الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-حطام- مسرحية من فصل واحد

رياض ممدوح جمال

2023 / 6 / 2
الادب والفن


مسرحية من فصل واحد

تأليف : رياض ممدوح جمال

المكان : بلاد طاردة لشعوبها.

الزمان : زمن الحروب المتواصلة.

الشخصيات :
الرجل : شيخ في الخامسة والسبعون من العمر.
المرأة : عجوز مسنة في السبعين من العمر.
المنظر : (غرفة قديمة مهملة ومتداعية، فقيرة التأثيث تماما، الرجل والمرأة كلا
في فرشة نومه، المنفصلتين والمتوازيتين، مسندين ظهريهما على الحائط
المواجه للجمهور. وكلا منهما يغطي الجزء السفلي من جسمه بالأغطية
المتهرئة. طول العرض كأنهما نصفي تمثالين لا حراك فيهما سوى الكلام،
ونظراهما موجهان نحو الجمهور فقط).

المرأة : هل تحس بالبرد؟
الرجل : ليس تماما، فالجو لم يزل دافئ. لم يأت الشتاء بعد.
المرأة : صحيح، لم نزل في بداية فصل الشتاء، وحسنا فعلت، فقد ارسلت مدفأتنا
الوحيدة بيد ابن جارنا لإصلاحها فهي عاطلة، ويجب تهيئتها منذ الان.
الرجل : الشتاء الماضي كان قارصا جدا، واقبل قبل هذا الوقت من السنة.
المرأة : لقد قاسينا من البرد كثيرا العام الماضي.
الرجل : العام الماضي، وكل الاعوام الماضية، قاسينا من البرد شتاء في بيتنا
القديم اما هذه السنة، سوف لن نحس بالبرد في بيتنا الجديد هذا.
المرأة : (تضحك) ايهما القديم وايهما الجديد؟ هل يصح ان تسمي بيتنا الذي كان
في منطقة حديثة وبنائها حديث، تسميه بالقديم، وبيتنا هذا الايل
للسقوط، تسميه جديد؟
الرجل : اقصد البيت العصري الذي كنا نسكنه سابقا، والبيت الحالي هذا. فان
البيوت العصرية مبنية من الإسمنت فتكون غير عازلة للحرارة، بل
بالعكس، فهي تكون باردة جدا في الشتاء، وشديدة الحرارة في الصيف،
اما هذه البيوت فهي من الحجر والجص، تكون عكس البيوت العصرية.
المرأة : لا أدري ماذا أقول لك، لم يجد ولن يجدي الحديث معك في هذا
الموضوع. وانا قد نزلت عند رغبتك بهذا البيت ، ولا حول لي بذلك.
الرجل : ان هذه الدار بناها جدي، وولد فيها ابي، ثم ولدت انا بها. واصررت
على شرائها للعودة إلى نقطة البداية.
(يبتسم) انت هنا الملكة وكل أطفال الجيران في خدمتك، ما ان تنادي
أحدهم لخدمة ما، حتى يهب الجميع لتلبية طلباتك. وهذا لن تجدينه
في محل سكننا السابق.
المراة : ما كنا نضطر الى الاستعانة بأولاد الجيران لو انك لم تشجع أولادنا
على مغادرة البلد.
الرجل : لقد انقذتهم بذلك من الموت في احدى فجائع هذا البلد وحروبها.
المرأة : وبهذا حرمتنا من احفادنا، الذين هم احب إلينا حتى من أولادنا.
وانا لا أراهم إلا في الصور، واشعة القلب لا تغني عن القلب نفسه.
(تدق بقبضة يدها على صدرها حسرة) لهذا كنت اريد دزينة من
الاولاد، ليبقى احد منهم ذخرا لأيامنا الاخيرة هذه. كنت احلم ان
اكون في آخر أيام حياتي محاطة بأولادي واحفادي.
الرجل : اعترف اني قسوت عليك بذلك، ولكني متيقن اني قد اعدت خلقهم
هناك. والا سينتهون هنا نفس نهايتنا هذه .
المراة : اذن ما الذي يجنيه الاهل من تعبهم مع الاولاد؟
الرجل : وهل يريدون ان يجعلوا منهم دجاجا للبيض، أم خرافا للذبح؟
المرٲة : وهل تعتقد أنك قد ارسلتهم إلى الجنة، كل الذي فعلته انت هو انك
اخرجتهم من وطن هو منفضة سكائر الى حاوية ازبال العالم الكبيرة.
الرجل : لكني على قناعة تامة، اني جنبتهم الجحيم. هذا الوطن رمال
متحركة، وكل حركة فيه هي غوص في الأعماق أكثر.
المرأة : ولدنا وسنموت وكأننا شهاب ومض وانطفا. لا غاية من ورائها.
الرجل : لماذا لا تقولي، اننا كنا دوارة الالعاب النارية، التي تطلق شررها
بعيدا عنها. هذا قدر الانسان، ان يكون له رحلة وهجرة كما الطيور
فللطيور رحلة في موسم من السنة، والإنسان له رحلة كل جيل.
المرأة : هل يستحق الامر ان غرق الالاف في البحر من اطفال ونساء وحتى
الرجال؟
الرجل : سبق لي أن حدثتك عن جدي، وأعتقد انك نسيت ذلك. ان جدي
جازف ايضا قبل مائة عام وجاء من البلاد التي يلجأ إليها الآن
شعوبنا. جاء في ذلك الزمن إلى بلداننا التي كانت حبلى بالنفط
بعد، ثم جازف ابننا الان وذهب الى بلاد جدي نفسها هربا من
حرائق الحروب . وهكذا هي حياتنا دائما في مكان آخر . وكأنه
كتب علينا العيش هكذا.. معلقين في منتصف الاشياء كلها.. لا
نحب ما يحدث. ولا يحدث ما نحبه.
المرأة : لا يقنع الإنسان ابدا، ودائما نظره نحو السماء وأقدامه تغوص
في الاوحال. ها انت الوسط المعتدل ما بين جدك الذي جاء من
هناك ومات هنا، وابنك الذي ذهب حيث كان جدك. وقد حققت
من النجاحات الكثير، وحصلت على الكثير مما يحسدك الغير
عليه.
الرجل : انا، انا حلقة الوصل بين خيبتين، لقد حصلت على كل شيء في
حياتي، الا الشيء الذي هو أهم عندي من كل شيء . صعدت
سلم ” النجاح” ولكن عندما وجدت انه لا يؤدي بي إلى هدفي
الاغلى، عدت إلى انطلاقي، نقطة الصفر، وهي دار جدي هذا،
التي بناها هو، وولد فيها ابي وانا ايضا، انه النكوص الى الجذور
والعودة الى رحم الام.
المرأة : (تمزح مبتسمة) هل انا خيبة أملك في الحياة، ام اولادك
المتفوقين، ام مكانتك المحترمة عند الجميع؟
الرجل : ان كل ما حققته انا من “ نجاح”، في نظر الاخرين، هو فشل في
نظري، ما دمت لم أحقق هدفي الاغلى. انتي يا حبيبتي،
والاولاد، نجوم في حياتي، ولكن يبقى قمر حياتي هو حلمي.
حلمي الذي حققته لولدي ، وفشلت في تحقيقه لنفسي. وعشت
على هذا الحلم طول عمري، ولم احققه. انتظرته طويلا ولا أمل.
ابدا. انا طفل خدعوه ، بأن أمه ذهبت إلى الطبيب او لزرق ابرة،
لكي يخيفوه، واقنعوه بلعب الاطفال الى ان تأتي امه. لكنه هو
يلعب بلعبه وفكره وعينيه على باب الدار، منتظرا عودتها.
وانا مثلما كنت لم استطعم حلاوة اللعب لانتظاري لأمي،
وكذلك قضيت حياتي وانا لم استطعم حتى حلاوة زوجتي
واولادي، وذلك لأني كنت بانتظار فرصة تحقيق، بل عيش
حلمي. كثير من الأطفال ممكن أن تشغلهم الألعاب عن
امهاتهم وينسون، اما انا نار في داخلي يزداد سعيرها إلى الآن.
المراة : انت كنت طاقة كبيرة مجمدة، حكمت على نفسك بالموت مع
وقف التنفيذ، لم تكن تريد التقدم والسباق في اي سباق دخل
الوطن، كنت طول عمرك تنتظر أن يقام سباق خارج الوطن
كي تشارك فيه، إلى أن فات الأوان ولن يقام ذلك السباق الذي
تنتظره ابدا. كان الاجدر ان تبني هنا لنفسك ولنا، لكنت بنيت
الاهرامات هنا. وبهذا اضعت الماضي والمستقبل، اما الحاضر
فهو انتظار للموت المؤجل. ولا فرق بين ان نموت الان او بعد
ان نموت بعد عشر سنوات.
الرجل : لا اعتقد اني قد حملتك عبء احلامي، فقد تحملتها بصمت انا
وحدي. كنت وحدي أحمل أعمدة المعبد المنهار، وجعلت
اولادنا خارج حطامه.
المراة : أما أنا فلم يكن بمقدوري الا ان اكون معك في كل الأحوال.
ولكنك لم تفكر انت ، في يوم من الايام، أن كان لدي انا ايضا
احلامي الخاصة بي. فقد جعلت مني مجرد عربة تدفعها أمامك
او عربة تتبعك. آلة تنفذ رغباتك، لا انسانة لها ما لك انت. حتى
عندما كنت تدفعني او تسحبني، كانت يدك باردة لا حياة فيها.
لم يكن قلبك يتلهف لي يوما، ولم تومض عيناك لرؤياي وتنفض
عنها غبار الملل، ولم اسمع من لسانك يوما كلمة تزيد من نبضات
القلب حبا بالحياة.
فانا امرأة والمشاعر هي اختصاصي بالفطرة. ولكن كنت اقنع
نفسي ان يدك تمسك الحياة بنفس البرودة التي تمسك بها يدي.
الرجل : ألم تؤمني بأني كنت احبك ؟
المرأة : كنت مؤمنة انك لم تكرهني . لأني كنت الطينة التي تشكلها
بين يديك، وكما تريد.
الرجل : اه ه ، لم اكن اعلم سابقا، انك برميل بارود يريد الانفجار.
المرأة : أطمان، فليس من أخلاقي الانفجار. ولكن الجرح هو من يشكوا
لا الفم.
الرجل : وما الذي كان ينقصك؟
المراة : فات الأوان لطرح هذا السؤال الان.
الرجل : وهل فات اوان الاعتذار ايضا؟ فانت القلعة الاخيرة التي
اتحصن فيها، فلا تخذليني كما خذل بروتس القيصر، وكما
خذل يهوذا المسيح، فان الطعنة الاخيرة اشد ايلاما من كل
الطعنات، وتكون هي القاتلة.
المراة : لا جدوى من الاعتذار الان، لان الغفران وعدمه سواء.
وهل يجدي الاعتذار، قاطرة أنهت سيرها على السكة الخاطئة؟
الرجل : لا تقسي علي ارجوك، لقد كنت انا الضحية والجلاد في أن
واحد. ولا أدري الان، من منا كان هو الداء، ومن منا الدواء،
وقد فات اوان الحساب، وكل النتائج سواء. ولم يبق سوى
الحطام.
المراة : لا ادري هل علي ان ابكي ام علي ان ابكيك! لا أدري هل
ان النار تشعل الحطب، ام ان الحطب يشعل النار!
الرجل : كم أرغب الان ان اصرخ صرخة تشق عباب السماء ندما
والما. ارجوك حققي لي امنيتي المتأخرة جدا، ارجوك.
المراة : وما هي؟
الرجل : ان تظميني واظمك ككومتي حطام ينظمان الى بعضهما
البعض.
(يتحركان وللمرة الأولى خلال العرض كله، يواجه احدهما الاخر، يتحسسان جسدين
بعضهما بأكفهما المرتابة، فيتبين ان الاثنان هما عميان لا يبصران، ويتعانقان)

ستار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1


.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا




.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي