الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيولُ ربيع الشمال: 17

دلور ميقري

2023 / 6 / 4
الادب والفن


تدخّل رمّو، بالقول مُتفلسفاً: " الفقرُ كانَ سببَ الميل للصوصية والسلب والنهب في ذلك الزمن، خصوصاً وأن العاصمة تفتقدُ لأراضٍ زراعية كبيرة وعلى العكس من منطقتنا في الجزيرة ". لما وجد أنّ ملاحظته لم تستحق الإهتمام المنشود، التفتَ إلى المُضيف كي يتفاخر بالقول: " ربما ذكرتُ لك من قبل، أنني خدمتُ جانباً من عسكريتي في بيروت وذلك عقبَ الإجتياح الإسرائيلي بثلاثة أعوام. حللتُ بدَوري ضيفاً على أقارب ثمة، أقاموا في بيروت منذ عقود من أجل العمل "
" نعم، لقد فضّلوا العيشَ في ظهرانينا ومارسوا مختلفَ المهن، شأننا نحنُ كرد لبنان "، ردّ السيّد حيدر. على الأثر، غبّ انتهاء الغداء وحضور القهوة والحلويات الشرقية، أخذ المُضيف يُدخن سيجارة. فما لبثَ أن سحبَ نفساً طويلاً من السيجارة، لينفثه في الهواء الطلق، المُفعم بأريج زهور الحديقة. ثم بدأ يتكلمُ عن ذكرياته: " كنتُ أعرفُ شاباً كادحاً مسكيناً، من كُرد الجزيرة، وتعمّقت صُحبتنا كوننا من نفس العشيرة. ذات يوم، بدا مهموماً. ثم بناءً على سؤالي، ذكرَ أنّ شخصاً من الضاحية الجنوبية أشترى منه مسدساً ووعده بتسديد ثمنه؛ وقد مضت عدة شهور، وفي الأثناء كانَ يُسوّف كل مرة. كنا نحن نسكنُ على طرف الضاحية، وعرفتُ شخصياً مختارَ أحد حاراتها. بالصدفة، أن ذلك الرجل الذي أشترى المسدس، كان من تلك الحارة. هكذا مضيتُ إلى المختار في مساء ذلك اليوم، لمحاولة التوسّط في جلب مال قريبنا المسكين. لقد جرى الأمرُ بُعيد إنسحاب الفلسطينيين من بيروت، ولم يكن أحدٌ من المواطنين العاديين، مثلنا، يعلمُ أن شيعة الضاحية الجنوبية يجري تسليحهم سراً على قدم وساق من قبل الإيرانيين والسوريين. عقبَ اجتماعي مع المختار، توجّهنا إلى المنزل المطلوب. استقبلنا الرجلُ بترحاب، لكنه ما عتمَ أن عادَ إلى التسويفات والمسوّغات. باختصار، طلبَ مهلة أخرى. هنا، قال له المختار بشدّة: " هذا صديقي، ولن أغادر المنزل إلا مع المال ". كانت ردة فعل صاحب المنزل، أنه نهضَ وخرجَ من الصالة. كما تبيّن لنا لاحقاً، فإنه ذهبَ كي يُجري مكالمة هاتفية. إذ ما مضى وقتٌ قصير، إلا وأفرادٌ ملثمون يقتحمون الصالة ثم يُخرجوننا من البيت تحت تهديد السلاح. مضوا بنا إلى مقرٍ لحركة المحرومين، ورمونا ثمة في القبو. لحُسن الحظ، أنّ أحدَ الموجودين في المقر كانَ على علاقة صداقةٍ مع المختار. ومن ثم أطلقوا سراحنا في صباح اليوم التالي ".
بعدئذٍ، التفتَ السيّد حيدر إلى ضيفه دارين، ليتكلم عن بعض ذكرياته في حي الأكراد بدمشق. فقال، أنه زار الحي أكثر من مرة، لوجود أقاربٍ هناك من نفس العشيرة: " وعلاقتي توثقت بأحدهم، وكان يُدعى " علو "، عُرفَ ثمة كمدرّب لفرقة رقص من زمن النوادي الكردية. فما لبثَ أن دُعيَ إلى بيروت كي يؤسس فرقة مماثلة، تتبع الجمعية الثقافية لجاليتنا الكردية "
" والدي كانَ بدَوره من نشطاء تلك النوادي، والتي ما لبثت أن أغلقت الواحدة تلو الأخرى عقبَ إنسحاب الفرنسيين من سورية. مع بداية عهد الرئيس الحالي، سمحوا لنا بإنشاء جمعية خيرية لكن مع استبعاد أيّ نشاط ثقافي قومي "، علّقَ دارين على كلام المُضيف. ثم تذكّرَ كيفَ كانَ الحوتُ على شيءٍ كبير من الزهو، وهوَ يسردُ المرة تلوَ الأخرى تفاصيلَ عن نشاطات تلك الجمعية اللبنانية؛ وأنه كانَ على رأس إدارتها، جنباً لجنب مع عمله في قيادة أحد الأحزاب القومية. فلما سألَ المُضيف عن ذلك، أجابَ هذا بنبرة إحتقار: " لقد كانَ ممن خربوا نشاط الجمعية، نتيجة زجّهم صراعاتهم السياسية فيها. ثم استغل نشوبَ الحرب الأهلية، ليستولي على مكتبة الجمعية. أيضاً عرّضَ هوَ وأمثاله الجالية للخطر الوجوديّ، بانحياز أحزابهم لطرف ضد الآخر في الحرب الأهلية. بينما الجالية الأرمنية، مع كون أفرادها مسيحيين، التزمت مبدأ الحياد في تلك الحرب ".
بمجرّد خوض المُضيف في حديث السياسة، تواترَ إنسحابُ النساء من الجلسة. ومن ثمّ استأذنَ رمّو، لمرافقة الغلامين إلى حجرتهما. نهضَ دارين بدَوره، لكن كي يتفحّص عن قُرب أحواض الحديقة وأصصها، المُترعة بالزهور والورود : " والدي جنائني معروف في الحي، وقد أخذنا عنه بعض خبرته في مجال إنبات الأزهار والاهتمام بها "، قالَ للمُضيف. هزّ هذا الأخيرُ رأسَهُ باهتمام، وعلّقَ بالقول: " إذاً سأعتمدُ عليك في أمر الحديقة، خصوصاً وأنّ مُتنبّئي الطقس أكّدوا أنّ هذا الصيف سيكون أيضاً جميلاً كالربيع ". تابعا التجوالَ في المكان، وكانت الشمسُ ما تفتأ مُزدهرة كأزهار الحديقة. بغتة، ودونما تمهيد، سألَ المُضيف دارين مُضيّقاً عينيه: " لِمَ لم تتزوج بعدُ، وأعتقدُ أنك قد ناهزتَ سنّ الثلاثين؟ ". بالرغم من بساطة السؤال، إلا أنّ دارين أُخِذَ به على حين فجأة. أجابَ بعد وهلة تردد، مُتعمّداً استخدامَ نبرةٍ لامبالية: " لقد فاتني القطارُ، على ما أعتقد "
" كيفَ تقولُ هذا، وأنتَ لا تنفكّ في شرخ الشباب؟ كما أنّ العائلاتِ الكريمة لا بدّ وتُرحّب بك، صهراً "، قالها المُضيف بلهجة قوية فيما كانَ يربتُ على كتف ضيفه. خفقَ قلبُ هذا الأخير، طالما أنه عدّ كلامَ الرجل ترحيباً به كصهر مُحتمل. في هذه الحالة، ولا ريب، من المُحال أن يكونَ قصده إحدى ابنتيه التوأم. إذاً فإنه يَعني بالتأكيد، ميديا. وكانت هذه الأخيرة قد سبقَ وقالت لدارين ضاحكةً، لما استدرجها إلى حجرته أول مرة: " لستُ طفلةً كما يتصوّر البعضُ، فأنا أبلغُ السابعة عشرة زائد نصف سنة! ".
لعل السيّد حيدر، لاحظَ ما أعترى وجه الشاب من البُشر، فاستطردَ بنفس اللهجة المُشجّعة: " الشبابُ الأجانب، هنا في السويد، حياتهم مؤمّنة عموماً، لناحية العمل والمسكن. حقاً إنهم يُفضّلون قضاءَ الوقت بالتعرّف على المزيد من الحسناوات السويديات، لكنهم إلى الأخير يرغبون بالاقتران من بنات بلدهم وتأسيس عائلة وإنجاب أطفال. أليسَ حقاً؟ "
" حقاً، يا عم "، أجابَ دارين وقد اتّسعَت ابتسامته. في حقيقة الحال، أنّ هذا " العم " لم يكن يكبُر الضيفَ إلا ببضعة أعوام. لقد تزوجَ وأنجبَ مُبكراً، شأنَ الشبان المنحدرين من منابت ريفية. فإنه تركَ مع أسرته القرية، الكائنة ثمة في منطقة ماردين التركية، ليهاجروا إلى بيروت؛ وكان يناهزُ العاشرة من عُمره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس