الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ستنجح زيارة بلينكن للسعودية في التطبيع مع إسرائيل؟

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2023 / 6 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


وصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى مدينة جدّة السعودية مساء الثلاثاء 6 حزيران / يونيو 2023 ، وعقد مع ولي العهد السعودي محادثات بعد منتصف الليل لمدة مائة دقيقة..
وحينما سألتْ إحدى الصحفيات الوزير بلينكن عمّا بحثوهُ في الاجتماع، أجاب بكلمة واحدة: الكثير..
وكالة الأنباء السعودية قالت (أنه جرى خلال الاجتماع استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين، وأوجه التعاون في مختلف المجالات وسبل تعزيزه، إلى جانب تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية والجهود المبذولة بشأنها)..
أما المتحدث باسم الخارجية الأمريكية فقال: (إن لقاء بلينكن مع ولي العهد السعودي بدأ بعد منتصف الليل في جدّة، ويأتي الاجتماع في الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة على إدارة علاقتها المعقدة مع الدول الخليجية)..
بينما أحد المسؤولين الأمريكان، الذي لم يُفصِح عن اسمهِ، (ويبدو مِن عِداد الوفد) قال، أن بلينكن بحث مع ولي العهد ملفات عدّة وقضايا إقليمية ودولية من بينها تطبيع العلاقات مع إسرائيل وتمّ الاتفاق على مواصلة الحوار بهذا الصدد.. وأضاف: أن المحادثات كانت مفتوحة وصريحة، وشملت مختلف القضايا الإقليمية والثنائية.. وأن بلينكن أثار خلال الاجتماع ملف حقوق الإنسان بشقّيهِ: الشِق العام، والشِق المتعلق بقضايا محدّدة ( أي ربما بأسماء ناشطين مدنيين معتقلين).. وكانت هناك قضايا التقاء، وقضايا اختلاف..
فلا شكّا أن الرياض تتحسّس جدا من واشنطن، لإثارة قضايا حقوق الإنسان.. ومن هنا فإن الرياض ترتاح لعلاقاتها السياسية مع الصين ومع روسيا أكثر من علاقتها مع الولايات المتحدة، لأن أولئك لا يثيرون كل تلك القضايا مع الرياض، ولا يُصدِرون تقارير سنوية عن حقوق الإنسان في السعودية، كما تفعل الخارجية الأمريكية..
ولذلك هناك صعوبة أمام واشنطن، وهي الحرص على علاقاتها التاريخية الإستراتيجية والمتنوعة مع السعودية، وبذات الوقت استمرار إثارة قضايا حقوق الإنسان..
**
بعد مدينة جدّة، انتقل بلينكن إلى الرياض وهناك اجتمع مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في إطار (الشراكة الإستراتيجية بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة) التي كانت إحدى مُخرجات مؤتمر القمة الأمريكية الخليجية في كامب دافيد في أيار/ مايو 2015 في عهد الرئيس أوباما، بُعيدَ التوصُّل مع إيران على اتفاق بشأن برنامجها النووي، الأمر الذي أثار حفيظة دول الخليج لأنه لم يُراعي مخاوفها ومشاغلها، وبعدها بدأت الثقة تضعُف رويدا رويدا، إلى أن عادت وتحسنّت في عهد الرئيس ترامب، ولكنها عاودت للتضعضُع مُجدّدا في عهد الرئيس بايدن(نائب أوباما سابقا) وما زالت..
وتمت مناقشة التطورات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي اليمن والسودان وسورية..
ــ ومن المقرر أن يجتمع بلينكن يوم الخميس الثامن من حزيران، مع ممثلي الدول الأعضاء في التحالف الدولي ضد داعش الذي أُنشئَ عام 2014 ..
وكأن بلينكن من خلال كل هذه الأنشطة، يبعثُ برسالة إلى كلٍّ من الصين وروسيا، يقول فيها: ها قد عُدنا وسوف نمتلك زمام المُبادرة مُجدّدا.. فهل سينجح؟ العقبات كثيرة، لاسيما بعد تضعضُع الثقة الخليجية بالحليف الأمريكي..
لم يتأخر الرد الروسي، إذ سارع الرئيس بوتين وبنفس اليوم للإتصال مع ولي العهد السعودي وبحَثا تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية وتنفيذ المشاريع الواعدة المشتركة في السعودية، وبحثا مجالات الاستثمار والطاقة، وثمّنا التعاون في إطار أوبك + ..
إذا نحن نشهد تنافُس أمريكي روسي شديد، على هذه المنطقة..
**
وتجدرُ الإشارة، أنه قبل زيارة بلينكن للسعودية بيومٍ واحدٍ، حضر المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، المعروفة اختصارا بـ (إيباك) المنعقد في واشنطن في 5 حزيران / يونيو، 2023 ..
وألقى كلمة أكّد فيها التزام الولايات المتحدة الدائم بدعم إسرائيل وأمنِ إسرائيل، وأوضح أن الولايات المتحدة قدمت مليار دولار لتطوير القبّة الحديدية الإسرائيلية لوحدها، عدا عن عشرات ملايين الدولارات لدعم منظومات العمل الصاروخي..
طبعا لا يأتي بلينكن بِجديدٍ حينما يتحدّث عن التزام بلادهِ المُطلق بِدعمِ إسرائيل، وأمن ِإسرائيل الذي لا يُهدِّدهُ أحدا، بينما إسرائيل هي من تهدد أمن كل المنطقة..
وركّز بلينكن في كلمته على ضرورة التطبيع بين السعودية وإسرائيل، عملا بِما بات يُعرف “ الإتفاقات الإبراهيمية” مؤكِّدا أن في هذا مصلحة للأمن القومي الأمريكي..
**
فهل نجح بلينكن بهذه المهمّة؟.
لقد أوضح بلينكن في كلمته أمام (إيباك) أنه ليست لديه أوهامٌ لجهة القيام بذلك سريعا أو بشكلٍ سهلٍ، ولكنّ واشنطن ستؤدي دورها كاملا للمضي قُدُما في هذه المسألة.. ولذلك كان الكلام بعد محادثات بلينكن مع ولي العهد السعودي أنهُ ستتمُّ متابعة هذا الأمر..
فالسعودية لها شروطها للمضي بهذا المسَار.. وأبرزها إثنان:
الأول، تزويدها بأسلحة أمريكية متطورة جدا كما تلك التي تزوِّد بها إسرائيل..
والثاني، الموافقة على مساعدة السعودية لتطوير برنامجها النووي المدني (بحيث يصبح في أي وقت قابل للتحوُّل إلى عسكري) لا سِيّما في ظل امتلاك إسرائيل للسلاح النووي، وامتلاك إيران لبرنامج نووي متقدِّم، وقد بلغت نسبة تخصيب اليورانيوم (كما هو مُعلَن) ُ 60 % وفقا لتصريحات المسؤولين الإيرانيين.. ويُمكن تطويرهِ في أي وقت إلى مستوى تخصيب متقدِّم يُمكِّنُ من تصنيع سلاح نووي إن ما قرّرت القيادة الإيرانية ذلك.. ولكنهم يؤكدون لليوم أن هذا ليس من أهدافهم..
وسبقَ أن صرّح ولي العهد السعودي أنهُ في حال امتلاك إيران السلاح النووي، فإن السعودية سوف تمتلكه..
**
من غير المعلوم إن كان الشرطان السعوديان قد لقيا استجابة أمريكية خلال هذه الزيارة للوزير بلينكن، بعكس ما كان الموقف الأمريكي سابقا.. فالولايات المتحدة لم تُظهِر بالماضي تأييدا لهما.. وحتى إسرائيل ذاتها ليست معهما، بِحسبِ صحيفة “ها آرتس” لأن تزويد السعودية بأسلحة متطورة حديثة، من شأنهِ أن يُنهي التفوق النوعي الإسرائيلي في الشرق الأوسط، ومساعدتها في تطوير برنامج عسكري، قد يُنهي الاحتكار النووي الإسرائيلي في المنطقة.. هذا إذا ما فكرت السعودية بتطوير هكذا برنامج نووي.. وهي قادرة ولديها كل الإمكانات المادية، ويمكنها استقدام الخبراء من كل الدول بإغراءات مادية كبيرة..
**
ربما قد يتغيّر الموقف الأمريكي مُستقبلا، لاسيما أن الرئيس بايدن سيترشح للرئاسة مُجدّدا العام القادم، 2024، وهو يلقى اعتراضا من الكثيرين من أعضاء حزبهِ بسبب العُمر، إذ سيبلغ العام القادم 82 سنة.. ولذلك سيحتاج إلى اختراقات سياسية نوعية حتى تُسجَّل لهُ ويستخدمها في حملتهِ الانتخابية، وليس هناك أهمُّ من عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل..
فهل سيكون بايدن على استعداد لدفعِ هذا الثمن والموافقة على الشرطين السعوديين، مُقابل التطبيع السعودي الإسرائيلي الذي سيمنحهُ رصيدا انتخابيا كبيرا؟.
لا يُوجَدُ شيئا جديدا(أو غريبا) تحت الشمس، حسب قول شكسبير.. وخاصّة إن كان الأمرُ يتعلق بالسياسة.. سنرى مستقبلا..
هذا مع العلم أن العلاقات السعودية الإسرائيلية إيجابية، رغم عدم التطبيع.. فقد سبقَ ووافقت السعودية على فتحِ مجالها الجوي أمام عبور كافة شركات الطيران التجارية الإسرائيلية.. ولاقت هذه الخطوة ترحيبا بالغا في إسرائيل..
كما تحدّثت بعض الأخبار سابقا عن محادثات هاتفية جرت بين نتنياهو وولي العهد السعودي، وأن البحرين تقوم بدورٍ نَشِطٍ في الوِساطة بين البلدين.. فمسألة العلاقات مع إسرائيل، بتطبيع، أو من دون تطبيع، أي بافتتاح سفارات، أم لا، لم تعُد مُشكلة لدى الحكومات العربية.. بات الأمرُ لديهم عاديا جدا..
**
وسوف أستطردُ قليلا هنا للقول أن لدى إيران، على ما يبدو، فائضا من اليورانيوم التجاري للبيع والمُخصّص للأغراض السلمية، وهذه التجارة تدرُّ أرباحا كبيرة..
وهنا لا أُذيعُ سِرّا إن قلتُ أنه في بداية كانون ثاني 2013 ، دعا رئيس جمهورية نيجيريا حينها (جوناثان كود لك) رؤساء البعثات الدبلوماسية إلى حفل استقبال بمناسبة العام الجديد، وفي نهاية الحفل وقف جانبا واستقبل الجميع واحدا واحدا..
كنتُ أنا والسفير الإيراني آخر المودّعين، ولاحظتُ أن السفير الإيراني وقفَ وتحدّث قليلا مع الرئيس.. وبينما نحن خارجون من مكان الحفل، سألتُ السفير الإيراني عمّا قالهُ للرئيس، فقال لقد عرضتُ عليهِ شراء يورانيوم للأغراض السلمية، فنحنُ ننتجُ فائضا من ذلك..
**
باعتقادي أن التطبيع السعودي الإسرائيلي قادمٌ عاجلا أم آجلا.. بعد كل هذا التهافُت العربي نحو التطبيع.. من المغرب وحتى البحرين..
وحتى لا نطمر رؤوسنا بالرمال، ونُخفي، أو نتجاهَل حقيقة الأمور، ونعيش بالأحلام الوردية،
فضعفُ الثقة قائمٌ بين دول المنطقة، سواء الدول العربية بين بعضها، أم بين دول الخليج العربي وإيران.. والبيانات والتصريحات ليست أكثر من مجاملات دبلوماسية روتينية، لا تُغيِّرُ من هذه الحقيقة..
عملتُ في السفارة في أبو ظبي وأعرف جيدا ما هي مشاعر المسؤولين، وعموم الناس من إيران.. فهي، بوضوح، مشاعر خوف وعدم ثقة.. ونتمنى أن تتبدّد مع الزمن..
هذه المنطقة تحتاج إلى مؤتمر شبيه بمؤتمر هلسنكي عام 1975 في أوروبا، وتنتج عنه وثيقة شبيهة بوثيقة هلسنكي ومبادئها التي جاء فيها، من بين جملة أمور، ما يلي:
المساواة في السيادة، واحترام حقوق الإنسان والحريات الاساسية، بما فيها حرية التفكير والمعتقدات، وحق الشعوب في تقرير مصيرها..
فدور الشعوب مهمٌّ جدا، بل هو الأساس، وطبيعي أن نستفيد من التجارُب الأوروبية في ميادين عديدة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التعبئة الطلابية التضامنية مع الفلسطينيين تمتد إلى مزيد من ا


.. غزة لأول مرة بدون امتحانات ثانوية عامة بسبب استمرار الحرب ال




.. هرباً من واقع الحرب.. أطفال يتدربون على الدبكة الفلسطينية في


.. مراسل الجزيرة: إطلاق نار من المنزل المهدوم باتجاه جيش الاحتل




.. مديرة الاتصالات السابقة بالبيت الأبيض تبكي في محاكمة ترمب أث