الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب الفلسفي والخطاب الغوغائي

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 6 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


" في هذه الاثناء ، وأنا اشتغل ، مدير البوليس السياسي يقطع الكونكسيون / الانترنيت عن منزلي . قمة البلطجة ، وقمة الجبن . ان هذا العمل يقوم به فقط المجرمون والفوضويون حيث مكانهم السجن ، او الإيداع في المستشفيات النفسية والعقلية ، لانهم غير سويّين وغير طبيعيين " .
1 ) يبدأ الخطاب الفلسفي في ممارسة التفكير ، عندما يدرك مغزى ودلالته وغايته داخل منعطف تاريخي حاسم . ففي المنعطفات التاريخية الكبرى تطرح ادق الإشكالات الإنسانية واعمقها علاقة بمصير الشعوب .
طبعا قاسية ذاكرة الزمن مع من ينساها ، او مع من يحاول تناسيها . جرت في ماضي الشعوب فواجع ومآسي رهيبة . بالأمس ما كان الانسان يجرأ على البوح بما يدل عليه : حريته وكرامته وحقه الإنساني الطبيعي في ان يكون انسانا بعيدا عن اهانات فكر واخلاق الاستبداد والطغيان المرضي / الجنوني ، ووصاية المرضى بحب التسلط المرعب .
واليوم يبدو واضحا ان الخطر الذي يتهدد الانسان هو اعتقاده ان بلوغ مستوى " خلاصه " لن يتحقق الا بشرط وجودي مفاده التخلي عن انسانيته ، أي عن حقه المشروع في ان يكون انسانا بعيدا ، كل البعد ،عن الحجر .
2 ) بقدر ما يطالب الخطاب الفلسفي ، منذ نشأته والى يومنا هذا ، بضرورة فضح وتعرية الجذور الفكرية للثقافة المدججة بالحقائق الجاهزة ، بقدر ما يسعى الخطاب الغوغائي الى تشويه واتلاف وتدمير كل محاولة فكرية جريئة ، تحاول ان تلقى ببذرة الشك الهائلة في مستنقعات اليقين الآسن .
في وضعية فكرية واجتماعية وحضارية كهذه ، تنقلب الأمور رأسا على عقب ، ويختلط الحابل بالنابل ،وتحاط الأفكار الأشد صدقا ونبلا كثافة في الاحتياطات التي تصل حد توديعها طلبا للنجاة . من هنا نفهم سيادة الفوضى وهيمنة البلبلة العارمة على الاذهان ، وطغيان اللغط واستبداد الثرثرة بشهوة الكلام ، مع ما يترتب عن ذلك من نتائج كارثية على حاضر ومستقبل الوطن .
وبداية الكارثة هي حين يتربع الخطاب الغوغائي على عرش المعنى ، معلنا ان لا معنى للفلسفة سوى " هدم وتخريب العقول " . هو خطاب غوغائي كل خطاب يعوزه الصدق في قول الحقيقة التي تخالفه وتناقضه . يكفي ان يطلق الانسان ، طلاق الثلاث ، ما فيه من صدق وتقدير ، واحترام لنفسه وللآخرين ، كي يغدو مَايْسترو في جوقة الغوغائيين . تكفيه الوقاحة كي يتكلم بخبث عن المعنى الذي وجد من اجله الفلاسفة وفلسفاتهم : فمعنى الفلسفة هو افلاس العقول .
3 ) يقول لخبث الذي نعرف اهله جيدا ، ان لا معنى للفلسفة سوى الخراب . ويقول منطق الفلسفة ان الخراب ان الخراب ، خراب الادمغة والعقول والقلوب آتٍ من جهة العقول المدججة بغضبها وحقدها الدفين ، على صدق ونبل وجرأة الفلسفة والفلاسفة . يكفي ان يحلم المرء بإنسان مستقل بأفكاره وسلوكه . يكفي ان يدافع عن اخلاق يؤسسها الاحترام الإنساني العظيم ضدا على اخلاق عصور الظلام التي قننت علاقة الانسان بالإنسان في حدود ما تسمح به حقيقة الطاعة العمياء .
أقول يكفي ان تكون صاحب حلم جميل كي تحشر في زمرة الذين ينبغي الابتعاد عن وجودهم ، اتقاء لشرهم . والواقع ان الخطاب الغوغائي ، ظل عبر العصور والازمنة التي عرفت تاريخ ميلاد الحقيقة الفلسفية ، يرى صورة الفلاسفة مطابقة تماما لصورة الاثم الأول ، والتي تجسدها الروح التي زاغت عن الطريق الواحد والوحيد . من هنا نستطيع ادراك مغزى ودلالة هذا الخوف المرضي المستفحل من حقيقة الفلسفة ، بله من الاسم الذي يدل عليها .
المرضى بداء الخوف من الفلسفة ، بالأمس كما اليوم ، هم الذين يصابون بالقلق والغضب والعنف الانفعالي ، والدوران المرعب ، والارباك المزعج كلما تعلق الامر بخلخلة كل الأجوبة التي قدمت لنا حول هذا الاشكال / اللغز : ماذا يعني ان يكون الانسان انسانا اليوم وغدا ؟ .
عن هذا السؤال الاشكالي ، لا يملك الخطاب الغوغائي الا جوابا واحدا : ان يكون الانسان انسانا اليوم معناه ان يكون محبا وعاشقا لحكمة التمويه . المموه سفاح الحقيقة والباحث المحنك عن اعداءها خارج فعله الذي يحصنه " بمطلق البراءة " التي لا ثقل في وزنها وعمقها ، عن وزن وبراءة ملاك هبط للتو فوق كوكبنا .
4 ) وهنا مربط الخيل . فحيث اننا بشر ، وحيث اننا نحيا في ارض تدور ، وحيث لأرضنا جاذبية ، فنحن نحبو ونخطو ونمشي ونجري ، لكن ليس بعيدا عن الارتطام الذي لا بد منه ، ولا عن التعثرات ، وياما اكثرها ، التي لا بد منها لكل من يريد ان يكون انسانا ، ولا عن الهنات والهفوات التي تعترضنا في طريقنا نحو الحقيقة التي تعنينا كثيرا ، أقصد حقيقة الاعتراف الإنساني المتواضع العظيم ، بان ما نبحث عنه يوجد بالضرورة امامنا وليس وراءنا ، ولا هو في حيازتنا يزعم كل الخطاب غوغائي .
يكمن في اعتقادنا ، أساس الصراع بين الفلاسفة وخصومهم هنا :
فحيث يرى الفلاسفة حقيقة المعنى ( معنى الانسان في هذه الحياة ) في صورة متموجة ، محكومة بدوام التوتر والهيجان ، للمزيد من الحرية والكرامة ، والصدق والسخاء ، وعمق العواطف الإنسانية الأشد شرفا ونبلا ، يرى اعداءهم حقيقة المعنى في صورة ما يملكون بشكل يقيني جاهز في ادمغتهم . وبلغة أوضح . اذا كانت الفلسفة ترى في الانسان مشروع ممكن تحققه مرهون بمدى استعادته لإنسانيته ، أي لاستقلاليته الفكرية والأخلاقية ، فان الخطاب الغوغائي ، لا يرى في صورة الانسان سوى ما يغريه كثيرا فيها : ضحالتها ، ذبولها الأصفر ، يباسها (يبس) وبوارها التام ، صورة غروب ما بعده شروق ، يا للتعاسة .
5 ) نحن اذن امام حكمتين ، كل واحدة تحاول ان تخلق لنا صورة الانسان الذي ينبغي ان نحلم به فوق هذه الأرض التي تدور بنا دون ان نشعر بدورانها .
ان حكمة الفلسفة التي تقول ، وتردد منذ كانت . لا معنى يعرف الانسان خارج لغز انسانيته . أي خارج مطلق احترامه العظيم لنفسه وللآخرين . ففي غياب تقدير واحترام إنسانية الانسان ، تنمو وتترعرع غابات الكوابيس المرعبة التي تزعجنا كثيرا في يقظتنا ، او في عمق ليالينا سيان . حكمة الفلسفة الخالدة : لا بديل عن حب الانسان سوى حب الندم المخرب لما في روحه من جدوى ، لما فيها من حياة جديرة بالتقدير .
حكمة الخطاب الغوغائي ، حقيقة القبر أوسع بكثير في حقيقة هذه الحياة بإنسان حجمه بحجم الموت . فليس بإنسان من لا يقنع نفسه بتفاهاته وحقارته وضحالته . ليس بإنسان من لم يجد مطلق حياته ، وعلة وجوده القصوى في الندم الأول . ليس بإنسان من لا يتقن حقيقة التمويه ، من لا يرعاها حقا يقينا في روحه .
6 ) ان صورة الفلسفة كما تتجلى في صورة الخطاب الغوغائي متعددة . لكن ماهيتها تظل واحدة ، محض زيغ عمّا إعتادته الاذهان ، وجرت به العادة . والواقع ان في مثل هذا الحكم / الصورة عن الفلسفة ، نصيب ومقدار من الصحة . فليس الاعتقاد بالحقيقة هو الحقيقة ، ولا الخضوع لطغيان ملك او سلطان هو بداية ونهاية كل تفكير ممكن . يبدو لنا اليوم ، وهذه حسنة من حسنات فعل التفلسف ، ان لا شيء يضر ضررا بالغا بالعقل الذي نفكر به سوى وهْمَ الاعتقاد الراسخ بملكية الحقيقة .
واخطر ما في هذا الاعتقاد ، هو تدميره المطلق لإمكانيات العقل الهائلة بدءا بالشك والترجيح ، نهاية بجرأة السؤال الذي يعفيه من مغبة السقوط في هاوية التماهي ذي الحب المرضي بحقيقة العقل الواحد .
من جهة المعتاد والمألوف ، والشائع ، وباسم الحفاظ على حقائقه " المقدسة " ، يأتي دائما شبح الخوف المرضي ، من حقائق التفكير الفلسفي . يجرأ كاتب هذه السطور على القول – وهو العارف بخطورة الاحكام العامة – انّ اهم عيوب ذهنية الانسان العربي ، الموروثة عن العصور الوسطى ، عصور الحجر والوصايا بامتياز ، أقول من اهم عيوب تلك الذهنية ، عيب التفكير المسطح والضيق ، في عمق الأفكار المألوفة حد الاختناق . ذهنية أبوية ، بطريركية وطقوسية بلغة المعارف العلمية اليوم ، تمتح معناه الواحد والوحيد ، من سلطة يقين واحد يمقت ويكره ويسخط بحقد واضح على كل انسان تجرأ على اعلان حقه الطبيعي جدا في الاختلاف معه . أي مع حنينه العارم لتوحيد كافة العقول واجبارها على الرضوخ التام لسطلته المطلقة الغير مقبولة على الاطلاق من الكافة . وفي المشهد الثقافي والحضاري الذي تتشابه فيه الأفكار والحقائق والعقول ، تشابه كتبان الرمل في الصحاري والفيافي القفار ، يبدو العقل الذي يحتضن ذهنه الشك والسؤال ، في صورة طيش او زيغ او تيه ، يجب ادانته بأقصى العقوبات واشدها ضراوة على حياته ( سقراط ، معبد الجهني ، غيلان الدمشقي ، الحلاج ، واللائحة مفتوحة تطول على دوام ذات الفاجعة ) .
7 ) بخبث كبير ، وبروح استعلائية تشارف تخوم جنون الشعور بالعظمة ، يستهزئ ويحتقر الخطاب الغوغائي منطق التفكير الفلسفي . فاذا كانت حكمة هذا الأخير ترعى وتحافظ على يقظة العقل ، فان حكمة الخطاب الغوغائي تعني كثيرا برعاية وحماية حقيقية البلاهة والغباء ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار البحث عن مروحية كانت تقل الرئيس الإيراني ووزير الخار


.. لقطات تحولت ا?لى ترندات مع بدر صالح ????




.. التلفزيون الرسمي الإيراني يعلن هبوط مروحية كانت تقل الرئيس ا


.. غانتس لنتنياهو: إذا اخترت المصلحة الشخصية في الحرب فسنستقيل




.. شاهد| فرق الإنقاذ تبحث عن طائرة الرئيس الإيراني