الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوية المحلية و هويات الشتات أو الفرعية (اللغوية و الطائفية)

كوسلا ابشن

2023 / 6 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


عن الامازيغ, يقول هيرودوت :" فقرة 197: هؤلاء هم الليبيون الذين تمكنا من معرفة أسمائهم, أغلبهم لا يبالي ولا يهتم بملك الميديين. ففي هذه الأرض بقي لي أن أقول, وحسب معرفتنا, انها مؤهولة بأربعة شعوب لا أكثر: شعبان أصيلان وشعبان أجنبيان, الأصيلان هم الليبيون والاثيوبيون, يستوطن أحدهما شمال ليبيا والآخر جنوبها. الأجنبيان هما الفينيقيون والإغريق". مقتطف من "أحاديث هيرودوت عن الليبيين (الامازيغ)" ترجمة وتعليق و شرح د. مصطفى اعشي.
الهوية القومية المحلية, هي الهوية الأصلية لتامازغا ( بلاد الأمازيغ), كما يؤكدها هيرودوت, أما غيرها من الهويات الزائفة أو " الفرعية" فهي إصطناعية أو أجنبية, فلا تنال هويات الشتات, الشرعية الطبيعية و لا الشرعية القانونية لكونها إما أجنبية أو صناعة إستعمارية, و في كلتا الحالتين لا يجوز أن تكونا بديلا للهوية القومية المحلية. إذا كانت الهويات الإستعمارية منبوذة, فإن هويات الشتات المسالمة تنصهر أو تتأثر بالهوية المحلية بالحفاظ على بعض خصائصها الثقافية لإستمرارية وجودها, أما الهوية الإصطناعية في الفترات الإستعمارية فتبقى مشوهة و مزيفة و ستتلاشى مع التحولات الزمنية.
يقول غبرييل كامبس: " نفي المؤلفون المعاصرون الأوروبيون في انقسام شديد لوقت طويل حول البربر, ومهما اصطنع هؤلاء المؤلفون من "الحجج" العلمية في دعم ما جاءوا به من فرضيات فإنهم لبثوا على قدر سابقيهم في العصور القديمة و القرون الوسطى ركونا الى الخيال, وربما فاقوهم جموحا فيه" (البربر ذاكرة وهوية, ص. 63) ترجمة عبد الحليم حزل.
صناعة الهوية الزائفة لقوم الإمازيغ و بلاده ليس وليد اليوم, كما يذكر كامبس, بل هي مرتبطة بالفترات الإستعمارية التي عرفتها تمازغا (بلاد الأمازيغ), و آخرها العروبة الإستعمارية. الإشكالية الهوياتية في بلاد الأمازيغ, تكمن في الصراع بين الحق الطبيعي الجغرافي و الإثنولوجي و الثقافي للعنصر المحلي و بين التصور اللاطبيعي في صناعة العنصر الإستعماري في إمتداده الخارجي. غياب المكونات الثقافية و اللغوية و الإجتماعية التاريخانية للهوية المزيفة و حتى إن فرضت هذه الهوية نظريا بالقوة و القسر على بلاد الأمازيغ فمحكوما عليها بالبطلان و الزوال, لأنها ليست أصلية محلية, بل هي هوية بلاد السعودية. الهوية الثقافية و الإجتماعية و السيكولوجية لا تتشكل في ظرف بعض العشرات من السنين و لا تتشكل بإرادة إستعمارية و لا بإرادة الحكام المستبدين أو الأجانب. الهوية القومية هي تراكم العناصر المميزة لكل أمة, تتشكل عبر السيرورة التارخية الممتدة الى آلاف السنين. الهوية الأمازيغية ضامنة لهذا التراكم التاريخي, فهي الأصلية و المحلية, و هي المشترك الجامع لأمة بلاد الأمازيغ, فهي ليست فرعية و لا صناعة إستعمارية. طبيعة تشكلها في مجالها الجغرافي و التاريخي, لا يسقطه المسخ الهوياتي.
يقول حسن الوزان, المشهور بالأسد الإفريقي (الزناتي):" إن الشعوب الخمسة المنقسمة الى مئات السلالات و آلاف المساكن تستعمل لغة واحدة تطلق عليها اسم أوال امزيغن, أي الكلام النبيل" (وصف افريقيا).
الهوية اللغوية لبلاد الأمازيغ كما يذكر ليون الإفريقي تسمى أوال إمزيغن ( لغة الأمازيغ), و ليس هي اللغة اللاتينية و لا اللغة العربية. بناء على هذه الشواهد العلمية, نستنتج أن القوم الأمازيغي, موجود في بلاده و التي هي تامازغا منذ التاريخ الغير المدون (ماقبل التاريخ), و لغته الطبيعية هي اللغة الأمازيغية. فعلى هذا, فالهوية الأمازيغية لتامازغا (بلاد الأمازيغ) اللغوية و الثقافية و الإجتماعية و السيكولوجية, هي الهوية الأصيلة و الأصلية و المحلية, وليس كما يدعي أعوان العروبة الإستعمارية و مزوري الحقائق العلمية. الهوية الفرعية أو هوية الشتات فهما من مصدر أجنبي, أما الأصلية فهي محلية الوجود. لا هوية أصلية, طبيعية في تامازغا إلا الهوية الأمازيغية, و ماعداها فهو أجنبي المصدر, يجب إحترام السلمي منه, و مقاومة الإستعماري, القمعي و القسري منه.
لقد كثر الخطاب المغلوط حول الإمتداد العربي الخيالي لصناعة هوية تامازغا, و كأن هذه الأخيرة كانت أرض خالية من السكان, مجرد قفاري و صحاري, تجوبها الأفاعي و العقارب, و إستوطنها العرب مثلما إستوطنوا الحجاز و النجد من قبل. الواقع الذي لا يعرقل الإقامة و صناعة الإمتداد العربي الخيالي لبقعة تبعدها الجغرافية و النتروبولوجية و الإثنولوجية عن الأرض و السلالة العرابيتين. طوبوية الامتداد العربي, هو مفهوم مغالط لمكانيزمات جدلية الحركة و الإستقرار الإستمراري. فحركية العنصر خارج نسقه المحيطي, قد يتصادم مع عناصر من خارج نسقه, و قد يؤدي هذا الى هلاكه في مكان غربته, فلا وجود للإمتداد خارج نسقه إلا بالإنصهار في البنية الإستقبالية أو النهاية الطبيعية. فالإمتداد العربي المزعوم فرضية باطلة, خاصة أن شمال افريقيا(بلاد الأمازيغ) كانت و لا زالت آهلة بملايين من سكانها الأصليين الأمازيغ بهويتهم الأمازيغية التي إستمدوها من أرضهم و ثقافتهم و لغتهم. كما أشار الى ذلك هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد, و كما ذكره ابن خلدون بقوله: " لم تزل بلاد المغرب إلى طرابلس بل وإلى الاسكندرية عامرة بهذا الجيل ما بين البحر الرومي وبلاد السودان منذ أزمنة لا يُعرف أولها ولا ما قبلها" (العبر وديوان المبتدأ والخبر ... ). فمن اللاطبيعي و اللامنطقي أن يذوب الملايين من الأمازيغ و هويتهم, لتحل محلهم بعض آلف من المستوطنين الأعراب و هويتهم الحجازية. كيف يمكن أن نتحدث اليوم عن هوية عربية سيادية و هوية فرعية أمازيغية, إلا إن كانت البلاد تحت حكم الإستعمار العروبي, و سيادة العروبة الخيالية, و هذا ما هو سائد حاليا. الحقيقة الطبيعية و التاريخية و الإنتروبولوجية لا يغيطها غربال العروبة التخيلية, أن تامازغا منذ القدم هي موطن القوم الأمازيغي بهويته الثقافية و الإجتماعية و اللغوية و النفسية المشتركة, و التي ميزته عن هويات الشعوب الآخرى السلمية و العدوانية, أما الهويات اللغوية و الثقافية الجزئية أو الفرعية فهي عامل التحول و التغيير الحاصل عبر الزمكان.
الحديث عن الهويات الفرعية و الخصوصيات الثقافية في المجتمع الموركي, الذي يروج له, على أنه بهوية عربية سيادية و الأمازيغية هوية فرعية في بلد عربي, هو خطاب إيديولوجي و سياسي يهدف الى تأصيل هوية الشتات و تأصيل الهويات الإستعمارية في بلاد الأمازيغ, رغم الدرس التاريخي حافل بالعبر, بزوال الهويات العابرة مع الزمن الإستعماري أو زمن الشتات, فقد إنقرض زمن الرومان و الوندال و الأعراب و الأتراك و الأوروبيون المعاصرون, و سيأتي الإنقراض الحتمي للعروبة المعاصرة في شكلها الشوفيني. طبيعة هوية الإستعمار لا يمكن أن تصبح بديلا عن الهوية الأصلية المتفاعلة مع محيطها في سيرورتها التاريخية, و حتى و إن كانت الهوية الأجنبية محمية بالقوة الإستعمارية العسكرية و "القانونية", فهي قهرية غير طبيعية في بلد إقامتها المؤقتة, لا تملك المقومات الطبيعية للهوية المحلية. الهوية الثقافية و الإجتماعية و اللغوية لا تصنع في المختبرات الإستعمارية و لا تتشكل بإرادات فردية, و لهذا فالهويات الزائفة يكون زوالها و بقاءها مرتبط بالإستعمار أو بفترة سيادة الحكام العرقيين الطغاة. أما الهويات الأجنبية المهاجرة و المسالمة, في غياب جوهرها الثابت, تستوعب في الهوية الأمازيغية الأصلية, بتفاعلها الديناميكي في المحيط الإجتماعي و الثقافي الأمازيغيين, تنتقل بشكل طبيعي الى إندماجها الإيجابي ( العنصر الأفريقي نموذجا), أو الإستعاب الحاصل للعنصر اليهودي في إطار التنوع في وحدة الهوية الأصلية المحلية.
إنهزام الفكر العرقي في بلاد الأمازيغ, مع التحولات الكونية في العقدين الأخرين, أنتج مفاهيم جديدة, مثل الهوية المتعددة للبلدان "المغاربية", أو الوحدة في التعدد و التنوع. هكذا تحول موقف من كان في الأمس القريب يتنكر للهوية الأمازيغية و يعتبرها صناعة فرنسية أو تراث رجعي غابر, يستحضر لمحاربة الهوية العربية الإسلامية. هكذا بإرادة الفرديات السلطوية, يتم التحول والإنتقال من الأحادية المطلقة كمفهوم إستعماري عروبي, الى مفهوم التعدد الهوياتي لبلقنة هوية تامازغا بلاد الأمازيغ, لكن لغاية مرسومة و هو إلحاق الأمازيغية بالعروبية في التراتبية السيادية للعروبة و التبعية الأمازيغية, و الهدف من هذه التعددية هو ضرب الهوية الأمازيغية بتقزيمها ضمن العناصر الشتات و الهويات الفرعية لتبقى الهيمنة للهوية العروبية الإصطناعية المتخيلة في أجندة القوى الإستعمارية الجديدة. وهكذا صنعت الهوية المتعددة التي هي إيديولوجية إحتوائية تهدف إحتواء الهوية الأمازيغية في الوعاء العروبة, ضمن سياسة التعدد الهوياتي التراتبي. التنوع اللغوي الحاضر في تامازغا (بلاد الأمازيغ), يجب أن يؤخد في إطار وحدة الثابت الجغرافي الأمازيغي و ضمن ثقافته الإطار المشترك و الجامع للهويات الشتات و الهويات الفرعية. فإغناء الوحدة الأمازيغية هو ضمان لتمتين أسس الدولة الدمقراطية و تقويتها في التصدي للأزمات الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية و مواجهة التحديات الكونية.
الهويات الزائفة مصيرها الزوال المحتوم, و لا يبقى في الإستمرار التاريخي, إلا الهوية الأصلية الأمازيغية في موطنها الأصلي تامازغا (بلاد الأمازيغ).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال