الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يُخرّبون بيوتهم بأيديهم

علي فضيل العربي

2023 / 6 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


ما يجري في السودان الطيّب ، الشقيق ، لا يصدّقه العقل السويّ و الفؤاد الراشد . سلوك يشيب له الولدان ؛ قتل و دمار لا يعقلان ، و يوميّات المواطن السوداني أرّقها أزيز الرصاص و دوي القنابل و هدير الطيران .
أما آن للتقاتل بين الإخوة أن يضع أوزاره ، و يهتدي الإخوة و الأشقاء السودانيّون إلى سبيل غير سبيل الحرب الطاحنة ؟ أم هو منطق رعونة الحمقى و المجانين ؟
ما كان ينقص السودان الشقيق ليس إشعال فتيل الحرب بين أبناء الوطن الواحد و الملّة الواحدة و التاريخ الواحد و المصير المشترك . و على مرّ الأزمنة المنصرمة من حياة البشريّة ، لم تنتج الحروب الأهليّة و القبليّة و العشائريّة سوى الدمار و الخراب . و لم تنسل سوى القتلى و الجرحى و الأيامى و الأيتام و المصدومين .
إنّ عواقب الحرب السودانيّة / السودانيّة على المجتمع السوداني وخيمة على المديين القصير و الطويل . ستنتهي لا محالة ، كما انتهت قبلها و بعدها حروب أخرى مشابهة في زوايا كوكبنا . و سينتصر طرف على طرف ، لكنّ المنتصر الأكبر هو الطرف الثالث ، المستتر وراء الأكمة ، و هو المستفيد الأكبر من رحى حرب الإخوة . إنّه الغرب الصليبي الشمالي ، الحاقد على الجنوب ، على أمّة العرب و المسلمين ، و الذي تقوده الفلسفة الصهيونيّة ، التي تحرّكها الأطماع الاقتصاديّة في السودان و إفريقيا عامة .
إنّه لمن العجب العجاب – و ما أكثر العجائب في زمن العولمة – أن يدّعي الغرب الإمبريالي ، الاستعماري أنّه يسعى إلى توقيف الحرب الضروس في السودان الشقيق . إنّ الفلسفة الغربيّة و الصهيونيّة فلسفة مخادعة و كيديّة و منافقة ، عندما يتعلّق الأمر بمصائر شعوب الجنوب ، و مصير الأمة الإسلاميّة خاصة . حيث يعمد عرّابو السياسة في الغرب إلى إضرام نيران الحروب البينيّة بين الإخوة و الجيران – كما هو جار اليوم في أوروبا الشرقيّة ، بين روسيا و أوكرانيا – لينقذوا إقتصادياتهم من البوار و الكساد و التضخّم ، و يحموا مواطنيهم من شبح البطالة ، و ذلك بتسريع الإنتاج الحربي ، و زيادة تصدير الأسلحة إلى ميادين الحروب .
إنّ ما يلحق السودان الشقيق ، يوميا ، من خسائر معنويّة و ماديّة لا يمكن حصره في مجلّدات . و لعلّ أخطر تلك الخسائر ، على الإطلاق ، تمزيق النسيج الاجتماعي ، و ضرب الوحدة الوطنيّة السودانيّة ، و إضعاف السودان إقليميّا و قاريّا ، و تعريضه إلى خطر التقسيم الذي تصبو إليه القوى الغربيّة و الصهيونيّة . إنّ إعادة بناء ما هدّمته هذه الحرب المجنونة ، يتطلّب من الشعب السوداني الشقيق تضحيات أخرى جسيمة . و هل قدر هذا " العالم الثالث " أن يعيد ، في كل مرّة ، بناء ما دمرته إرادة أيادي الحمقى ، و إصلاح ما افسدته النفوس المريضة بداء مزمن اسمه ، الزعامة ؟
و من غرائب العالم الثالث ، أن يتقاتل الأشقاء ، أبناء الوطن الواحد ، بمختلف الأسلحة الفتاّكة من أجل صنم غربيّ ، اسمه الديمقراطيّة . و قد غاب عن أذهانهم أنّ الديمقراطيّة الغربيّة ، فلسفة مدمّرة للبشر و الحجر . لقد ارتكبت فرنسا الاستعماريّة في القرنين التاسع عشر و العشرين مجازر رهيبة في الجزائر ، تحت ذريعة نشر الحضارة ، في الوقت الذي دبّج مشرّعوها من فقهاء القانون الدستوري مباديء الديمقراطيّة ، القائمة على الحريّة و الأخوة و المساواة . و لم تكن تلك المبادئء سوى شعارات برّاقة لاستعباد الشعوب المستضعفة ، و سرقة ثرواتها و استغلالها في بناء اقتصادياتها . و كذلك غزت جيوش أمريكا و دول الحلف الأطلسي أفغانستان و العراق ، بمباركة بعض دول الجوار ، و قتلت و سجنت و هجّرت من الشعبين مئات الآلاف من الأبرياء بحجة نشر الديمقراطيّة . و مازلت المواطن العربي في اليمن و ليبيا و سوريا ، يدفع ثمن سمكة أفريل ؛ " الربيع العربي " . لقد كان هذا الأخير ، أكبر كذبة في حياة بعض الشعوب العربيّة . فقد استطاع الغرب ، مخترع نظريّة " الفوضى الخلاّقة " ، أن ينجز خديعته ، و يُغرق شعوبا بأكملها في مسارات وخيمة العواقب . أيّها الشقّاء السودانيّون ، لا تنتظروا الحلول من وراء الحدود ، لتأتيكم بالسلام و الطمأنينة لرأب الصدع بينكم . فقسما " بربّ النَّاسِ ، مَلِكِ النَّاسِ ، إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرّ الوسْواسِ الخنّاسِ الذي يوسْوسُ في صُدورِ النَّاسِ من الجِنّة و النَّاسِ " . إنّ الصهيونيّة العالميّة تعيش أسعد لحظات حياتها و هي ترى أسلحتكم في صدور بعضكم البعض و نحوركم .
إنّ على الإخوة المتحاربين في السودان الشقيق ، العودة إلى مربّع العقل الراشد . فليس من المعقول أن تقود أحلام رجلين بلدا بأكمله إلى الدمار و الخراب ، و شعبا طيّبا ، مسالما ، إلى إفناء الذات ، أو تعيده قرونا إلى الوراء . لقد ولّى زمن داحس و الغبراء ، فاعتبروا يا أولي الألباب في السودان ، و لا تخربوا بيوتكم بأيديكم ، فقد تذهب ريحكم ، و يطمع فيكم القاصي و الداني . يومها ينادي المنادي ، و لات ساعة مندم .. .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قتيل وجرحى في انهيار مبنى بمدينة إسطنبول التركية


.. مبادرة شابة فلسطينية لتعليم أطفال غزة في مدرسة متنقلة




.. ماذا بعد وصول مسيرات حزب الله إلى نهاريا في إسرائيل؟


.. بمشاركة نائب فرنسي.. مظاهرة حاشدة في مرسيليا الفرنسية نصرة ل




.. الدكتور خليل العناني: بايدن يعاني وما يحركه هي الحسابات الان