الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لوحة الخروج عن القطيع، وثقافة القطيع

فريدة رمزي شاكر

2023 / 6 / 8
حقوق الانسان


لوحة فنية للرسام البولندي «توماس كوبرا » بعنوان « الخروج عن القطيع » تصوِّر مدى تراچيدية المعاناة التي يعانيها الشخص وهو يطلق صيحته في محاولة للخروج من بين القطيع لفضح النفاق ولسقوط الأقنعة.
لو بحثنا بين الناس، عن إعتقاداتهم وآرائهم ومدى ما يعتنقون من أفكار وتميزهم لما يحدث، سنجد أن جزء كبير من وعيّ الأغلبية قد تشكّل نتيجة إتفاقهم ضمنياً فيما بينهم، وتجمُّعهم حول آراءٍ وقناعاتّ جمعية لهدف ما، بحيث يصبح من الصعوبة أن تتغيّر هذه الآراء والقناعات، حتى وإن ثبتَ لبعضهم بطلانها وعدم صحتها، ولطالما رددوا عبارات كثيرةٍ مثل:
هل يعُقل أن كل الأغلبية على خطأ ؟!
هذا الأسلوب تعتمد عليه شعوب الشرق البائس، وهدفهم الدائم هو التكتل العددي.
- مثال بسيط على هذا النمط الثقافي، العملية الانتحارية التي قام بها المجند الإرهابي محمد صلاح وتسلله داخل الحدود الإسرائيلية ليقتل ثلاثة من جنودهم، فقام الجيش الإسرائيلي بالرد عليه وقاموا بقتله. فهلل قطيع الأغلبية من مصريين وعرب ونشروا صوره على صفحات مواقع التواصل كبطل قومي، وعبارات حماسية:« برافو يا بطل يا فخر العرب، في الجنة يا شهيد ». هل صحيح المجرم تحول لبطل وشهيد في أزهان الناس أم إنتقلبت الموازين وإنتحر المنطق!
إن كان هذا الإرهابي صار مفخرة للعرب، ولكننا مصريين لسنا عرباً ولن نكون، بل هذا المجرم صار عار على المصريين وليس مفخرة لنا.
ماذا لو كان هذا الإرهابي مسيحياً، هل سيجعلون منه بطلاً قومياً وشهيداً ؟! أم سيختلف الوضع عندنا لنُكيل بمكيالين ونقول اللهم اضرب الظالمين بالظالمين واخرجنا من بينهم سالمين!!
ماذا لو إحتفظت إسرائيل بحق الرد بعملية مماثلة وتسلل جندي إسرائيلي لداخل حدودنا المصرية وقتل كتيبة من جنودنا ؟! هل من حق أي إنسان يقتل غيره من المختلفين معه عرفياً ودينياً وتتحول البلاد إلى غابة بلا قانون يحمي المسالمين الأبرياء.
- من يؤيد العمليات الإنتحارية للإرهابيين بغطاء ديني وعنصري، ويعتبر الجريمة وإراقة دماء أناس لا ذنب لهم، هو نوع من المقاومة، فهذا الشخص عبارة عن مشروع داعشي كامن يتحين الفرصة، ولا ينقصه سوى حمل السلاح ليكرر بنفس الجريمة!.
عفواً الضمير الإنساني يرفض العمليات الجهادية الإنتحارية، وهذه ليست بطولة بل خِسة ووضاعة وترويع للآمنين، أن يخون الجندي بلده ويُخِلّ بالشرف العسكري ويورط وطنه في دفع تعويضات بملايين الدولارات لأسر الضحايا. لأن ماقام به من مذبحة ليست بأوامر عسكرية، وليست «مقاومة»، لأننا لسنا في حالة حرب وهناك معاهدة سلام بيننا. نحن دولة قانون ولسنا دولة ميليشيات جهادية مسلحة، وليس مباح لكل واحد أن يحكم على غيره وينفذ فيه حكمه. وإلا تحولت مجتمعاتنا لغابة!
ولمن يصفقون له، أقول لهم دائما الحروب تندلع من مستصغر الشرر. فلنكُف عن تغليف الإرهاب بمسميات حماسية رنانة وإلا تحولنا لشعب إرهابي، متخطيين أي ثوابت للتعايش السلمي!
من يهلل بنصر زائف فهو ليس أقل خطورة من القاتل نفسه، لأن التحريض أحيانا أشد عنفاً من القتل. وإن عارضت المهللين والمكبرين يصفونك بالخنوع والإنبطاح أو بالخيانة والتطبيع!!
فأيهما الخائن من يقتل أم من يدافع عن المبادئ الإنسانية التي تميز العالم المتحضّر عن العالم المتخلف الذي يعيش بشريعة الغاب؟!
- كثيرون من الرعاع يشعرون بصحّة ما يعتقدون لمجرد أنهم يجدون أنفسهم مع قطيع الأغلبية ورأي الجماعة، حيث يبحثون عن الأمان الزائف بمجرد الإنغماس فيما إنغمس قطيع الأغلبية فيه، دون أدنى مراجعةٍ لأنفسهم ولما يعتنقون من أفكار، ومن دون أدنى تدقيق حول صحة ما إختاروا أن ينغمسون فيه من قناعات وآراء و إعتقادات ومواقف، وأحياناً كثيرة يكون تصالح المصالح هو السبب في إنضمامهم لقطيع الأغلبية وثقافة التكتل العددي، وهنا الكارثة الأكاذيب والشائعات ولويّ عنق الحقيقة تسود قطيع الأغلبية وتكبر كل يوم ككرة الثلج ليصبح الوهم حقيقة، ويصبح الإستثناء هو القاعدة السائدة.
ياخسارة يابلد، لما يبقى أغلبية شعبكِ إرهابيين إن ماكانش بحملهم للسلاح يبقى بالتطرف الفكري. فالداعشية أصبحت نمط حياة معششة تحت جلدهم!

أتذكر أن الحرب العالمية الأولى قامت بين عدة دول بسبب شخص واحد وهو الطالب الصربي الإرهابي غافريلو برينسيب، الذي أطلق النار ليغتال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند مع زوجته من قبل، عام 1914 أثناء زيارتهما لسراييفو.
البطولة ليست في إراقة الدماء لمجرد أن الضحية يختلف عنا دينياً أو عرقيا. إنقلبت الموازين فأصبحنا نعتبر الإرهابي شهيد وبطل، أما ضحاياه الأبرياء فنرى أن قتلهم حق مكتسب لنا !
البطل الحقيقي مَنْ ينقذ الأرواح وليس مَن يزهق الأرواح ويزيد في تعذيب ضحاياه. البطل الحقيقي مَنْ يحمي وطنه ويبنيه وليس من يورِّط وطنه ويهدمه.
أصبحنا نخاصم المنطق ونخشى التفكير الفردي بعقلانية خارج الصندوق المؤدلج لتمييز الأمور والحكم على الأحداث بعيون ثاقبة، فصرنا كمستنسخين. مات السلف الأولين من رواة الخرافات والأساطير والأفكار المسمومة ولكنهم تركوا لنا أساطيرهم كجثة نتنة جاثمة فوف صدورنا ومعششة في عقولنا، تسبح تحت جلدنا، ليقتلوا فينا الحياة وينشروا ثقافة الموت.
أختم بقول آرثر شوبنهاور :
« أكثر ما يكرهه القطيع هو إنسان يفكر بشكل مختلف ، إنهم لا يكرهون رأيه في الحقيقة، ولكن يكرهون جرأة هذا الفرد على إمتلاك الشجاعة للتفكير بنفسه ليكون مختلفاً».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السعودية تدين اعتداء إسرائيليين على مقر -الأونروا- بالقدس


.. خالد أبوبكر: أمريكا وأوربا تجابه أي تحرك بالأمم المتحدة لدعم




.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - الأمم المتحدة تشدد على ضرورة إدخا


.. سفير إسرائيل بالأمم المتحدة: قرار واشنطن وقف بعض شحنات الأسل




.. بعد إعلان إسرائيل إعادة فتح معبر كرم أبو سالم.. الأمم المتحد