الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيولُ ربيع الشمال: 20

دلور ميقري

2023 / 6 / 7
الادب والفن


ما أنفكّ النهارُ رائعاً. عادَ دارين لوحده من المطعم اليونانيّ، مهملاً المشاهدَ المثيرة ( مضحياً بها بالأحرى )، كونه شعرَ بالشبع؛ في معدته وأسفلها على السواء. أتخذَ مجدداً الطريقَ المُوازي للنهر، مذعوراً من فكرة الإنزلاق في فخّ الحوت، الذي يبحث عن ضحيةٍ لثرثرة لا تنتهي إلا بالإنتحار سقوطاً في الهاوية. مع ذلك، كان النهارُ ضحيةً بكل مفاتنه، الطبيعية والأنثوية. فإن ميديا في أثناء الغداء، سألت عن البورتريه، فوعدها مرة أخرى بأنها ستحوزه حالما ينتهي من إنجاز اللوحة المائية المأمولة. كان في ذهنه مذ زمن مديد، رسمُ لوحةٍ تُمثل أسطورة " سيامند وخجي ". ألحّت اللوحة هذا اليوم تحديداً، كون الأسطورة منذورة لعاشقٍ يخطف حبيبته بعدما أعترض أهلها على موضوع إقترانهما. هذه الأسطورة، سبقَ ونطقت بها إحدى قصائد مجموعته الشعرية، المُهملة مسودتها في الرف السفليّ لمكتبة حجرته:
" هيَ ذي الشواطيء اللازورديّة، تلوحُ لعينيكَ، الضبابيتين. كم من أعوام، إنتظرتَ كي يكحّل رموشهما هذا الِسحر. غابة البتولا، هيَ ذي بفخذيْن صخرييْن ينتهكُ ما بينهما البحرُ، مرطباً جنونها ببرودة موجه، الشبق. عبقُ الليل، المغادر تواً، يختلط بأريج الشفق، المنتثر من مداعبات النوارس لليلك. طبْ نفساً، أيّها الغريب! لكَ صحو الفجر هذا؛ فإلق نظرة الخبير، بما حولك، ثمّ إنتق فسحَة ظليلة، تخبئك. لا تنصت لإغواء حوريّة البحر، تحسرُ لكَ صدرَها المكلوم، المغسول بدموع الفجر وحسرَة الصخر؛ دعكَ من الفتنة العارضة. سهامك، تفحّصها جيّداً، وقوسك، لتجزمنّ أمركَ؛ هيَ ذي ساعة الصفر! كمينك ـ إن أوقعَ هدفه، سيربحكَ الخلود؛ أبديّة أعجزتِ الهائمين قبلكَ: من كلكاميش إلى تيسوس. أراكَ متراجعاً: هل تدبر؟ إذاً، لا. فلتصحُ في هذا الصباح المُشرق؛ هذا الصباح، الذي يَعِدكَ أيضاً بالهلاك. لتصحُ مرة واحدة، على الأقل! لتتذكّر بشكل خاص، أنكَ لو تخطيء الحساب هذه المرة، فلن يكون ثمة مرة أخرى. النوارسُ تجفل محلّقة؛ البتولا تهمدُ مستسلمة للصمت؛ حوريّتكَ ترقب الضفاف بقلق المحبّ. هيَ ذي، أخيراً، خطى الوعل الناريّ، تمحي أثرَ البزاق الليليّ، متجهة نحوَ قمم الصخور؛ أين النبع المُفترش الحصى، تظلله الكرومُ وهامتك. أنتَ ذا هنا، تنهضُ في حضور الحيوان البهيّ، مسحوراً تهمل قوسَكَ وسهامَكَ، مندفعاً بجنون الأفاق المغامر للإنتحار، تعانق جيدَ الوعل بطعنة سيفكَ، التي وقتّ ضربتها كيلا تخطيء. آه! في بهجة الفوز، تفقدُ حذرَك، تطيح بآمالكَ القرونُ القاتلة ".
على قطعةٍ من القماش، المُثبّتة بالخشب، ربما بطول متر ونصف بعرض نصف متر، نقلَ دارين أسكتشَ البورتريه، المُجسّد صفحة وجه ميديا الجانبيّ، المتهدّل عليه خصلات الشعر الأصهب. ثم ما لبثَ أن أكمل تخطيط اللوحة، إعتماداً على اسكتشات أخرى. من المُفترض أن فتاة اللوحة تحملُ سهماً بطريقة خرقاء، فيما يدها الأخرى تغطي بها عينيها. هذه العاشقة، ستكونُ بملابس كردية زاهية، منحسرة عن نهدين ناهضين وفخذين متلألئين. العاشق، سيكونُ عارٍ تماماً، ينكبّ على وجهه ساجداً ( وضعية هومو بامتياز! ). ثمة رأسٌ دامٍ لماعز جبليّ، يبتسمُ للمُشاهد ـ كما تفعل مقدماتُ برامج التلفاز. في الخلفية، جبلٌ على شكل راوي الأسطورة، بشاربٍ مستحيل؛ شلالٌ على صورة آلة الطنبور، يشتعل به النار كدلالة ـ كذا ـ على خلود الأسطورة؛ ممرّ مُتربٌ، لا معنى له؛ سماءٌ وأشجارٌ وصخورٌ الخ: خلفية خضراء ( حمقاء في واقع الأمر ). الرسام، من ناحيته، يتوقّع أن يُنهي اللوحة في غضون بضعة أيام. إنه واثقٌ، سلفاً، أنها ستحوزُ إعجابَ ميديا، وذلك بالنظر لانحسار اللثام عن براءتها وسذاجتها. لكن من الصعب أن تُعرض اللوحة على أنظار والديها وأخوتها: فبغض النظر عن العُريّ العارم، فإنهم لن يساورهم الشك في أنّ فتاة اللوحة هيَ ميديا وجهاً وجسداً. لكن هل سيدخل بيتهم مرة أخرى، هوَ مَن أكتشف أحابليهم؟ سيكونُ من الخزي، من ناحية أخرى، أن يُصمم على خطف ابنتهم فيما هوَ ينظرُ في أعينهم ويبادلهم الأحاديثَ الودية.
لأيامٍ خمسة، عملَ محموماً في اللوحة، لدرجة أن يصلَ الليل بالنهار في بعض الأحيان. وكانَ يكتفي تقريباً بوجبة واحدة في 24 ساعة، حتى أنّ الأبله كمال، لما ألتقاه في المطبخ سأله فيما كانَ يُحدّق بلحيته: " أتصومُ في غير شهر رمضان؟ ". أجابه دارين كي يُزيد من عتهه: " بل هوَ صيامُ الفصح المسيحي! ". لكن في صباح اليوم السادس، أنتهى صيامه فعلاً في فصح ميديا. أصابته بالرعب لأول وهلة حينَ فتحت كيساً تحمله، ليفوح منه رائحة طعام يعرفها: " هذا من مطبخ أمي؛ محشي ورق العنب، وفطائر السبانخ التي تؤثرها "
" هل أخبرتيهم، هناك في البيت، أنك تزورينني؟ "
" لا، لقد فكّرتُ أنك ستكون مشغولاً بلوحتي ولن يتسنى لك الوقت للطبخ "، أجابت بعينين متسعتين إستغراباً من سؤاله. سلا أمرَ المحشي والفطائر، واستعادَ باسماً تعبيرها الطريف: " لوحتي ". لكنه حينما أزاحَ الغطاء الكتاني، الذي يستر اللوحة، لم تملك ميديا إلا أن تهتف بذهول: " رسمتني هكذا، عارية؟ ". قال مُحاولاً بث الطمأنينة في نفسها: " هذه لوحة إسمها سيامند وخجي، وليسَ دارين وميديا! "
" لكنك رسمتَ صورتي أنا؟ "
" ألم تقولي فيما مضى، أن الفتاة لاتشبهك؟ "
" إنها تُشبهني الآنَ، ولو أنها تلوحُ أكبر مني قليلاً بالعُمر "، أكّدت يقينها مجدداً. ثم أضافت كأنما تكلم نفسها: " وربما أنا كبرتُ في هذا الأسبوع الأخير ".
حملها على القبول بالوقوف عارية، كموديل لكلّ من شخصيّتيّ خجي وسيامند. لهذا السبب، كانَ جسدُ الرجل إلى حدّ كبير يوحي بأنه جسد إمرأة. بعدئذٍ مارسا الحب، وألحّت أن يفتضها كي تضع الأهل أمام الأمر الواقع. ربما هذه الفكرة، أستمدتها الفتاة من الأفلام المصرية، التي تحوّلت في السويد إلى كاسيتات تؤجَّر في المحلات الشرقية. لكن الحوت، في المقابل، لم يكن يؤجر سوى أفلام البورنو؛ وذلك بعدما يفتضّ بطلاتها الواحدة تلو الأخرى. لكن كيفَ لديه الوقت لذلك، وهوَ يكدّ 16 ساعة في اليوم؟
بعد نقاشٍ عقيم مع حبيبته الفتية، جرت عدة محاولات لا تقل عقماً لجعلها إمرأة. المشكلة، كانت تكمن في رهابها من الألم وتوهمها من حدوث نزف. إلى أن أخذت وضعية الفارس، فسدّت فمها بيدها ونزلت بقوة إلى تحت. بالرغم من ذلك، أطلقت صرخة حادة. بقيت مطروحة إلى جانب لعدة دقائق، لكنها لم تتكلّف البكاء. تلك كانت تجربته الأولى مع البكارة، هوَ مَن بلغَ الثلاثين قبل نحو ثلاثة أعوام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي