازال موجودا برغم ضعفه الشديد بين برجوازيتنا الحاكمة والاستعمار وقد تمثل هذا التناقض فى كون ان هذه البرجوازية كانت ما تزال داخل شبكة العلاقات التاريخية التى خلقتها فى فترة صمودها مع البلدان الاشتراكية وحركات التحرر الوطنى وفى مواجهة وضد الاستعمار وحلفائه داخل البلاد وفى المنطقة العربية . كما ان هذه الطبقة الحاكمة برغم طريقتها ووسائلها المتهادنة فى الصمود امام الاستعمار ، وبرغم اتجاهاتها الاستراتيجية فى فترة انحدارها كطبقة رأسمالية فى الالتقاء مع الاستعمار فى النهاية ، فهى لم تكن قد انتقلت بعد فى تلك الفترة الى ضفة الاعداء التاريخيين للشعب المصرى . يضاف الى هذا ان واقع القوى الثورية الوليدة التى كان قولها بالاطاحة المباشرة بالسلطة الطبقية وتجاهل ذلك التناقض مهما يكن وزنه الضعيف فى ذلك الحين كان يعتبر مغامرة يسارية وكان هذا يعنى وضع قيود تاكتيكية على شعار الاطاحة هذا غير ان ما آل اليه حال الطبقة الحاكمة من تدهور خطها الاستسلامى بقيادة السادات فى زمن ما يسمى باللاحرب واللاسلم ثم بعد حرب اكتوبر بكل النتائج الخطيرة التى جاءت بهما الاتفاقيتين الاخريتين ثم ما كان من انفتاح شامل على امريكا والغرب الاستعمارى وردة وطنية شاملة فى كل المجالات واعلان ذلك كسياسة رسمية للدولة لم يعد هناك معنى لتلك التحفظات السابقة التى كانت موضوعة على شعار الاطاحة فلقد اصبح الاساس الآن هو ان حل التناقض بين البرجوازية الحاكمة فى مصر والاستعمار يتم على اسس استسلامية تمثل خيانة سافرة لمصالح الشعب المصرى واصبح الدور الرجعى الخائن الذى تقوم به السلطة الطبقية بقيادة رئيسها السادات هو الواقع الاساسى. وبالتالى فأن الاستمرار فى الابقاء على تلك التحفظات التاكتيكية القديمة يعنى تخاذلا وتواطؤا على كل ما يقوم به نظام حكم السادات من رده وطنية شاملة . ويبقى ان نقول فى هذا الصدد ان ما يحول دون القول بالاطاحة المباشرة بالسلطة الطبقية لهذا النظام هو ان الحركة الثورية لم تصل الى مستوى يمكنها من تحقيق ذلك وان امامها المدى الاستراتيجى الطويل المقبل كى تقوم بالتحضير الثورى لهذه الاطاحة . غير ان الطابع الاستراتيجى البعيد للاطاحة بالسلطة الطبقية لا يؤدى بنا اللى الابتعاد عن المواقف التاكتيكية من بعض أقسام هذه السلطة وطبقتها ، من بعض قطاعاتها .. من بعض حكوماتها .. من بعض ابرز حكامها وممثليها .. من أشكال حكمها .
الاطاحة بشكل الحكم .
والاطاحة بشكل معين للحكم البرجوازى لا يشمل الاطاحة بالطبقة البرجوازية نفسها فالشعوب التى تناضل ضد الديكتاتورية الفاشية كشكل تحكم به البرجوازية فى بلادهم يجعل من الاطاحة بهذا الشكل من الحكم الرأسمالى مهمة اولى فى نضال هذه الشعوب كما حدث فى اليونان والبرتغال وكما حدث من قبل فى البلدان التى وقعت تحت الحكم الفاشى قبيل الحرب العالمية الثانية واثناءها وعلى الرغم مما يبدو من وضوح هذه القضية الا انه قد شابها الكثير من الغموض فى بلادنا فمجرد أن يشتم من احد القول بالاطاحة او الاسقاط حتى يرمى بالمغامرة اليسارية والتطرف اليسارى حتى قبل ان يعرف بالضبط ماذا يراد الاطاحة به او اسقاطه ، ولقد ارتدت قضية الاطاحة بشكل الحكم الاستثنائى الديكتاتورى المعادى لابسط اشكال الديمقراطية البرجوازية فى بلادنا اهمية حاسمة فى علاقتها بالقضية الوطنية . فلقد كان عبد الناصر حاكما مطلقا يجمع فى يده كل السلطات ويقدم نموذجا لزعيم بونابرتى فى العالم الرأسمالى المتخلف ففى القضية الوطنية كان يكيل الضربات الموجعة للاحتكارات الاستعمارية ولكنها ضربات لا تعرف التصفية النهائية وقطع كل الجسور مع الاستعمار ومن ناحية اخرى يقدم شكلا استثنائيا للحكم البرجوازى المعادى لابسط الحقوق الديمقراطية البرجوازية ويصفى أولا بأول اى حركة ثورية ، ويقمع بقسوة لا متناهية الحركة الشعبية مما يعنى انفراد البرجوازية وسلطتها فى تلك الفترة بمواجهة الاستعمار بكل ما تحمله مواقفها من ترددات وتهادنات ، ومثل ذلك جدارا هشا لا يقوم على اساس فى المقاومة اذ انهار بمجرد ان لمسته يد الامبريالية بواسطة اسرائيل فى 1967 . ولقد كان النضال ضد هذا الشكل الديكتاتورى البوليسى الفردى فى الحكم يحتل نفس الاهمية التى يحتلها النضال ضد الاستعمار وهذا ما لم تفهمه الحركات الثورية فى ذلك الحين فلقد اعتبرت ان الاطاحة بشكل الحكم والاطاحة بالسلطة الطبقية للبرجوازية شيئا واحدا وادى ذلك الى القول ان النضال من اجل انتزاع الحقوق الديمقراطية التى تؤدى الى تغيير شكل الحكم هو تغليب لتناقض يعتبرونه ثانويا على التناقض الرئيسى مع الاستعمار فى حين كان النضال ضد الاستعمار يستلزم اول ما يستلزم النضال ضد ما يحول دون الشعب والتصدى للاستعمار وبالتالى لا يمكن الفصل التعسفى بين هذا وذاك كما لا يمكن اعتبار ان النضال ضد معوقات النضال ، ضد الاستعمار امر ثانويا والنضال ضد الاستعمار امر رئيسى فكلا الاثنين تناقض رئيسى واذا كانت قضية الاطاحة بشكل الحكم تحتل هذه الاهمية الحاسمة فى فترة صعود الطبقة البرجوازية البيروقراطية الحاكمة .. فترة توجيه الضربات للمصالح الاستعمارية فقد كان من المنطقى بالاحرى ان تزداد اهمية هذه الاطاحة بشكل الحكم الديكتاتورى البوليسى بعد 1967 وبعد انتهاج البرجوازية للخط الاستسلامى للاستعمار وفتح الابواب امامه على مصراعيها. لقد كانت القضية الديمقراطية والاطاحة بشكل الحكم الديكتاتوري تمثل دائما فى بلادنا قضية اساسية فى كل الفترات وعندما يزداد توغل السلطة فى خط الاستسلام وعندما تجعل من الكارثة الوطنية فى بلادنا امرا واقعا تصبح هذه القضية اى قضية الاطاحة بهذا الشكل الاستثنائى من الحكم قضية شديدة الخطورة وبالطبع فسوف يقترن شعار الاطاحة بشكل الحكم فى هذه الحال باسقاط هؤلاء الحكام المحددين الذين قادوا بلادنا نحو هذه الكارثة . ولسوف يرفع الشعب المصرى قريبا شعار اسقاط السادات صديق الاستعمار ونظام حكمه . لقد كان شعار الجمهورية البرلمانية الذى طرح فى اعقاب انقلاب مايو 1971 شعارا صحيحا يجعل من البرلمان مصدرا لكل السلطات وحيث يأتى رئيس الجمهورية عن طريفه وليس عن طريق الصيغة البونابرتية الحالية " الاستفتاء "الأمر الذى يجعل البرلمان يستطيع عزل رئيس الجمهورية فى أى لحظة وليس العكس كما هو جارى الآن . غير ان مجمل التطورات شديدة الخطورة التى أدت الى رفع القيود على شعار الاطاحة بسلطة البرجوازية قد جعلت من مزج شعار الجمهورية البرلمانية بالمواقف الجديدة والخطيرة للطبقة الحاكمة فى القضية الوطنية والديمقراطية ضرورة لاغنى عنها وهذا لا يعنى تخطئة لشعارالجمهوريه البرلمانية ولكنه يعنى ان هذا الشعار اصبح يجرى النضال من اجله فى سياق تاريخى مختلف انتقلت فيه البرجوازية الحاكمة فى بلادنا الى صف الاعداء التاريخيين وقد انتقل نضال الشعب المصرى بدوره ضد الاستعمار من المحور البرجوازي الى المحور البروليتاري ولن يكون هدف النضال ضد الاستعمار هو انجاز استقلال نسبى كالذى حققته البرجوازية الحاكمة فى فترة صعودها وانما سوف يكون نضالنا مستهدفا الاستقلال الجذرى الذى نعلم انه لن يتحقق الا بعد الثورة الاشتراكية غير ان هذه الثورة نفسها لا يمكن ان يجرى النضال من اجلها بعيدا عن النضال من اجل الاستقلال النسبى الذى جرى ويجرى التفريط فيه بل سوف يدمجه فى سياق النضال من اجل الاستقلال الوطنى الجذرى الناجز . ان الاطار الجديد للصراع ضد السلطة الطبقية والاستعمار سوف يدعو الطبقات الشعبية الى النضال تحت قيادة الطبقة العاملة من اجل القضاء على النظام الرئاسي فى الحكم وتحقيق نظام ديمقراطي يكفل كل الحقوق والحريات الديمقراطية بما فى ذلك حق تكوين الاحزاب السياسية وحق اصدار الصحف للقوى السياسية للطبقات الشعبية والوطنية وحق الاحزاب في التظاهر والاجتماع واستقلال الاتحادات والنقابات والغاء كل القوانين الاستثنائية والمقيدة للحريات الديمقراطية .. الخ وايضا كل التغيرات الدستورية والقانونية التى تؤدى الى دستور ديمقراطى حقيقى توضع على أساسه كافة القوانين بدلا من الدستور البرجوازى البيروقراطى الحالى الذى يضع كل السلطة فى يد رئيس الجمهورية . ان الاطاحة بشكل الحكم يضع اطارا للنضال الثورى من اجل تحقيق الاهداف الوطنية المباشرة والجذرية والاهداف والحقوق الديمقراطية الاقتصادية والمهنية وكل هذا يجرى ضمن النضال من اجل الاشتراكية . انه ايضا دعوة للطبقات الشعبية لكى تناضل من اجل مقاومة البرجوازية الحاكمة فى كامل سلوكها : فى دخولها ، فى اساليب ممارستها للحكم ، بفرض الحقوق التى لا يمكن فرضها عليها وبانتزاع ما تتمتع هى به من امتيازات ومزايا كما لابد لنضال جماهير العمال من اسقاط السادات صديق الاستعمار ونظام حكمه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعرف على السباق ذاتي القيادة الأول في العالم في أبوظبي | #سك


.. لحظة قصف الاحتلال منزلا في بيت لاهيا شمال قطاع غزة




.. نائب رئيس حركة حماس في غزة: تسلمنا رد إسرائيل الرسمي على موق


.. لحظة اغتيال البلوغر العراقية أم فهد وسط بغداد من قبل مسلح عل




.. لضمان عدم تكرارها مرة أخرى..محكمة توجه لائحة اتهامات ضد ناخب