الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار قديم مع مظفر النواب اجرته حميدة نعنع

مظفر النواب

2023 / 6 / 11
الادب والفن


حوار قديم مع الشاعر مظفر النواب **** حميدة نعنع
طرابلس
*********************************************




من "الريل وحمد"، الذي كتب بالعامية العراقية، الى "المسادرة أمام الباب الثاني" و "وتريات ليلية"، وقصائد مظفر النواب تنبثق باستمرار من قلب هزائمنا وانتصاراتنا. في هذا الحوار نستعيد مع الشاعر مظفر النواب مسيرته الشعرية.



.هل بقي في قاموس الشتائم العربية شتيمة لم تستخدمها في شعرك ضد الحكام العرب، وهل ما زالت لديك قدرة على الشتم؟

- أعتقد بأن الحكام العرب هم شتيمة اكبر من أي شتيمة، لقد شتمونا بكل تصرفاتهم، وشعري لا يقتصر على جانب الشتيمة. الشتائم تمثل جانباً قليلاً منه أما الجانب الآخر فهو الذي يتناول القضايا الجمالية الإنسانية، وقضايا الجماهير. لنعد الى الشتيمة التي أطلقها بحق الحكام، في الواقع هي أقل ما يمكن فعله.



.أصعب سؤال يطرح على شاعر هو: كيف تكتب قصيدتك. وسوف أوضح هذا السؤال: كيف تتشكل القصيدة عندك، انفعال، تأمل، عزلة ومن ثم الكتابة أم أسلوب آخر؟

- ليس هناك هندسة مسبقة في ذاكرتي لبناء القصيدة. لا أؤمن بما يسمى الهندسة المسبقة. هناك شعراء آخرون يؤمنون بهذا أما أنا فلا. قضية الكتابة بالنسبة لي قضية ورقة وطاولة وقلم. ثمة مدارس نقدية تعتبر ان مسألة الكتابة لا تتعدى ذلك، وهناك نقاد يعتبرون ان الكتابة عملية هندسية سابقة للحظة الإبداع تماماً كالهندسة التي يخطط بها الرسام للوحته وفيها يقرر مسبقاً توزيع المادة والألوان. أنا أؤمن أن التداعيات الخلفية الذهنية سواء أكانت ايديولوجية او ذات امتداد في التجارب الإنسانية الماضية تتداخل بشكل عضوي في أعماق الإنسان. وفي لحظة الكتابة تخرج الأشياء متكاملة، وخلال الكتابة تتفتح قضايا جديدة. أذكر رأياً هنا لجان نيرون الشاعر الفرنسي المعروف يقول فيه بأن في اللحظة التي يصنع فيها الألوان والخطوط على اللوحة يكتشف أبعاداً جديدة لعمله فيضيئها. ثم تعطيه تلك الأبعاد أبعاداً أخرى فيضيئها أيضاً. وهكذا تبدو العملية الفنية عملية جدلية بينه وبين اللوحة حتى يصل الى اللحظة التي يشعر فيها بأن عليه أن يتوقف.

والقصيدة تبدأ بالنسبة لي على هذه الصورة، عندما أبدأ بالقصيدة لا أشعر أن هناك نهاية الى أن أوقف الموضوع، العملية إذا شبيهة بالحياة وامتداداتها ومساراتها اللانهائية.



.ما هي اللغة، ما هو اعتبارك لها، هل هي مجرد قارب؟ عامل توصيل. أم أنها أكثر من ذلك؟

- اللغة ليست عامل توصيل فقط لان جانب التوصيل بمعنى إيصال حس معين لا يقتصر على اللغة، فمن الممكن الإيصال بالحركة، باللون، بالإيحاء، ولكن المعنى في اللغة، واللغة في موسيقاها والأحاسيس التي التي يمكن أن تثيرها. هناك إذاً أكثر من عملية الإيصال والإفهام. يمكننا ان نقول ان اللغة تلعب دور الإيصال في الكتابة السياسية او الصحافية. ولكن في الشعر المسألة مختلفة، فالعملية أغنى بكثير، فالإيصال حدس معين وهناك اثارة الشعور بالقضايا والأمور الأخرى، وفي هذه الحالة لا تعتبر اللغة مجرد وعاء بقضايا لا معنى لها. والدندنة التي يتكلم عنها لوركا هي شعر، ولكن ما يمنع ذلك هو إشكالية الجمال لدى المجتمع، فالمجتمع له جمالياته ومسائله، ولي جمالياتي فقط او قناعاتي التي تسود. يجب ان يكون هناك حد مشترك بيني وبين العالم. غربة بعض الشعراء تعود الى إغفال هذا . وبقاء على ما ذكرت فالتنازلات التي تكلمت عنها غير واردة.



.الذي يدرس حركة الشعر الحديث ويقرأك بتمعن يلاحظ انك تتطور بشكل منفرد، وبمعزل عن حركة الشعر نفسها، ألا يصيبك الإحساس أحياناً بأنك بعيد عن "التجربة المشتركة"، عن "الصياغة المشتركة" للتجارب الشعرية الحديثة.

- لا أؤمن أساساً بلغة مشتركة، او مصطلح مشترك للشعر او تجربة واحدة. يجب ان يكون لدى كل شاعر تجربته.



.أضفت ظاهرة جديدة للشعر العربي او بالأحرى لأسلوب انتشار الشعر العربي هي ظاهرة "الكاسيت" ويلاحظ انك قليل النشر، هل أغناك الانتشار عن طريق "الكاسيت" عن الطباعة والنشر؟

- هذا صحيح. ظاهرة انتشار شعري مسجلاً على أشرطة حل بالنسبة لي اشكالاً كبيراً هو اشكال الرقابات، فالشريط المسجل يمكن إدخاله عبر أي مطار دون ان يتعرض للرقابة. يضاف الى ذلك لن شعري بهذه الطريقة قد وصل الى أناس لا يقرأون ولا يكتبون. ولكن هذا لا يغني عن المطبوع، قراءة الشعر مطبوعاً تمثل المتابعة الأدق التي تعطي نوعاً من النشوة والحس الجماعي، يضاف الى ذلك ان قراءة الشاعر مطبوعاً تساعد على الإحساس بشكل أفضل بعالمه الداخلي الصحيح، تفرده مثلاً. لنأخذ ظاهرة الانتشار عن طريق الأشرطة، الجمهور مثلاً في بعض قصائدي يتمسك بجانب الشتيمة وهذه مسألة تجرحه يومياً. في الوقت الذي لا يعلق فيه أهمية على الجوانب الأخرى الروحية والفكرية.

ولهذا فإن قضية طبع الدواوين مسألة ضرورية والنشر عبر الصحافة ضروري ولكن السؤال لو طبعت دواوين، أين أوزعها؟ لقد طبعت ديوانين ولم توزع في العالم العربي، منعت في غالبية الدول العربية، أما الصحف فهي ملك الأنظمة، وهذه لا تجرؤ على كتابة مقال عني، ولا على نشر قصيدة لي، لأن لدي موقف واضح من الأنظمة. وحصل أكثر من مرة ان أعطيت مقابلة لهذه الصحيفة أو تلك دون أن تنشر، او تنشر محذوفة منها مقاطع كثيرة، صار عندي رد فعل كبير على ذلك. فأنا أرفض المقابلات وسواها.



.ألا ترى انك في موقف دنكشوتي واحد ضد الجميع؟

- نعم الأمر كذلك، ولا أريد له ان يكون على هذه الصورة. فالشعر نوع من المصالحة مع العالم بمقدار ما هو غضب فيه نوع من المحبة والمصالحة والدعوة الى الآخرين، ولكن أي عالم؟ وأي آخرين؟ وأية مصالحة؟



.سأعيدك قليلاً الى الوراء الى تاريخك الشخصي وعوامل تكونك الشعري. ما هي العوامل الأساسية التي كونت مظفر النواب؟

- من الصعب أن أجيبك.



.لنكن أكثر بساطة! أحك لي عن حياتك، عن تجربتك الشعرية، عن قراءاتك الأولى.

- منذ كنت صغيراً كنت أعيش في بيت علم وثقافة، عائلة هاجرت من الحجاز الى الهند أيام العباسيين فحكمت المقاطعات الشمالية وقاومت الإنكليز ثم انتقلت الى العراق وربت أطفالها على كراهية الإنكليز والاستعمار. ما زلت أتذكر ذلك البيت الكبير في منطقة الكرك، وهي منطقة شعبية، ما زلت أتذكر التراث الشيعي ومواكب عاشوراء والأهازيج التي كنت أسمعها في البيت سواء في الفرخ او في العزاء، أتذكر عدد الغرف الأربعين وطفل وحيد يهوم حول أبوابها، هذا الطفل هو أنا. ومنذ ذلك التاريخ البعيد تشكلت لدي أحاسيس أعمق من الرؤيا العادية للأشياء. كان والدي ذو تأثير كبير علي، وكذلك أمي فعلى يدها تعلمت الموسيقى وسمعت الأشعار العربية والفرنسية، وفي أحيان كثيرة كانت تبكي وهي تنشد لي الشعر، حتى الآن أكتب شعري دون العودة الى قواعد التفعيلة وهذا بتأثير طفولتي البعيدة.



.وبعد ذلك الأحداث السياسية، الحزب الشيوعي، النضال السري، والشعر الذي اختلط بكل هذا. ماذا بقي من ماركس في ذاكرتك؟

- أعتقد ان الماركسية علم يأخذ الإنسان منه كبقية العلوم. ولكن ليس من الضروري ان يحجز نفسه في سجن الايديولوجيا، وهذا بشكل خاص بالنسبة للشعراء.



.أكنت حزبياً جيداً؟

- بالمعنى التنظيمي ليس كثيراً، ولكن في مدى القناعات وخدمة الواقع الإجتماعي والطبقي نعم.



.من حمل الآخر أنت أم الحزب؟ من كان النور الكاشف للمستقبل أنت أم الحزب؟

- كنت متهماًُ بأني أقدم نظرة الى الأمام، وكان هذا تعبير في وقته شتيمة بالنسبة لقائد سياسي.



.وكيف قادتك قدماك الى الحزب الشيوعي؟ ولماذا؟

- كما قلت لك منذ طفولتي تربيت في بيت نضال ضد الانكليز، ثم ضد السلطة القائمة العميلة للانكليز، ورأيت طقوس كربلاء أمامي تتحول الى طقوس رفض ضد المستعمر. كانت هذه هي البداية.. ثم انطلقت الى الجامعة وكان انتمائي للحزب. داخل الحزب كنت أيضاً أمثل رفضاً واستمر الرفض في حياتي.



.السجن، الزنزانات العربية ورطوبة الأقبية وبغداد سنة 1952 تنتفض تحت وطأة حلف بغداد الذي لم يعقد بعد وانما تدجن البلاد لعقده، ماذا عن تلك الفترة؟

- الرفض، المشاركة في الانتفاضة، الاعتقال بعد الخروج في تظاهرات معادية للنظام، ثم السجن والمحكمة وهيئة التحليف والحكم بخمس سنوات. الأقبية ورطوبة الجدران لكن التعذيب لم يكن من نصيبي بسبب اسم عائلتي ومكانتها. وبعد ذلك الفصل من الجامعة وملاحقات الشرطة. في السجن اكتشفت الطبقات الشعبية حقيقة وربطتني بهم قناعات مشتركة مبنية على المعرفة بعد ان كانت نظرية في رحاب الجامعة.



.والآن؟

- نعم والآن..

.انك خارج العراق، الرحيل تحول الى حياتك او تحولت حياتك الى رحيل. منذ عام 1967 وأنت تركب سفينة الرحيل، أليس لديك حنين لبغداد، ألم يشدك الشوق لرؤية الكرك وبيتكم العتيق ودجلة والأشياء الصغيرة والكبيرة؟

- الحنين... نعم ولكن هناك قمع اضطراري لهذا الحنين، محاولة للهروب منه لأن استيقاظ الحنين مدمر ومدمر. أمارس الهروب من الذات؟ نعم أمارسه. الفترات الأولى كانت قاسية لأنني كنت قد تركت العراق حديثاً، والآن أصبحت أكثر قدرة على قمع حنيني لأنني لو أطلقت له العنان فسوف يدمرني. أبحث عن العراق من خلال شعري وأجده ويعزيني ذلك ولكن ما بين فترة وأخرى يستيقظ العراق مارداً في دمي ويهزني في الليل ليوقظني، أبدأ الأسئلة، وأبدأ بأول الأسئلة وآخرها: الى متى؟ الى متى والواقع العربي يش.حركة الرواد ما تزال حتى الآن كحركة تجديد على مستوى الشكل والمحتوى هي المستمرة، ولكن غالبية شعرائها حكم عليهم بالوقوف عند مرحلة معينة من تطورهم، ما بعد هذا الجيل لا أعتقد ان هناك في الشعر الحديث ما يمكن ان تطلق عليه ظاهرة جديدة وإبداعية، لماذا؟

- لا يمكن لنا أن نأخذ الظاهرة كظاهرة مجردة لأن هذا لا يوصلنا الى نتيجة، وعلينا أن نربطها بالواقع الحياتي المعاصر. ان عددا من الشعراء الرواد كان لهم فضل في اتخاذ الخطوات الأولى. هذا صحيح ولكن الانفصام فيما بعد تم لديهم على مستويين. المستوى الأول هو بعدهم عن الحياة وتطورها وثقافتها اليومية. إذ ان من المهم ان يتابع الشاعر كل الأشكال الثقافية المعاصرة له، عليه ان يرى المعارض الفنية، ان يستمع للموسيقى الحديثة، ان يعبر التجارب اليومية ويتحمل مصيره، فشاعر لا يتحمل مصيره ينتهي. يجب ان يأتي رواد جدد للمغامرة لأن الشاعر في الأصل مغامر وإذا فقد عنصر المغامرة والمبادرة يخبو ويفقد جزءً من وجوده الفني.

جع كثيراً على طرح هذا السؤال فهو رديء في كل مكان.



.المصدر: جريدة السفير - بيروت

حوار قديم – التاريخ غير معروف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط