الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اطفال الانفال 7

يوسف ابو الفوز

2006 / 10 / 31
حقوق الانسان


اطفال الانفال هو العنوان الداخلي لكتابي ، الذي اردته شهادة بلسان ضحايا وشهود جريمة الانفال بحق ابناء شعبنا الكوردي ، والذي بدأت العمل فيه بعد احداث الانفال مباشرة ، وكنا لا نزال بالملابس التي اجتزنا فيها الحدود العراقية نحو الاراضي الايرانية ، وفيما بعد صدر عن وزارة الثقافة الكردية في السليمانية ، شتاء 2004 ، وتحت عنوان (لدي اسئلة كثيرة او اطفال الانفال ) . حيث كنت مع انصار الحزب الشيوعي العراقي ، في قلب الاحداث ، وسط أجواء التحدي والموت والجوع والعطش . كنت مع بسطاء الناس ، جزءا من المأساة ، وواحدا من ضحاياها . كنت مع الجميع شاهدا على كثير من فصول جريمة الديكتاتور المجرم ونظامه الشوفيني الفاشي ، و ما جرى بحق ابناء شعبنا الكوردي .
في صفحات الكتاب ـ الشهادة حاولت أن ارصد بعض مما جرى ، ومن خلال زاوية محددة : الأطفال الأكراد .
لم اكتب فقط ما رأيت ، وما سجلت في دفاتري ، فشهادتي وشهادة الآلاف من الرجال والنساء ، المقاتلين والطلاب والفلاحين لن تجسد الحقائق المروعة اكثر من شهادات الأطفال أنفسهم الممهورة بالصدق والبراءة والرعب ، حملت أوراقي وتوجهت للأطفال وسجلت شهاداتهم مباشرة . في الحلقة رقم 1 نشرت جزءا من مقدمة الكتاب ليكون القارئ في صورة الاحداث ، وفي هذه الحلقات المتتابعة اورد بعض القصص ـ الشهادات التي ضمها الكتاب .

***

من أوراق مخيم اللاجئين في قرية زيوة الإيرانية

28/11/1988
اعرفها ، اعرفها جيدا ، سبق لها أن زارت مواقع المقاتلين الأنصار في كوردستان ، التقيناها هناك ، وكنا ايامها وخوفا ان يكون ظهور صورنا سببا لهلاك عوائلنا نتهرب من عدسة كاميرتها الشرهة . صحفية فرنسية ، لن أصفها هنا كثيرا فهي في كل حال تبدو جميلة وأنيقة قياسا بوضع الجميع في المخيم ألان . تلك الأيام في الجبل لم نتعود على اسمها الطويل فأطلقنا عليها وللسهولة وارتباطا بحكايات ومغامرات رفيق لنا من الأنصار ترك دراسته في أوربا والتحق بصفوف الأنصار ، سميناها : لويزا !
هاهي " لويزا " ، ذاتها ، مثقلة بكاميراتها ودفاترها تقطع دروب المخيم البائس جيئة وذهابا. ‍وهاهي عثرت على لقطة تستطيع أن تنشرها في المجلات والصحف التي حولت الشعب الكوردي إلى فرجة ، ولم يقبض سوى الكلام والوعود .
اللقطة لطفل كوردي بأسمال بالية ، يمتطي بقايا هيكل دراجة هوائية ، لا أحد يعرف كيف عثر عليها ، ويحمل بيده عصا طويلة .
انه رسم كاريكاتيري لفارس مغدور يا مدام لويزا !
***
لماذا بت أرى لعدسات التصوير ، التي تتكاثر هنا ، استدارة رغيف خبز يفتقده أطفالنا في هذا المخيم ـ الفرجة ؟

10/12/1988
رغم البرد ، كان صباح المخيم مشمسا ، دفع بجميع سكان المخيم للجلوس عند باب خيمهم ، أو التجول هنا وهناك .
المخيم يمور بالحركة ، صراخ الأطفال وهم يتقافزون بين الممرات الموحلة ، بين صفوف الخيم، النساء ينشرن الملابس ويتحسرن على أيام النظافة في الأيام الخوالي في قراهن التي طردهم منها الديكتاتور ، وحرمهن من ماء العيون العذبة ، الشيوخ يثرثرون وهم يواصلون لف السجائر بتبغ رخيص مغشوش ، الفتيات ينقلن الماء من البئر ، الفتيان وهم يفتعلون المرور أمام خيم فتيات معينات ، و ... فجأة ، وبشكل مفاجئ ، وكأن السماء انشقت عنها ، وبشكل منخفض ، حامت في سماء المخيم ، طائرة مروحية إيرانية ، يبدو أن طيارها كان يريد استعراض قدراته لا اكثر .
هل يمكن للكلمات أن توصف الذي حدث في أرجاء المخيم ؟
هل يمكن بالكلمات اقتناص الرعب الذي حل بالأطفال لرؤيتهم الطائرة تنقض على سماء المخيم؟ صراخ وعويل هستيري ، ضج في كل أرجاء المخيم ، رعب لا مثيل له حل بكل طفل ، ودفع هذا بكل رجل وامرأة ، وبخبرة سايكلوجية اكتسبت بالمران ، واساسا من مشاهد الرعب المتكرر ، اندفع كل رجل وامرأة لأقرب طفل لاحتضانه وتهدئته .
ظن الأطفال أنها طائرة عراقية !

14/12/1988
يوم أخر يمر بطيئا ، قاسيا ، مملا ، مزدحما بالبرد والحرمان والجوع والوحشة . صباح هذا اليوم ، وحيث يقطن عدة آلاف من اللاجئين ، صحا المخيم على لون جديد للطبيعة ، هو لون أول الثلج الذي هطل طوال الليلة الماضية !
سيارة حكومية إيرانية ، من سيارات لجنة المخيم ، تمرق سريعا ، في " الشارع " الضيق ، الموحل بين صفوف الخيم ، التي تهدم بعضها ليلا تحت ثقل الثلج ـ خيمتنا صمدت بقدرة الهية ـ تقف السيارة عند أحد الخيم . ينتبه الكثير لامرأة تنحب ورجل واجم إلى جانبها ، يتساءل البعض :
ـ ما الخبر ؟
وأكرر السؤال بنفسي ، فتجيبني نازدار ، جارتنا ، وهي تحتظن طفلها بحركة لا إرادية :
ـ ماتت ابنتهم !
واشهق مصعوقا :
ـ (جيمه ن) ؟
تجيب ، جارتي وهي تشد طفلها إلى صدرها اكثر :
ـ نعم ، جيمه ن !
تتداعى لي صورة جيمه ن . قامتها النحيفة ، لون عينيها ، ضحكتها ، وشعرها ، ... واذكر تلك الليلة التي ظهر فيها عند باب خيمتنا قمر صغير تكلله ضفائر من ذهب وتلتمع على صفحتيه لوزتان تعلوان مشمشة صغيرة !
تلك اللحظة انطفأت في روحي شمعة !
آأأأأأه !
15/1/1989

مكي !
شقي وملعون ، وتعس !
رغم أعوامه الغضة العشرة ، إلا أن وجهه قاس ، حمل أثارا لجروح قديمة وحديثة !
عيناه ملونتان ، تدوران سريعا ، بشكل لا تستطيع أن تحزر أين تستقران ، أما يده فسريعة في نهش ما عند الأطفال الاخرين ، وكيل الصفعات لهم !
بشكل ما مددت معه جسور الألفة ، وصرنا أصدقاء بسرعة ، وصار بعض الأطفال يشكونه عندي.
نهارا ... له المخيم مرتع لهو وشقاوة .
مساءا ... يدور بين الخيم ، كسيرا ، يبحث عن عيون يفتقدها .
كل غروب ، حين تنادي كل أم طفلها ، ينكمش مكي ، تهرب منه كل شياطين الشقاوة ، يتحول إلى كتلة هلامية من الحزن والوحشة والانكسار والدعة .
في زياراته لي حدثني عن عبور نهر الشين ، عن الطائرات والجند ومطر الرصاص الذي خطف عيون من يحب . قال :
ـ أنا وأختي الصغيرة بديعة ، فقط الذين نجونا عند عبور نهر الشين ، بقية عائلتنا ، ستة أفراد ، أما موتى أو أسرى عند صدام حسين .
وقال :
ـ حاليا نسكن مع أحد العوائل من قريتنا ، ناس طيبين .
حين كان يحدثني لأول مرة ، بحرقة ولوعة ، احتبست دمعة على طرف جفني ، غالبتها ، لم أشأ أن يراها ، حاصرتها ، وجاهدت حتى غادرني ، حينها هاجمتني مشاعر أخرى ، خليط من الغضب والاحتراق . جففت دموعي .
مكي أني مدين لك بالكثير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مجموعة السبع.. إقرار آلية لمواجهة شبكات تهريب المهاجرين غير


.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - القسام: الحكومة الإسرائيلية لا تري




.. حماس تؤكد مقتل أسيرين بغارة على رفح: إسرائيل لا تريد استعادة


.. -تهاجم قوافل الإغاثة-.. واشنطن تفرض عقوبات على مجموعة -تساف




.. مبادرة لتعليم الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة بغزة