الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية أسرار القوقعة

سليم النجار

2023 / 6 / 10
الادب والفن


رواية «أسرار قوقعة» لشهيرة الحسن.. نبض الحكاية
بقلم سليم النجار
ولا ننسى في هذا السياق الإشارة بالخصوص إلى الإتجاهات الفنية الحديثة التي ركزت بحوث أصحابها من فنانين ومصمنين وكتاب وروائيين وروائيات على جمالية التركيب والتأليف في العمل الفني الإبداعي إلى درجة بات معها هذا الفعل هو ما يمثّل تحديدا عنوانه الأبرز.إذ هو جنس ينهل من الواقع، وينقل إيقاعه بوفاء الشَاهد المُعاش وصدقه. يستقي من الرّاهن ومن الذّاكرة وربمّا أضاف استنتاج التأمل والموقف الذّاتي. في هذا الجنس من الكتابة: السيرة الذاتية والسيرة الغيرية والمذكّرات واليوميات. ولئن اختلفت هذه الألوان عن بعضها البعض، نجدها في بعض المدوّنات تتلاقح وتتمازج لدرجة يستعصي إدراج النصّ في من هذه الخانات.
وبناء على ما أسلفنا تأتي رواية «أسرار قوقعة» الصادرة عن دار الآن ناشرون وموزعون، لتقدم سجلا لإنسانة تعاني من «إعاقة سمعية» فهل يحق لها ان تروي وهي التي تعاني من عدم السمع؟ ام ان هذا السرد يأخذ شكل لوحات إنسانية في وصفها وتفاصيلها بطولاتها واستراحاتها من ومضات ألم تسوقها الكاتبة دون أن تثقل علينا وإنما من باب الرصد والتوثيق لوجع الإنسان/ الإنسانة: (قد يكون عادل أصمّاً لكنّه يسمع عينيّي كما لا يفعل أحد، قد يكون أبكمًا، لكن في تصرّفاته ما يعجز الكثيرون عن قوله، قد يكون ذا تعليم عاديّ ووظيفة بسيطة، لكن في أخلاقه ما لم يصله الكثيرون ص٢١٥).

هناك إذا تمييز موضوعي من طرف الكاتبة بين مفهوم الإقتران من جانب ومفهوم التركيب والتأليف والتنسيق من جانب أخر منا يعني أن فعل التركيب والتأليف والتنسيق يمكن أن ينتج عنه إحساس بالجمال لدى المتلقي: (أفتح عينيّ، أنظر حولي، والدي يجلس بجانبي، يقرأ كتابًا في يده، إنّه القرآن، أنا لا أسمعه يقرأ، أهذا يوم دفني؟ أنا لست ميّتًا! أبي أنا هنا ! يقترب مني، يمسح رأسي بيديه الحنونتَين، يراني أحاول النهوض، يُرجِعني إلى الوراء ويبتسم، إذاً أنا على قيد الحياة! أين نحن؟ ص١٤٦).
وهذا ما ينطبق في أحيان كثيرة على الصور أو المشاهد الدرامية مثلا في العديد من الأعمال الروائية، الكلاسيكية منها أو الحديثة والمعاصرة من جنس تلك التي تصوّر الأوجاع الإنسانية من نكبات ومآسي على سبيل المثال لا الحصر.
بتبعير آخر يمكننا القول بأن سرد شهيرة الحسن يشير إلى أهمية التأليف والتركيب سواء كان ذلك في صور حركة الإنسان أو صور أوجاعه أو البحث عن تحقيق أمنياته أو ذكريات: (تسترجع ذكريات وفاة جدتها، فرِحتْ يومها لفكرة أنهم سيأتون للمكوث في بيت العائلة فترة قصيرة، بكى أيهم على جدته كثيراً، وتظاهرت حياة بالبكاء لأجله! علمت حينها أنه لم يعدْ ابن خالتها فقط، يبدو أنّه حبّها الأول، كان ذلك تفسير قلبها المراهق، لذلك أرهقت قلبها بحبِّه كثيراً! ص٦٤).
ولا ننسى في هذا السياق الإشارة بالخصوص إلى الإتجاهات الفنية الحديثة التي ركزت بحوث أصحابها من فنانين ومصمنين وكتاب وروائيين وروائيات على جمالية التركيب والتأليف في العمل الفني الإبداعي إلى درجة بات معها هذا الفعل هو ما يمثّل تحديدا عنوانه الأبرز.
والفن الحديث بنزعاته التجريدية المختلفة، الهندسية منها والغنائية والتكعبيية، قد احتفى كما نعلم أيّما احتفاء، بمسألة التكوين والتأليف في العمل الفني وأولاه اهتماما كبيرا وجعل منه مبحثا جماليا رئيسيا حاضرا بقوة فيما ينتجه المبدعون من أعمال وتصاميم فنية من جهة، وفيما ينتجه النقاد والمفكرون من مقاربات جمالية ونقدية من جهة أخرى. ولا شك ان الكاتبة شهيرة الحسن استفادة من هذه التقنيات من خلال رسم عنوان روايتها على الشكل الأتي: (أسرار القوقعة)، وصورة المرأة دالة على هذا التوظيف وعلى فعل التكوين والتأليف والتنسيق هذا بأعتباره فعلا منتجا للحُسن والجمال في الرواية، وتعالق هذا التوظيف للغلاف مع افتتاحية الرواية:
(قبل بداية القصص
قبل الدموع والابتسامات بين سطور الرواية
ها أنا قبل الدفاتر ؛ قبل كل الخطوط أعترف!
ويستحق أعترافي هذا بداية السطور
يستحق مقدّمة كل شعور
أنا أخبها!

كم صغيرة هذه الكلمة في عالم الكلمات كم بسيطة
كم قليلة لتختصر حبي انا
لها تتساءلون من أنا؟
أترك سطوري في كل ما (بين الدفاتر) تكمل اعترافاتي ص١١).

ويمكن القول أن يتشابه الشيئان أحيانا من حيث السلوك، وأحيانا من حيث الشكل، واحيانا أخرى من حيث إنهما يوجدان في زمن واحد وسياق واحد، أو يحملان سيمة مشتركة قد تكون هْامشية على مستوى المعجم، لكنها قابلة للاستقطاب نحو مْركزْ النص.

إن «أسرار القوقعة» وهي تفتح بأصابعها النص على مختلف التشعبات الدلالية والرمزية، لا تستدعي إلى الذهن بعض الرمزيات الإنسانية فحسب، بل تفتح أفقاً لاقترن الوعي من جهة، وتخوض تناصا مع اوجاع الأنسان العادي: (كثيرة هي الأوهام التي تتسرَّب إلى حياتنا، نصدَّقها فنعيشها وكأنّها جزء منا، بينما تتهرَّب من واقعنا همسات صادقة تفوتنا ويا ليتنا لم نكذِّبها! ص١٠٣).

وهنا يظهر لنا إشعاع إيحائي قوي للقوقعة كعلامة سيميائية بارزة، وإذا تأملنا الإيحاء لألفينا أن العلامة تنشأ للوهلة الأولى بوصفها موضوعاً أستعمالياً، إذ يكتسب هذا الموضوع، وانطلاقا من المجتمع، غايات دلالية تتراكم ضمن مستويات اجتماعية متباينة تتخذ العلامة الأولية قاعدة لها، فمثلا يحتاج التوظيف المتوارد (لخدمة الدفء) «تلبسني والدتي الذهب الذي اشترته لي من (كندا)، وتصرّح بأعلى صوتها بأنّ سالم (العريس.. الله يسلم قلبه) سيشتري لي من ذهب الخليج عندما أصل إلى هناك ! ص١٨٣). وهذه الطقوس الشعبية كتبها وعرف بها الكاتب والروائي الكبير يحي حقي في روايته «القنديل» حيث تبدو الطقوس الشعبية الحسوبة على القيم الاجتماعية قد بولغ فيها لدرجة انها يمكن أعتبارها معارضة للتعاليم الاجتماعية الصحيحة، وهذه سيمة أساسية في العامة والعموم الذي يشكل سديم الفوضى الخلافة للخصوص، فكل ما يصبح شعبياً، لا بد يمسي متشعباً وهذا ما ذهبت له شهيرة الحسن في روايتها «أسرار قوقعة».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي


.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????




.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ