الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


للثقافة.. دورا تفاعليا في تجسيد القيم واحترام الحقيقة

عصام الياسري

2023 / 6 / 5
الادب والفن


في 2001 اعتمدت اليونسكو الإعلان العالمي للتنوع الثقافي، اعترافا بأهمية تعزيز الإمكانية التي تمثلها الثقافة بوصفها وسيلة لتحقيق الازدهار والتنمية المستدامة والتعايش السلمي على الصعيد العالمي. تحتفي اليونسكو في 21 أيار/ مايو من كل عام باليوم العالمي للتنوع الثقافي.

تحيي العديد من الدول سنوياً ذكرى إنجازات مجتمعاتها الثقافية والتاريخية، وتفسح المجال للتفكير في المشاكل التي تعاني منها، وتلفت الانتباه إلى القضايا المهمة للمستقبل وتحفز الناس على المشاركة بشكل أكبر. كما تحيي ذكرى الشخصيات الشهيرة في بلدانها في مجال العلم والثقافة والفنون والفكر، أيضا الأحداث التاريخية المهمة في حياة شعوبها ومجتمعاتها.. تقيم المعارض والقراءات والحفلات الموسيقية وورش العمل، ويظهر المشهد الثقافي بتنوعه، كيف يوفر التنوع الثقافي للمشاركين مشاريع التنمية والحوار بين الثقافات. وفي الأوقات التي يتعرض فيها التماسك المجتمعي لضغوط متزايدة، يوفر الفن والثقافة منصة للمناقشات والتفاهم والإبداع والابتكار. لما لهما من إمكانات كبيرة للتنمية المستدامة ودفع عجلة التنمية البشرية لصالح الأجيال الحالية والمستقبلية. أيضا تسليط الضوء على مساهمة العاملين في المجال الثقافي، الفنانين والأدباء والمفكرين، في الحوار بين الثقافات والتعايش المتناغم بين مختلف الناس والفئات الاجتماعية.

لكن نسأل: أين يقف العراق من هذا الحدث في هذا العصر، الذي بات فيه بلد له من بين العديد من الثقافات العالمية في عصور عدة عمق حضاري وثقافي متميز؟ ولماذا ينحدر سبيله اليوم باتجاه نفق مظلم.. وجها لوجه بين زيف الديمقراطية وصراع الأيديولوجيات؟.

كتبت ذات مرة عن فيلم عراقي، فكتب لي أحد الأصدقاء العرب قائلا:

قرأت مقالك وقد أعجبني إصرار الفنانين العراقيين على متابعة عملهم الفني رغم الظروف القاهرة وسيادة العنف واختفاء التسامح بين الأفكار والعقائد المختلفة.

لم يكن صعبا فهم مغزى ودلالات ما كان الصديق يريد الإشارة إليه: فهو كان يشير مجازا وبوضوح إلى مسألتين: الأول مسؤولية المثقف، ونحن نتحدث هنا عن "المثقف العراقي"، الذي يعيش في ظل مشاعة القهر والعوز وفقدان المشهد القيمي والإبداعي في بلاده. وثانيا دور الثقافة التكاملي الذي لا يفصل بين العام والنخبة، وأهميته من الناحية الرمزية، ليس على رقي المجتمع فحسب، إنما الدفاع عن مكانة المثقف ومحاولات الكشف عن حقيقة ما يجري حوله. ما يفسر ذلك باختصار، معنى الثقافة ودورها الحقيقي.

للمثقف في مشواره، كما للثقافة، دورا تفاعليا في تجسيد القيم واحترام الحقيقة داخل المجتمع. يقودني هذا للسؤال هنا: لماذا لا يتمرد مثقفو بلادي "العراق" منذ عقدين على الفساد الثقافي الذي يسود المجمعات الثقافية ويؤثر في تناول الحقيقة؟. في حين لم تحاول أي جهة ثقافية إلا في حالات نادرة تحمل المسؤولية في أدنى حدودها؟ اعتقد، يتوجب على النخبة أن تضع في صدارة ما يجب أن تكتسبه في هذا الاتجاه، أن تعطي جميع القضايا الثقافية والفكرية، أهمية استثنائية تشكل منعطفا قيميا لحماية المسألة الوطنية. لكنها تحدد أيضا، على الأقل، مسار المثقف الحقيقي وأهمية حضوره المتميز في المجالات الثقافية والإبداعية، كمحاولة وجدانية، تثير الاهتمام، ليس إزاء الثقافة والمثقف العراقي وحسب، إنما الشؤون المحيطة ببلاده على الصعيد الداخلي والعالمي، بحيث يصبح جزء من مشروع ثقافي يراد له أن يدوم.

من هنا على المثقف أن يدرك بأن "المعرفة" هي القوة التي تقود إلى الحقيقة، لكن لا يستطيع أن يحمي الحقيقة إلا من يمتلكها. وإذا ما تحدثنا عن دور الثقافة في الشأن العراقي، فعلينا أن نشير: أن على النخبة في مجال الفكر والفن والإعلام، تقع مسؤولية كشف الحقيقة كونها السلطة الجديرة بالمعرفة وتمتلكها. ما يهمنا هنا التأكيد: إن الأجنبي الذي دخل بعد غزو العراق قد حقق الأهداف الاستراتيجية التي جاء والتحالف الدولي من أجلها، وأهمها، هدم الثقافة والعلم واغتيال الفكر وإيقاف نموه... لكن ما هو الدور الذي ينبغي على المثقف أن يمارسه، وعلى ماذا يرتكز الإعلام العراقي بعد كل ذلك؟. في الدول المتحضرة، تستمد الثقافة والإعلام مصادر قوتهما من حجم تأثيرهما في المجتمع والدولة، كونهما أحد أهم الأركان الرئيسية لبناء الدولة وتقويم مسارها النهضوي. ولا تكتمل النظرة النموذجية لهما كمؤسسات رقابية لها القول والفعل، إلا بوجود حريات حقيقية ومعطيات قانونية تحميها. ومن جانب آخر، تمسك الدولة باللوائح والمواثيق والقوانين التي تحفظ مصادر تلك القوة وحماية حرية العمل، إذ إن كليهما "الثقافة والإعلام" يشكلان أدوات قيمية ضاغطة، يستطيعان التأثير في الحياة العامة على مستوى الدولة والمجتمع. أما في بلد كالعراق فإنهما يفتقران كل تلك المقومات بسبب انزلاقهما سياسيا باتجاه الولاء للأحزاب الطائفية داخل السلطة أو خارجها، الأمر الذي أودى بهاتين المؤسستين لأن تكونا في أغلب الأحوال أدوات غير مستقلة، لا تمتلك إرادة حقيقية لمنفعة المجتمع وإصلاح الدولة ومؤسساتها.

لقد فشلت المجموعات (الثقافية والإعلامية) العراقية على نحو كبير في رسم استراتيجية جريئة. تتناول الأوضاع المتردية في البلاد، وتواجه التحديات التي يعاني منها المجتمع بموضوعية. فتحولت بسبب سيطرة مافيات السياسة على العديد منها، إلى مشاريع تنخر صفوفها الانتهازية والنفاق والتطبيل للأحزاب وقادتها. فيما قل نظير المؤسسات غير الحكومية التي تحرص على تناول الأوضاع العامة للمجتمع ونقل معاناة الناس للرأي العام الخارجي بكل تفاصيله وأحداثه وحيثياته، دون رتوش أو رقيب. بيد أن المجتمع العراقي إلى حد كبير غير مهتم بمستقبله كما وليس لديه أي رؤى بديلة في ظل افتقار مؤسسات إعلامية أو سياسية جديرة لإثارة اهتمام المواطن والدفع به لتحمل المسؤولية لجعل التغيير ممكنا.

لكن، على ما يبدو، لا الثقافة ولا الإعلام، قادران، لعب مثل هذا الدور لمواجهة القصور والأزمات والأخطاء السياسية التي تعاني منها البلاد في ظل عمليات نهب وابتزاز وانتهازية ونفاق سياسي، يرافقه سوء إدارة الدولة من قبل أحزاب طائفية وقومية شوفينية غير معنية بحرمة الوطن والثقافة على حد سواء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا