الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحق في الحياة.. الحق في جودة الحياة محنة الكشف ودهشة الاكتشاف الجزء الأول / الحق في الحياة

خليل إبراهيم كاظم الحمداني

2023 / 6 / 4
حقوق الانسان


- ثمة علاقة ملتبسة ومسافة غير مستقرة بين مَن يُناضل لأجل ان يحيا (أن يبقى على قيد الحياة) ما أمكنه ذلك وبين مَن يتجاوز ذلك والبحث عن حياة مرفهة.. ذات العلاقة بين الحق في التعليم مثلاً والحق في التعليم الرقمي او بين الحق في المدينة والحق في المدن الذكية او الحق في الصحة والحق في عمر صحي طويل، هذه الورقة تبحث في هذا الشائك وتحاول ان تجد طريقا بين قيم ألفناها (كحقوقيين) وهي قيم حقوق الانسان وبين جودة وكفاءة وكفاية هذه الحقوق وهذا سبيل أقرب للفلسفة منه الى شيء آخر لارتباطه بجوهر الحق.. وهنا يجب ان نتماهى مع حقيقتين الأولى تستند على مبدأ مفاده أن الفلسفة هنا وسيلة لإكتشاف الأشياء في سبيل تغيير العالم لا تفسيره فحسب (على اعتبار ان جانب من هذه الورقة تتفلسف شيئاً ما)، والحقيقة الثانية تسير باتجاه فهم نسبية او ميل الحقوق للمراوغة او الغموض حيث لا يمكن اعتبار مؤشر ما لممارسة أي حق على انه هو امتثال كامل وبتعبير أوضح نحن نتعامل مع ظواهر ومتغيرات اجتماعية من المستحيل قياسها وبالتالي بيان كمالها من عدمه حيث ان معظم الجوانب الاجتماعية غير قابلة للقياس مباشرة أو لنقل انها ليست معرفة بوضوح ، لذا فإن المؤشرات الاجتماعية تستعمل بشكل شائع كتقريب وقياس جزئي لأمور كالعدالة والأمن والتعليم والصحة فتجسيد مؤشرات الحق في الصحة على عدد الأطباء النسبي والأسّرة في المستشفيات أو الوفيات الخ.. دلائل لقياس الحالة الصحية في مجتمع ما غير صحيح لأن الفرضيات خلف هذه المؤشرات قد تكون خاطئة فليس أعداد الأطباء أو أسّرة المستشفيات العامل الرئيسي الحاكم لمستوى الصحة وقد تكون الوفيات كأحد مؤشرات الحق في الصحة بسبب الحوادث وليس المرض. وكذلك فان التعليم لا يمكن تعريفه فقط استنادا الى حجم الالتحاق بالمدارس او الى عدد المدارس حيث انه لا يشير الى نوعية التدريس او الحضور الفعلي او مدى نمائه للشخصية الإنسانية.
- قبل ان نمضي في هذه المغامرة وحتى لا تفسد متعة الكشف والاكتشاف دعونا نتفق على ما تعنيه مصطلحات الحق في الحياة والحق في جودتها وقبل ذلك نود الإشارة الى ان الحقوق الواردة في صكوك القانون الدولي لحقوق الانسان تمثل الحد الانى من الحقوق وسياقات ممارستها ولا تشكل نهاية لها. وبالعودة الى موضوع الحق في الحياة فنجده قد ورد في المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي وضع وصفة مركبة لهذا الحق من خلال ايراده في مادة واحدة مع حقوق أخرى حيث نصت هذه المادة على (لكلِّ فرد الحقُّ في الحياة والحرِّية وفي الأمان على شخصه.) وهذه المتلازمة من الحقوق الثلاثة يبدو انها ستكون ضرورية جداً وهي الفيصل في تفسير هذا الحق، وحسب ما أرى فإنها علاقة جدل ووظيفة معاً، وهي أساسية في قدرة الانسان في الوقوف تجاه عالم اختار العيش فيه.
- وتم تخصيص المادة السادسة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 للحق في الحياة حيث تناولته بست فقرات، أربع منها تتعلق بعقوبة الإعدام وفقرة تتحدث عن جرائم الإبادة الجماعية والفقرة اليتيمة التي حاولت تأطيره وتعريفه كإلتزام بالنص "1. الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمى هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا." أي أن جل الحديث في هذه المادة عن سياقات انتهاكات الحق أكثر من الغوص المفاهيمي بعناصر الحق نفسه، وحاولت اللجنة المعنية بحقوق الانسان تدارك الموضوع من خلال اعتماد تعليقات "تفسيرية" لهذه المادة حيث اعتمدت ثلاثة تعليقات عن هذه المادة بأزمنة مختلفة ((1))وهو شيء لافت (وقد يكون تأثير الأحداث السياسية عوامل ضغط لتحديث حدود الحق ومكوناته ) حيث جاء تعليقها الأول بالرقم 6 في دورتها السادسة عشر (1982) والتعليق الثاني بعد سنتين جاء بالرقم 23 في دورتها الثالثة والعشرون (1984) والتعليق الثالث بالرقم 36 في دورتها 124 (2018) ولأن سياسة اللجنة تسير باتجاه ناسخ ومنسوخ فسنعتمد في تحليلنا هذا على آخر تعليق لها والذي هو بالرقم 36،ورغم تعقيد هذا التعليق حيث جاء بـ 20 صفحة في الشرح والتفصيل وـ6 صفحات من الهوامش ((2))، الفقرة الثانية من التعليق وصفت هذا الحق على أنه :
"والحق في الحياة هو الحق الأسمى الذي لا يجوز تقييده، حتى في حالات النزاع المسلح وغيرها من حالات الطوارئ العامة التي تهدد حياة الأمة "
"ويكتسي الحق في الحياة أهمية حاسمة للأفراد والمجتمع ككل
"نفيس للغاية في حد ذاته، باعتباره حقاً أصيلاً في كل إنسان، "
"ولكنه أيضاً حق أساسي تشكل حمايته الفعالة شرطاً أساسياً للتمتع بجميع حقوق الإنسان الأخرى، ويستمد جوهره من حقوق الإنسان الأخرى."
وفي الفقرة الثالثة ثمة إشارة ضرورة التوسع في التقدير والتفسير "وينبغي ألا يُفسَّر الحق في الحياة تفسيراً ضيقاً. فهو يشمل حق الأفراد في عدم الوقوع ضحية لأفعال وأوجه تقصير يُقصد بها أو يُتوقع منها أن تتسبب في وفاتهم وفاةً غير طبيعية أو مبكرة، وكذلك حقهم في حياة كريمة"
ثم يستمر التعليق في تناول جوانب الحماية والاحترام للحق في الحياة في سياقات (عدم التمييز الفقرة 3 وحظر الحرمان التعسفي من الحياة وإعماله " من خلال تدابير تشريعية وغير تشريعية، وبتوفير سبل فعالة للانتصاف وجبر الضرر لجميع ضحايا انتهاكات الحق في الحياة “فقرة 4 ثم الإشارة الى المحددات المتعلقة بتطبيق أحكام الإعدام " في حالة أشد الجرائم خطورة، وفي الحالات الاستثنائية القصوى وأضيق الحدود فقط “ثم القضايا المتعلقة بالإجهاض والانتحار ويستمر التعليق الى بيان هذه السياقات بما فيها ضرورة اتخاذ التدابير الخاصة " لحماية الأشخاص المعرضين للخطر والذين تعرضت حياتهم لخطر محدد بسبب تهديدات معينة أو أنماط عنف موجودة من قبل. ومن هؤلاء الأشخاص المدافعون عن حقوق الإنسان، والمسؤولون عن مكافحة الفساد والجريمة المنظمة والعاملون في المجال الإنساني والصحفيون والشخصيات العامة البارزة والشهود على الجريمة وضحايا العنف العائلي والجنساني والاتجار بالبشر. وقد يكون من بينهم كذلك الأطفال، ولا سيما الأطفال المرتبطة أوضاعهم بالشارع والأطفال المهاجرون غير المصحوبين والأطفال في حالات النزاع المسلح، وأفراد الأقليات الإثنية والدينية، والشعوب الأصلية، والمثليات والمثليون ومزدوجو الميل الجنسي ومغايرو الهوية الجنسانية وحاملو صفات الجنسين، والأشخاص ذوو المهق، والسحرة المزعومون، والمشردون وملتمسو اللجوء واللاجئون، وعديمو الجنسية. “الفقرة 23.
- تعليق اللجنة آنفاً حاول تفسير هذا الحق بوضع سبع صفات له وهي انه ((الحق الأسمى / لا يجوز تقييده / له أهمية حاسمة للأفراد والمجتمع ككل / نفيس للغاية في حد ذاته / حق أساسي تشكل حمايته الفعالة شرطاً أساسياً للتمتع بجميع حقوق الإنسان الأخرى / ويستمد جوهره من حقوق الإنسان الأخرى.))، شخصياً أرى ان هذا الوصف عبارة عن انشاء بعبارات غير محددة وواسعة النطاق وقد لا تعني شيئاً محدداً.
- على صعيد النصوص المرجعية الإقليمية فقد أجمعت هذه النصوص على حماية الحق بموجب القانون وبكونه حق اصيل وملازم للشخصية الإنسانية وادناه ما تناولته هذه النصوص:
1. الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ((3))
القسم الأول
المادة 2
i. حق كل إنسان في الحياة يحميه القانون. ولا يجوز إعدام أي إنسان عمدا إلا تنفيذا لحكم قضائي بإدانته في جريمة يقضي فيها القانون بتوقيع هذه العقوبة.
ii. لا يعتبر القتل مخالفا لحكم هذه المادة إذا وقع نتيجة استخدام القوة التي لا تتجاوز حالة الضرورة:
‌أ. للدفاع عن أي شخص ضد عنف غير مشروع.
‌ب. إلقاء القبض على شخص تنفيذا لقرار مشروع، أو لمنع شخص مقبوض عليه وفقا لأحكام القانون من الهرب.
‌ج. لاتخاذ الإجراءات المشروعة التي تهدف إلى قمع الشغب أو الخروج عن السلطة الشرعية.
2. الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب ((4))
المادة 4
لا يجوز انتهاك حرمة الإنسان. ومن حقه احترام حياته وسلامة شخصه البدنية والمعنوية. ولا يجوز حرمانه من هذا الحق تعسفا.
3. الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان ((5))
مادة 4
الحق في الحياة
- لكل إنسان الحق في أن تكون حياته محترمة، هذا الحق يحميه القانون، وبشكل عام، منذ لحظة الحمل، ولا يجوز أن يحرم أحد من حياته بصورة تعسفية.
4. الميثاق العربي لحقوق الإنسان ((6))
مادة 5
1- الحق في الحياة حق ملازم لكل شخص.
2- يحمي القانون هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا.
- ان عمومية النصوص الدولية والإقليمية وتوافقها على عناصر محددة أخفى انقساما فقهياً عميقاً في التعاطي مع الطبيعة القانونية للحق في الحياة وما يلي بعض هذه الأراء: ((7))
1. هناك من يرى بان الحق في الحياة هو حق ملكية وعليه سيكون للشخص بموجب هذا التوجه طلب الحياة وطلب الموت والحق هنا غير قابل للتفويض بمعنى ان رضا المجني عليه في حالة مصادرة هذا الحق لا يمنع من مساءلة الجاني كون الضحية لا يملك التنازل عن حقه في التصرف، وواضح ان هذا الاتجاه رسم خطَّاً بين ذات الانسان وبين الحياة في الانسان علماً انهما مرتبطتين جدلاً، كما ان موضوع الملكية تفترض وجود المالك قبل ما يملك (الحياة) وهذا غير ممكن.
2. ومن الفقهاء مَن ذهب الى ان الحق في الحياة ذا طبية طبيعة مزدوجة حيث " الانسان فيه جانب وللمجتمع فيه جانب أخر يترتب على ذلك أنه إذا كان لهذا الحق نطاقه الفردي الذي يمنح القانون لصاحبه سلطة التصرف فيه بإرادته المنفردة فمثلا فيما يتعلق بحق الانسان في الحياة وسلامة جسده فهو يهمه بالدرجة الأولى إلا أن للدولة مصلحة حالة مباشرة في عدم المساس به فالدولة لن تستطيع المحافظة على وجودها إذا لم تكفل للإنسان حماية فعالة لأن المجتمع يتكون من مجموعة من الافراد.
3. وهناك من يرى بإن الحق في الحياة إنما هو حق الانتفاع وهذا الرأي حاول ان يجسّر العلاقة بما هو قانوني وما هو ديني حيث ان الانسان دينياً مملوك كغيره من المخلوقات لله سبحانه تعالى فإن جسمه بمثابة وديعة استودعها الله لديه وعليه ان يرد الوديعة على الحالة التي كانت عليها لأن الموت ليس نهاية وانما هو بداية لحياة أخرى لذلك يُسأل النسان يوم القيامة عن نفسه وماله، ومن الناحية القانونية فان جسم الانسان معصوم يخرج عن دائرة التعامل ومن ثم الاتفاق الذي يضمن مساساً بالحياة يعد باطلا.
- من الناحية التحليلية فقد اعتمد الفقه الحقوقي الدولي (استناداً الى تعامل آليات حقوق الإنسان المختلفة معه) على أربع سياقات عند تناول موضوع الحق في الحياة ولأغراض عديدة منها الرصد ورسم السياسات ثم وضع لكل من هذه السياقات عناصر ومؤشرات كاشفة وهي كما يلي: ((8))
1. الحرمان التعسفي من الحياة:
‌أ. معدل جرائم القتل (العمد وغير العمد) لكل 000 100 نسمة.
‌ب. حالات الوفاة في أثناء الاحتجاز لكل 000 1 شخص محتجز أو مسجون بحسب سبب الوفاة (كالمرض، الانتحار، القتل)
‌ج. حالات الحرمان التعسفي من الحياة والتهديد بالقتل الموجودة في قاعدة معلومات الإجراءات الخاصة كالمقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفا
2. حالات اختفاء الأفراد:
‌أ. حالات الاختفاء الموجودة في قاعدة معلومات الإجراءات الخاصة كالمقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفا.
‌ب. نسبة حالات الاختفاء التي تم استجلاؤها، بحسب حالة الشخص في تاريخ الاستجلاء (طليق، أو محتجز، أو متوفى)
3. الصحة والتغذية:
‌أ. معدلات وفيات الرضع والأطفال دون الخامسة
‌ب. نسبة وفيات الأمهات
‌ج. العمر المتوقع عند الولادة أو في السنة الأولى
‌د. مدى شيوع ومعدلات الوفاة المقترنة بشيوع الأمراض السارية وغير السارية مثل فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، والملاريا، والسل.
4. عقوبة الإعدام:
أ‌. نسبة أحكام الإعدام التي خُففت
ب‌. عدد حالات تنفيذ أحكام الإعدام.
ـــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
========
1) تعليقات اللجنة المعنية بحقوق الانسان https://tbinternet.ohchr.org/_layouts/15/treatybodyexternal/TBSearch.aspx?Lang=en&TreatyID=8&DocTypeID=11 تاريخ المشاهدة 30آيار مايو 2023.
2) الوثيقة CCPR/C/GC/36 في 3 أيلول سبتمبر 2019
3) اتفاقية حماية حقوق الإنسان في نطاق مجلس أوروبا / روما في 4 نوفمبر 1950
4) تمت إجارته من قبل مجلس الرؤساء الأفارقة بدورته العادية رقم 18 في نيروبي (كينيا) يونيو 1981
5) سان خوسيه في 22/ 11/1969 (أعد النص في إطار منظمة الدول الأمريكية)
6) اعتمد من قبل القمة العربية السادسة عشرة التي استضافتها تونس 23 مايو/أيار 2004
7) طاهر رابح حماية الحق في الحياة في إطار ميثاق الأمم المتحدة – المجلة الاكاديمية للبحث القانوني عدد2 – كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة عبد الرحمن ميرة، بجاية، 2010 ص 82
8) مؤشرات حقوق الإنسان دليل للقياس والتنفيذ – ص101








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرارة الجو ..أزمة جديدة تفاقم معاناة النازحين بغزة| #مراسلو_


.. ميقاتي: نرفض أن يتحول لبنان إلى وطن بديل ونطالب بمعالجة ملف




.. شاهد: اشتباكات واعتقالات.. الشرطة تحتشد قرب مخيم احتجاج مؤيد


.. رغم أوامر الفض والاعتقالات.. اتساع رقعة احتجاجات الجامعات ال




.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين تمهيداً لترحيلهم إلى رواندا