الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بدايات الاتجاه الواقعي عند غائب طعمة فرمان (الحلقة الاولى) تاثيرات التيار اليساري والأيديولوجية الماركسية والاشتراكية

حيدر نواف المسعودي

2023 / 6 / 5
الادب والفن


لم يكن غالب طعمة فرمان اديبا خاصا بحزب معين ولم يكن لسان حال حزب سياسي معين الا ان اغلب قرانه كانوا من الشيوعيين واليساريين والوطنيين المتنورين الذين اهتموا بادبه خلال حياته وبعد مماته وقد اظهر استفتاء أجرته  مجلة الأقلام العراقية عام ١٩٧٨ بان غائب كان الأكثر شهرة والاوسع انتشارا في صفوف قراء عراقيين في مختلف الاتجاهات السياسية رغم الإرهاب الفكري السياسي آنذاك  .
كان هناك عددا من القراء العراقيين والعرب في الخارج لم تقرا اعمال غائب بل مجرد ان سمعت به على أساس انه اديب ثوري او شيوعي او انه  صاحب رواية ( النخلة والجيران ( التي مثلتها ) فرقة المسرح ) ونقلها تلفزيون بغداد .
وهناك قسم اخر من اليساريين ومؤيديهم لم يقرؤا لغائب كل اعماله لكنهم كانوا يكنون له الحب  والاحترام لمجرد كونه محسوبا على الشيوعيين واليساريين ، وهناك مجموعة أخرى من قراء الصحف اليسارية  في الخارج اطلعوا على اسم غائب ونتاجاته من خلال الصحافة الشيوعية العراقية  ، وهذا وحده يكفي لاعطاء التصور ان شخصياته تنتمي الى هذا التيار السياسي وتقال على السنتها مواقف شيوعية وهذا التصور غير صحيح ومضر بادبه ولايستبعد على فهم نتاجاته فهما صحيحا ويحد في الوقت نفسه من نشر ادبه في الأوساط  بغض النظر عن ميولها الفكرية ومواقفها السياسية .
لقد لاقى غائب طعمة فرمان نقدا لاذعا من اكثر من ناقد ماركسي متحزب لعدم  تصويره الواقع العراقي بروح ثورية ، في مجموعته ( مولود اخر ) او في روايته ( النخلة والجيران ) .
ويمكن ملاحظة توجهات سياسية عديدة في نتاجات غائب ففي قصته ( مصرية في العراق ) المنشورة في ( مجلة الجزيرة ) عام ١٩٤٩ عبر غائب عن مشاعر قومية ، وفي رسالة بعثها قاريء عراقي الى المفكر ( سيد قطب ) تبين غيماربعد ان هذا القارئ هوغائب نفسه وكان يتخذ من هذا المفكر رمزا بالنسبة له ، علما ان السيد قطب كان في شبابه ناقدا متنورا ، ويمكن ملاحظة هذا الاتجاه القومي لدى غائب في مقالاته الأخرى مثل : ( يا إخواننا في وادي النيل ) عام ١٩٤٩ ، و ( صرخة أخرى من العراق ) عام ١٩٥١ ، و ( اديب عراقي يضج بشكوى ) ، وغيرها من المقالات التي كرسها للمازني و حافظ إبراهيم و الرصافي ، وكان الهاجس القومي واضحا في رواية غائب ( المخاض ) منوخلال تصويره شخصية ( إسماعيل يا زلمة ) الفلسطيني ، الا ان هذه المشاعر ليست سياسية حزبية بل هي إنسانية واقعية تطورت بالتدريج نحو ( الواقعية الجديدة ) ، وقد لخصها في مقدمته هو و ( محمود امين العالم ) لكتاب قصص (قصص واقعية من العالم العربي ) وهي في الحقيقة موجز لاهم أفكاره عن ( الواقعية الاشتراكية الجديدة )  وطريقة فهمه  لها وللفكر الماركسي وعلاقته الادب .
في بداية الخمسينات عمل غائب محررا في صحيفة ( الأهالي ) لسان حال الحزب الوطني الديمقراطي الا انه لم يمارس العمل الحزبي التنظيمي ولا الكتابة الدعائية الحزبية المباشرة .
في رواية  ( خمسة اصوات ) لم يقدم غائب اية شخصية سياسية متحزبة لموقف شيوعي باستثناء السجين السياسي ( محسن ) الذي كان يطل على القاريء منوخلال رسائله للصحفي سعيد ، وكان محسن هذا بطلا شيوعيا حقيقيا صامدا لم يصور بطريقة مباشرة ولم يطرح شعارات سياسية مباشرة تخص حزبا معينا ، بل كان يتحدث في رسائله عن الادب وامور أخرى لها علاقة بالثقافة بعيدة عن ضيق الأفق .
كان غائب في شبابه متحمسا للماركسية وهو حماس مشوب برومانسية عنفوان الشباب ومعاناتها المادية والمعنوية وتقلبات الحياة ، متأثرا بالشاعر المصري ( علي محمود طه ) وقد بدا هذا التاثر واضحا في كتاباته المبكرة وخاصة الشعرية مثل : (قصيدة صمت ) و( قصيدة  طفلة ) واللتين اسماهما فيما بعد  ( اغنية ) و (قصة مصورة ) التي صور فيها طالبا في القاهرة ينطبق عليه المثل الشعبي العراقي ( عاشق ومفلس ) وفيها يعاني البطل من الفقر وعدم قدرته على تسديد أيجار غرفته ومعدلك يواصل القراءة والتفكير بالحب .
وبقي غائب رومانسيا في كتاباته الواقعية باستثناء بعض القصص المباشرة من في مجموعة ( حصيد الرحى ) وهي قليلة قياسا الى غيره من الكتاب الشعاريين والسياسيين .
تعرف غائب على الماركسية بشكل أوسع خلال فترة الحرب العالمية الثانية ، وفي المقابلات الصحفية التي أجريت معه يوضح ذلك بقوله : ( لقد انجذبت كليا الي هذا الاتجاه ، ولقد عاونني في ذلك احد المثقفين ممن كان لهم دور كبير في الحركة الماركسية وكان اطلاعه الواسع على اللغتين الفرنسية والإنكليزية وادابهما يبهرني ، وكانت معاونته لي بتوضيح تلك القسمات التي لاتبرز خلال الشكل التعبيري فقط وانما من تجربة حياته ، لقدعرفني على منابع الصدق التي كانت تزخر بها كتابات الذين ارشدني اليهم ، كان يدلني علي القطاعات التي تناولوها في كتاباتهم ، وكان يدفعني حذوهم لفهم دقائق الحياة اليومية ومعرفة تفاصيلها الأولية ، وكان منهجه الطبيعية مشيرا الي تجربة "زولا" كما يذكرني ويشجعني على اظهار القسمات الإنسانية التي عمل "مكسيم غوركي" على توضيحها .
انها فترة خصبة اثرت في حياتي مدة طويلة ، اختلي بنفسي متجولا كالهائم في احياء بغداد القديمة محاولا استيعاب كل نتوءات الأرض وقسمات الناس التي اخضعتها لملاحظات محدودة .
كان يقول لي : هذا الخليط يجب ان يكون له شيء يشده ، يجب ان تكون هناك فكرة تشد كل هذا ، ماذا تريد ان تقول وانت تقدم هؤلاء الناس وهذه الاوصاف ، ومنها عرفت اوليات الماركسية و اوليات الأفكار الاشتراكية والإنسانية ) .
ان تعرف غائب علي الفكر الماركسي ومنتخباته على الفكر الاشتراكي الى جانب انها لم تكن هي الغاية بالنسبة اليه  ، ولم تكن لدواعي الايمان الأيديولوجي او الفلسفي ، فانها كانت الطريق للتعرف اكثر على الاتجاه الواقعي في القصة والرواية والإفادة منه واتخاذ هذا الاتجاه منهجا فنيا ومذهبا ادبيا في كتابة قصصه ورواياته وهو ماعبر عنه صراحة من خلال حديثه عن التعرف الى الماركسية والتاثر بها ، فيقول : ( كانت الماركسية بالنسبة لنا نحن جيل الحرب ومابعده تعني علما جديدا مبرءا من كل منغصات الواقع وقروحه ، ولقد ارتبطت الماركسية في اذهاننا بالحرية والثورة علي الظلم والتحدي ، وهو تحد صلب لأننا كنا نؤمن بالمستقبل ، ومعنى ذلك ان تحدينا لابد ان ينتصر ولابد لكفاحنا انبئوني اكله ، وكانت الماركسية تعني التفتح على عالم جديد نشبع فيه رغباتنا وطموحنا ،  لقد ارتبطت الماركسية عندنا بالتجدد والتعمق والنفاذ الى الداخل والى تبني قضايا مصيرية لها الحاحها على الذهن والضمير والخيال ، وحتى الابداع ، كنا نقف مبهورين امام الحلول التي تضعها لاسئلة كنا حيارى امامها لانملك لها حلا رصينا ، كان قمة أتساولات ضخمة تدور في اذهاننا حول المستقبل والمصير والحرية الحقيقية ، حول الكتابة والاصالة والابداع ، حول موقفنا من المجتمع وطبقاته ، ولقد كنا نجد أجوبة او نحاول ان نجد أجوبة في اطار ثقافتنا الماركسية المحدودة ، وكانت نظرية الادب الماركسية غير واضحة المعالم في اذهاننا ولكن تعلمنا من القراءات الفكرية العامة ، من مطالعة " غوركي" ان على الاديب ان يعبر عن الشعب ، ومن خلال قراءاتنا تعرفنا على التعابير الماركسية العامة : " الصراع الطبقي ، القيمة الزائدة ، الاستعمار اخر مراحل الراسمالية ، الطبقات ……. " ، كما تعرفنا علي "تطور التاريخ عبر عهوده المتتالية " ولكن هذه المواضيع كانت عامة بالنسبة لنا وكان الجانب السياسي فيها يطغى علي الجانب الفكري التاملي ، فلقد كان الواقع زاخرا يدعو الى الحركة اكثر مما يدعو الى التامل واطالة النظر ).
ومن خلال كلام غائب السابق يتبين انه في هذه المرحلة اصبح على وعي اكبر بالفكر والاشتراكي ومفاهيمه ومصطلحاته ومناهجه ، وهو وعي سياسي حركي ، أولا قبل ان يكون وعيا او اعتناقا فلسفيا ، وهذا الوعي قد اثر بشكل واضح فيما بعد في طبيعة نتاجاته الأدبية والتزامه الاتجاه الواقعي الاشتراكي تحديدا نمطا واسلوبا روائيا .
عندما استقر في موسكو كرس وقته للابداع والترجمة ، ولم يكن كثيرا الى الحزبيين المتزمتين المنغلقين على انفسهم ولايعبرون له عن معاناتهم الشخصية الإنسانية ، وكان الناس المخلصون المتواضعون المتفانون احب الناس اليه بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية ، اما الوصوليون والمتزلفين فلم يكن يطيقهم ، وكان لايميل الى الكتابة عن الاتحاد السوفيتي او عن احداثه ، باستثناء روايتيه الأخيرتين الي حد ما بسبب حراجة الموقف ، فلم يكن يبحث عن حكام او حكومات تدعمه .
____________________________________

المصدر :
حيدر نواف المسعودي ـ تطور الرواية في العراق نحو الواقعية ـ رسالة ماجستير ـ ٢٠٠٨








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب