الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيولُ ربيع الشمال: 21

دلور ميقري

2023 / 6 / 8
الادب والفن


مضى أسبوعٌ آخر، وفي الأثناء إكتملت اللوحة. إلا أنها ظلت رهينة حجرة الكُريدور، مستورة بالغطاء الكتاني. وإلى نفس الحجرة، دأبت ميديا على المجيء مع سحنةٍ مُتبرّمة أحياناً. لأنها في يوم سابق، تكون في إنتظار حضوره إلى منزلهم كي يكلّم الأب بموضوع زواجهما. لقد أفشت مؤخراً سرَّ علاقتها بدارين لشقيقتيها، كونها لم تتحمّل مرةً حديثهما المفضّل عن مشروع زواج الخالة. أرتاعتا بالطبع، ثم أتفقتا أن يظل السر مكتوماً: " وإلا ستنهارُ الوالدة بدون ريب؛ حسرةً على حظ شقيقتها الصغرى، قبل كل شيء! ".
لما علمَ دارين بذلك، ثارَ واتّهمَ ميديا بالمكر: " جليّ أنك تعمّدتِ هذا المسلك الطفوليّ، لكي يصل الأمر إلى والدك "
" أبداً. ثم ألم تعدني مراراً بأنك ستفتح معه الموضوع؟ "، ردّت بصوتٍ مخنوق. ضربَ كفاً بكف، وعاد إلى مسوّغ الوقت وأنه لم يحن بعدُ. قالت بعد برهة صمت: " أنتَ لا تعرف والدي جيداً، تتوهّمُ أنه سيرفضك وربما يطردك من منزله. لكنه وإن فعلَ ذلك، فالمؤكد أنه سيلين عندما يعرف.. أنني أحبك ولا أرغب الإقتران بأحدٍ غيرك "
" أنا لا أخشى مواجهة والدكِ، لو أنّ الفرصة سانحة. لكنني مندهشٌ من عجلتك غير المبررة. أصلاً لا يسمح القانون بزواجنا، لأنك دون سنّ الثامنة عشرة "
" سأبلغُ هذه السن في نهاية ديسمبر "
" يا ويلتي! أنتِ إذاً من برج الجدي؛ برج شديدي المِراس؟ "، هتفَ دارين على سبيل المزاح كي يُخفف من وطأة الموقف. ابتسمت بفتور: " مع ذلك، فإنه يتفق مع برج العذراء "
" وكيفَ تسنّى لكِ معرفة برجي؟ "
" أوراقكَ الرسمية، مرمية دوماً على الطاولة "
" آه، حقاً. قلتُ ذلك، لأنني لم أتذكّر مرةً أنك أردتِ معرفة تاريخ ميلادي "، قالها متثائباً وقد سئمَ من المجادلة. كانَ أيضاً يشعرُ بالنعاس، بعدما شربَ علبتيّ بيرة في أثناء الغداء. كان قد علّمها أيضاً شربَ الكحول، ولو بجرعاتٍ يسيرة. القانون السويديّ، يجرّم هذا الفعل كذلك؛ بل يرفع السنّ في هذه الحالة إلى الواحد والعشرين.
تقتنعُ ميديا هذه المرة بكلام دارين، لكنّ شقيقتيها راحتا من جانبهما تحثانها على قطع علاقتها به حالاً: " إنكِ مررتِ بتجربتين مماثلتين من قبل، خرجتِ فيهما فتاةً متزنة وعاقلة تعرفُ مصلحتها. والأهم، أنك بقيتِ عذراء! ". وأعطت نسرين مثلاً بعشقها لإبن تركي، بالقول: " أقضي معه اوقاتٍ ممتعة، لكنني لا أفكّر قط أن أكون ضرّةً لحيّته غير السامّة. عندما يحينُ الوقت، سأقترنُ بشخصٍ من أسرة ثرية حال روجين "
" أنا بنفسي كنتُ عازمة على استدراج دارين إلى علاقة مماثلة، لكن أنظروا الخبيث كيفَ وقعَ على كنزٍ من السبائك الذهبية "، قالتها روجين فيما تداعبُ شَعرَ ميديا الأصهب.
أضرابُ هذه الأحاديث، كانت ميديا تنقلها لحبيبها بشكلٍ متواتر. إلى ذلك، كانَ دارين ممن يؤمنون بأنّ النساءَ لا يؤتمنّ على سرّ. هذا جعله يدع الترددَ جانباً، عازماً على مواجهة السيّد حيدر. وليكن ما يكون.
في تلك الليلة، غفا دارين عارياً كالعادة وهوَ ممتلئٌ بذلك العزم. حلمَ عندئذٍ أنه كانَ يمشي في شارع شديد الإنحدار، فانتبه إلى أنه عارٍ. أراد العودة إلى المسكن، وكانَ يخشى أن يلمحه الحوتُ أو امرأته وهوَ في الطريق. على حين غرّة، دهمته سيارة منطلقة بسرعة جنونية. فيما كانَ يتجنّبها، لحظَ أن السائقَ لم يكن سوى السيّد حيدر. ما لبثَ هذا أن أخرجَ رأسه من نافذة السيارة، ليصرخ به: " أستر عريك، على الأقل، وبعد ذلك إذهب لخطبة بنات العائلات المحترمة ". كانت صرخةً ثاقبة، خُيّل لدارين عندما أفاقَ أنها ما فتأت تصدى في سمعه. ظل للحظاتٍ ساكناً، يحاولُ استعادةَ تفاصيل الحلم، فيما نسمة نديّة تتسلل إلى جسده خِلَل النافذة المواربة. وإذا بأحدهم يرنّ جرسَ باب الشقة، بطريقةٍ ملحاحة. أول ما خطرَ لذهنه، أنها ماهو. مع تواتر الرنين، فكّرَ مرتاعاً: " لكن أهيَ ميديا، وقد هربت من بيت أبيها عقبَ مجادلة مجنونة؟ ". على أية حال، نهضَ من السرير ليرتدي بينوار الحمّام. وفي الأثناء ألقى نظرة على الساعة الصغيرة، المُستلقية على الطاولة بمتناول يده: كانت الثانية تقريباً.
" أرجوك أطفئ الضوء ولا تتكلم بصوتٍ مرتفع "، همست جوليا فيما كانت تندفعُ إلى داخل الحجرة. لبّى طلبها بشأن الضوء، وكانَ ولا غرو في دهشةٍ عظيمة. ضوءُ المصباح، كانَ قد أظهرها مكتسيةً بسترةٍ ربيعية تصل لبطنها، وكانت عاريةً تماماً فيما عدأ ذلك. كانَ جلياً من أزرار السترة المَحْلولة، أنها ألقتها على جسدها بطريقةٍ عشوائية. جلست على طرف السرير، مُزيحةً طرف اللحاف إلى الجزء الأسفل العاري من جسمها.
" وحوشٌ، وحوش! قلتُ لهم، أنني لم يعُد في قدرتي تحمّل ممارساتهم القذرة.. أنني أنزفُ من الخلف.. ولكن عبثاً. إنهم دائماً يفعلون هذا بي، بطريقةٍ أو بأخرى. لكنني هربتُ من حجرة ذلك الوغد، ولن أعود إليه مرةً أخرى أبداً "، قالتها بصوتٍ متهدّج هامس كما لو كانت تُخاطب نفسها. بادرَ إلى سؤالها: " هل رموكِ إلى خارج الشقة وأنتِ هكذا؟ "
" لا، لقد خدعتهم بالقول، أنني أريد إستنشاقَ هواءٍ نقيّ لعدة دقائق على الشرفة. وإلا لما دعوني أخرج ". شاء أن يستفهم عمن يكونوا، لكنها نهضت لتستأذن في الذهاب إلى الحمّام. أنزوت ثمة لنحو خمس دقائق، وما عتمَ صوتُ الماء أن بدأ بالغرغرة في حوض المرحاض. صوتٌ آخر، أنبعثَ على الأثر: أحدهم يطرقُ بابَ الحجرة. فتحَ دارين البابَ بشكلٍ موارب، ليُطالعه حسين بسحنةٍ مشئومة. لكنه تكلمَ بشكلٍ لطيف: " أعرفُ أنّ جوليا هنا، وأرغبُ بالتكلم معها "
" ليسَ لديّ الرغبة بأيّ كلام معك، أيها القذر! "، صرخت جوليا من وراء باب الحمّام. أطلقَ صديقها ضحكةً مُقتضبة، مُتسامحة. ثم آبَ إلى مخاطبة دارين: " إنه سوءُ تفاهم بسيط، ولسوفَ تهدأ حالاً ". لم ينبس دارين ببنت شفة، إلا أنّ الفتاةَ تولت الرد فوراً: " لا أرغبُ إلا أن تأتيني بملابسي الداخلية والقميص وبنطال الجينز، ولا تنسَ أيضاً جلبَ حقيبة يدي "
" تعالي بنفسكِ لأخذها، ولن يستبقيك أحدٌ بالرغم من إرادتك "، خاطبها حسين بنبرة ساخرة. هنا، تدخلَ دارين ليقول له: " أجلبْ أغراضها لو سمحت، وفي الأثناء أطلبُ أنا سيارة أجرة كي تقلّها إلى مسكنها ". قبل أن يفوه الآخرُ بشيء، فتحت جوليا بابَ الحمّام بحيث يَسمح لها باستراق النظر: " نعم، سأغادر الكُريدور حالاً في سيارة أجرة ". وإذا بصديقها يُحاول الإندفاع باتجاهها: " سنتكلمُ قليلاً في الحمّام ". لكن دارين سدّ عليه الطريق برفع ركبته، مخاطباً إياه من ثمّ بشدّة: " لا يُمكنك الدخول بهذه الطريقة "
" عليكَ أن تتصرفَ بطريقةٍ مهذبة، يا هذا "، قالها حسين وقد انقلبت سحنته إلى ما يُشبه الكلب المسعور. وكانَ جوابُ دارين، أنه دفعه بيده في صدره ثم أغلقَ البابَ. صرخَ حسين بنفس النبرة المُهددة: " سأجعلكَ تدفع الثمنَ غالياً ". بعد ثوانٍ، سُمع باب حجرته وهوَ يُصفق بعنف. ثم هدأ كل شيء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي