الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السودان .. هل يحل المشكلة ؟

أحمد فاروق عباس

2023 / 6 / 6
الصناعة والزراعة


يمكن أن يكون مستقبل الأمن الغذائي العربي مبشرا للغاية بشرط واحد .. وهو أن يتم استغلال إمكانيات السودان الهائلة لجعله سلة غذاء العالم العربي ..
ويشير تقرير للأسكوا ( وهى لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا ) إلى أنه فى حالة استغلال إمكانيات السودان الزراعية ، بالإضافة إلى استغلال مياه الامطار فى العالم العربي فإن ذلك سيفى بحاجة المنطقة كلها من الحبوب ، بدلا من استيراد أكثر من٥٠% من حاجتها منه حاليا ..
ليس ذلك فحسب ، بل ستصبح المنطقة - طبقا لدراسة الاسكوا - مصدرة لحوالى من ١٠ - ٣٥ مليون طن من الحبوب سنويا ..
كل ذلك بشرط رئيسي هو : إضافة إمكانيات السودان الزراعية إلى مجموع القوة العربية الشاملة في قطاع الزراعة ( رؤوس أموال الخليج زائد قوة عاملة من دول الفائض السكانى العربى وتكنولوجيا وخبرات مصرية وعربية أخرى ) ..
ويمتلك السودان حوالى ٢٠٠ مليون هكتار صالحة للزراعة ، ما يزرع منها بالفعل ١٥ مليون هكتار فقط !!
( والهكتار = ٢,٥ فدان تقريبا ) ..
ولكن هناك تقديرات أقل تواضعا ، فطبقا للأسكوا تبلغ مساحة الأراضى الصالحة للزراعة فى السودان ١٣ مليون هكتار ، بينما تبلغ إمكانيات السودان الزراعية غير المستغلة ٨٧ مليون هكتار ، وهى أكبر مساحة من الأراضى الزراعية غير المستغلة في العالم ..
وكثير منها مناسب لإنتاج الذرة والقمح وفول الصويا وكثير من الحبوب ..
واذا أمكن استخدام تكنولوجيا أعلى فى الزراعة في السودان - غلة الحبوب وانتاج الأرض منخفص جدا فى السودان - فإن إمكانيات السودان ووراءه العالم العربي ستتضاعف في إنتاج الحبوب ..
وهنا سؤال ..
هل سيترك الغرب السودان - ومعه العالم العربي - أحرار في استغلال تلك الثروات الزراعية الهائلة ؟!
الإجابة يمكن تخمينها ببساطة من كمية الصراعات والفتن التى وجد السودان نفسه فيها منذ فجر استقلاله عام ١٩٥٦ ..
فتم خلق مشكلة الجنوب ، التى استهلكت إمكانيات السودان المادية وطاقته وانتهت بانفصال جزء مهم من السودان ..
وكان الظن أن المشاكل انتهت عند هذا الحد ، ولكن يبدو أن ذلك كان ضربا من الوهم ..
فتم خلق مشكلة دارفور ، وتم النفخ في قصة افريقية السودان أو عروبته ، وأخيرا تم إلحاق السودان في قطار الربيع العربي فى محطته الأخيرة ، وسمعت شوارع الخرطوم هتافات رددتها شوارع القاهرة وصنعاء وطرابلس ودمشق قبل عقد من الزمان ، تطالب بالحرية والديموقراطية والعيش والعدالة الاجتماعية ..
ولما كانت القوى السياسية فى السودان غير مستعدة لتحمل عبء الدولة السودانية في ظروف شديدة الصعوبة تقدم الجيش السودانى وتحمل المسؤولية ..
وهنا كان أهل الفتن جاهزين ..
فزادت الصراعات فى السودان صراعا آخر بين العسكريين والمدنيين ، ثم تطور الصراع فى نسخته الأخيرة إلى صراع بين العسكريين أنفسهم ( الجيش السودانى وقوات الدعم السريع ) ..
ومن البداية كانت الصراعات بين الأطراف السياسية فى السودان مرهقة ، بدءا من الاتحاديين ( مع مصر ) والانفصاليين ..
ثم الصراع بين التيارات الدينية والتيارات المدنية ..
وفى كل هذه الصراعات هناك هناك طرف خارجى - أو أطراف - يشجع ويدعم ، ويغذى الصراعات ، ويمول اطرافها ..

.. نرجع مرة أخرى إلى السودان والزراعة والغذاء ..
فى السبعينات بذلت محاولات لجعل السودان سلة غذاء العالم العربي واهتمت دول الخليج خصوصا بذلك ، وقد عمل الصندوق العربي للإنماء الاقتصادى والاجتماعي فى الكويت على استثمار ٥,٥ مليار دولار فى الزراعة السودانية خلال الفترة ١٩٧٦ - ١٩٨٥ ..
وكان من المأمول أن يوفر السودان في نهاية المطاف ٤٢% من واردات العالم العربى من زيت الطعام ، و ٢٠% من السكر ، ١٥% من القمح ، وبالإضافة إلى دول الخليج كانت مصر والأردن تتطلعان إلى الإمكانات الزراعية السودانية ..
وذهب كثير من المستثمرين الخليجيين إلى السودان للعمل ، وكان بعضهم يرتبطون بصلات قوية مع الأسر المالكة فى الخليج العربي ..
ومن جانبه أصدر السودان منذ السبعينات تشريعات محفزة للاستثمار الزراعى فيه ، من بينها :
- إعادة المستثمرين العرب والأجانب أرباحهم إلى بلادهم .
- رفع التعريفات الجمركية على الواردات المنافسة .
- تحسين جوانب كثيرة من بيئة الاستثمار في السودان ، وكثير من الامتيازات الزراعية الأخرى ، بل واستولت الدولة على أراضى القبائل غير المسجلة ، وشجعت على زراعة الحبوب فى وسط السودان ..
ومع كل ذلك فشلت - كما تقول المؤلفة البريطانية - محاولة جعل السودان وسيلة الحل لمشكلة الغذاء فى العالم العربى ..
ولكن ما هو السبب ؟!!
تذكر المؤلفة البريطانية كل الأسباب إلا السبب الحقيقي ..
وكان السبب الحقيقي هو محاولات الغرب التى لم تتوقف لزعزعة الإستقرار في السودان ، وإدخال السودان فى حروب أهلية مدمرة بين شمال البلاد وجنوبها ، ثم فى سلسلة من الفتن والصراعات لا تنتهى ..
بينما تقدم المؤلفة الأسباب التالية :
إن الإنتاجية الزراعية كانت راكدة ، كما انخفضت عوائد الصادرات ، وترجع فشل هذه الاستراتيجية إلى الصراع غير الظاهر بين المستثمرين العرب وبعضهم ( وهو سبب غريب وغير حقيقي ، يبعد الأنظار عن الفاعل الحقيقي لمصلحة أسباب وهمية ، ويلقى باللائمة على العرب أنفسهم !! ) ..
بالإضافة إلى عدم كفاية خدمات الإرشاد الحكومية ، وإهمال الزراعة التقليدية وصغار المزارعين ، والتصحر ، والنزاع على الأراضى ( مع انها تبلغ عشرات ملايين الأفدنة ) ، والفشل في إستخدام الأراضى المستأجرة ، وعدم استقرار الاقتصاد الكلى ، وتردد المستثمرين العرب في الالتزام بالتمويل !!
ثم تقول المؤلفة نقلا عن كتاب وباحثين غربيين آخرين ( معددين نتائج جريمة العرب في أنهم فكروا في حل مشكلة أمنهم الغذائي ) الاتى :
لقد تم تدمير الغطاء النباتى الطبيعى ، وتدهورت الأراضى ، وهجرت المزارع ، وتم تجاهل أصحاب الحيازات الصغيرة والرعاة ، وزادت النزاعات !!!
وفى نهاية هذه القصة الطويلة الحزينة أصبح الوضع كالأتى :
السودان دولة على وشك التفكك ، والعالم العربي دوله على حافة المجاعة !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله