الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


56 عاماً من الهزيمة

كايد الركيبات
(Kayed Rkibat)

2023 / 6 / 5
الارهاب, الحرب والسلام


العبرة المستفادة من حرب حزيران عام 1967، هي أن الشعوب العربية تخاف أن تعترف بالهزيمة، وتتجنب استخدام كلمة هزيمة، وتفضل عوضاً عنها استخدام كلمة "نكسة" لأن هذا الاستخدام اللفظي يضفي عليها قليلاً من اللطافة اللفظية، فالنكسة أو نكسة حزيران، أخف وقعاً في نفس المتلقي من كلمة هزيمة، فكان استخدام لفظ "نكسة" تجميلاً لقبيح، فالقبيح الذي يخاف العرب الاعتراف به هو أن هذه الهزيمة العربية كانت نتيجةً لغياب الفكر الاستراتيجي العربي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، فقد كان اشعال فتيل المواجهة العسكرية في حزيران 1967 قراراً ارتجالياً مشحوناً بطاقة انفعالية كبيرة، لأنه جاء للدفاع عن الأنا المتعاظمة عند الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، بعد أن وُجهت له الاتهامات بالتمترس وراء قوات الطوارئ الدولية، التابعة للأمم المتحدة، المعسكرة على الحدود بين مصر وإسرائيل، وتجاهل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المناطق الحدودية السورية والأردنية.
هذه الاتهامات الموجهة للرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر الذي كان وقتها في أوج حالات الرفع الاعلامي، والتلميع السياسي على اعتبار أنه الرجل الثوري الذي يسعى لتشكيل تكتل عربي قوي، ويطمح لتوسيع جغرافيا سيادته، رغم ما اكتنف مساعيه من عقبات، منها انقلاب الجيش السوري في أيلول 1961، الذي أنها كيان الجمهورية العربية المتحدة، التي ضمت سوريا ومصر، وفشله العسكري في اليمن، اصداء هذه الاتهامات دفعته للقيام بإجراءات فورية ينطبق عليها الوصف الشعبي (صحوة نايم)، في محاولة منه لإثبات وجوده، وتعزيز مكانته عربياً ودولياً، فطلب من الأمين العام للأمم المتحدة اجلاء قوات الطوارئ الدولية عن الأراضي الحدودية المصرية مع إسرائيل، وعمد إلى إغلاق مضيق تيران أمام الملاحة الاسرائيلية، وخلال مقابلته للأمين العام للأمم المتحدة قبيل بدء الحرب، أبلغه شروط التهدئة مع إسرائيل، والتي تضمنت انسحاب إسرائيل من منطقة إيلات، والاعتراف بخضوع مياه خليج العقبة للسيادة المصرية، وأن تحترم اسرائيل المنطقة المنزوعة السلاح بينها وبين مصر، وأن يكون تواجد القوات الدولية على الجانب الاسرائيلي بدلاً من تواجدها على الجانب المصري، وهذه الإجراءات الانفعالية كانت تعني اعلان الحرب أو على أقل تقدير ذريعة لإسرائيل لتعتبرها كذلك.
وهنا يأتي السؤال المهم، ما هي قدرات مصر الاستراتيجية التي اعتمد عليها الرئيس المصري جمال عبد الناصر في فرض موقفه؟ الجواب هو أن مصر كانت تعاني من أزمة اقتصادية صعبة، فرضتها السياسات المالية والنقدية التي اتخذتها الحكومة المصرية نتيجة قرارات التأميم، ونقص السيولة النقدية في البلاد، وضعف المخزون الاحتياطي من العملات الصعبة في البنك المركزي المصري، وتضخم الجهاز الإداري في الدولة، وضعف الامكانات العسكرية المصرية، وغياب التخطيط الاستراتيجي العسكري لشن حرب حاسمة على إسرائيل، بمعنى آخر مصر لم تكن مؤهلة للدخول في الحرب مع إسرائيل، على المستويات السياسية، أو الاقتصادية، أو العسكرية، ولم تكن قادرة فنياً ولا تكتيكياً على قيادة القوى العسكرية العربية في هذه المهمة الحربية التي تصدرت لها، ولم تكن قادرة على الوفاء بالتزاماتها المقررة في اتفاقيات الدفاع المشتركة التي وقعتها قبيل بدء الحرب مع سوريا والأردن.
هذا كله لا يسوغ التنصل من المسؤوليات، وتحميل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر كامل المسؤولية عن هذه الهزيمة، لكنه يفرض علينا الامعان في التاريخ الثوري العربي، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ومحاكمته محاكمة عادلة، وفق الظروف التي كانت سائدة، من خلال إعادة قراءة المخرجات التي افرزتها العقائد، والسياسات، والأدوات الاعلامية، لذلك الجيل من القادة والسياسيين، فهزيمة العرب في حرب حزيران 1967، كانت نتيجة طبيعية لغياب فهم الواقع، وعدم الاستعداد الدائم للحرب، فالحرب حسمت بهزيمة العرب مع ساعات صباح الخامس من حزيران/ يونيو، والأيام الخمسة التالية كانت فرض واقع صهيوني جديد على العرب، تمثل باحتلالهم الأرض، وتشريدهم لآلاف الفلسطينيين.
فهل نملك اليوم الإجابة عن التساؤلات التي تطرح في كل يوم نستذكر فيه ذكرى هذه الهزيمة، فهل صدقاً كان القادة العرب يتخذون القرارات المصيرية بفردية، وارتجالية آنية، وفكر قاصر عن إدراك تبعات هذه القرارات على مصير شعوبهم؟ وهل كان الاعلام العربي رهين التوجيهات الرسمية، وتنصب جهوده على تلميع الاشخاص، وتظليل الشعوب، وقلب الحقائق بما تهوى السلطة؟ وهل التعاون العربي المشترك محكوم عليه بالفشل لأنه يفتقد الثقة المتبادلة، وأن الاهتمامات العربية تنحصر في تعزيز القطرية، وإلقاء اللوم على الأطراف الأُخرى نتيجة فشل سياساتها؟ وهل نجاح المواجهة مع إسرائيل يعتمد على قدرة كل قطر عربي بشكل مستقل، على تحقيق قوة ردع قادرة على حمايته، ومن ثم تطوير هذه القدرات لتكون قوة هجوم قادرة على تحقيق مكاسب على الأرض، وقادرة على بناء شبكة علاقات يمكن الاعتماد عليها في المراحل المتقدمة، التي يمكن أن تتطور نتيجة ظهور مستوى محفز للتدخل والمساعدة؟
وأخيراً ماذا تغير خلال 56 عاماً من الهزيمة "النكسة"؟
الدكتور كايد الركيبات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال