الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيولُ ربيع الشمال: 22

دلور ميقري

2023 / 6 / 9
الادب والفن


لكنه كانَ هدوءاً مُتكلّفاً، لم يَدُم إلا لدقائق قليلة. جوليا، المُتأمّلة أن تحصلَ على أغراضها، كانت بالكاد قد أنهت الكلامَ، مُستأذنة من المُضيف أن يسمحَ لها بأخذ حمّام سريع، عندما سُمع هَرَجٌ في خارج الشقة. على الأثر، أهتزّ البابُ بضرباتٍ غاضبة من هراوة ثقيلة. هبّ دارين من مكانه، فاتجه إلى تلك الناحية، وقبل أن يفتح البابَ مدّ يده إلى خزانة حفظ الأدوات المنزلية. كانَ قد أمسكَ بمطرقة حديدية صغيرة، ذاتَ يدٍ خشبية نحيلة، لمّا أمتدت يدُ جوليا بسرعة وانتزعتها منه. ثم خطت قبله كي تسدّ عليه الطريق: " إنهم ثلاثةُ وحوش، فهل من المنطقيّ أن تتعارك معهم؟ ". بقيت الضرباتُ تتواصل، ولعلها بلغت عشراً أو يزيد. حاول دارين إستعادة المطرقة، لكنّ الفتاة استندت بها إلى الباب من وراء ظهرها: " أتوسّلُ إليك أن تهدأ ". ثم أردفت، وكانَ قد سادَ الصمتُ، ملتفتةُ إلى جهة الباب: " إسمعْ، إنهم يغادرون الكُريدور ". في الأثناء، وتحت ضوء المصباح، كانَ دارين يتأمّلُ ردفيها العظيمَيْن، العاريين، المحمولين على عمودَيّ المرمر الإيطاليّ.
" مَن كانَ مع حسين؟ أهما من نزلاء المسكن؟ "، سألها دارين. كانَ يُعاين بابَ الشقة، المُنبعج خشبه من الأعلى بفعل ضربات الهراوة، فظهرَت الطبقة الفولاذية. لم ترد جوليا على سؤاله. إذ لاحظت أنّ ثمة كيساً بلاستيكياً، وُضِعَ بإزاء الباب. ثم ما لبثت أن فتحت الكيسَ، لتجد أنهم وضعوا فيه أغراضها: " لقد أمِلوا بهذا التصرّف، نفيَ أدلةِ وجودي بشقّة حسين لو استدعينا البوليسَ "، قالت لدارين عقبَ عودتهما إلى داخل الحجرة. وكانَ توقّع الجماعة في محلّه، لأنهم بعدما تركوا المسكن بنحو ربع ساعة، تقاطرَ إلى الكُريدور عددٌ من رجال الشرطة. فتحَ لهم ربيعُ اللبناني بابَ الطابق الأرضيّ، وكان الصمتُ مطبقاً فيه: في خلال دقائق تلك الملحمة، لم يخرج أيّ من النزلاء كي يرى ما يجري. لكنّ أحدهم تولّى إبلاغ البوليس هاتفياً؛ وتبيّنَ فيما بعد، أنه ربيع نفسه.
" أرجوك ألا تخبرهم شيئاً، يُورّطني في الموضوع. قل لهم، مثلاً، أنّ سكارى لحقوا بك من الشارع، وهم من فعلوا ذلك ولا تعرف من كانوا "، هكذا أملت عليه جوليا لما أدركا أن رجال البوليس أضحوا داخل المسكن. ما عتمَ دارين أن أستقبلهم في الحجرة، فيما الفتاة سدّت على نفسها بابَ الحمّام. وقد عمِلَ برجاء جوليا، لكن رجالَ البوليس لم يقتنعوا بإفادته: " ثمة شاهدٌ من نزلاء الكُريدور، تحدثنا معه للتوّ، رأى المتورطين بالحادثة. إنهم جارك المَدعو، حسين، مع شابين آخرين. فما هيَ مشكلتك معهم؟ "، سأله أحدهم. وفي أثناء ذلك، كانوا قد عرفوا بوجود جوليا في الحمّام. قبل حضورهم، كانت قد لحقت وأستعارت بينوار الحمّام من دارين، فيما هوَ أرتدى المَنامة.
" ليست لي مشكلة معهم، كما لا نيّة عندي برفع أيّ دعوى "، كان دارين قد أجابَ ذلك الشرطيّ. هذا الأخير، هزَ رأسه بحركة مَن يتفهّم الآخرَ. لقد ظنّ، على الأرجح، أنّ الشاب يخشى على نفسه من أولئك الأشخاص فيما لو سجّل قضية ضدهم عند النيابة. ثم ما لبثَ الشرطيّ أن قال لدارين: " ربما نحتاجُ منك لاحقاً إلى الإجابة على بعض الأسئلة، هاتفياً أو بطلب إستدعاء للقسم ". ثم أضافَ قبل أن يدع الحجرة: " سنُعلم بما جرى الليلة، مسئولَ السكن في السوسيال ". أما جوليا، فلم يسألها أحدٌ شيئاً. غبَّ خروجهم، أطلقت تنهّدةَ إرتياح. أشفقَ عليها دارين لما وجدها تترنّحُ من النعاس والإعياء، فعَرَضَ عليها سريرَهُ. أدهشته بموافقتها على الفكرة للفور، ومن ثمّ دسّها نفسها تلقائياً تحت اللحاف: " السريرُ يتسعُ لنا كلينا؛ فهيا أطفئ النورَ وتعال ". تذكّرَ عندئذٍ ماهو، والطريقة المُشابهة تقريباً لإرتباطهما معاً: " هذا لا يُبشّرُ بالخير! "، خاطبَ نفسه. لكنه لم يكن يقلّ عنها رغبةً بالنوم، فلحق بها إلى الفراش. وما أسرعَ ولوجه في مجاهل الأحلام.
خرجَ من تلك المجاهل، وكان نور الشمسُ ما زالَ منعكساً على نافذة الحجرة. أراد أن ينظر إلى ساعة يده، الراقدة على الطاولة، لما انتبهَ إلى الغطيط الخفيف للراقدة بجانبه. كانت مائلة إلى جهة الجدار، وقد أنحسر البينوار عن جسدها من الأعلى، فيما شعرها العسليّ تداخلَ مع شعره. لم تكن أمس قد لحقت إرتداء ملابسها، بسبب مفاجأة سرعة وصول رجال البوليس؛ ومن ثم إنهيارها من النعاس والإعياء. كذلك لم يتسّن له الوقتُ، ليلة أمس، للتفكير بمعجزة وجودها تحت سقف حجرته وعلى سريره ومكتسية ببينواره. لقد علمنا أنّ جوليا كانت محط أحلام يقظته، لحين دخول ميديا إلى حياته. وكانَ الآنَ يشعرُ بحقيقة حبه لهذه الأخيرة، وأيضاً عزمه على مفاتحة والدها بشأن خطبتها. إلا أنّ منظرَ ردفيّ الراقدة بجانبه، الذينَ طالعاه بالأمس بكل عظمتهما وبهائهما، ما أنفكّ يلحُ على ذاكرته. مرّت الدقائق، فيما كانَ يُقاوم إغراءَ مشاهدة الكنز من جديد. أخيراً فعلَ ذلك: اللحافُ المرتفع قليلاً بفعل حركة ركبته، كشفَ عن ذينك الردفين، المُتكوّرين. بياضهما الباهر في ضوء النهار، هوَ ما أثاره في هذه اللحظة حتى أحسّ كأنه سيغيب عن الوعي. مقاومته أيضاً كانت عبثاً، لما عنّت له فكرة مد يده إلى هذا الكنز النادر.
" لا تلمسني، أرجوك "، قالتها بنبرة متناعسة. رفع يده إلى الأعلى قليلاً، لتتحرك على تضاريس ظهرها، الهزيل قليلاً عند الفقرات والمكتنز بين الكتفين. ما أسرعَ أن التفتت إليه، لتتناول شفتيه بشفتيها. كانت قبلة طويلة، ظنّ دارين أنها فاتحة للمُطارحة المأمولة. لما قبضَ بيده على أحد ثدييها الدافئين، نحّتها بلطف: " أرجوك، لنؤجل ذلك إلى وقتٍ آخر. أشعرُ بالألم في كل أنحاء جسمي "، قالت ذلك ثم تنفّست بعمق. عضّ عندئذٍ أنفها الدقيق، المُرتفع نوعاً ما ( وهذا بلا شك من جينات عرْق والدتها )، فبادرت هيَ الأخرى لعض أذنه الصغيرة. قالت له، متناهضة قليلاً ومرتفقة بالوسادة: " أنتَ من الشرق، لكنك تُشبه الأوروبيين "
" وصديقكِ حسين، مَن يُشبه برأيك؟ "
" إنه يُشبه الشيطان! ولا تَدْعُوه صديقي، لأنه خرجَ من حياتي نهائياً "
" لكنكِ لم تنبيئه بذلك، ليلة أمس؟ "
" ولِمَ عليّ أن أفعل ذلك؟ هل هوَ زوجي؟ "
" هل سيدعكِ في حالك، أم سيلجأ إلى تهديدك؟ "، تساءل دارين ثم أستدركَ بسرعة: " كونكِ بالأمس، شددتِ عليّ ألا أذكر شيئاً عنك للبوليس. مع أنه يستحق السجن، أليسَ صحيحاً؟ ". أطلقت جوليا تنهّدة مسموعة كالتأوّه، ثم تزحزحت إلى داخل اللحاف كأنما تخفي نفسها تحته: " في هذه الحالة، فإنهم سيضبطون عنده الهيرويين أو يتقصّوا عن أثره بوساطة الكلاب. وعندئذٍ سأقعُ بنفسي في ورطة "
" منذ متى تتعاطين الهيرويين؟ "
" منذ أربعة أعوام أو ربما خمسة "
" وحسين، كانَ يمدّكِ به مجاناً؟ "
" نعم، فهل أملكُ كل يوم ما أسدد به ثمنَ البودرة؟ "
" كل يوم؟ معنى ذلك أنك مُدْمنة على المخدرات؟ "
" لا يهمني أن يقال عني أنني مدمنة، المهم أن أنتشي "
" نشوة تؤدي إلى الضياع والجنون "
" أعرفُ مدمنة من جيل جدّتي لأمّي، وهيَ بكامل صحتها ومداركها العقلية "
" إذاً، في هذه الحالة، ستعودين إلى حسين لأنه كريمٌ معك؟ "
" لن يحدث هذا، أبداً. سأخففُ من تناول البودرة، وفي وسعي أيضاً تأمين ما أحتاجه من مصدر آخر "، قالتها ثم أضافت ضاحكة: " لِمَ لا تؤمنه لي بنفسك؟ فأنتَ تُشبه ملامح وجه العرّاب، حينَ كانَ شاباً! ". ولعلها كانت تعني، روبرت دي نيرو، بطل الجزء الثاني من ذلك الفيلم الهوليوودي؛ " العرّاب ".
ضحكَ دارين بفتور، ثم سألها: " كم عُمرك؟ ". فقالت له، أنها بلغت الواحدة والعشرين في نهاية شهر أبريل. علّقَ دارين، مبتسماً: " إذاً، أنتِ من برج الثور.. تنطحين دونَ رحمة كل مَن يقف بوجهك "
" لو كانوا أشراراً، فإنهم لا يستحقون الرحمة "، قالت ذلك وهيَ تُداعب أنفها. إذاك، هجسَ دارين مُشفقاً، أنّ أنفها الجميل يفتقدُ إلى البودرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل


.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع




.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو


.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع




.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا