الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديالكتيك الفن

جون مولينو

2023 / 6 / 11
الادب والفن



الكاتب: جون مولينو

نشرت المقدمة في الموقع الإلكتروني Culture matters بتاريخ 24 شباط/فبراير 2021

هذا الكتاب هو نتاج عشقي للفن وتفاعلي معه، عائد إلى طفولتي خلال الخمسينيات والستينيات. يتضمن مجموعة من دراسات الحالة لفنانين معينين- مايكل أنجلو، رامبرانت، تريسي إمين، جاكسون بولوك وسواهم، كتبت في أوقات مختلفة خلال الثلاثين سنة الماضية- إلى جانب 4 تأملات جديدة حول الفن وتاريخ الفن. يجيب الكتاب عن الأسئلة التالية: ما هو الفن، كيف يحكم على الفن، وكيف يتطور، وديالكتيك الحداثة.

كما يوحي عنوانه، إن الكتاب كتبته من منظور ماركسي، والمجال الذي يغطيه هو الفن المرئي بما يمكن تسميته “العصر البرجوازي”، أي من عصر النهضة إلى العصر الحالي، مع التركيز على الفن “الغربي” (الأوروبي والأميركي).

الموضوع الأساسي الذي يدور حوله الكتاب، في كل من الفصول النظرية ودراسات الحالة، هو التوتر الديالكتيكي الذي كان موجوداً وما زال بين الفن والنظام الرأسمالي. من جهة، كان الفن المرئي طوال فترة سيطرة وهيمنة الأغنياء والأقوياء، الطبقة الحاكمة بحسب المصطلحات الماركسية؛ كان هذا هو الحال بين ميديسيز والبابوات (بعض البابوات كانوا من الميديسيز) في فلورنسا وروما، مع الملكيات المطلقة في أوائل العصر الحديث، حتى روكفيلير، وغوغينهايم، وساتشي وغاغوسيان في العصور الحديثة. من جهة ثانية، على الرغم من أن الفنانين يعتمدون في كثير من الأحيان على هؤلاء الأشخاص للبقاء على قيد الحياة، إلا أنهم كثيراً ما صدموا أسيادهم، أو حتى من خلال فنهم، كانوا ثواراً صريحين ضدهم.

مايكل أنجلو ورامبرانت كانا مثلين عن ذلك. كان لورنزو دي ميديسي راعياً لمايكل أنجلو الذي عمل في كنيسة سيستين للبابا يوليوس الثاني (من عائلة ديلا روفيري المنافسة) لكنه أنتج تمثال دايفد للاحتفال بإخراج الميديسيين من فلورنسا، كما اشتبك مراراً مع البابا يوليوس.

كان رامبرانت رسام بورتريه ناجحاً جداً في مجتمع أمستردام في “العصر الذهبي” ولكن أنتج كذلك بشكل مستمر أعمالاً، مثل رسماته للمتسولين ورسماته العديدة للشعب اليهودي، والتي كانت متعارضة مع ذوق ومتطلبات أرباب عمله. إضافة إلى ذلك، استمر هذا النمط مع آخرين مثل غويا (كان رسام المحكمة الاسبانية ورسام كوارث الحرب المدمرة) وصولاً إلى بيكاسو وريفيرا وإيمين أو بانكسي في العصر الحديث.

حجتي في الفصل الأول، هي أن هذا التوتر لا يأتي من الشخصيات اليسارية أو المتمردة من العديد من الفنانين إنما كذلك من طبيعة الفن تحت الرأسمالية. تطور الفن تاريخياً كمجال متميز للنشاط (وهذا بدوره ينطبق على الشعر والأدب والموسيقى، إلخ، إضافة إلى الرسم والنحت) في الفترة البرجوازية لأنه نتاج العمل الإبداعي، أي العمل الذي يتحكم فيه المنتج نفسه- “العمالة غير المغتربة” بحسب تعابير النظرية الماركسية- في مقابل انتشار العمل المأجور المغترب الذي ترتكز عليه الرأسمالية. وهذا يرتبط بما أقترحه هو السمة الأساسية للفن، وهو السعي إلى وحدة الشكل والمضمون في أن معنى العمل، ليس فقط موضوعه ولكن كامل ارتباطاته الأيديولوجية والعاطفية والنفسية، مضمّن في مجمل شكله أي في اللون وكل ضربة فرشاة، وكل بُعد وسوى ذلك. أعتقد أن العمل الإبداعي، وحده القادر على تقديم هذه الوحدة الحميمية. على الرغم من أن ذلك، للأسف من وجهة نظري، لا يغير من واقع أنه من أجل البقاء على قيد الحياة على الفنانين بيع منتجات عملهم الإبداعي كسلع وكجزء من الرأسمالية.

ما الذي يحقق عظمة الفن؟

كما يدرس الكتاب موضوعاً آخر هو كيفية صنع الأحكام الجمالية: ما الذي يجعل من بعض الأعمال الفنية أفضل من غيرها وما الذي يحقق عظمة الفن. يجد بعض الناس هذا السؤال مزعجاً، وحتى مقيتاً، لأنهم يشعرون بأنه تفوح منه رائحة التشاوف والنخبوية أو أنه محاولة لفرض الذوق على الناس. ولكن الأفراد، بدلاً من ذلك، يشعرون أن بعض الأحكام على الفن هي أمر لا مهرب منه على المستوى المجتمعي، وعملياً إن معظم الأفراد يتخذون أحكاماً حيال الفن. ما يفعله هذا الكتاب هو النظر إلى هذه الأحكام التي اتخذت في الماضي، بناء على المعايير التي استندت إليها (مثلاً، المهارة، الطبيعية، الواقعية، التعبير والقوة العاطفية) ومن ثم يتساءل [الكتاب] إذا كان لدى الماركسية ما تضيفه بهذا الخصوص.

أشدد في الكتاب على أن الماركسيين الجادين عدم محاولة الحكم على الفن وفق معايير عقائدية أو سياسية ضيقة. لا يمكن اختزال المسألة في الفن الاشتراكي اليساري مقابل الفن الرأسمالي اليميني، أو ما شابه. بدلاً من ذلك، إن ما تضيفه الماركسية هو فهم أن الفن العظيم يعطي تعبيراً قوياً عن العلاقات المجتمعية المتغيرة. على سبيل المثال، لا تظهر رسمة الفنان هولبين لهنري الثامن تشابهاً واضحاً مع الملك فقط، إنما كذلك أظهرت العلاقات الاجتماعية التي يقوم عليها نظام الملكية المطلقة. كذلك إن صرخة إدوارد مونش والعديد من أعمال فرانسيس باكون هي تعبيرات قوية عن الحالة الإنسانية المغتربة في ظل الرأسمالية الحديثة.

يستخدم هذا المعيار في دراسات الحالة المحددة. يتموضع الفن المعني دوماً في سياقه التاريخي والاجتماعي وفق المنهجية الماركسية للمادية التاريخية، ولكن ينظر إليه على أنه استجابة إبداعية لهذا السياق وليس باعتباره انعكاساً ميكانيكياً أو تعبيراً عنه. وبالتالي ينظر إلى رامبرانت على أنه استجابة إبداعية ونقدية للعلاقات الاجتماعية الجديدة التي نشأت مع الثورة في هولندا وإقامة الدولة هناك. يتموضع أندي وارهول في سياق الازدهار الاقتصادي الذي أعقب الحرب [العالمية الثانية] وثقافة المشاهير/المستهلك التي نتجت عنها، ولكن ينظر إليه أيضاً على أنه ينتج استجابة نقدية ذات حدين لها- وهلم جرا.

يتتبع الفصل الأخير أنماطاً جدلية محددة لتطور الفن الحديث. إنه يحدد على نحو خاص ميل الدمقرطة من ناحية الموضوع والمواد المستعملة: بدءاً من الأساطير والدين وبورتريهات الأغنياء والأقوياء بواسطة الألوان الزيتية والرخام والبرونز، من خلال لوحات “الشعب” (كوربي، ماني، فان غوغ، سيزان، والرسمات الأولى لبيكاسو…)، تليها المواد اليومية (الكولاجات المكعبة، ومواد دوشام الجاهزة، المواد الصناعية مثل النيون والطوب، ونفايات المدينة والمنازل)، وصولاً إلى التحولات الاجتماعية في القرن الـ 21. ولكن في المقابل، استعادة الفنانين المتمردين، إلى حضن الاستبلاشمنت. هذا الاستيعاب والإدماج في عالم الفن لأصحاب المليارات والشركات، طاول: بيكاسو وماتيس ودالي وبولوك (واستخدامه من جانب وكالة المخابرات المركزية) وهيرست وكاوبر وإيمين، وحتى بانكسي.

يقدم الكتاب كذلك تقييماً مؤقتاً لموقع الفن اليوم، ويقترح أن الفن المعاصر والمستقبلي لا يمكن إلا أن يتشكل من خلال العلاقة المتغيرة بين البشر والطبيعة المتجسدة في الأنثروبوسين والأزمة البيئية المتعددة الأوجه التي واجهتها البشرية. من كهوف لاسو، إلى غينبورو وكونستابل وسيزان، استجاب الفن دوماً للعلاقات المتغيرة (والتي هي كذلك علاقات اجتماعية) مع الطبيعة.

أخيراً، يتصور كتاب ديالكتيك الفن مستقبلاً يحصل فيه التغلب على الرأسمالية والعمل المغترب ويلتزم كل فنان مبدع بعمله وانتاجه، كجزء من مشروع جماعي لتشكيل وبناء عالم مستدام وإنساني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??