الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجدي الجزيري.. رحلة طويلة من الإبداع والدفاع عن التنوير

فهد المضحكي

2023 / 6 / 3
سيرة ذاتية


يقف الباحث في ميدان الفكر بين طريقين: الطريق الأول يشده إلى القديم المألوف، أما الطريق الثاني فيدفعه إلى الجديد وريادة المجهول، وشغف التأمل والبحث والغد المأمول. وقد آثر الدكتور مجدي الجزيري السير في الطريق الثاني وهو طريق صعب ملئ بالمتاعب والعثرات. في عدد من مجلة «الفكر المعاصر» الذي تضمن ملفا خاصا عن فكر الجزيري أستاذ الفلسفة بآداب طنطا، يقول د. محمد محيى الدين أحمد، لم يكن سير الجزيري في الطريق الصعب بدافع من أي مصلحة أو نفع أو وظيفة يتعيش بها، بل لقد استطاع أن يقدم فكرًا جديدًا يتحرر من ظلال التقليد، محلقًا في فضاء الفلسفة العريض، فهو يميل إلى القفز على الثوابت القديمة والأنماط التقليدية، ليفتح آفاقًا جديدة أمام الفكر المعاصر بأسئلته وقضاياه وإشكاليات المتشعبة ومقولاته ومفاهيمه. وقد ظل الجزيري في موقفه الفكري كاتبًا ملتزمًا، مهمومًا بقضايا وطنه ومجتمعه، حريصًا على تقدمه، حرصًا يتعالى على الذاتية ويتجاوز كل الرؤى الضيقة والنفعية والانتهازية.

ولد «الجزيري» في محافظة سوهاج عام 1943، ثم سافر إلى القاهرة ليستقر بها، وحصل على بكلوريوس إدارة الأعمال من جامعة القاهرة 1964 ثم عمل موظفًا بالتعليم العالي، بعدها حصل على الماجستير عن أطروحته العلمية «فلسفة الفن عند أرنست كاسيرو» ثم حصل على الدكتوراه بعنوان «الحرية والحضارة عند نيوكيلا بيرد يائيف»، عمل مدرسًا للفلسفة الحديثة والمعاصرة بكلية الآداب بطنطا وفي عام 1995 حصل على درجة الأستاذية. نال «الجزيري» العديد من الجوائز والأوسمة منها جائزة الدولة التشجيعية في الفلسفة، حاضر في العديد من الجامعات المصريه ودولة الإمارات العربية المتحدة. له عدد من المؤلفات، منها «اللاهوت والسياسة عند سبينوزا ومارتن بوير» وكتاب «دراسات في علم الجمال» و كتاب «بين الأسطورة والتكنولوجيا» و«إيديولوجيا إقصاء الآخر في الفكر الغربي المعاصر عند صمويل هنتجنتن وبرنارد لويسمعونك»و «الدين والدولة والحضارة عند بوركهارت» وكتاب «نقد التنوير عند هيردر». عاش الجزيري رحلة طويلة من الإبداع المتدفق، تميز أسلوبه بالإيجاز والعمق، لينتهي إلى رؤية فلسفية خاصة، ومتماسكة، تجمع بين الفلسفة والأدب والسياسة والتاريخ والفن، رؤية يصعب تفتيتها، وتنصهر معًا في صعيد واحد. ما يميز الجزيري لم يسع يوما إلى شهرة فارغة أو منصب زائل، بل كان يرى أن الأستاذية الحقة الجديرة بهذا الاسم هي التي تتجاوز كل هذه الأعراض الزائلة، فعطاء الأستاذ هو الذي يبقى، وغرسه هو الذي يدوم ويؤتي ثمره ولو بعد حين.

إن أزمة مجتمعاتنا العربية - كما رأى الجزيري في أكثر من مناسبة ومجال ومؤلف - تتبدى كامنة في الازدواجية، ففي مجال الأخلاق - على سبيل المثال - نجد هناك فائضًا في منسوب الأخلاق النظرية، وتدني منسوب الأخلاق العملية المتمثلة في سلوكنا اليومي. وبالنسبة لمجال الفكر والوعي، تتمثل هذه الازدواجية في الكثير من الشعارات البراقة ورفع رايه التنوير، بينما نجد هولاء على مستوى الواقع، وفي علاقتهم بالآخرين لا نجد لهم أي علاقة بالتنوير، وهذا ما يؤكد عليه الجزيري حين يرى أننا كثيرًا ما نتكلم عن التنوير في كتبنا وأبحاثنا، ونتغنى به في المحافل العلمية والمؤتمرات، لكننا نفتقد إلى التنوير في الحياة العملية والممارسات الفعلية. أيضًا من الرؤى الثرية التي قال بها الجزيري أن التنوير ليس مرتبطًا بحقبة تاريخية معينة، وليس حكرًا على حضارة أو ثقافة بعينها، ففي الحضارة اليونانية كان هناك اتجاه تنويري، كذلك كانت هناك محاولات تنويرية في فلسفة العصور وما تلاها من مدارس في العصر الحديث، وإذا كنا نجد أفكارًا تنويرية في الفلسفة الإسلامية، نجد كذلك محاولات تنويرية في الفكر المسيحي واليهودي. تذهب بعض الأراء الأكاديمية ومن بينها رأي د. محمد يحيى فراج إلى أن الجزيري من المفكرين الذين أقترن اسمهم بالبحث في «الاتجاه الإنساني والدفاع عنه،فإنه لا سبيل إلى فهم الإنسان عنده إلا إلى عمله، وحاجته، ووضعه المادي، وإطاره الحضاري، وشتى مشروعاته، مع ما يقترن بها من رموز ومعان وقيم.. الخ. إن الاتجاه الإنساني قد يتحول في رأي الجزيري إلى اتجاه غير إنساني، حين ينادي بأن الإنسان هو وحده السيد المطلق في الكون، وحين يطيح بجوهره الروحي. لكن ما عسى أن يكون جدوى الاتجاه الإنساني عند الجزيري، إن لم يكن طريقا لمحبة الحياة، حيث عمق حبه لهذا الاتجاه بالبحث المنهجي، والدرس الاكاديمي لتاريخه ومذاهبه ومدارسه الفكرية، بداية من عصوره الكلاسيكية الأولى إلى ما وصلنا إليه في عالمنا المعاصر. بيد أن شغله الشاغل يكمن في ربط الفلسفة الإنسانية بالمجتمع وقضاياه الاجتماعية والسياسية والثقافية، وأن تكون مرآة يتطلع من خلالها إلى معنى الخير والحرية والجمال والحقيقة.

فإذا كان كما أوضح الكاتب والروائي وأستاذ العلوم السياسية د. عمار علي حسن،أن اللغة كمدخل فلسفي عند الجزيري، فإن جهده أي» الجزيري «في تحليل جوانب من الفلسفة، ونقده مشروعات فلاسفة عرب وغربيين، والانفعال الخلاق مع قضايا فكرية واجتماعية وسياسية، يستحق الالتفات والاحتفاء، هو في كل هذا لم يكن يضرب بلا نهج ولا هدى، إنما وفق نسق متماسك، جعله يرى الأمور بعمق، ويفككها بوعي، ويعيد تركيبها بفهم،ويستنتج خلاصتها بهمة وإخلاص. فالجزيري يمتلك عقلاً نقديًا رائقًا، يجعله مجبولاً على رفض التلفيق والتناقض، وقادرًا على التقاطه، وتعيينه، وتبيان مثالبه، كما فعل في تعقبه لمشروع حسن حنفي، باعتباره أكثر المشروعات الفلسفية المصريه غزارة وإثارة للجدل ورغبة في اختراق الكثير من المسكوت عنه. وهذا العقل النقدي، كما يتبين لنا، جعل من الجزيري يعمل في سبيل مواجهة الجوانب السلبية للوعي الأسطوري، باعتباره أخطر ما يواجه أي أمة، لأنه يرميها في مستنقع التخلف والركود الثقافي والعلمي والحضاري والاجتماعي والسياسي، ويحول بينها وبين التنوير. وهذه الرؤية النقدية التي يتسم بها تصور الجزيري امتدت إلى شرح وتحليل الدور الذي تمارسه اللغة في فهم الواقع، ومن ثم الارتقاء به، أوتطويره، وهو في هذا يبدو متأثرا بفلسفة الفيلسوف الألماني إرنست كاسيرر، التي تقوم على أن اللغة مفتاح قوي لفهم كل شيء، الموضوعي والذاتي.

وتأسيسًا على ذلك، يرى أن هناك عدة اتجاهات في فهم اللغة وتوظيفها، الأول يتعامل معها كعلم في حد ذاتها، والثاني يعتبرها أداة أدبية في مختلف تشكيلاتها البليغة، بما دفع البعض إلى القول إن الأدب هو تشكيل جمالي للغة، والثالث يعتبرها وسيلة للتواصل حتى في العلوم الطبيعية والرياضية، ثم يقول: «إذا الفلسفة باعتبارها نظرة عقلية فاحصة للعديد من القضايا وموضوعات اهتمامنا فإنها لايمكن بطبيعة الحال أن تتجاهل موضوع اللغة، وإذا كانت الفلسفة قد اتجهت إلى العلم فقدمت فلسفة العلم، واتجهت إلى التاريخ وقدمت فلسفة التاريخ، واتجهت إلى الفن وقدمت فلسفة الفن، فإن اتجاهها إلى اللغة، لايمكن أن يكون اهتماما هامشيا عرضيا، بل هو اهتمام أصيل جوهري، وليس هناك ظاهرة أكثر من ارتبطا بوجودنا الإنساني من ظاهرة اللغة، فنحن جميعًا نتكلم قبل أنصبح علماء وفلاسفة». يحلل الجزيري الصراع بين النزعتين الاسمية والإنسانية أو الاجتماعية في حقل اللغة، إذ ترى الأولى أن اللغة مجرد صورة للعالم، لأنها تعطي المقابل للكلمات والأشياء والموضوعات، وبذلك فلا مجال للبعد الإنساني والتفاعل الاجتماعي في تحديد المعنى. أما الثانية فترى أن الكلمات ليست هي التي تحدد معنى الأشياء، وإنماء البشر أنفسهم هم الذين يفعلون هذا عبر الكلمات، ومن هنا فإن العبارة لا تمثل العالم إنما البشر حين ينطقون العبارات، وبالتالي فالبشر هم الذين يصنعون اللغة، ولا تصنعهم اللغة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Brigands : حين تتزعم فاتنة ايطالية عصابات قطاع الطرق


.. الطلاب المعتصمون في جامعة كولومبيا أيام ينتمون لخلفيات عرقية




.. خلاف بين نتنياهو وحلفائه.. مجلس الحرب الإسرائيلي يبحث ملف ال


.. تواصل فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب بمشاركة 25 دولة| #مراس




.. السيول تجتاح عدة مناطق في اليمن بسبب الأمطار الغزيرة| #مراسل