الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أُطْرُوحَات حَوْل الدَّوْلَة الرَّأْسَمَالِيَة

عبد الرحمان النوضة
(Rahman Nouda)

2023 / 6 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


في مقال سابق مَنْشُور لِلْعُمُوم، يحمل عُنوان «الدَّوْلَة كَحِزْب سِيَّاسِي سِرِّي»، قُمْتُ بِدِرَاسَة عِلْمِيَّة. وَاِنْطَلَقْتُ فيها من دِرَاسَة رِسَالَة مُصَنّـفَة «سِرِّيَة». وهي وَثِيـقَة مُسَرَّبَة على شَبَـكَة الْإِنْتِرْنِيت. وهذه الرسالة هي في أَصْلِهَا وَثِيقَة صَادِرَة عن أحد المسؤولين في وزارة الدّاخِلِيَة، في جهاز المُخَابَرَات المُسَمَّى: "المُدِيرِيَة العَامّة لِمُرَاقَبَة التُـرَاب الوَطني" (DGST) بالمغرب. وَمِن خِلَال تحليل هذه الوثيقة، اسْتَنْتَجْتُ عَشْرَةَ اِسْتِنْتَاجَات نَظَرِيَة عَامّة. وَتَنْطَبِقُ هذه الاستنتاجات على مُجْمَل الدّول الرَّأْسَمَالِيَة في العالم. وَتَدُور هذه الْاِسْتِنْتَاجَات حَوْل طَبِيعَة الدّولة، وَآلِيَّات اِشْتِـغَالِهَا، كَظَوَاهِر مُجْتَمَـعِـيَة عَامَّة، وَمُتَكَرِّرَة، وَمُتَوَاصِلَة. وَمِن خِلال تَحْلِيل تلك الرِسَالَة السِرِّيَة، أَثْبَتْتُ أنّ الدَّوْلَة الرَّأْسَمَالِيَة (أو بعض أجهزتها) تَمِيل دَائِمًا، وَتِلْـقَائِيًّا، إلى أن تَـعْمَل كَأَنّها "حِزب سِيَّاسِي سِرِّي" (وَأَثْنَاء أَزْمَة الدَّوْلَة، تَـعْمَلُ كَأَنّها مَنْظُومَة مِن الْأَحْزَاب المُتَنَاقِضَة والمُتَـعَارِكَة). وهي ظاهرة مُجتمعية تَتَجاوز وَعْيَ وَإِرَادَة الأشخاص المُتَدَخِّلِين في هذه الظَّاهِرَة.
كَمَا أَثْبَتْتُ وُجُود : ظَاهِرَة تَدَخُّل الدّولة في الانـتخابات العامّة؛ وَظَاهِرَة مُحَاوَلَة إعادة تَوْجِيه أَصْوَات النَّاخِبِين، مِن الأحزاب المُعارضة، إلى الأحزاب المُنَاصِرَة للنظام السياسي الـقائم؛ وَظَاهِرَة تَسْرِيب عُمَلَاء أجهزة المُخَابَرَات داخل الأحزاب والنـقابات والجمعيات المُعَارِضَة، وذلك بِهَدَف التَحَكُّم في تَطَوُّرِهَا؛ وَكَذلك ظَاهِرَة مُرَاقَبَة الْآرَاء السياسية التي تَرُوجُ دَاخِل جماهير الشّعب؛ وَظَاهِرَة العَمَل على تَـغْيِير هذه الْآرَاء نَحْوَ الْاِتِّجَاه الذي يُـفِيد السُّلْطَة السياسية؛ إلى آخره.
والمقال الحَالِي يَسْتَـكْمِلُ الدِرَاسَة السَّابِـقَة. وَأَعْرِض في المقال الحالي أُطْرُوحَات نَظَرِيَة تَـكْـمِيلِيَة حول الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة. وَتَسْتَـعْـرِضُ هذه الأُطْرُوحَات القَوَانِينَ الأساسيةَ المُتَحَـكِّمَةَ في تَطَوُّر الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة (كَمُؤَسَّـسَات مُجْتَمَعِيَة). وهذه الْأُطْرُوحَات هي مُسْتَمَدَّة مِن التُرَاث الفِـكْـرِي الماركسي، وَمن تَجَارب عدد من الثَوَرَات المُجتمعية التي حدثت عبر العالم. وَأَضَفْـتُ إليها بعض الْاِقْتِرَاحَات النَظَرِيَة التَـكْـمِيلِيَة. وفي ما يَلِي هذه الْأُطْرُوحَات : «»
1) مِن عَلَامَات الجَهْل السِيَّاسِي، وَضعُ تَطَابُـق بين مَـفَاهِيم «البِلَاد»، وَ«الشَّـعْب»، وَ«الوَطَن»، وَ«الدَّوْلَة»، و«النِظَام السياسي». وَلَا يَخْلِطُ بين هذه المفاهيم سِوَى مَن لَا يَسْتَوْعِبُ الفُرُوقَات النَوْعِيَة المَوْجُودَة فيما بينها. وَمَـفْـهُوم «البِلَاد»، أو «البَلَد»، يَـعْـنِـي مَنْطَـقَـة جُـغْرَافِيَة، تَتَمَـيَّـزُ بِحُدُود دُوَلِيَة مَـعْـمُول بها عَالَمِيًّا، وَيَسْكُنُهَا شَـعْب مُعَيَّن (أو عِدَّة شُعُوب). وَمَـفْـهُوم «الشَّـعْب» يَـعْـنِـي مَجْمُوعَ سُـكَّان بِلَاد مُحَدَّدَة، أو رُقْـعَـة جُغْرَافِيَة مُعْتَرَف بها، تَجْمَعُهُم عَلاقات تَـفَاعُل مُرَكَّب، وَتَارِيخِي، وَمُتَوَاصِل. وَمَـفْـهُوم «الوَطَن» هو تَصَوُّرَات سِيَّاسِية، تَرْبِطُ بين بِلَاد مُحَدَّدَة، وَشَعْب (أو شُعُوب) مُعَيَّنَة، وَطُمُوحَات سِيَّاسِيَة وَتَارِيخِيَة دَقِيقَة. أَمَّا «الدَّوْلَة»، فَهِيَ مَنْظُومَة مُتَرَابِطَة مِن المُؤَسَّـسَات، والأَجْهِزَة، والإدارات، والعَلَاقَات، والسُلُوكِيَّات، والتَصَوُّرَات. وَتَشْمَلُ «الدّولة» عَلَاقَات سِيَاسِيَة، واقتصادية، ومُجْتَمَعِيَة، مُتَدَاخِلَة، وَمُتَنَاقِضَة. وَيُـفْتَرَضُ في «الدّولة» أنها تُدَبِّر جُزْءًا هَامًّا وَكَافِيًّا مِن قِطَاعَات الحَيَاة المُجْتَمَـعِيَة. وَأَسَاسُ «الدّولة» هو المِلْكِيَة الخَاصَّة، ثُمّ الْاِسْتِـغْـلَال الطَبَـقِـي. وَيَخْتَلِفُ «النِظَام السِيَاسِي» عن «الدّولة». فَإِنْ كَان المُكَوِّن البَارِز في «الدّولة» هو إِدَارَات مُتَشَـعِّبَة، وَأَجْهِزَة مُنَـفِّذَة، وَعَلَاقَات سِيَّادَة وَخُضُوع، وَقَمْعٌ مُؤَسَّـسٌ، فَإِنّ «النِظَام السِيَاسِي» هو النَمُوذَج (le modèle) المُحَدِّد لِنَوعِيَة الدّولة القَائِمَة. وَيُوجد تَرَابُط نِسْبِي بين نَوْعِية «النِظَام السِيَّاسِي»، وَنَوْعِيَة «الدّولة» القائمة. وَمَوَازِين القِوَى فيما بَيْن طَبَـقَات المُجتمع، هي مِن بَيْن العَنَاصِر الْأَسَاسِيَة المُحَدِّدَة لِنَوْعِيَة «النِظَام السِيَاسِي» القَائِم. وَهذا «النِظَام السِيَاسِي» هو الذي يَحْكُمُ إِعَادَة إِنْتَاج الدّولة، وَتَطْوِير آلِيَّات اِشْتِـغَالِهَا. وَلِتَأْكِيد الفُرُوقَات النَّوْعِيَة بين مَفَاهِيم «البِلَاد»، وَ«الشَّـعْب»، وَ«الوَطَن»، وَ«الدَّوْلَة»، و«النِظَام السِيَاسِي»، أَكْتَـفِـي بِالْإِشَارَة إلى أنه يُمْكِن لِـ «شَعْب» مُعَيَّن أن يَكُون مَسْجُونًا في «بِلَادِه». كما يُمكن أن يكون «الوَطَن» مُجَرَّد تَصَوُّرَات وَهْمِيَة، بِدُون أن يَكُون لها وُجُود فِـعْـلِـي على أرض الواقع. كما يُمكن لِـ «دَوْلَة» مُحَدَّدَة أن تَكون عَدُوَّة مُـفْـتَـرِسَة لِـ «الشَعْب» الذي تَحْـكُـمُـه. وَيُمكن، في نفس الوقت، أن نُـقَـدِّرَ «شَـعْـبًا» مُحَدَّدًا، وَأَنْ نَرْغَبَ في التَـعَاوُن معه، وَأَنْ نُـعَادِيَ «دَوْلَتَه»، وَأَنْ نَكْرَهَ «نِظَامَه السِيَاسِي». إلى آخره.
2) يُمكن لِكَثِيرِين مِن المُوَاطِنِين أن يُلَاحِظُوا، وَأَنْ يُدْرِكُوا، أنه لَا يُمْكِن إِنْتَاج أَيِّ شَيء في المُجْتَمَع، وَلَا إِنْجَاز أَيِّ شَيْء، إِلَّا إِذَا تَمَّ القِـيَّـام بِهذا العَمَل بِشَكْل جَمَاعِي، أو مُجْتَمَـعِـي، أو تَـعَاوُنِـي، أو تَـكَامُـلِـي. وَرَغْمَ ذلك، يُصِرُّ الحُكَّامُ، وَالسَّائِدُون، والمُسْتَـغِـلُّون، وَأَنْصَارُهُم، على أن تَبْـقَـى مِلْكِيَّة الثَرَوَات، وَالْأَرْبَاح، فَـرْدِيَّة، وَلَيْسَ جَمَاعِيَة، أو مُجْتَمَـعِـيَة، أو مُشْتَرَكَة، أو اِشِتِرَاكِيَة.
3) كُلّ خِطَاب عن الدولة (في مُجتمع رَأْسَمَالِي) يَنْكُر بِنَاء المُجتمع على أساس الْإِسْتِـغْـلَال الرَّأْسَمَالِي (أي اِنْتِزَاع فَائِض القِيمَة الاقتصادي)، أو يَطْمَسُ تَـكَوُّن المُجتمع مِن طَبَـقَات مُجتمعية مُتَنَاقِضَة، (بَعْضُهَا سَائِدٌ وَمُسْتَـغِلٌّ، وَبَـعضها مَسُودٌ وَمُسْتَـغَلٌّ، وَبَعـضها مَسُود وَمُهَمَّش)، سَيَبْـقَـى كَلَامًا بِدُون قِيمَة عِلْمِيَة، وَبِدُون فَائِدَة سيّاسية، أو مُجْتَمَـعِيَة.
4) كلّ مَن يَدَّعِي أنه بِإِمْـكَان الدولة أن تَـكُون «مُحَايِدَة»، أو «عَادِلَة»، أو «دِيمُوقْرَاطِيَة»، أو «دَوْلَة قَانُون»، في مُجتمع طَبَـقِـي، مَبْنِى على أساس الْاِسْتِـغْـلَال الرَّأْسَمَالِـي، فَمَا هو سِوَى مُرَوِّج لِأَكَاذِيب مُدَوِّخَة، أو لِأَوْهَام سِيَّاسِيَة مُخَادِعَة.
5) مُنذ أن تَأَسَّـست الدولة (في إِطَار الرَّأْسَمَالِيَة النَّاشِئَة)، وَمُنذ بِدَايَة تَاريخيها إلى اليَوم، كان يَتَّضِحُ دَائِمًا أن المُهمَّ فيها، هو السُّلْطَة السياسية، واحتكارها لِـلْقُوّة، وَلِلسِّلَاح، وَاحْتِـكَارُهَا لِلْعُنْـف. ومنذ أن تَتَشَـكَّل الدولة الرَّأْسَمَالِيَة، يُصبح هدفها الأوّل، هو الحفاظ على قِيَّام هذه الدولة هي نَـفْسِهَا، وَضَمَان اِسْتِمْرَارِيَتِهَا.
6) مِيزَة الدَّوْلَة الرَّأْسَمَالِيَة (كَآلِيَّات بِيرُوقْرَاطِيَة وَمُجْتَمَعِيَة)، هو أنها تَمِيل دائمًا إلى تَحْوِيل المُوَظَّفِين الكبار فيها، مِن خُدَّام مُـفْـتَـرَضِين لِلشّعب، إلى أَشْخَاص يُمَارِسُون بِالنِيَابَة السِيَّادَة الطَبَـقِيَة على الشعب، وَيَضْطَهِدُونه، وَيُنَظِّمُون إِخَضَاعَه لِلْاِسْتِـغْـلَال الرَّأْسَمَالِي.
7) الدّولة التي بدأ إنشاءها في الْأَصْل بِـمُبَـرِّر تَلْبِيَة حاجيّات الشعب، تَتَحَوَّل بِسُرْعَة إلى أجهزة لِاِخْضَاع الشَّعب، وَلِاحْتِـكَار السِّلَاح، وَالعُنْف، بِهَدَف ضَمَان اِسْتِمْرَار خُضُوع الكَادِحِين المُسْتَـغَلِّين لِهذه الدّولة، ولِلنِّظَام السياسي القَائِم فيها.
8) في الأصل، خُلِقَت الدولة لِخِدْمَة مَصالح الشّعب، وَصِيَّانَة أَمْنِه. لكن في إطار الرَّأْسَمَالِيَة (بِمَا فيها الرَّأْسَمَالية التَبَـعِيَة لِلْاِمْبِرْيَالِيَة، أو اللِّيبِيرَالِيَة)، تَنْـقَـلِبُ الأُمُور بِسُرْعَة إلى عَكْسِهَا. فَيُصْبِح الشّعب مُسَخَّرًا لِخِدْمَة الدولة. وتُصبح الدولة مُسَخَّرَة لِخِدْمَة مَصَالح طَبَـقَة المُسْتَـغِلِّين الكِبَار. وَتَـغْدُو صِيَّانَة «أَمْن الدولة» مُوجِبَة لِلتَضْحِيَّة بِـ «أَمْن الشّعب».
9) و«الْأَمْن» الذي تُدافع عنه الدّولة، تَـحْصُرُه عَمَلِيًّا هذه الدّولة في حُدُود أَمْن الفِئَات الطَبَـقِيَة السَّائِدَة. وهذا الأمن المُوَفَّر لِلطَّبَـقَات السَّائِدَة، يكون بالضَّرُورَة على حِسَاب أَمْن الطَبَـقَات المَسُودَة.
10) كانت دائمًا الفِئَات الطَبَـقِـيَة السَّائِدَة هي الْأَكْثَرُ تَأْهِيلًا لِلْإِشْرَاف على تَسْيِير الدولة، وَعلى تَنْظِيمها. وكانت دائمًا الدّولة، كَالمِغْنَاطِيس، تَجْذُبُ إِلَيْهَا بِـقُوَّة الفِئَات الطَبَـقِـيَة المُسْتَـغِـلَّـة وَالسَّائِدَة. كما أن الفِئَات الطَبَـقِـيَة المُسْتَـغِـلَّة وَالسَّائِدَة، تَجْذُبُ الدولةَ بِـقُـوَّة نَحْوَهَا.
11) تَتَضَخًّم الدولة، وَتَتَـقَـوَّى باستمرار. وَتَتَحَوَّل الدّولة إلى وَحْش مُجْتَمَـعِي ضَخْم. فَتَتَـعَمَّـقُ ظَاهِرَة تَحَوُّل الدّولة إلى جِسْم مُسْتَـقِل عن الشَّـعْب، بَلْ مُنَاقِـض لِه. فَـغَدَى «أَمْن الدّولة» أَهَمَّ مِن «أمن الشّعب». بَلْ أَصْبَح بعض المسؤولين الكبار والمتوسّطين في أجهزة الدولة يَتَصَرَّفُون كأنهم يَعْتَبِرُون أن «أمن الشّعب» يَـتَـعَارَض، بَلْ يُهَدِّد «أمن الدَّوْلَة». لأنهم يعتبرون أن «الدّولة هي أَهَمّ وَأَوْلَى من الشّعب». وهكذا اِنْتَـقَلْنَا، دُونَ أن نَشْعُرَ بذلك، من مَـقُولَة «مُبَرِّر وُجُود الدولة هو خِدْمَة الشعب»، إلى مَـقُولَة «مُبَرٍّر وُجُود الشعب هو خِدْمَة الدَّوْلَة». ثُمَّ أَصْبَحْنَا نُؤْمِنُ بِـمَـقُولَة «كُلّ ما هو في مَصْلَحَة الدّولة، هو بالضّرورة في مصلحة الشّعب، وَلَوْ لَمْ يُوَافِق الشَّعْبُ على ذلك». وَغَدَى بعض المسؤولين الكبار والمتوسّطين في أجهزة الدولة يَـعْـتَبِرُون أن حِمَايَة «أمن الدولة»، يُبَرِّر شَرْعِيَةَ اِستـعمال الجَيش، والأجهزة الـقمعية المُتَنَوِّعَة، لِإِخْضَاع الشَّـعْب، أو لِسَحْـق الأشخاص والـفِئَات الشَّـعْـبِيَة المُنْتَـقِـدة، أو المُعَارِضَة، أو المُحْتَجَّة، أو الثَائِرَة. وَبَـعْـدَمَا تَوَالَت «الْاِنْتِـفَاضَات الشَّـعْبِيَة» في المغرب، قال المَلِك الحسن الثاني هو نَـفْسُه في إحدى خُطَبِه، أن المَذْهَب الْإِسْلَامِي المَالِكِـي يُبَرِّر الـقَضَاء على الثُلُث الـفَاسِد مِن الشعب، لِإِنْـقَاذِ الثُلُثَيْن البَاقِيَّيْن. وَلَوْ أنّ الثُلُثَيْن مِن الشَّعْب يُـقَـدَّرَان طَبْعًا بِمَلَايِين المُوَاطِنِين.
12) «الدّولة ليست سِوَى آلَة لِاضْطِهَاد طَبَـقَـة مِن طَرَف طَبَـقَة أخرى»(1). وَكان دَائِمًا وُجُود الدّولة يَـقْتَرِن بِإِضْـعَاف، أو إِلْغَاء، التَنْظِيمَات السِيَادِيَة المُسْتَـقِـلَّة الخَاصَّة بِالْكَادِحِين المُسْتَـغَلِّين. وَيَـقْتَرِنُ كذلك وُجُود الدّولة بِإِضْعَاف الوَعْيِ السِيَاسِي لَدَى الكَادِحِين المُسْتَـغَـلِّين. بَلْ مُنْذُ أن تَنْشَأ الدّولة، يُصبح دَورها هو إِضْعَاف، ثمّ إِلْـغَاء، التَنْظِيمَات السِيَّادِيَة المُسْتَـقِلَّة الخَاصَّة بِالْكَادِحِين المُسْتَـغَـلِّين. ثمّ تعمل الدّولة على بِنَاء تنظيمات بَدِيلَة، تَـكُون مُهِمَّتُهَا هي قَمْع، وَإِخْضَاع، جماهير الشّعب الكَادِحَة وَالمُسْتَـغَـلَّة. وَوُجُود الدولة، وَمَا يرتبط بها من سَيْطَرَة طَبَـقِـيَة، وَإِخْضَاع، يَتَطَلَّب حَتْمًا إِقَامَة تَنْظِيمَات مُسَلَّحَة، وَمُخَابَرَات، وَوَسَائِل دِعَايَة، وَسُجُون، وَهَيْئَات دِينِيَة تَدْعُو لِلْخُضُوع، وَمَرَاكِز لِلْعِـقَاب، وَلِلْعَزْل، وَلِلتَّـعْذِيب، وَلِلْـقَـهْر.
13) في إِطَار الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة، لَا تَـقْدِر هذه الدّولة على ضَمَان اِسْتِمْرَارِيَتِهَا سِوَى بِوَاسِطَة القَمْع، والتَضْلِيل، وَالْإِخًضَاع، وَالقَهْر، وَإِرْهَاب الدّولة. وَتَمِيل بِالضَّرُورَة هذه الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة إلى تَوْسِيع سَيْطَرَتِهَا المُطْلَـقَة، لِتَشْمَلَ كلَّ مَرَافِـق الحياة في المُجتمع. وَتَـعْـتَبِرُ هذه الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة أن أَيَّ نُـقْـصَان في سَيْطَرَتِهَا على أَيِّ مَرْفَـق مِن بَيْن مَرَافِـق الْحَيَاة في المُجتمع، يُمْكِن أن يَـفْـلِتَ مِن حُكْمِهَا، وَيُمكن أن يُهَدِّد «أَمْنَهَا»، أو «وُجُودَهَا». فَتُصْبِح هذه الدّولة مُجْبَرَة على إِحْكَام سَيْطَرَتِهَا المُطْلَـقَـة على كلّ مَرَافِـق الحياة في المُجتمع.
14) سواء كانت الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة إِمَارَة، أم مَلَكِيَة، أم جُمْهُورِيَة، أم فِيدِيرَالِيَة، تَمِيل دَائِمًا هذه الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة إلى تَـقْوِيَة تَمَرْكُزِهَا. وَيَكُون فيها رَئِيس الدّولة هو مَرْكَز السُّلْطَة السِيَاسِيَة. وَيَتَطَوَّرُ رَئِيس الدولة الرَّأْسَمَالِيَة إلى رَئِيس مُطْلَق على كلّ شَيْءٍ في هذه الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة. حَيْثُ نَجِدُ أن رَئِيس الدّولة هو، في نفس الوقت، الرَئِيس الفِـعْـلِي لِلْحُكُومَة؛ وَالرَئِيس الفِـعْـلِي لِلْبَرْلَمَان (وَلَوْ بِشَكْل غَير مُباشر)؛ وَالرَئِيس الفِـعْـلِي لِجِهَاز القَضَاء؛ والرئيس الفِـعْـلِي لِوِزَارَة الدَّاخِلِيَة؛ وَالرَئِيس الفـعلي لِهَيْئَة الأركان العامة لِلْجَيْش؛ وَالرَئِيس الفِـعْـلِي لِمُخْتَلَف أجهزة البُوليس؛ وَالرَّئِيس الفِـعْلِي لِـقُوّات التَدَخُّل السَّرِيع؛ وَالرَئِيس الفـعـلي لِكُلّ قُوَّات القَمْع؛ وَالرَئِيس الفـعـلي لِأَجْهِزَة الْمُخَابَرَات؛ وَالرَئِيس الفـعـلي لِوَسَائِل الْإِعْلَام العُمُومية؛ وَالرَئِيس الفـعـلي لِلْكَنِيسَة؛ أو لِهَيْئَة الفَتْوَى الدِّينية، أو إِمَارَة الْمُؤْمِنِين؛ والرَئِيس الفِـعْلِي لِبَنْك الدّولة المَرْكَزِي؛ وَالرَئِيس الفـعـلي لِلْاِحْتِكَارَات الاقتصادية والمَالِيَة التَّابِعَة لِلدّولة؛ إلى آخره. وَمِن وَقْت لِآخَر، يَتَّخِذُ هذا الرّئيس قرارات، وَلَوْ أنّه يُدْرِكُ جَيِّدًا أنها مُنَاقِضَة لِمَصَالح الشّعب، وَلَوْ أنه يَـعْلَمُ أنّ الشّعب يَرْفُض تَمَامًا مثل هذه القرارات. وَعِنْدَمَا يَحْـكُمُ رَئِيس الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة، دُونَ أن تُوَاجِهَهُ لَا جِهَة نَاقِدَة، وَلَا هَيْئَة مُسَائِلَة، وَلَا سُلْطَة مُضَادَّة، وَلَا مُرَاقَبَة، وَلَا مُحَاسَبَة، وَلَا إِقَالَة، فَهَذا الصِّنْـف مِن الحُكْم هُو بِالضَّبْط مَا يُـعَـرَّفُ بِـ «الْاِسْتِبْدَاد»، أو بِـ «الدِّيكْتَاتُورِيَة»، أو بِـ «حُكْم القِلَّة». بِمَـعْنَى أَنَّ الرَّأْسَمَالِيَة تُؤَدِّي حَتْمًا إلى الْإِسْتِبْدَاد. وَهذا الصِّنْـف مِن الحُكْم المُسْتَبِدّ، هو في مَظْهَرِه اِسْتِبْدَاد شَخْص حَاكِم، لَـكِنَّه في عُمْـقِـه اِسْتِبْدَاد الرَّأْسَمَال، أو دِيكْتَاتُورِيَة الرَّأْسَمَالِيِّين الكِبَار. وهكذا، فإن «الدِّيمُوقْرَاطِيَة الرَّأْسَمَالِيَة» المَزْعُومَة، تُخْـفِـي دَائِمًا "دِيكْتَاتُورِيَة طَبَـقَة المُسْتَـغِـلِّين الكِبَار" (أي دِيكْتَاتُورِيَة البُورْجْوَازِيَة الكبيرة).
15) بِـقَدْر مَا تَكُون السُّلْطَة السِيَاسِيَة مُمَرْكَزَة في شَخْص وَاحِد (هو رَئِيس الدّولة)، بِـقَدْرِ مَا يُصْبِحُ سَهْلًا جِدًّا على القِوَى الْإِمْبِرْيَالِيَة العَالَمِيَة أَنْ تُـؤَثِّـرَ في عَـقْل، وفي قَرَارَات، هذا الشَّخْص. فَتَتَلَاعَبُ القِوَى الْإِسْتِـعْـمَارِيَة، وَالْـقِوَى الْإِمْبِرْيَالِيَة، بِـمَصِير البِلَاد، أو الشَّـعْب، وَتَـفْـتَـرِس ثَرَوَاتِه، وَتُسَخِّرُهُ لِخِدْمَة مَصَالِحِهَا الخُصُوصِيَة الْأَنَانِيَة.
16) تُسْتَـعْـمَلُ بِشكل شَائِـع في المُجتمعات الرَّأْسَمَالِـية عِبَارَةُ : «الدولة الدِّيمُوقْرَاطِيَة». وهذه العِبَارَة هي مُجَرَّد تَصَوُّر فِكْرِي. بَـلْ هي زَعْم مُخَادِع، أو وَهْم مُضَلِّـل. لأنها تَـعْـبِـيـر مُتَنَاقِض. ولأن «الدّولة» و«الدِّيمُوقْرَاطِيَة» لَا تَجْتَمِـعَان. ولأن وُجُود «الدولة» في مُجتمع مُحَدَّد، يَـفْـتَـرِض بِالضَّرُورَة وُجُود طَبَـقَات مُجتمعية لَا يُمكن التَوْفِيق فيما بينها. وَلأنّ كلّ «دولة»، في مُجتمع طَبـقِي، هي بالضَّرُورة مُسْتَـقِلَّة عن الشعب، وَمُنْفَصِلَة عنه، وَمُنَاقِضَة له. وَلِأَن كلّ «دولة»، هي تَجْسِيد لِهَيْمَنَة طَبَـقَة سَائِدَة، تَمْتَلِكُ جُلَّ وَسَائِل الْاِنْتَاج، وَتحْتَكِر السُّلْطَة السياسية. وَلأنه، كُلَّمَا وُجِدَت في المُجتمع طَبَـقَات مُتناقضة، فإن الطبقة الغَالِبَة، أو الطَبَـقَة السَّائِـدَة، سَتَـفْـرِض بالضّرورة دِيكْتَاتُورِيَتَهَا على باقي طَبـقات المُجتمع، بِوَاسِطَة أَجْهِزَة الدَّوْلَة. أَيْ بِوَاسِطَة اِحْتِـكَار السِلَاح، والعُنْـف، والمُخَابَرَات، وَالْإِعْلَام، وَالدِّين. بَيْنَمَا «البَرْلَمَان»، يَبْـقَـى في الواقع مُجَرَّد أَدَاة شَكْـلِيَة، وَطَيِّـعَة. وَيَبْـقَـى البَرْلَمَان بِدُون أَيَّة سُلطة فَـعَّـالَة. ولَا يَـسْتَطِيـع «البَرْلَمَان» أن يكون هَيْئَة مُسْتَـقِـلَّة، وَقَادِرَة على اِتِخَاذ قَرَارَات حَاسِمَة في القَضَايَا التي تَهُمُّ المُجتمع. وَلِأَنّ «الدَّوْلة» هي مُجَرَّد أَجْهِزَة لِتَدْبِير الصِرَاع الطَبَـقِـي، عَبْرَ مُمَارَسَة القَمْع الـعَـنِيف، ضِدَّ الخُصُوم، وَضِدَّ الأعداء الطَبَـقِـيِّـيـن، وَضِدَّ المُعَارِضِين لِلطَّبَـقَة السَّائِدَة. فَـلَا يُمكن «لِلدّولة»، باعتبارها أَدَاة السِيَّادَة الطَبَـقِـيَـة، أن تَكُون «دِيمُوقْرَاطِيَة»، في مُجتمع تَجْمَـعُ فِيه طَبَـقَةٌ مُهَيْمِنَةٌ اِحْتِـكَارَ السُّلُطَات السِيَاسِيَة، وَاحْتِـكَارَ مِلْكِيَات الثَرَوَات المُجتمعية. ولأنه في كلّ مُجتمع طَبَـقِـي، يَسْتَحِيل التَوْفِيق فيما بين الطبقات المُتَنَاقِضَة التي تُـكَـوِّنُ هذا المُجتمع المَـعْنِـي. فَـلَا يُمكن تَحـقـيـق «الدِّيمُوقْرَاطِيَة» الحَـقَّـة إِلَّا عبر إِلْـغَاء أُسُـس وُجُود الطَبَـقَات المُجتمعية، المُتَمَايِزَة، وَالمُتَنَاقِضَة، وعبر إِلْـغَاء أُسُـس وُجُود «الدَّوْلَة» هي نَـفْسِهَا. وَكُلّ مَن يَدَّعِي أن «الدّولة» قَادِرَة على تَحقيق «الحُرِّيَة»، أو «الدِّيمُوقْرَاطِيَة»، أو «العَدَالَة المُجْتَمَـعِـيَـة»، أو "حُـقوق الانسان"، فَإِمَّا أَنّه يُخَادِع نَـفْـسه، وَإِمَّا أنّه يُخَادِع الشّـعب(2). وَمِن الوَهْم الاعتـقاد بِإِمْكَانِيَة وُجُود سَبِيل سِلْمِي لِإِصْلَاح الدَّولة الرَّأْسَمَالِيَة، أو لِإِصْلَاح النظام السياسي الرَّأْسَمَالِي القائم.
17) في مُجْمَل الدُوَّل الرَّأْسَمَالِيَة، نُلاحظ أن حُرِّيَات التَـعْـبِير، وَالنَّـقْد، وَالتَنْظِيم، وَالتَظَاهُر، وَالْاِحْتِجَاج، تَظَلُّ مُبَاحَة في المَجَالَات التَّافِهَة. بَيْنَمَا في القَضَايَا المُجْتَمَـعِـيَة الْأَسَاسِيَّة، تَبْـقَـى فِيهَا حُرِّيَات التَـعْـبِير، وَالنَّـقْد، وَالتَنْظِيم، وَالتَظَاهُر، وَالْاِحْتِجَاج، مَمْنُوعَة، وَيُـعَاقِبُ عليها القَانُون القَائِم بِـعُـقُـوبَات مُخِيـفَـة.
18) في الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة، تَتَنَافَـسُ الْأَحْزَاب الرَّأْسَمَالِيَة، على مُمَارَسَة الحُكْم، وعلى تَدْبِير المُجْتَـمَـع. لكن هذه الحياة السياسية تَدُور في حَلْـقَة مُـفْـرَغَة، وَتَبْـقَـى عَبَثِيَة. فَرَغْمَ تَـغَـيُّـر الوُزَرَاء، وَتَبَدُّل الحُكُومَات، وَتَوَالِـي البَرْلَمَانَات، تَبْـقَـى نَوْعِيَة السِيَاسَات الْأَسَاسِيَة المُتَّبَـعَـة مِن طَرَف الدّولة الرّأْسَمَالِيَة ثَابِتَة، أَيْ أنها لَا تَتَـغَـيَّـر في جَوِهَرِهَا الطَبَـقِـي. حَيْثُ يَظَلُّ مُحَدِّد سِيَّاسَات الدَّوْلة، هُوَ مَصَالِح طَبَـقَة المُسْتَـغِـلِّـيـن الكِبَار، وَحُلَـفَائِهِم الْإِمْبِرْيَالِيِّين.
19) هل يُمكن (مثلًا في المَغْرِب)، عبر إصلاحات دِيمُوقْرَاطِيَة مُعيّنة، جَعْل أَجْهِزَة الدولة (وخاصةً منها وزارة الدّاخلية)، تَتَخَلَّـى كُلِيًا عن التـَدَخُّل المُتَحَيِّز في تنظيم الانـتخابات العامّة ؟ وَهَلْ يُمْـكِن مَنْـع وزارة الدّاخلية من التأثير في الانتخابات العامّة ؟ وهل يُمـكن حَظْر مُرَاقَبَة وزارة الداخلية وَأَجْهِزَتِهَا لِـتَطَوُّر الْآرَاء والمُوَاقِـف السياسية، التي تَرُوجُ داخل جماهير الشعب ؟ وهل يُمـكن إِيـقَاف مُحاولات وزارة الداخلية وأجهزتها في مَجَال تَكْيِيـف الْآرَاء وَالمَوَاقِـف السياسية التي تَحْمِلُهَا جماهير الشَّـعب ؟ وهل يُمـكن مَنْع وزارة الداخلية وأجهزتها مِن تَسْرِيب عُمَلَائِهَا دَاخِل الأحزاب، والنـقابات، والجمعيات، المُـعَارِضَة ؟ لَا، هذه الإصلاحات الدِّيمُوقْرَاطِيَة سَتَبْـقَـى مُستحيلة الإنجاز في إطار الرَّأْسَمَالِيَة. ولماذا ؟ لأنه، ما دام النظام السياسي الرَّأْسَمَالِي قائما، يَسْتَحِيل على المسؤولين الكبار والمتوسّطين، في مختلـف أجهزة الدولة، الذين يجمعون بين السُّلْطَة والثَّرْوَة، وَيَغْتَنُون بشكل غَيْر مَشْرُوع، يَسْتَحِيل عليهم أن يتـركوا تَطَوُّر البلاد يَسِير في اِتِّجَاه أَوْضَاع جَديدة تَـقْـطَعُ عليهم مَنَابِـعَ اِغْتِنَائِهِم غَيْر المَشْرُوع. وهم يَرْفُضُون تِلْقَائِيًّا كلّ تَطَوُّر يُهَدِّد مَصَالحهم الشخصية الْأَنَانِيَة، أو الفِئوِيَّة، أو الطَبَـقِـيَة.
20) إذا لَم تَـكن تُوجد في الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة القَائِمَة، أو في النظام السياسي الرَّأْسَمَالِي القائم، لَا «دَوْلَة القَانُون»، وَلَا «حُرِّيَات سِيَاسِيَة»، وَلَا «دِيمُوقْرَاطِيَة»، وَلَا «حُقُوق الإنسان»، فَسَيَكُون مِن الوَهْم الْإِيمَان بِإمْكَانِيَة تَحـقِيـق إِصْلَاحَات دِيمُوقْرَاطِيَة، عَبْر نِضَالَات بَرْلَمَانِيَة، أو قَانُونِيَة، أو سِلْمِيَة. أمّا الاعتـقاد، في مثل هذه الظُّرُوف، بِإمكانية التَطَوُّر السِّلْمِي نَحو الاشتراكية، فَسَيَكُون جَهْلًا فَاظِعًا، أو حُمْـقًا سِيَّاسِيًا.
21) الْأَيْدِيُولُوجِيَّة السَّائِدَة في الدُّوَل الرَّأْسَمَالِيَة (وَلَوْ أنّها غَيْر مَنْطُوق بها، أو غَيْر مُـعْـتَرَف بها)، هي التَّالِيَة : «الرَّأْسَمَالِيَة هي الحَلّ الوحيد الواقعي». و«الاشتراكية هي وَهْم مُسْتَحِيل»، و«الدِّيمُوقْرَاطِيَة والمُسَاوَاة، هي أيضًا أَوْهَام مُسْتَحِيلَة»؛ بَيْنَمَا «الوَاقِـعِـيَة الصَّحِيحَة، وَالْبْرَاغْمَاتِيَة الفَـعَّـالَة، هي الرَّأْسَمَالِيَة، والفَرْدَانِيَة، وَالْأَنَانِيَة، وَالْاِنْتِهَازِيَة»؛ وَ«هَدَف الحَيَاة هو الْإِغْتِنَاء، وَجَمْع المَال بِلَا حُدُود، وَالْاِسْتِمْتَاع بِالْاِسْتِهْلَاك، وَبِالرَّفَاهِيَة، دُون أَيّ اِكْتِرَاث بِالمَبَادِئ، أو بِالْأَخْلَاق الْإِنْسَانِيَة، أو بِالْبِيئَة، أو بِالتَضَامُن المُجْتَمَـعِـي». وَشِعَارات الرَّأْسَمَالِيَة هي : «النُمُوُّ الْاِقْتِصَادِيّ الْـلَّامَحْدُود»، وَ«الرِّبْح الْـلَّامَحْدُود»، و«الْاِغْتِنَاء الْـلَّامَحْدُود»، وَ«الْاِسْتِهْلَاك الْـلَّامَحْدُود».
22) يَظُنَّ عَادَةْ الحُـكَّام الرَّأْسَمَالِيُّون، أنه بِإِمْكَانِهِم تَدْبِير المُجتمع، وَتَسْيِير الدّولة، بِوَاسِطَة القَانُون وَحْدَه. وهذا تَصَوُّر نَاقِص، وَفَاشِل. إِذْ يَحْتَاج كلّ مِن الفَرْد، والجَمَاعَة، وَالمُجْتَمَع، إلى الْإِلْتِزَام، ليس فَقَط بِالقَانُون، بَلْ يَحْتَاجُ أَيْضًا إلى التَـقَـيُّـد بِمَنْظُومَة مُحَدَّدَة مِن الْأَخْلَاق النَبِيلَة(3)، وَبِالتَضَامُن المُجتمعي، وَبِالْـقِـيَـم الْإِنْسَانِيَة. وَلَوْ أنه مِن الصَّـعْب إِيصَال عَامَّة المُوَاطِنِين إلى الْاِلْتِزَام بِالْأَخْلَاق الْإِنْسَانِيَة.
23) بَدَلًا مِن أن تَكُون الدولة مُجَسَّدَة في قَوَانِين، وفي مُؤَسَّـسَات غَيْر مُنْحَازَة لِأَيّ فَاعِل سِيَّاسِي في المُجتمع، تُصْبِحُ الدولةُ مُجَسَّدَة في أَشْخَاص كَأَشْخَاص. وَيَتَمَيَّزُ هؤلاء الأشخاص الحَاكِمِين بِاحْتِـكَارِهِم، في نَفس الوَقت، لِلسُّلُطَات السياسية، وَلِلثَّرَوَات المادّية(4). وَلَا يَـعْبَأُ كثيرون من هؤلاء الحَاكِمِين بِوُجُود هذا التَضَارُب الصَّارِخ في المَصَالِح (conflits d’intérêts).
24) يُحِسُّ بعض المَسْؤُولِين الكبار والمتوسطين في الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة، الذين يُسَيِّرُون الأجهزة الإِدَارِيَة، والـقمعية، والمُخابراتية، أنهم يَحْصُلُون على أُجُور سَخِيَة، وعلى اِمتيّازات مُـعْتَبَرة، ليس من عند الدولة، أو من عند الشّعب، وَإِنَّمَا مِن عند الأشخاص الحَاكِمِين، الذين يُمَارِسُون السُّلطات السياسية. وَمُقابل تلك الْاِمْتِيَّازَات، يُدَبِّرُ هؤلاء المسؤولين الأجهزةَ الإداريةَ، والـقمعيةَ، والمُخابراتيةَ، ليسَ بِهَدَف تَـقْوِيَة دَوْلَة القَانُون، وليس بِهَدَف خِدمة مَصالح الشَّعب، وَإِنَّمَا بهدف حِمَايَة، وَتَـقْوِيَة، الأشخاص الحَاكِمِين، والدِّفَاع عَن نِظَامِهم السياسي الـقائم. لأن هَؤُلَاء المَسْؤُولين المُسَيِّرِين لِلْأَجْهِزَة الـقمعية، والمخابراتية، وَمَا شَابَهَهَا، يشعرون تِلْقَائِيًّا، كَأَنَّهُم مُشَـغَّلُون، وَمَأْجُورُون، لَدَى الأشخاص الحاكمين، وليس لَدَى الدولة، أو لدى الشعب، أو لدى مُؤَسَّـسَات دَوْلَتِيَة غَيْر مُشَخْصَنَة.
25) يُصبح في ذِهْن المَسْؤُولِين الكبار والمُتوسّطين في أجهزة الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة، أنّ مَصْدَرُ السُّلْطَة وَالسِّيَادَة، ليس هو الشّعب، وَلَا هُوَ مُؤَسَّـسَات دَوْلَتِيَة غَيْر مُشَخْصَنَة، وإنّما هم الأشخاص الحَاكِمُون. وَهَؤُلَاء الْأَشْخَاص الحَاكِمُون يَجْمَـعُون، في نـفس الوقت، بين السَّيْطَرَة على السُّلُطَات السياسية، والسَّيْطَرَة على الثَرَوَات الاقتصادية(5). أَمَّا «سِيَّادَة الشَّعْب»، التي كانت تَارِيخِيًّا، في البِدَايَة، هي الْأَصْل في خَلْق وَتَشْيِيد الدَّوْلَة، تَحَوَّلَت إلى «سِيَّادَة مُطْلَـقَـة» لِرَئِيس الدَّوْلَة وَحْدَهُ. وَ«حُرِّيَة الشَّعْب»، التي يُـفْتَرَضُ فيها أنها هي الغَايَة الْأَسْمَى لِلدَّوْلَة، تَحَوَّلَت إلى حُرِّيَة مُطْلَـقَة لِرَئِيس الدّولة، وَإِلى إِخْضَاع تَامٍّ لِلشَّـعْب. وَخُدَّام الشَّـعْب الذين كُـلِّـفُـوا، في البِدَايَة، بِمُهِمَّة بِنَاء الدَّوْلَة، بِهَدَف خِدْمَة الشَّعْب، حَوَّلُوا الدَّوْلَة إلى "حِزْب سِيَّاسِي سِرِّي" خُصُوصِي، مُسَلَّح بِأَجْهِزَة قَمْعِيَة تُمَارِس إِرْهَاب الدولة. وَشُـغْـل هذا "الحِزْب السياسي السِرِّي" هو فقط إِخًضَاع الشَّعْب، وَتَـكْـيِيـفِـه، وَاسْتِـغْلَالِه. وهذا التَشْخِيص السّابـق، لا يُـشَكِّل لَا سَبًّا، وَلَا شَتْمًا، وَلَا إهانةً، وَلَوْ ضِمْنِيَّا، لأيّ أحد. وإنما هو تَشْخِيص عِلْمِي، وَتَوْصِيف نَظَرِي مَوْضُوعِي، لِظَوَاهر مُجْتَمَـعِـيَة، وَدَوْلَتِيَة (نِسْبَةً لِلدَّوْلَة). وَتَتَجَاوَزُ هذه التَشْخِيصَات أَفْرَادَ المُجتمع كأشخاص.
26) يَشْعُر تِلْقَائِيًّا الكثير مِن المسؤولين الكبار في الدّولة، وَالمُسَيِّرِين لِلأجهزة الـقَمعية، والمُخابراتية، وَمَا شَابَهَهَا، بِضَرُورة الوَلَاء والإخلاص، ليس لِمُؤسّـسات الدولة كَمُؤَسَّـسَات مُحَايِدَة، أو لِلـقانون كَتَـعَاقُد مُجْتَمَعِي مُحَايِد، وَإِنَّمَا يَـعْمَلُون بِالوَلَاء والإخلاص لِلْأشخاص الحَاكِمِين كَأَشْخَاص.
27) في اِطَار الدَّوْلة الرَّأْسَمَالِيَة، يُصْبِحُ إِنْجَاز مَـفْـهُوم «دَوْلَة القَانُون» أَمْرًا مُسْتَحِيلًا. وَمَـفْهُوم «دَوْلَة القَانُون» يَتَـعَـلَّـقُ بِـالدَّوْلة التي تَشْتَـغِل طِبْـقًا لِمَنْطِـق القَانُون وَحْدَه، دُون أَيَّة اِعْتِبَارَات، أو تَدَخُّلَات أُخْرَى. بينما الدّولة التي تُمَارَسُ داخل دَوَالِيبِهَا الزَّبُونِيَةُ، أو الْمَحْسُوبِيَة، أو المُحَابَاة، أو التَحَيّز، أو عَلَاقَات القَرَابَة العَائِلِيَة، أو القَبَلِيَة، أو العَصَبِيَة السِيَاسِيَة، أو العَلَاقَات الاقتصادية، أو تَـغْلِيب مصالح المَجْمُوعَات المِهَنِيَة، أو غيرها مِن المصالح الانتهازية، تَـغْدُو دَوْلَةً خَارِقَة لِلْـقَانُون، وَمُتَنَاقِضَة مَـعَـهُ.
28) في الدّولة الرّأسمالية، يَـغْدُو أيضًا تَطْبِيق مَبْدَأ «رَبْط المَسْؤُولية بِالمحاسبة» أَمْرًا مُسْتَحِيلًا.
29) في الدّولة الرّأسمالية، تُصبح مَطَالِب مثل «بِنَاء الدولة الوطنية الديموقراطية الشّـعبية والحَدَاثِيَة»، وَ«إِقَامَة دِيمُوقْرَاطِيَة حَقِيقِيَّة»، وَ«الديموقراطية المُبَاشِرَة»، وَ«المَلَكِيَة البَرْلَمَانِيَة»، وَ«دَوْلَة الحَـقّ والقانون»، و«التَدَاوُل السِلْمِي على السُّلطة»، و«حُقـوق الإنسان»، وَ«إِنْجَاز نَمُوذَج تَنْمَوِي اقتصادي حَقـيقـي»، و«الإِيكُولُوجِيَة الاشتراكية» (écosocialisme)(6)، الخ، تُصْبِحُ كُلُّ هذه المَفَاهِيم وَالطُمُوحَات، مُجَرَّد أَوْهَام سَاذَجة. لأنه يَسْتَحِيل إنجازها مِن دَاخل مُؤسّـسات هذا النظام السياسي الرَّأْسَمَالِي الـقَائِم، أو عبر قَوَانِينه القائمة.
30) في الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة، مُعْظَم الْأَشْيَاء والقَضَايَا تَـكُون مَرْئِيَّة، وَوَاضِحَة؛ بِاسْتِثْنَاء الرَّأْسَمَالِيَة، وَالْاِسْتِـغْـلَال الرَّأْسَمَالِي، حَيْثُ يَبْـقَـيَـان خَـفِـيَّـان، وَلَا يُمكن رُؤْيَتُهُمَا، وَلَا نَـقْدُهُمَا، وَلَا الْاِعْتِرَاض عَلَيْهِمَا.
31) في الدّوْلَة الرَّأْسَمَالِيَة، مُعْظَم الْأَحْزَاب، والنَـقَابَات، والجَمْعِيَّات، والهَيْئَات، التي تَدَّعِـي الْاِلْتِزَام بِالدِّفَاع عن مَصَالِح الطَبَـقَة العَامِلَة، أَو طَبَـقَة المُسْتَـغَـلِّين، تَخْضَعُ لِتَأْثِيرَات قَوِيَّة، دَاخِلِيَّة وَخَارِجِيَّة، وَتَتَحَوَّلُ إلى نَـقِـيضِهَا. أَيْ أنها تُصْبِحُ في الوَاقِع مُـعَـارِضَة لِمَصَالِح طَبَـقَة المُسْتَـغَـلِّين. وَتَـغْدُو مُهَادِنَة لِـ، أو مُطَبِّـعَـة مَعَ، الْاِسْتِـغْـلَال الرَّأْسَمَالِي.
32) كُلَّمَا تَكَرَّرَت، أو اِحْتَدَّت، أزمة الرّأسمالية، تَصَاعَد كلام بعض الشخصيّات عَن «الدِّيمُوقْرَاطِيَة»، وَعَن «الحُرِّيَة»، وعن «الْلِّبِيرَالِية» (libéralisme)، وعن «النْيُولِيبِيرَالِيَة (néo-libéralisme)»، وعن «الدَّوْلَة الاِجْتِمَاعِيَة (L’État social)»، الخ. لكن السُؤَال الذي يَـفْرِضُ نَـفْسَه هو : هَل يُمكن فِعْلًا لِلدَّولة، في إطار الرَّأْسَمَالِية (بِمَا فيها الرَّأْسَمَالِيَة التَبَـعِـيَة لِلْإِمْبِرْيَالِيَة)، أن تَكُون «دِيمُوقْرَاطِيَة» حَقًّا، وَ«لِبِيرَالِيَة»، وَ«اجْتِمَاعِيَة» ؟ إِجَابات أنصار الرَّأْسَمَالية هي دَائِمًا «نَعَم». لأن أنصار الرّأسمالية يُؤْمِنُون بِأَنّ الرَّأْسَمَالِية هي الإِلَه الوَحِيد الذي يَخْلُق كلّ الْأَشْيَاء، وَيُنْشِئ التَوَازُنَات المِثَالِيَة فيما بَيْنَهَا. لكن التَجَارِب التي حَدَثَت في مُختلـف بُلدان الرَّأْسَمَالِيَة عَبْرَ العَالَم (بما فيها التَابِـعَة لِلْإِمْبِرْيَالِيَة)، تُوَضِّح أن الدَّوْلة الرَّأْسَمَالِيَة تَتَطَوَّرُ بشكل لَا يُـقَاوَم نَحو الدِيكْتَاتُورِية الخَـفِيَة لِطَبَـقَة المُسْتَـغِلِّين الكِبَار. وَتَمِيل دَائِمًا نَحْو تَـغْلِيب خِدْمَة مَصَالِح الرأسماليِّين المُسْتَـغِلِّين الكبار، وذلك على حِسَاب خِدمَة مَصَالح الكَادِحِين المُسْتَـغَلِّين، والـفَلَّاحِين الفُـقَـرَاء، وَالصِّغَار، وَالحِرَفِيِّين، والتُجَّار الصِغَار، وَالمُهَمَّشِين، والمَحْرُومِين. وَتَتَطَوَّر الدَّوْلَة الرَّأْسَمَالِيَة بِشَكْل لَا يُـقَاوَم نَحْو السَّيْطَرَة المُطْلَـقَة على كُلّ شَيء في المُجتمع. وَكُلُّ شَيْء يَخْرُج عن سَيْطَرَة الدّولة الرّأسمالية، تَشْـعُرُ بِه هذه الدّولة بِكَوْنِه يُهَدِّدُ أَمْنَهَا الْاِسْتْرَاتِيجِي.
33) تَـدَّعِـي الدولة الرَّأْسَمَالِيَة تَمْثِيل الشعب، وَخِدْمَة مصالحه. بَل تَزْعُمُ الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة أنها هي رُوح الشّعب، وَأنّها فَوْق الشَّعْب، وَأنها أَسْمَى منه. لكنها في الواقع، تُسَيْطِر على الشَّعب، وَتَخْنُـقُـه، وَتَـكْذِبُ عليه، وَتُخَادِعُه، وَتَـقْـمَـعُـه، وَتَسْتَـغِـلُّه، وَتَنْهَبُ ثَرَوَاتِه. وكلّ الأجهزة المُسَلَّحَة، أو العسكرية، المُتَنَوِّعَة، والمُتَـعَـدِّدَة، التي تُـعِدُّها الدولة، مِن أنواع البوليس، والعَسَاكِر، والمُخْبِرِين، الخ، هدفها الْأَوَّل والأَخِير، هو قَمْع الشَّـعب، وَإِرْهَابه، وَمُـعَاقَبَة كلّ المُوَاطِنِين المُعَارِضِين، أو الثَّائِرين، مِن بين أفراد الشعب، وَإِخْضَاع هذا الشّـعب لِطَبَـقـات المُسْتَـغِـلِّين، وَضَمَان اِسْتِمْرَارِيَة اِسْتِـغْلَالِ الشّعب الكَادِح.
34) تَسْتَوْجِبُ تَلْبِيَة حَاجِيَّات الشعب اِسْتِثْمَارَات مُنْتِجَة، وَهَائِلَة، وَمُتَتَابِـعَة. وَمَا دَامَت هذه الاستثمارات المُنْتِجَة غَائِبَة، أو نَاقِصَة، أو مُنْحَرِفَة، تُصْبِح نِسْبَة هَامَّة من المُوَاطِنِين لَا تَـقْـدِر على الوُصُول إلى مَصْدَر لِلُـقْـمَة العَيْش سِوَى عَبْر الْاِشْتِـغَال كَمُوَظَّـفِين في أَيّ جِهَاز كَان مِن بَيْن أَجْهِزَة الدَّوْلَة. وَخَوْفًا مِن تَـفَاقُم البِطَالَة وآثَارِهَا، تَلْجَأُ الدولة هي نَـفْسُهَا إلى خَلْق مَنَاصِب شُـغْل في إِدَارَاتِهَا. وَيَجِدُ جُزْء هَام مِن المُواطنين أَنْـفُسَهُم مُكْرَهِين على التَهَافُتِ، بِكُل الطُرُق المُمْكِنَة، على الظَّـفَرِ بِشُـغْـل (أَيْ وَظِيفَة) في إحدى أجهزة الدولة. وَيَـغْدُو الحُصُول على مَصْدَر مُنْتِج لِدَخْل قَارٍّ (أي الوَظِيفَة) هو الهَدَف الْأَهَمّ. وفي إطار التَضَامُن العَائِلِي، أو القَبَلِي، يَـعْمَل سِرًّا كل شَخْص حَصَل على وَظِيفَة في إِحْدَى أجهزة الدولة بِهَدَف إِدْخَال أَحَد أَقْرِبَاءه إلى وَظِيفَة مُشَابِهة، في نفس الْاِدَارَة، أو في نَـفْس الجِهَاز الدَّوْلَتِي. فَتَمِيل بِيرُوقْرَاطِيَة الدّولة إلى التَوَسُّع، والتَضَخُّم، بدون تَوَقُّـف. ولا تَـقْبَل الدّولة تَرْقِيَة سِوَى المُوَظَّفِين الذين يُظْهِرُون تَـفَانِيَهُم في خِدْمَة المَلِك، أو رئيس الدّولة، أوَ خِدْمَة النظام السياسي القائم. وَيَتَبَيَّنُ في النِهَايَة، أنّ مُـعْظَم مُوَظَّفِي الدَّوْلَة، لَا يَهُمُّهُم، في دَاخِل سِرِّ أَنْـفُسِهِم، سِوَى اِسْتِـغْـلَال مَسْؤُولِيَّاتِ وَظَائِـفِهِم، لِتَحْـقِيق الْاِغْتِنَاء، وَلَوْ كَانت طُرُقُ هذا الاغتناء غَيْر مَشروعة.
35) أَفْرَاد بِيرُوقْرَاطِيَة الدَّوْلَة هم أَصْنَاف. وَمِن بَيْن المُكَوِّنَات المُهِمَّة في بِنْيَة الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة، نَجِد الْأَجْهِزَة الـقَمْـعِـيَة. وهذه الأجهزة القَمعية هي الْأَدَاة التي تَحْتَـكِرُ الدَّولة بِوَاسِطَتها اِسْتـعمال القُوَّة، والسِلَاح، والعُنْف. وَتَتَكَوَّن الْأجهزة القَمـعية مِن مُخْتَلَف أنواع البُولِيس، والمُخَابَرَات، وَأَنْوَاع قُوَّات التَدَخُّل السَّرِيع، والجَيْش. وَتَشْمَلُ أيضًا بِيرُوقْرَاطِيَة الدولة الْأَجْهِزَة الْإِدَارِيَة التَنْـفِيدِيَة، وَالْأَجْهِزَة الـقَضَائِيَة، وَالْأَجْهِزَة التَشْرِيعِية، والْأَجْهِزَة الْإِعْلَامِيَة، والْأَجْهِزَة الدِّينِيَة، الخ. وَجُزْء هام من أعضاء هذه الْأَجْهِزَة هُم شُرَكَاء في النظام السياسي الـقائم. وَيَـعْتَزُّون بِانْتِمَائِهِم إلى الدّولة الطبقـية الـقائمة. وَيَسْتَـفِيدُون (سَوَاءً بِشكل مُباشر، أم غير مُبَاشِر) مِن الْاِسْتِـغْلَال الاقتصادى، ومن السِيَّادَة السياسية، ومن الاستبداد، ومن الفساد. وَأَسَاس الدَّوْلَة هو سِيَّادَة طبقة المُسْتَـغِلِّين الكِبَار. وَلَوْ أن طَبَـقَة المُسْتَـغِلِّين الكِبَار، وَكذلك سِيَّادَتُهَا الطَبَـقِيَّة، تَبْـقَـيَـان غَيْر مَرْئِيَّتَيْن في المُجتمع بِوَاسِطَة العَيْن المُجَرَّدَة.
36) تَمِيل بِيرُوقْرَاطِيَة الدولة الرّأْسَمَالِيَة إلى التَصَرُّف كَأَنَّهَا طَبَـقَة مُنْسَجِمَة وَمُتَمَاسِـكَـة. وَيَتَضَامُن أعضاء بِيرُوقْرَاطِيَة الدولة فيما بينهم. وَيُوَاجِهُ أَفْرَاد بِيرُوقْرَاطِيَة الدَّوْلَة كُلّ نَـقْد مُوَجَّه إلى أَيِّ وَاحِد مِنْهُم. وَيَرْفُضُون التَـعَرُّض لِلْمُرَاقَبَة. وَيَـعْـتَرِضُون على أَيَّة مُحَاسَبَة. وَيَتَظَاهَرُون بِتَبَنِّـي مَـفْـهُوم «دَوْلَة القَانُون». لكنهم يَخْرُقُونَه في الوَاقِع مَعَ سَبْق الْإِصْرَار. وَيَتَصَدَّوْنَ لِكُلّ مُحَاوَلَة لِتَشْيِيدِ «دَوْلَة القَانُون». كما يَتَضَامَنُ أَفْرَاد بِيرُوقْرَاطِيَة الدولة مع طَبَـقَـة المُسْتَـغِلِّين الكِبَار. وَيَتَضَامَنُون كَذَلِك مع الْإِمْبِرْيَالِيَّات الغَرْبِيَة المُهَيْمِنَة على البِلَاد. لأنهم يُدْرِكُون تَرَابُطَ مَصَالِحِهم مَعَهَا.
37) يَحْصُل أَعْضَاء بِيروقْرَاطِيَة الدَّوْلة الرَّأْسَمَالِيَة على أُجُور سَخِيَّة، وَعلى اِمْتِيَازَات مَادِّيَة مُعْتَبَرَة. وَيَخَاف أعضاء بِيرُوقْرَاطِيَة الدولة من تَمَرُّدِ طبقة المُسْتَـغَلِّين، والـفَلََّاحِين الصِّـغَار، والجماهير الشعبية الخَاضِعَة، والمَحْرُومَة، وَالمُهَمَّشَة. وَرَغْم أن أعضاء بِيرُوقْرَاطِيَة الدولة يَنْحَدِرُون هُم أَنْـفُسُهُم من فِئَات طَبَـقِيَة شَعْبِيَة فَـقِـيرَة (مِن فَلَّاحِين صِغَار، وَعُمَّال، وَحِرَفِيِّين، وَمُهَمَّشِين، الخ)، فإن أُصُولَهُم الـمُـعْوِزَة، وَانْتِهَازِيَتَهُم الشَّخْصِيَة، تَجْـعَـلُهُم يَـقْـبَـلُـون بِأن يَـعْـمَـلُـوا كَـخَدَم مَأْجُور لَدَى النظام السياسي الرَّأْسَمَالِي القائم. وبعضهم يَشـعر كَمَا لَوْ أنه يَعْمَل كَـ «مُرْتَزِق»، أو كَـ «عِيَّاش». لكنّهم يَتَدَبَّرُون أَمْرَهُم كما يستطيعون، وليس كما يَتَمَنَّوْن. حَيْثُ أَنّه، في إِطَار النَّدْرَة الحَادَّة لِمَنَابِـع الدَّخْل المَادِّي، يَـكُون الهَمُّ الرَّئِيسِي لِلْمُوَاطِن هو الحُصُول على مَصْدَر قَارّ لِلدَّخْل، لِنَيْل لُـقْمَة العَيْش، وذلك بِغَضِّ النَظَر عن أَيِّ اِعْتِبَار أَخْلَاقِـي. وَيُدْرِكُ جَيِّدًا بعض المُواطنين أنهم يَبِيـعُـون ضَمِيرَهُم مُـقَابِل أُجْرَة شَهْرِيَة مَضْمُونَة. وبعضهم يَـقْدِرُ على الْاِحْسَاس بِـ «خِيَّانَتِهِ» لِشَـعْبِه. لَكِنَّهُم يَحْرُصُون على كَبْت هذا الْإِحْسَان بِالذَّنْب مِن ذِهْنِهِم، بِهَدَف طَمْأَنَة ضَمِيرِهِم. وَقَدْ يَـقُولُون مثلًا لِأَنْـفُـسِهِم: «لَا أَحَدَ يَتَصَرََّفُ بِحُرِّيَة. نَحْن كُلُّنَا مُـكْـرَهُون. هذا مَصِيرِي المُـقَـدَّرٌ عَلَيَّ. إِنَّهَا إِرَادَة إِلَاهِيَة». وهذا البَصِيصُ مِن الْإِحْسَاس المَوضُوعِي بِالذَّنْب، هو الذي قَدْ يَجْـعَلُ جُزْءًا مِن أَفْرَاد الْأَجْهِزَة القَمْـعِيَة تَـقْـبَلُ الْإِلْتِحَاقَ بِصُفُوف الثُوَّار، عِندما يَتَّضِح أن الثورة المُجتمعية أَصْبَحَت وَشِيكَة على الانتصار.
38) في مُجمل الصِّراعات السياسية، والاقتصادية، والثَـقَافِيَة، الجَارِيَة في المُجتمع، تَـعمل مُختلـف مُؤَسَّـسَات الدولة الرَّأْسَمَالِيَة، وفي نَـفس الوَقت، كَخَصْم، وَكَحَـكَم. وَتَنْطَبِـقُ هذه المُلَاحَظَة على الأجهزة الـقمعية، والمُخابراتية، والتَنْـفِـيـذِيَة، والتَشْرِيعِية، والقَضَائِيَة، الخ. وَيُـفْـتَرَضُ نَظَرِيًّا في كلّ مُؤَسَّـسَات الدولة الرَّأْسَمَالِيَة، أنها مُسْتَـقِـلَّة وَنَزِيهَة. لكن مِن فَتْرَة لأخرى، يَصْدُمُنَا الواقع المَلْمُوس بِكَوْنِهَا مُنْحَازَة، أو خَاضِعَة، أو مُعَادِيَة لِلشَّعْب، أو أَنَّهَا تُـغَـلِّـبُ مَصَالِح خُصُوصِيَة، أو أنها تُمَارِس الغِشَّ، أو أَنَّ القَائِمِين عليها يُمَارِسُون الْإِغْتِنَاء غَيْر المَشْرُوع، أو الفَسَاد، أو التَضْلِيل، أو التَزْوِير.
39) لِتَوْضِيح قِيمَة، أو مَرْتَبَة الْأَجْهِزَة القَمْـعِـيَة لَدَى الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة، أَعْرِضُ هُنَا كَـيْفَ تَـعَامَلَت معها الدّولة، إِبَّان اِنْتِشَار وَبَاء "كُورُونَا كُوفِيد 19" القَاتِل. فَـقَد تَـفَـشَّى مَرَض "كُوفِيد" عَبْر العالم، منذ شهر دِيسمبر 2019. وبعد اِبْتِـكَار الْلِّـقَاحَات الأُولَى، ثُمّ اِنْخِفَاض أثمانها، إِخْتَارَت السُّلطة السياسية (في المَغْرِب) تَلْـقِيح مُجمل سُكَّان البلاد (بِأَمْوَال عُمُومِيَة). وقَرَّرَت السُلطة السياسية تَرْتِيبًا دَقِيقًا في لَائِحَة المُرَشَّحِين لِلْاِسْتِـفَادَة مِن هذا التَلْـقِيح. وَمَنَحَت الأسبقية، أوّلًا إلى المَسؤولين الكبار والمتوسطين في الدولة، وثانيًّا إلى العاملين في «الأجهزة الأمنية» (أَيْ الْأَجْهِزَة الْقَمْـعِـيَة)، وثالثا إلى العاملين في مَيدان الصِحَّة، وَرَابِعًا إلى بَـقِيَة عُمُوم الشّعب. وَيُبْرِز هذا التَرتِيب أَوْلَوِيَّات السلطة السياسية في الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة(7). لأن الطبقات السّائدة تُدْرِك جَيِّدًا أن الْأَسَاس الرَّئِيس الذي تَسُود بِوَاسِطَتِه، هو الْأَجْهِزَة القَمْعِيَّة.
40) إذا كانت الدولة مُتَـقَـيِّـدَة نِسْبِيَّا بِـ «الفَصْل بَيْن الدِّين والدّولة»، تُصْبِح السِيَاسَة عَارِيَة. فَيَحْـكُم المُسْتَـغِلُّون والمُسْتَبِدُّون «بِاسْم الشَّعْب»، أو بِمُبَرِّر شَرْعِيَة «الْاِقْتِرَاع العَام الدِيمُوقْرَاطِي». وَإذا كانت الدولة «تَسْتَرْشِد بِشَرِيعَة الدِّين»، يُصْبِح المُسْتَـغِلُّون والمُسْتَبِدُّون حَاكِمِين «بِاسْم الله»، أو «بِتَـفْوِيض مِنْه»، أو «بِدَعْم مِنْهُ». أو يَزْعُمُون أن وُجُودَهُم في الحُكْم هو «قَدَرٌ إِلَاهِي»، وَأَنَّـهُ «بِإِرَادَة الْإِلَه».
41) عِندما تَكُون الدَّوْلة القَائِمَة مَبْنِيًّة على أَسَاس طَوَائِـف دِينِية، أو عِرْقِيَّة، أو لُـغَـوِيَة، أو مَا شَابَهَ ذلك، تَـفْـقِـدُ بِالضَّرُورَة هذه الدّولة اِنْسِجَامَهَا. وَتَتَحَوَّل هذه الدّولة إلى عِدَّة دُوَّيْلَات مُتَدَاخِلَة، وَمُتَشَابِـكَة، وَمُتَنَافِسَة، وَمُتَنَاقِضَة، وَمُتَحَارِبَة. وَتُصْبِحُ الدّولة الشَّامِلَة كَأَنَّهَا مُخْتَرَقَة مِن طَرَف عِدَّة أَحْزَاب سِيَّاسِيَة سِرِّيَة، مُتَصَارِعَة، وَمُتَنَاحِرَة. وَتَـفْـقِـدُ مُخْتَلَف قِطَاعَات الدّولة فَـعَـالِيَتَهَا. بَلْ يَـغْـدُو مِن شِبْه المُسْتَحِيل إِلْتِزَام مُخْتَلَف الفَاعِلِين السِيَّاسِيِّين بِالقَوَانِين القَائِمَة. وَتُصْبِحُ «أَزْمَة» الدّولة، أو «اِنْحِصَارُهَا»، حَالَة مُتَوَاصِلَة.
42) من فتـرة لأخرى، يَنْـفَضِـح أن أجهزة الدولة الرَّأْسَمَالِيَة تـعمل كَحِزْب سياسي سِرِّي، مُهَيْمِن، وَمُتَحَيِّز. وَلَوْ أنّ هذا الحِزب هو حِزْب مِن نَوْع خَاصّ. حيثُ أنه، لَا يَـعْـقِـد مُؤْتَمَرات، وَلَا يُنَظِّم اِنْتِخَابَات دَاخِلِيَة، وَلَا يَتَوَفَّـر على وَثَائِـق تَوْجِيهِيَة، وَلَا على هيئات تنظيمية واضحة وقارّة. وَرَغْم كلّ ذلك، تظهر الدولة في عَمَلِهَا، مِن حِين لآخر، كَأَنَّها حِزْب سيّاسي سِرِّي. وَتَتَصَارَعُ الدولة مع قِوَى سياسية مُخَالِـفَة، أو مُعَارِضَة، أو مُعَادِيَة. وَتُوَاجِهُ الدّولة قِوَى مُجتمعية مُنَاهِضَة. وَتُدَافِع هذه الدّولة عن بَرْنَامَج سياسي حِزْبِي خاصّ بها، وَخَاصٍّ بِـعَصَبِيَّة حِزْبِيَّة مُتَشَدِّدَة. وَتَـعمل الأجهزة الـقَمعية، والمُُخابراتبة، بشكل مُـعَاكِس لِلْـقَانون القائم، وَلِلدُّسْتُور. لكن العَـقْل السَّلِيم، يَنْتَبِه، وَيَنْتَـقِد، وَيُـعَارِض، التَحَوُّل مِن «الدفاع عن أَمْن الدّولة» إلى مُبَرِّر لِلتَّضْحِيَة بِـ «أَمْن الشَّـعْب». وَيَرْفُض العَقْل السَّلِيم خَرق حقـوق المواطنين، أو الْإِضْرَار بِـ «أَمْن الشَّعب»، أو بِمَصَالِحِه.
43) عندما تَتَحَوُّل الدّولة إلى شِبْه حِزْب سيّاسي سِرِّي، تَظْهَر على شَكْل كَائِن مُجْتَمَـعِـي جَدِيد، هو «الدَّوْلة كَـحِزْب»، أو «الدّولة - الحزب». وفي هذه الحالة، تَتَصَرَّفُ الدَّوْلَة كَأُنَّهَا حِزْب سيّاسي سِرِّي. وَفي زَمَانِنَا الحَدِيث، لَا يُمكن أن تَـكُون «الدّولة - الحِزب» سِوَى نَـقِـيضًا لِلشَّـعْب. وَمَصِير الدّولة في إطار التَبَـعِيَّة لِلْإِمْبِرْيَالِيَّات، هو أن تَكُون رَأْسَمَالِيَة، وَاِسْتِبْدَادِيَة، وَمُسْتَـغِـلَّة، وَمُـفْـتَـرِسَة. بَلْ «الدّولة - الحِزْب» هي أَصْلًا نَتِيجَة لِاسْتِبْدَاد سِيَّاسِي سَافِر وَقَدِيم. وَكُلَّمَا ظَهَرَت «الدولة - الحِزْب»، تُصْبِحُ بِالضَّرُورَة الانتخابات العَامَّة مُجَرَّد تَمْثِيلِيَة، شَـكْـلِيَّة، وَمَـغْـشُوشَة، وَعَـبَـثِـيَـة(8). والمُؤَهَّلُون، أَكْثَر مِن غَيْرِهِم، لِلْفَوْز في هذه الانتخابات العامّة، هم الأشخاص المَالِكُون لِلثَرَوَات، والمُـقَرَّبُون مِن السُّلْطَة السياسية.
44) خِلَال الفَتَرَات العَادِيَة، تَـعْـمَل الدولة الرَّأْسَمَالِيَة كَـحِزْب سِيَاسِي سِرِّي، وَاحِد، وَمُوَحَّد، وَمُنْسَجِم. لكن خِلَال فَتَرَات أُخْرَى خاصّة، أَيْ أثناء الفَتَرَات التي تَـكُونُ فيها التَنَاقُضَات السياسية، المَوْجُودَة في النظام السياسي القائم، قَدْ بَلَـغَت حَدًّا كَبِيرًا مِن التَـفَاقُـم، تَـعْمَل آنَـئِـذٍ الدولة الرَّأْسَمَالِيَة كَمَنْظُومَة مُرَكَّـبَـة، وَمُتَنَاقِضَة، وَمُـكَوَّنَة مِن عِدَّة أَحْزَاب سياسية سِرِّيَة، مُتَنَافِسَة، ومُتَصَارِعَة، وَمُتَنَاحِرَة. وَقَد تَتَحَوَّل هذه الصِرَاعَات إلى أَزْمَة حَادَّة، أو فَوْضَى مُجْتَمَـعِـيَة، أو إلى شِبْه حَرْب أَهْلِيَة. وَقَد تَدُوم (هذه الأزمة، أو الفَوْضَى، أو الحَرْب الأهلية) إلى أن يُسَيْطِرَ طَرَفٌ وَاحِدٌ مِن بَيْن هذه الأحزاب السيَّاسية السِرِّيَة في الدولة، فَـيَـقْـضِـيَ، جُزْئِيًّا أو كُلِيًّا، على بَاقِي الْأَطْرَاف الأُخْرَى المُنَافِسَة.
45) تَحْدُثُ صِرَاعات مُتَكَرِّرَة، وَخَفِيَّة، داخل أجهزة الدولة، حول تَوْزِيع مُخْتَلَـف المِيزَانِيَّات المَالِيَة لِلدَّوْلَة فيما بين مُخْتَلَف قِطَاعَات الدّولة. وَفي مُعْظَم الحالات، تُحْسَمُ هذه الصِّرَاعات لِصَالح فِئَات مُوَظَّفِي الدولة (العاملين في مُختلـف أجهزتها). وهكذا فَرَضَت فِئَات مُوَظَّـفِـي الدّولة تَـقْلِيصًا مُتَكَرِّرًا، وَمُتَوَاصِلًا، في مِيزَانِيّات التـعليم العُمُومِي، والمُسْتَشْـفَيَات العُمُومية، وَمِيزانيّات التَجْهِزَات العُمُومِيَة الْأَسَاسِيَة، وَالخَدَمَات المُجتمعية، وَالبِنْيَات التَحْتِيَة المُجتمعية، الخ. وَبِالمُـقَابِل، تَوَاصَلت الزِيَّادات في المِيزَانِيَّات العُمُومِيَة المُخَصَّصَة لِأُجور وَامْتِيَّازَات مُختلـف فِئَات مُوَظَّـفِي الدولة، وخاصّة منهم الموظّـفون في وزارة الداخلية، والإدارات، والأجهزة الـقمعية، والأجهزة المُخابراتية، والجيش، وَقُـوَّات التَـدَخُّل السَّرِيع، والقُـوّات القَمْـعِيَة الخَاصَّة والمُتَنَـوِّعَة، الخ. وهكذا، غَدَت الدّولة، مُـعَبَّـئَـة، ليس لِخْدمة مَصالح الشّعب، وإنما لِـفَائِدَة طَبَـقَة المُسْتَـغِـلِّين الكِبَار. وَتَـعْمَل الدّولة لِقَمْع الشّعب، وَلِإِبْـقَائِـه خَاضِعًا. وَتَخْدُم الدّولةُ مصالحَها الخَاصّة كَدَوْلة.
46) تَمِيل دَائِمًا الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة إلى إِنْـفَـاق أَكْثَرَ مِمَّا تُنْتِج. فَتَلْجَأُ هذه الدّولة إلى اِقْتِرَاض مُتَزَايِد، وَلَا مَحْدُود. وَجزء هامّ من الضَّرَائِب التي تَجْمَعُهَا الدّولة، تَذْهَب إلى جُيُوب جُيُوش مُكَوَّنَة مِن أُجَرَاء الدّولة (المُوَظَّفِين)، على شَكْل أُجُور وَامْتِيَّازَات مُتَنَوِّعَة. وَجُزْء آخر هَامّ مِن الثَرَوَات العُمُومِيَة، وَمِن الضَرَائِب المَجْمُوعَة، يَذْهَبُ إلى الرَّأْسَمَال، وإلى المُـقَاوَلَات الرَّأْسَمَالِيَة، على شَكْل «مُسَاعَدَات»، أو على شكل «تَشْجِيع لِلْاِسْتِثْمَار»، أو «دَعْم لِلتَّنْمِيَة الاقتصادية». فَتَتَطَوَّر الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة مِن أَزْمَة اِقْتِصَادِيَة إلى أُخْرَى، إلى أَنْ تَنْهَار.
47) وَلِتَدْبِير نَـفَـقَـات التَسْيِير والْاِسْتِثْمَار، تَحْتَاج الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة إلى مَوَارِد مَالِيَة سَنَوِيَة، في تَزَايُد لَا مُنْتَهِي. لأن نَـفَـقَـات الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة تَـفُـوق بِاسْتِمْرَار مَوَارِدَهَا. فَـتَـغْرَق الدولة الرّأسمالية (وَخُصُوصًا في "العالم الثالث") في دُيُون ضَخْمَة، وَمُتَصَاعِدَة. وفي غَالِبِيَة الحَالَات، يَكُون تَضَخُّم دُيُون الدّولة نَتِيجَةً لِمُؤَامَرَة مَالِيَة مُدَبَّرَة مِن طرف شَرِكَات إِمْبِرْيَالِيَة ضَخْمَة، أو مِن طَرَف المُؤَسَّـسَات المَالِيَة التَابِـعَة لها، مثل "البَنْك الدُّوَلِي"، وَ"صُنْدُوق النَّـقْد الدُّوَلِي". فَتَضْطَرُّ الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة (خُصُوصًا في "العالم الثالث") إلى اِقْتِرَاض المَزِيد مِن الأَمْوَال الخَارِجِيَة وَالدَاخِلِيَة. وَحَجْم هذه القُرُوض يَدْخُلُ هو أيضًا في تَزَايُد لَا مُنْتَهِي. رُبَّمَا بِسَبَب سُوء التَدْبِير، أو بِسَبَب الفَسَاد المُسْتَشْرِي في الدّولة، أو بِسَبَب نَهْب الرَّأْسَمَالِيِّين الخَوَاصّ لِلثَّرَوَات العُمُومِيَة، أو بِسَبَب دُخُول الدّولة في اِسْتْرَاتِيجِيَّات اِقْتِصَادِيَة سَاذَجَة، أو ضَـعِيفَة الْاِنْتَاجِيَة، أو مُسْتَحِيلَة. وَتَتَوَاصَلُ في كلّ سنة ظَاهِرَة عَجْز مِيزَانِيَّة الدّولة الرأسمالية إلى أن يَصِل هذا العَجْز إلى مَـقَـادِير ضَخْمَة لَا تُصَدَّق. وَلَا تَـقْـدِر الدّولة الرأسمالية على إِخْضَاع نَـفَـقَـاتِهَا إلى أَيِّ مَنطق عَـقْـلَانِـي أو وَاقِـعِـي. وَيَسْتَمِرُّ هذا التَصَاعُد إلى أن يَحْدُث اِنْهِيَّار مُجْتَمَـعِـي شَامِل وَتَارِيخِي.
48) مِن بَيْن مِيزَات الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة أن مُختلف إِدَارَات الدّولة وَمُؤَسَّـسَاتِها العُمُومِيَة، تَمِيلُ دَائِمًا إلى الْإِشْتِـغَال بِمَنَاهِج مَغْشُوشَة، أو مُتَهَاوِنَة، أو فَاسِدَة، أو رَدِيئَة، أو غَيْر فَـعَّـالَة، أو فَاشِلَة. وَمُؤَسَّـسَات الدّولة الوَحِيدَة التي تَتَمَيَّزُ بِاشْتِـغَالِهَا بِـفَـعَـالِيَّة، أو بِالْإِنْضِبَاط الصَّارِم، هي الجَيْش، وَالْأَجْهِزَة القَـمْـعِـيَـة، والمُخَابَرَات. بَيْنَمَا بَاقِـي مُؤَسَّـسَات الدّولة تَـغْـرِقُ تَدْرِيجِيًّا في الرَّدَاءَة، والغِـشِّ، والفَسَاد، وَالْاِنْحِلَال. وَالسِرُّ في تَـفَـوُّق فَـعَـالِيَة المُؤَسَّـسَات الرَّأْسَمَالِيَة الخُصُوصِيَة (بِالمُـقَارَنَة مع المُؤَسَّـسَات العُمُومِيَة) هو أنّ رُؤَسَاءَهَا الخَوَاصّ يُهَدِّدُون بِالطَّرْد الفَوْرِي كُلَّ أَجِير يُخِلُّ بِالْاِنْضِبَاط، أو يَسْـقُـطُ في التَهَاوُن، أو في الغِـشِّ. وَكُلّ مُؤَسَّـسَة لَا تَـعْـمَلُ بِـ «قَانُون الطَّرْد الفَوْرِي لِكُلِّ الْأَشْخَاص الغَشَّاشِين، والمُتَهَاوِنِين، والانتهازِيِّين»، سَتَـسْـقُـط حَتْمًا في الرَّدَاءَة، والانْحِلَال، والْإِفْـلَاس.
49) نَظَرًا لأن الدّولة مَبْنِـيَّة على أساس أَجْهِزَة الْاِكْرَاه (البَدَنِي، والنَّـفْـسِي، والعَـقْـلَانِي، والمَعْرِفِي)، فَإِنّ هذه «الدولة، هي نِتَـاج، وَمَظْهَر من حَقيقة أن التَنَاقُضَات الطَبَقِيَة لَا يُمكن التَوْفِـيـق بَينها»(9). وَعَلَيْه، فإن مُـقَاوَمَة اِسْتِبْدَاد الدولة، والتَحَرُّر من بَطْشِهَا، يَـقْتَضِي بِالضَّرُورَة، وفي نفس الوقت، إِنْشَاء، وَتَـقْـوِيَة، المُـثَـنَّـى المُـكَـوَّن أَوَّلًا مِن «الوَعْي السياسي» لِلكَادِحِين المُسْتَـغَـلِّـين، وَثَانِيًّا مِن «تَنْظِيمَاتِهِم السِيَّادِيَة المُسْتَـقِلَّة».
50) في إِطَار الصِّرَاع السِيَّاسِي العَالَمِي الدَّائِر بَيْن المُسْكَر الرَّأْسَمَالِي الْإِمْبِرْيَالِي (تحت قِيَّادة الوِلَايَات المُتَّحِدَة الْأَمْرِيكِيَة) وَمُـعَسْكَر شُـعُوب "العَالَم الثَالِث" المُسْتَـغَـلَّة، أو المَسُودَة، أو التَوَّاقَة إلى التَـقَدُّم، أو إلى التَحَرُّر، أو إلى الْاِشْتِرَاكِيَة، لَا تَسْتَطِيع أَيَّة دولة مِن بَيْن دُوّل "العالم الثّالث" أَنْ تَتَّخِذَ مَوْقِـفًـا سِيّاسيًا ثَابِتًا في وَسَطِيَّتِه، أو في حِيَّادِه. حَيْثُ أَنَّ كلّ دولة (مِن بَيْن دُوّل "العَالم الثّالث") تَجِدُ نَـفْسَهَا مُجْبَرَة، إِمَّا على إِسْطِـفَافِـهَا وَخُضُوعِهَا إلى الدّول الْإِمْبِرْيَالِيَة الغَرْبِيَة السَّائِدَة، وَإِمَّا على إِنْخِرَاطِهَا في مُـقَاوَمَة هَيْمَنَة الدّول الْإِمْبِرْيَالِيَة، وَمُكَافَحَة إِسْتِـغْـلَالِهَا. فَتُسَلِّطُ عليها الْإِمْبِرْيَالِيَة عُـقُوبَات اِقْتِصَادِيَة وَسِيَّاسِية. وَلَا يُمكن لأيّة دولة في "العالم الثالث" أن تَتَّخِذَ مَوْقِـفًـا ثَابِتًا في الوَسَطِ، أو في الحِيَّاد.
51) خِلَال زَمَن طَوِيل، تَظْهَرُ الثَّوْرَة المُجتمعية «مُستحيلة». وَتَبْـقَـى تَظْهَر «مُسْتَحِيلَة» إلى أن تَحْدُث، وَأَنْ تَنْجَحَ فعلًا. وحينها، يقول عَامَّة الناس: «لَيْسَ هُناك أَسْهَل مِن إِشعال الثورة وَإِنْجَاحِهَا». وَخلال زَمَن طويل، تظهر الدّولة القديمة قَوِيَّة، وَثَابِتَة، وَمُطْلَـقَة. لكن عندما تَنْضُج شُروط الثّورة المُجتمعية، تَتَحَوَّل الدّولة فَجْأَةً إلى ضَعِيفَة، أو مُتَرَدِّدَة، أو عَاجِزَة. وَفي البِدَايَة، قَد لَا يحتاج الثُوَّار إلى السِّلَاح. لكن حينما تَنْضُج شروط الثورة المُجتمعية، يأخذ الثوّار السلاح مِن حيثُ هو موجود. بَل جزء من قُوَّات النظام السياسي القديم قَدْ يَتحوّلون إلى نَـقِيضِهِم، أَيْ إلى غَأضِبِين مُنَاصِرِين لِلثُوَّار. وَقَد تَنْـقَلِب أجزاء مِن بعض القُوّات القمعية لِلنظام السياسي القديم إلى قُوَّات مُساندة للثورة.
52) كُلّ ثورة مُجتمعية لَا تُـكَـسِّرُ فيها طَبـقة المُسْتَـغَـلِّين اِحْتِكَار طَبقة المُسْتَـغِـلِّين الكبار لِلسلاح وَلِلْعُنف، تَنْتَهِي بالضّرورة إلى الفَشَل. كما أنّ كُلّ ثورة مُجتمعية لَا يَسْتَوْلِي أَثْنَاءَهَا العُمَّال والمُسْتَـغَـلُّـون على السِّلَاح، يكون مَآلُهَا الحَتْـمِـي هو الفَشَل، والقَمْع، والانتـقام، والتَنْـكِـيـل. وَمَصَالِح الثّورة المُجتمعية، تَتَنَاقَضُ بالضّرورة مع مَصالح الدّولة القَدِيمَة القائمة. وَمُـعَـالَجَة هذا التناقض، تَمُرّ عبر إقامة «دِيكْتَاتُورِيَة البْرُولِيتَارْيَا»، التي تُـعَوِّضُ «دِيكْتَاتُورِيَة البُورْجْوَازِيَة».
53) يَتَطَلَّب تَثْبِيت اِنتصار الثورة المُجتمعية، أَوَّلًا حَلَّ أَجهزة القَمع، والبُولِيس، والجيش، والبِيرُوقْرَاطِية القَدِيمَة. وَثَانِيًّا، تَـعْويضها بِأَجهزة مِن صِنْف ثَوْرِي جديد، يكون فيها مُجمل المسؤولين في الدّولة مُنْتَخَبِين بالاقتراع العام، وَخَاضِـعِين، في أيّ وقت، لِلنَّـقْد، وَلِلنَّـقْـض، وَلِلتَـغْيِير (éligibles et révocables). وَثَالِثًا، يجب أن تكون أُجُور مُوَظَّـفِـي الدولة ومسؤوليها مُتَشَابِهَة مع الأُجُور التي يَتَلَـقَّـاهَا العُمَّال الكَادِحُون. بِالْإِضَافَة إلى مَنْع مُوَظَّـفِـي الدولة مِن الحُصُول على اِمْتِيَّازَات مَادِّيَة خُصُوصِيَة. وَرَابِـعًا، يجب مَنْع مُوَظَّـفِـي الدّولة السَّابِـقِـين من التَحَوُّل إلى مَأُجُورِين في خِدْمَة الرَّأْسَمَال الخاص. والغَايَة مِن ذلك، هي مَنْع أجهزة الدّولة مِن أن تُصْبِح جَذَّابَة لِلأَشخاص الْاِنْتِهَازِيِّين، البَاحِثِين عن وَسَائِل لِلتَسَلُّـق الطَبَـقِـي، أو لِلْاِغْتِنَاء السَّرِيع. وَكلّ دولة اِشْتِرَاكِيَة يُـعَـشِّـشُ داخل أجهزتها أَشخاص وُصُولِيُّون أو اِنْتِهَازِيُّون، يَسْهُل تَحِوِيلها إلى دولة رَأْسَمَالِيَة. وذلك هو ما سَهَّل اِنْهِيَّار الاتحاد السُّوفياتي. وَقَدْ تُهَدِّد أيضًا ظَاهِرَة مُمَاثِلَة الْاِشْتِرَاكِيَةَ في الصِّينَ.
54) بَعْد اِنْتِصَار الثورة المُجتمعية الاشتراكية (المُنَاقِضَة لِلرَّأْسَمَالِيَة)، مِن الْأَكِيد أن طَبَـقَة المُسْتَـغَـلِّـين سَتَحْتَاج إلى أَشْكَال (مُتَنَوِّعَة، وَعَابِرَة، وَمُتَوَالِيَة) من الدّولة، لِإِنْجَاز مَهَامِّهَا وَأَهْدَافِهَا السياسية الثورية. وبعد نجاح الثورة الاشتراكية، وَمُنذ أن تَعمل طبقة المُسْتَـغَـلِّين السَّائِـدَة على إِلْـغَاء أُسُـس وُجُود الطبقات في المُجتمع، سَتَتَـشَـكَّـلُ أيضًا، عَبْرَ نَـفس الصَّيْرُورَة، أُسُـس إلغاء الدولة كَدَوْلَة. وَيُرَافِـقُ إِلْـغَاء أُسُـس وُجُود الدّولة، إِلْـغَاء مُمَاثِل لِأُسُـس وُجُود كلّ عُنْـف مُنظّم. وَلَوْ أن صَيْرُورة إلغاء أُسُـس وُجُود الدّولة، أو عَملية اِنْـقِرَاض الدولة، سَتَتَطَلَّبُ بِالضَّرُورَة وَقْتًا طَوِيلًا، وَسَتَخْتَرِقُهَا صِرَاعَات سيّاسية مُعَـقَّـدَة، وَقَدْ تَتَخَلَّـلُـهَا أَخْطَاء سِيَاسِيَة، أو اِنْتِـكَاسَات جُزْئِيَة، أو رُجُوع مُؤَقَّت إلى الوَرَاء، وذلك حَسب الظُرُوف المُجتمعية، وَالجُغْرَافِيَة، والتَاريخية، لكلّ مُجتمع مُحدّد.
55) مِن بَين شُرُوط النَجَاح في التَـقَدُّم نحو إلغاء الدولة، نَجِدُ الحِرْص على إِبْـقَاء الدولة الجديدة مُـعَادِيَة لِطَبَـقَات المُسْتَـغِـلِّين، وَمُـعَادِيَة لِكُلّ أشكال الاستـغلال الطَبَـقـي. وهو ما حَدَثَ التَـفْرِيط فيه في "الاتحاد السُّوفْيَاتِي" (بين سنتي 1924 و 1990)، فَكَان مَصِيرُه هو الْاِنْهِيَّار الشَّامِل (في قُرَابَة سنة 1989)، والرُّجُوع إلى الوَرَاء، أي إلى الرَّأْسَمَالِيَة المُـفْـتَرِسَة. وَإذا ما حَدَثَتْ أَخطاء سياسية مُمَاثِلَة في الصِّين، يُمكن أن تَـقَـعَ فيها، هي أيضًا، ثَوْرَة رَأْسَمَالِيَة مُضَادَّة.
رحمان النوضة (ماي 2023).
الــــــهـــــــوامـــــــش :
(1) أذكر هنا بعض المراجع: كتاب فريدريش إنجلس (Friedrich Engels)، "أصل العائلة، والملكية الخاصّة، والدولة". وكتاب فلاديمير لينين (V. Lénine)، "الدولة والثورة". وَكُتُب اـلْمُـفَـكِّر الماركسي نِكُوس بُولَانْتْزَاس (Nicos Poulantzas) الذي درس آليات اِشتـغال أجهزة الدولة، في عدّة مجالات، وفي عدّة كتب، منها : كتاب "نظرية مادية للدولة"، وكتاب "النظرية الماركسية والاستراتيجية السياسية"، وكتاب "الفاشية والدكتاتورية"، وكتاب "الطبقات المجتمعية في الرَّأْسَمَالِية اليوم"، الخ. كما أن لْوِيسْ أَلْتُوسَر (Louis Althusser) نشر كُتَيِّبًا حول الأجهزة الأَيْدِيُولُوجية للدولة.
(1) F. Engels, dans sa Préface du livre "La guerre civile en France" de K. Marx, 1871, Éditions Sociales, Paris, 1953, 293 pages.
(2) هذه الأفكار المَـعْـرُوضَة أعلاه، ليست مِن اِبْتِكَارِي، وَإنما هي الأفكار التي أََبْرَزَهَا كارل ماركس، وافريدريش إنجلز، وافلاديمير لِينين. ونجدها على الخُصوص في كتب : "البيان الشيوعي"، و"الحرب الأهلية في فرنسا"، و"نَـقْد بَرَامِج غُوطَا وَإِرْفُورْتْ" (Marx et Engels, Critiques des programmes de Gotha et d’Erfurt,
Editions Sociales, 1950.))، و"الدولة والثورة"، الخ.
(3) أُنْظُر مَقَال: رحمان النوضة، العَلَاقَة بَيْن الَأَخْلَاق والسِيَاسَة، سنة النَشْر 2018، الصفحات 25، الصِّيغَة 7. (وَيُمكن تنزيله مِن مُدَوَّنَة الكاتب).
(4) أُنْظُر مَقال: رحمان النوضة، تَضَارُب المَصَالِح أو الجَمْع بين الثَّرْوَة والسُّلْطَة، نَشْر 2020، الصفحات 8، الصِّيغَة 5.
(5) أُنْظُر مَقال: رحمان النوضة، كَيْفَ نَمْنَع النُخَب مِن نَهْب ثَرَوَات الشَّـعْب، نشر 2015، الصفحات 13، الصيغة 8. (ويُمكن تنزيله من مُدوّنة الكاتب).
(6) هذه الأهداف والمطالب وَرَدَت مثلًا في «الأرضية السياسية» التي نشرها "حزب فيديرالية اليسار الديموقراطي"، الذي تَأَسّـس في شهر ديسمبر 2022 في المغرب. وقالت الأرضية عن هذه المطالب : «هي معركة لن تـكون عَسِيرَة» ! وَيَتَبَنَّى "الحزب الاشتـراكي المُوَحَّد" نَـفس الأهداف.
(7) أُنْظُر مقال: رحمان النوضة، "حتّى في التَلْقِيح، الْأَسْبَـقِيَة لِلْبُولِيس". وَرَابطُهُ هو :
https://livreschauds.wordpress.com/2020/12/03/حَتَّى-في-التَلْقِيح-الْأَسْبقِيَة-لَِ/
(8) Alain Badiou, op. cit.
(9) لِينِين، الدّولة والثورة، موسكو: إصدارات باللغات الأجنبية ، نشر سنة 1967، الصفحة 14 من 154 صفحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر مصرية: وفد حركة حماس سيعود للقاهرة الثلاثاء لاستكمال ا


.. جامعة إدنبرة في اسكتلندا تنضم إلى قائمة الجامعات البريطانية




.. نتنياهو: لا يمكن لأي ضغط دولي أن يمنع إسرائيل من الدفاع عن ن


.. مسيرة في إسطنبول للمطالبة بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة و




.. أخبار الساعة | حماس تؤكد عدم التنازل عن انسحاب إسرائيل الكام