الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بقايا في الصحراء

رياض ممدوح جمال

2023 / 6 / 10
الادب والفن


مسرحية من فصل واحد، عن قصة حقيقية.
تأليف : رياض ممدوح جمال

المكان : دولة السويد
الزمان : عام 1998

الشخصيات :
احمد : شاب في الثلاثين من العمر.
اسيا : شابة في السابعة والعشرون من العمر.
غانم : رجل في الخمسين من العمر.
المنظر : ( صالة استقبال في شقة حديثة للضيوف، تعود لغانم ارائك حول
الصالة، احمد واسيا جالسان متجاوران لبعضهما، اقداح الشاي
امامهما، غانم يقوم بواجبات الضيافة ).

غانم : ( مرحبا وباشا بوجه ضيفيه ) اهلا بأبناء بلدي، ارجو المعذرة على
تقديم الشاي فقط لسوء حالتي الصحية واصابتي بأمراض القلب. وان
زوجتي سويدية وقد خرجت مع صديقاتها. اهلاَ وسهلاَ بكما، كيف
عرفتما اني من العراق؟
احمد : نحن نسكن حديثاَ في العمارة المقابلة لك، وكنا نراك صدفة خارجاَ من
هذه العمارة، وخمنا انك عربي، ولكن زوجتي اسيا راهنتني على انك
عربي وعراقي ايضاَ وسألنا عنك وعرفنا انك عراقي حقاَ ( ينظر احمد
الى زوجته ويتبادلان الابتسامة ).
غانم : ( موجها كلامه الى اسيا مبتسماَ ) اذن فقد كسبت الرهان، يا سيدتي!
اسيا : نعم، فانا اميز العراقي من غير العراقي، لا بل اميز من اية بلدة عراقية
هو.
( يبدو التوتر على احمد، وينظر الى زوجته ممتعضاَ )
غانم : ( مازحا ) اذن لنكمل اختبار موهبتك يا سيدتي. فمن أي مدينة انا؟
اسيا : ( بخبث ) من محافظة صلاح الدين.
( يبدو الارتياح على احمد )
غانم : لقد خسرت هذه المرة، فانا من محافظة كربلاء.
احمد : المهم اننا جميعا عراقيين.
غانم : ذلك صحيح تماما، وانا على استعداد لتلبية أي طلبات لكما، الان وفي
أي وقت اخر، فنحن في الغربة اخوة.
احمد : كلا، كلا نحن لم نات اليك الا للتعارف معك، فنحن هنا بحالة جيدة ولا
ينقصنا سوى التخفيف من الغربة. ونحن نشكر لك موقفك هذا.
غانم : (مبتسما ) ومن اية محافظة عراقية انتم؟
احمد : ( مستدركا ) نحن من العاصمة بغداد، ومضى على زواجنا اكثر من
سنة واحدة.
غانم : خيرا فعلتما بهجرتكما الى هنا، فأنتما في بداية حياتكما الزوجية
وستعيشان هنا افضل من الحياة في بلادنا.
اسيا : يبدو انك قد عانيت من صعوبة العيش في العراق؟
احمد : ومتى هاجرت وجئت الى هنا؟
غانم : اه، لا تجعلا اسئلتكما تتزاحم علي، فسوف اقص عليكما قصة حياتي فهي
ليست سهلة كحياتكما.
اسيا : وهل كانت صعبة، وعانيت فيها؟
غانم : ( ضاحكا ) لا فائدة منكما، ستطرحان الكثير من الاسئلة وبدون توقف.
وعلي ان اتخلص منكما بان اقص قصتي ومغامراتي في الحياة.
احمد : ( ينظر الى زوجته ) نحن على ثقة ان ذلك سيعزز علاقتنا بك
وبزوجتك السويدية.
غانم : لن ازعجكما بما هو غير مفيد لكما من حياتي قبل ان يتم الحكم علي
بالإعدام عام 1995 في العراق.
اسيا : ( احمد واسيا يفتعلان الدهشة ) وهل حكم عليك بالإعدام ؟!
احمد : هل كنت سياسيا معارضا للنظام؟
غانم : ( ضاحكا بقهقهة ) كلا، لا علاقة لي بالسياسة ابدا، بل كنت مهربا.
احمد : وكيف وصلت الى هنا ما دمت قد حكم عليك بالإعدام؟
اسيا : يا لها من قصة مثيرة !
غانم : انتما تعلمان ان البلد هو سجن كبير، ولا يمكن للعصفور الهرب منه.
احمد : ارجوك يا زوجتي العزيزة ان لا نقاطعه، لنستمتع بسماع مغامرة مثيرة،
اكيد لم نسمع مثلها سابقا.
اسيا : حاضر يا زوجي العزيز، سأصمت واسمع فقط.
غانم : لقد كنت اعمل مهربا للأشخاص من كربلاء الى الحدود السعودية،
وتسببت بموت العديد من الاشخاص. وتم القبض والحكم بالإعدام علي.
اسيا : وكيف تخلصت من ذلك؟
احمد : ( يفتعل الغضب ) هل يمكنك ان تعطلي لسانك وتفتحي أذنييك فقط؟
اسيا : ( مفتعلة الخضوع والاسف ) حاضر، حاضر لن ا تكلم بعد الان.
غانم : كان لدي علاقة مع ضابط كبير في السجن، عرض علي ان ينقذني من
الاعدام مقابل ان اعطيه أكثر من نصف ثروتي، ووافقت على الفور طبعاَ.
وفعلا تم ذلك فقد اخرجني من السجن واخذ ما اراده. وطلب مني الاسراع
بالخروج من العراق، وفعلاَ هربت. وحالما اصبحت خارج البلاد،
سمعت من الاذاعة انه تم اعدامي انا نفسي، غانم.
احمد : انه امر غريب وغير معقول! وكيف تم ذلك؟
اسيا : ( تنظر الى زوجها مبتسمة ) ها اا انا فقط من يستخدم اذنيه.
غانم : ان ذلك الضابط جلب احد المجانين الذين يملؤون الشوارع وقام بإعدامه
بدلا مني وباسمي نفسه.
اسيا : ( احمد وزوجته في غاية الاندهاش فعلاَ ) يا ااا!!!.
غانم : ( متباهياَ ) نعم، انه امر صعب تصديقه، لكنه يحدث في بلادنا هناك.
ولا تتفاجؤوا، كان يحدث ما هو اغرب.
احمد : ( مذهولاَ هو وزوجته ) نعم، بلدنا بلد العجائب.
غانم : اتمنى ان تخبرني عما يخطر ببالك من عجائب.
احمد : ( يتكلم وكانه تحت تأثير التنويم المغناطيسي، وزوجته ساكنة شاردة
الذهن ) نعم، اعرف شخصاَ اسمه "احمد"، جرى له ما هو اغرب من ذلك.
غانم : من هو احمد هذا، هل هو صديقك ام احد اقاربك؟
احمد : انه اكثر من روحي نفسها.
غانم : اذن قص علينا قصته كما تحدثت انا عن قصتي.
احمد : ( تخفت الانوار عن خشبة المسرح، وتضاء بقعة ضوء على احمد فقط )
كان احمد هذا متزوج ولديه طفلان أحدهما بعمر سنة ونصف فقط
والاخر بعمر شهرين، ويسكن مع والديه. ضاقت به سبل العيش في ايام بل
سنين الحصا رعلي بلدنا. ولم يبق ما يبيعه سوى طفليه. فقرر الهرب مع
زوجته وطفليه من كربلاء الى الحدود السعودية حيث توجد مخيمات اقيمت
في منطقة رفحاء السعودية منذ عام 1991 بعد تحرير الكويت لجا اليها
الكثير من العراقيين هربا من حروب السلطة ومن هناك خرج الكثير منهم
الى دول العالم المختلفة عن طريق المنظمات الإنسانية العالمية.
( يبدأ غانم بالذهول والخوف. آسيا لاتزال كأنها في عالم اخر )
باع احمد اخر ما تبقى له وترك والديه مجردين من كل شيء ودفع
للمهرب مئة الف دينار عن كل فرد ليقطع بهم الصحراء بشاحنته الكبيرة
لمدة عشر ساعات وفعلا اوصلهم الى مسافة بعيدة عن مركز شرطة
سعودي، وكان قد ضمن لهم ان الشرطة ستستقبلهم لأنه سبق ان اوصل
المئات الى هناك، ثم عاد هو مسرعا. ولكنهم تفاجأوا بان الشرطة السعودية
تمنعهم من دخول اراضيها فقالوا لهم ان وجهتهم هو مخيم على الحدود
السعودية، واوضحت لهم الشرطة ان ذلك المخيم قد تم اغلاقه وترحيل
اغلب من فيه قبل أكثر من ثلاث سنوات، واصبح اغلبهم في مختلف بلدان
العالم عن طريق المنظمات الانسانية الدولية. وما عليهم الان الا العودة من
حيث ما اتوا.
وكيف ذلك وقد ذهب المهرب عائدا بشاحنته بعد ان خدعهم، وان مسافة
العودة بالسيارة تستغرق عشرة ساعات فكيف بالعودة سيراَ على الاقدام
وان اغلبهم من الاطفال والنساء والشيوخ والعجائز بدون ماء ولا مؤونة
معهم.
اسيا : (تطفا بقعة الضوء عن احمد وتسلط على اسيا، التي تنهض وهي في
حالة ذهول، وتتسارع انفاس غانم خوفاَ )
عادت " اسيا " مع ابيها بعد يأسهم وخيبة املهم، ابوها الشيخ المسن الذي
باع داره وكل ما لديه ليدفع لذلك المهرب عن نفسه وابنته واولاده الثلاثة
وزوجاتهم واطفالهم. عادوا جميعا مسيرة تستغرق اياما تحت اشعة الشمس
الحارقة واقدامهم تكويها رمال الصحراء، وكانوا يتساقطون الواحد تلو
الاخر، كحبات خرز عقد انفرط من على جيد حسناء. وان اسيا هي
الخرزة الوحيدة الباقية والتي وصلت الى اخر المشوار بعد ان نثرت
كبدها وقلبها وعقلها في رمال الصحراء. وصلت الى مركز شرطة
عراقي وهي كالمجنونة شعثاء الشعر ومتربة من اعلى راسها الى اخمص
قدميها، متيبسة اللسان عطشى، فاقدة القدرة على النطق.
احمد : ( تطفا بقعة الضوء عن اسيا، وتسلط على احمد، ولا تزال بقية خشبة
المسرح مظلمة ) وعاد" احمد" حاملا طفله تتبعه زوجته حاملة طفلهما
الذي لا يكف عن الرضاعة. واشتدت حرارة الشمس عليهم كأنها فقدت
الرحمة وتحالفت مع رمال الصحراء على ابادة الجميع. نظر احمد الى
طفله الذي بين يديه واذا به يحمل جثة ماتت منذ ساعات. حاول اخفاؤه
عن زوجته بان ضمه الى صدره اكثر وهو يكتم صرخة في اعماقه
والتفت الى الخلف فلم يجد زوجته. ركض عائداَ للبحث عنها وهو
يعتصر طفله على صدره لعله يمنحه الحياة فوجد زوجته منطرحة على
وجهها وفم رضيعها تحت ثديها والاثنان قد فارقا الحياة. وفعل ما كان
يجب ان يفعله بوضع جثة طفله بجانب اخيه وامه وتمدد هو معهم
منتظرا اللحاق بهم.
اسيا : ( تنتقل بقعة الضوء من احمد الى اسيا ، غانم تتزايد نبضات قلبه رعباَ )
بعد ان افاقت اسيا من جنونها في مركز الشرطة، صرخت فيهم ان ينقذوا
اباها واخوتها والبقية وفهم رجال الشرطة منها كل شيء وانطلقوا مع اسيا
بسياراتهم بحثاَ عن البقية الباقية في الصحراء. وجدوا جثث متفسخة مضى
عليها أشهر، وغيرها مضى عليها سنين. فتبين ان ذلك المهرب كان يمارس
عمله هذا منذ سنين، وانه يعلم بإزالة المخيم واستحالة دخول العراقيين الى
السعودية. ولم نر احداَ من الاحياء سوى احمد، فاقد للوعي والحياة ولكن
قلبه كان ينبض، وانه قد قضم من لحم كفيه لعله يشرب من دمه ليطفا ظماه.
احمد : ( تنتقل بقعة الضوء من اسيا وتنير احمد ) ولم يصل الى مركز الشرطة
العراقي ذاك سوى احمد واسيا، وصلا الى هناك وقد تركا عقليهما
وروحيهما في رمال الصحراء.
غانم : ( شبه مجنون من شدة الصدمة ) اذن انتما تقصداني انا بالذات !
( يقتربان احمد واسيا من غانم قربا شديدا بحيث يصبحان فوق راسه وتكون
بقعة الضوء مسلطة على الثلاثة معاَ ).


ستار 20/3/2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال