الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة تأملية في قصيدة الشاعرة التونسية السامقة نعيمة مناعي - مجاراة-

محمد المحسن
كاتب

2023 / 6 / 10
الادب والفن


تصدير :

"الشعراء شموع الأدب.والشمعة رمز التضحية فهي تحترق من أجل إنارة طريق الآخرين.والشبه بين الاثنين واضح لايحتاج تفسير"

عندما تتحول قصائد الشاعرة التونسية نعيمة مناعي لعقد روحي يعطره الحب..وتوقظ في دواخلنا منابع الجمال..


إذا صح أن الشعر هو سيد الكلام ولغة الأحاسيس لا يمكن أن يأتي من هواية أو تطفل من أجل حمل لقب "شاعر" كون الشاعر الحقيقي هو من يستطيع أن يشعل لحظة برق قليلة ويترك فيك لحظاتِ رعدٍ طويلة.هو ذاك الشخص الذي بمقدوره أن يبدع الجمال والسمو بالحياة،وفي نفس الوقت يمتلك فن صيانة الذات ومواجهة الظلم والمهانة،وباختصار فالشاعر هو كمن يصوغ عقد لؤلؤ ويهديه لمحبوبته،هذا هو سر المتعة المنشودة في الشعر،ترنيمة غنائية صادقة تولدت من شعور المبدع ونفسيته كما أنها تعبر عما يعتمل في خوالجه،فهي بذلك تمثل صورة من صور الاستقرار النفسي الذي يحسه أو يشعره بجماليته.
والأستاذة والمبدعة والشاعرة التونسية السامقة نعيمة مناعي واحدة من هذه الفئة التي تمتلك أسرار الشعر ومفاتيحه،فقد اجتذبني-قسر الإرادة-من خلال قصيدتها العذبة "مجاراة" التي يمكن اعتبارها ثمرة مكابدة وجـَلد استطاعت بواسطتها ضمن باقة أخرى من القصائد الرائعة، أن تضع قدميها في درب الإبداع،فهي لا تكتب الشعر فحسب بل ترسم صور شعرية فريدة ورائعة وتعزف ألحان أنوثتها وعفويتها بكلمات رقيقة وشفافة.
قصيدتها هذه "مجاراة" و-دون محاباة أو مجاملة-،تعتبر من أجمل قصائدها التي أزعم أني اطلعت على جلها،لما تحمله من دلالة عبر متن رائع يزخر بالمشاعر الفياضة والصادقة النابعة من أعماق الوجدان،إذ لو ترجمت لعدة لغات فستظل محافظة على رونقها وجمالها المؤثر في النفوس،كما أننا نلامس من خلالها على تلك الرقة الأنثوية،إضافة إلى القوة والعزيمة التي تؤمن وتصر على انتصار الإبداع وانقشاع "ظلمة الرداءة"والتأسيس لخطاب شعري يداعب الذائقة الفنية للمتلقي..في ظل مشهد شعري مزدحم بالغث والسمين..
قصيدة (مجاراة) تحفل بعذوبة ودفق الحياة والحب والجمال بكل صدق،محركة في دواخلنا فيض من المشاعر الإنسانية التي تتداخل في المعاني مكونة حالة وجد وتوق وصور عاطفية بالغة الصدق،رغم الانزياحات القوية التي ترمي لها رمزية المعنى والتي تغوص في الذات الإنسانية ..
-قصيدة-نحتت (بضم النون) ببراعة واقتدار تجعلنا الشاعرة من خلالها ننغمس بحرارة في الرومانتيكية التي تقوم بمزج العاطفة بالإدراك الجمالي مع السرعة في الإيقاع كما عبر عن ذلك الشاعر الكبير (وردزوبرث) "كيف يمكن للشاعر أن يعلن عن نفسه؟ وما هي لغته؟ ويرد بقوله : إنه إنسان حقيقي،شاعر تلقائي عفوي،يمتلك تلك الروح الإنسانية العميقة نحو الجنس البشري)
هذا هو شعر "نعيمة مناعي"،قصائد مشحونة بالعواطف والانفعالات تنغرس في دواخلنا بشكل تلقائي وعفوي،فهي تمتلك أرتالا من وجدانيات راقية تجعلها مستنفرة تارة في حب الأنا وتارة أخرى في حب لـ (هو)،فهي تتفاعل من خلال قصائدها مع القارئ على أساس وعيه ومعرفته، أكثر من أي شاعر،باعتبار هذا الأخير يجب أن يدرك أنه لا يمتلك المعرفة أكثر من سواه حتى لا تكون هناك فجوات بينه وبين القارئ،وعليه فقد استطاعت "نعيمة مناعي"تقريب الشكل من المضمون واعطاء القصيدة خصوصيتها التي تشبه العزف على وقع كلمات ذات جرس واحد من خلال القافية التي تستخدمها من حين لآخر على شاكلة القصيدة العمودية..وبلغة سلسة تقرع قلوب المتلقي بعيدا عن التكلف،ممزوجة بموسيقى اللفظ الذي تشي حروفه بصور ممتدة تحمل معناه،وتضيف إليه الحركة.
لقد قدمت لنا نعيمة مناعي من خلال جل قصائدها-كما أسلفت-باقات نرجسية وجميلة من خلجات النفس والروح والذاكرة ونبض الوجدان،ناثرة إياها في قلوبنا التواقة للحب،والتطلع لكل ما هو جميل،بمشاعر خلابة تضخ عبر مفاصل دقيقة لقصائدها..مع ميلها إلى الكثافة والالتباس الدلاليين فيما يشبه انزلاق العلامة اللغوية عن معانيها المرجعية،بتوظيف لغة البديع وبلاغة البيان،كما جاء في قصيدتها الرائدة شعريا وابداعيا "مجاراة":
قال ؛
أنا القصيدة
فلم ترد
فقال :
أنا القوافي
أنا بحور الشعر
أنا النظم الموزون
أنا الفارس
الذي جاء بهوس تلك العنيدة
فلم ترد..!
وأنا القوافي في أشعارها
في الصدر والعجز.
وأنا رونق التفعيلة
أنا الذي جعلها تسامر الليل
تطارد ألف إمرأة لتحضى بعرشي ...
فردت :
أمهلني قليلا...!
ثم لم ترد
فواصل...
أنا القصيدة
وبحوري عديدة
وأنا قوة التفعيلة
وقوة الوزن في القريض
وبحوري،مياهها عذبة
وأنا العروض
الذي انبنى عليه وتر الوزن
فارتجلي في منابر عشق
أو إن شئت ارتحلي
غادري مياهي...
أنا النظام الذي يشترط
زخم القوافي
وأنا الزاد اللغوي في قاموسك
فخطي في ما استطعت من ضياع
من فرح،من تيه ومن غرق...
تغني بجمالي
بجلدي...إن تعننتي
بسطوتي في العشق
حين أمتلك زمامك
فردت :
أنا البحر الذي يغريك
دفؤه صبيحة سكونه
يقرئك نشوة هدوئه
ونقاء السماء
لحظة حبوره
فلا تكن مزهوا بعظمة غرورك
فأنا النسمة المشعة المداعبة لفتورك
فاحذر عاصفة،تمرق مني لحظة غرورك
قال :
أنا السحابة التي تزعزع لحظة جفاءك
أنا الصمت المفاجئ الذي يهييج صور منامك
أنا الفارس الذي تشتهين زيارته
حتى في منامك
وأنا البرق الذي يومض
فيخترق نوره قفص الظلمة
التي تغشى جمالك
قالت:
كبرياء موهوم
بعض كلام يجري على السطور
ملعثم أنت بين إقبال ونفور
مشتت ك أوراق الخريف
تتقاذفها الرياح ،فتتوهم أنك الربان
اجلس وامسك مقبض الصمت
أرهقت كاهلي يا أنت
وصرت فعلا بحور شعر وقوافي
وحرف أخرس أبكم،،يتضور
في المآقي
اصمت،والجم حصانك
وما فن الفروسية الا في خيالك
قال :
سأجعلك تموتين غرقا في بحوري
فأنا من خبرت فنون القتال في محرابك
فلا ترفعي سقف عنادك،ولا تزايدي
على فارس خبر كيف يجعل من تلك العنيدة...
أنثى تعشق طيف خياله
تجلس في الحلم،قبالة الباب
تنتظر خفقان نعاله
قالت :
أنا من نثرت ودقي على مساحة بحورك
فأربكت قوة التفعيلة في فنونك
فضللت طريق العودة،لقانونك
وأنا التي أسطو على دهائك في أحلامك
ومنك أسترق بنات أفكارك
فتطاردني،لتؤكد أن ما سرقته
مجرد مداعبة لطيف ...
مر ذات مرة...من أمامك
فقال :
غلبتني ،يا أنت بملحمة شعورك
فقالت :
غلبتني يا أنت،وغرقت في قوافيك
وسفينة النجاة ،وجدتها في سر عنفوانك
فهل يرضيك :
أن أحط رحالي في عمق الغريق ...!
هذا هو شعر نعيمة مناعي جلباب نسجته بأناملها الحرفية الدقيقة مختزلة قيم الحب والشوق والحنين والولاء للروح والمكان،ناشرة هويتها بين قلوب الناس بطاقات وشهادات ميلاد جديدة، كزهرة أقحوان فواحة بأريجها ووريقاتها التي لا تنذبل..
ذلك هو شعر"نعيمة"التي جعلت منه سبحة أناملها تتعبد بها كلما ضاق صدرها بإكراهات الحياة،شاعرة تبث الأمل وهي تلتقط الحكمة من أبسط الأشياء بمحيطها بأسلوب شاعري رقيق يشد القارئ ويحمله كمنصت مرهف الإحساس إلى عوالمها الخفية،وبذلك جعلت الشعر كيمياء الحياة المنشودة..
وقصيدتها "مجاراة"هي غزل راق،وقصيدة عاطفية في المقام الأول وفريدة في عالم القصائد بل أدعي أنها-أي القصيدة -كافية للولوج بكاتبتها إلى مدارات الفن العليا رافعة الرأس على أن للقصيدة مدارات أخرى لم أتناول منها شيئا إذ لكل مقام مقال..وأنا في مقام الإشارة لجودة نص وتفرد ناصة في دنيا القصيد .
وأخيرا أتمنى مزيدًا من العطاء والإبداع والتألق المتواصل للشاعرة التونسية الفذة نعيمة مناعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نشرة الرابعة | السعودية.. مركز جديد للذكاء الاصطناعي لخدمة ا


.. كل الزوايا - د. محمود مسلم رئيس لجنة الثقافة والسياحة يتحدث




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -شقو- في العرض الخاص بالفيلم..


.. أون سيت - هل ممكن نشوف إيمي معاك في فيلم رومانسي؟ .. شوف حسن




.. حول العالم | لوحات فنية رسمتها جبال الأرز في فيتنام