الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الازمة العالمية المخيمة تونس بين الاخطار المحدقة والفرص المتاحة

الهادي خليفي

2023 / 6 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


امران خطيران شدا انتباهي في الفترة الاخيرة اولهما اعتزام الحكومة التركية زيادة معاليم المرور بمضيقي الدردنيل والبوسفور ب8% وهذه الزيادة اذا ما تم فرضها قريبا ستؤدي الى رفع اسعار القمح في الأسواق العالمية إلى مستويات قياسية
اما الامر الثاني فيتمثل في موافقة الكونغرس الأمريكي بجمهورييه وديمقراطييه على رفع حد الاقتراض للحكومة كي لا تتخلف عن سداد ديونها. التوقيع على مشروع هذا القانون جنب الولايات المتحدة التخلف الكارثي عن سداد ديونها البالغة 31.4 تريليون دولار ولكنه لم يخلصها من الازمة المحدقة بها نهائيا إذ يبقى اجراء وقتي المفعول ومسكن لفترة قصيرة حيث من المتوقع ان تعود الازمة لتخيم على اكبر اقتصاد في العالم في الخريف المقبل وستعم آثارها اقتصاديات كل العالم الغربي ومن يدور في فلكه بشكل أقصى مما حدث في 2008
ان هذين الأمرين ستكون لهما انعكاسات مزلزلة على السلم الاهلي والاستقرار الاجتماعي في اغلب بلدان "العالم التابع " وهي تسمية وجدتها اكثر تعبيرا (من العالم النامي والعالم الثالث والعالم في طور النمو والعالم المتخلف) عن واقع كتلة من الدول حصلت على استقلال صوري عن مستعمرها ولكنها ظلت مرتبطة باجهزته التي تسحب منها خيراتها وثرواتها في مقابل مدها بالحماية لحكوماتها وضمان استقرار اوضاعها الامنية وتعتبر بلادنا واحدة من هذه البلدان بكل اسف ..
ستشهد هذه البلدان ضيقا ماليا وضنكا معيشيا يدفعها إلى الهرع للهيئات الدولية التي تسمى زورا ب"المانحة" وهي في حقيقتها ناهبة تطلب اقراضها الأموال لمواجهة ما حل بها وستعمل هذه الهيئات على تقديم وصفتها التقليدية التي تاخذ في المظهر شكل الدواء فيم هي في حقيقتها السم الزعاف وتتمثل مكونات هذه الوصفة في :
-رفع الدعم عن مواد الطاقة: ما يرفع اسعار كل المنتجات الصناعية حيث يحول أصحاب راس المال وهم المنتجون فارق الزيادة في سعر الطاقة باضافته الى سعر المنتج لينتهي مدفوعا من جيوب الطبقة الوسطى والمفقرين ما يزيد من افقارهم وتدحرجهم الاجتماعي ..
-رفع الدعم عن المواد الغذائية :فتتضاعف أسعارها ويجعل امر الحصول عليها متعسرا لأغلب فئات الشعب ما يفجر الازمات ويهز الاستقرار ويثير الشعوب على حكامها ويشعل الحروب الاهلية ..
-خصخصة الممتلكات العامة وهو بالنسبة للصناديق والبنوك الدولية مقترح مقدس في كل وصفة إذ بيع المؤسسات الحكومية يزيد من قبضة حكم راس المال "التابع " ويتيح للراس مال الغربي التملك المباشر للمؤسسات المعروضة للبيع وهو شكل من أشكال عودة الاستعمار في مظهر وشكل جديدين..
كما ستشهد هذه البلدان نزاعات وحروبا مسلحة إذ من المتعارف ان الحكومات اذا ما ساءت اوضاعها وتهدد حكمها تلجأ لتصدير ازماتها الى الخارج و وافتعال الاخطار لشد عصب الوحدة الوطنية وفي حال كانت الازمة عامة فالحرب تكون في حجمها عامة ..وستشجع وستعمل على اشعال الحروب القوى الدولية المصنعة للسلاح إذ أن اشتغال مصانعها من شأنه ان يخفف من آثار الازمة الاقتصادية فيها عن طريق توفير الشغل لمواطنيها .. على حكامنا الاستعداد الى هذا السيناريو الواقف على بعد اسابيع او اشهر في أقصى الاحتمالات يتربص بنا ..
ان الواجب يحتم على وطننا ان يكون في منتهى الانتباه والحيطة والحذر حتى يغلق على المتربصين به مجال اختراقهم لدفاعاته وسد منافذ التسلل لجبهته الداخلية وأولى الواجبات المحمولة على السلطة ان تتحسب لهذا السيناريو وان تسحب من الساحة الاجتماعية اسباب تفجرها وان تعمل على رأب تصدعها سريعا إذ الآن ليس أغلى من الوقت شيء..
ان الاستراتيجيات والتكتيك يتفقون على أنه في كل الازمنة وكل الظروف يجب تقليل الجبهات وتحييدها لضمان السلامة والبقاء وانه كلما تعددت الجبهات في الحروب انذرت بالخسارة والزوال ..
الاولى في تحييد الجبهات تحييد الجبهة الداخلية عن طريق منع تعمق اختلافات مكوناتها وتحولها الى خلافات تقود الى التصادم ولا يكون ذلك الا بحوار تدعو اليه السلطة كل القوى الوطنية وتضع له أرضية جامعة وتقوده الى المخرجات التي تحفظ لتونس استقلالها ووحدتها الوطنية في شكل عقد اجتماعي وثيق قادر على الصمود ومواجهة الاخطار القادمة ..
ثاني تحصين للوطن على السلطة إنجازه يتمثل في عدم الرضوخ مهما كان الثمن لخيارات واقتراحات صندوق النقد الدولي و"وصفاته القاتلة" والجد في البحث عن التمويل والاستثمار من بلدان الكتلة الشرقية المتشكلة الان (الصين،روسيا)ومجموعة بريكس وبلدان الخليج العربي ..
أما ثالث واجب على السلطة المسارعة اليه فهو العمل على تعميق الشراكة مع الجار الجزائر وتحقيق التكامل الاقتصادي معها وذلك بابرام اتفاق أمني يؤمن لكلا البلدين التعاون على مواجهة الاخطار التي تتهددهما والتي بدات تتكشف للعيان بعد افتضاح امر الاجتماع الاستخباراتي المغربي الصهيوني الفرنسي والرامي الى هز الا ستقرار في تونس ومنطقة القبايل والعاصمة الجزائرية ولابد من العمل على توفير العوامل المساعدة للتكامل الاقتصادي بين البلدين بفتح الأسواق وإيجاد عملة موحدة (الدينار الافريقي) الذي يمكن في حال نجاح التجربة ان يعمم في بلدان أخرى لاحقا ..
ان الازمات تحمل قدرا من الاخطار الا انها أيضا تحمل قدرا مساويا من الفرص وانه علينا الان ان نتوجس من الاخطار ونعد لها وعلينا بنفس القدر ان نستغل الظرف الذي تنشغل فيه القوى العالمية بشؤونها الداخلية لنحت مستقبل نتكامل فيه مع الجيران ونقلع فيه نحو غد افضل ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوضاع مقلقة لتونس في حرية الصحافة


.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين: ماذا حدث في جامعة كاليفورنيا الأ




.. احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين: هل ألقت كلمة بايدن الزيت


.. بانتظار رد حماس.. استمرار ضغوط عائلات الرهائن على حكومة الحر




.. الإكوادور: غواياكيل مرتع المافيا • فرانس 24 / FRANCE 24