الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستحواذ على الأراضى فى الخارج

أحمد فاروق عباس

2023 / 6 / 12
الصناعة والزراعة


على مدى العقود الثلاث الماضية قدمت المشورة السياسية والاقتصادية من المنظمات الدولية مثل البنك الدولى ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة ( الفاو ) والمعهد الدولى لبحوث سياسات الغذاء ، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا ( اسكوا ) للدول العربية كى تعتمد منهج قائم على التجارة فى مجال الأمن الغذائي ، بمعنى أن تعتمد بصورة أساسية على الغذاء المستورد ..
وتستند النصيحة على أساس الاقتصاد الغربى فى صورته المعتمدة على اقتصاد السوق ، ونظرا إلى الموارد الطبيعية في المنطقة العربية خاصة الندرة الشديدة للمياه والأراضي الصالحة للزراعة ..
وبالتالى - وطبقا لهذه النظرية - لا يعد إنتاج الأغذية المحلية خصوصا الحبوب استخداما رشيدا للموارد الشحيحة من الناحية الإقتصادية ، وبدلا من ذلك نصحت تلك الدول باستخدام مواردها لإنتاج سلع أخرى بغرض التصدير مثل البترول والمصنوعات والخدمات ، واستخدام النقد الأجنبى المكتسب من هذه الصادرات فى شراء وارداتها الغذائية ..
لكن إعادة تقييم الحكومات للأمن الغذائي تجاوز الحدود الضيقة للتحليل الاقتصادى كى تشمل الاعتبارات السياسية والاجتماعية ، وبدأت الحكومات تتحرك في اتجاهين :
رجعت الى سياسات الستينات والسبعينات وبدأت تركز بصورة أكبر على زيادة إنتاج الغذاء محليا ..
أما الإتجاه الثاني فتمثل في الحصول على الأراضى الأجنبية لإنتاج الغذاء الذى تحتاج إليه ، فيما عرف بظاهرة الاستحواذ على الأراضى الأجنبية لإنتاج الغذاء ..
ويشَّكل استحواذ الدول العربية على أراض فى الخارج للزراعة جزءا من ظاهرة عالمية أوسع ، وتعد الصين وكوريا الجنوبية أكبر مقتنى الأراضى فى الخارج ، وبعدهما تأتى المنطقة العربية ..
وقد بدأت تلك السياسة بصورة محدودة فى عام ٢٠٠٥ وتوسعت منذ عام ٢٠٠٨ مع وصول أزمة الغذاء العالمية إلى ذروتها ، وتمثل دول شرق وغرب إفريقيا ، ودول جنوب شرق آسيا الوجهتين الرئيسيتين لعمليات شراء الأراضى فى الخارج للزراعة ..
وبالنسبة لأفريقيا تعد السودان وإثيوبيا وموزمبيق ومدغشقر وزامبيا وتنزانيا والكونغو الديموقراطية أهم الدول التى يتم شراء أراضى فيها من قبل دول أخرى ..
بينما جاءت آسيا ف فى المركز الثاني في عمليات شراء الأراضى فى الخارج ، وخاصة من دول مثل اليابان والصين وكوريا الجنوبية ، وتقوم تلك الدول باقتناء أراضى وزراعتها في كمبوديا واندونيسيا والفلبين ..
أما فى أمريكا اللاتينية فعمليات الاستحواذ علي الأراضى تتم على نطاق ضيق إلى حد ما ..
وتذهب بعض التقديرات إلى أن كوريا الجنوبية - من خلال شركة دايو - تستحوذ على نصف الأراضى الزراعية فى مدغشقر ، وإن ذهبت تقديرات أخرى أن هناك مبالغات في احجام عمليات الاستحواذ علي الأراضى ..
وتعد دول الخليج العربية هى الأكثر مشاركة في منطقة الشرق الأوسط فى عمليات الاستحواذ علي الأراضى فى الخارج للزراعة ، ومنها اقتناء السعودية ٥٠٠ ألف هكتار من الأراضى الزراعية فى تنزانيا ، واستحواذ الإمارات على ٤٠٠ ألف هكتار من الأراضى الزراعية فى السودان ..
وعلى الرغم من الدعاية الإعلامية المبالغ فيها عن سيطرة دول الخليج العربية على عمليات الاستحواذ علي الأراضى فى أفريقيا فإنه من بين ٧٤٥ مشروع شراء أراضى فى أفريقيا كان هناك ١١٣ مشروع منها فقط خاص بدول الخليج ، أى بنسبة ١٥% فقط ..
وتعد السعودية والإمارات وقطر هى الدول العربية الأكثر نشاطا في مجال شراء الأراضى فى الخارج للزراعة ، وبالنسبة للسعودية كان أغلب استثماراتها الزراعية في إندونيسيا وباكستان والسودان وتنزانيا ..
ومن أبرز استراتيجيات اقتناء الأراضى فى الخارج " مبادرة الملك عبدالله للاستثمار الزراعى السعودى في الخارج " والتى أطلقت عام ٢٠٠٩ بمبلغ ٨٠٠ مليون دولار تستثمر عبر شركات خاصة تستفيد من التسهيلات الحكومية الكبيرة ، ووضع السعوديون ١١ دولة كهدف تتجه إليه مبادرتهم هذه ..
وتأتى الإمارات كثانى دولة عربية فى هذا النشاط الجديد ، ففى عام ٢٠٠٩ أعلن وزير الاقتصاد الإماراتي أن بلاده سوف تستثمر فى مجموعة من المشروعات الزراعية الخارجية ، لتحقيق أمنها الغذائي بعد أزمة الغذاء الصعبة فى السنوات الأخيرة ، مستهدفة دول مثل السودان في أفريقيا وكمبوديا فى آسيا كمرحلة أولى ..
وفى نهاية ٢٠٠٩ وضعت شركة الإستثمار الزراعى ( جنات ) الإماراتية خطة استثمارية مع مصر لزراعة ٤٢ ألف هكتار بالقمح والذرة ومحاصيل أخرى ..
ثم ذهبت المبادرات الإماراتية الطموحة لشراء أراضى زراعية في دول مثل المغرب - الجزائر - غانا - اندونيسيا - ناميبيا - تنزانيا - أسبانيا - رومانيا ..
بينما جاءت استثمارات دولة قطر لشراء أراضى زراعية في الخارج فى الدول التالية : كينيا - الفلبين - فيتنام - السودان - تركيا - البرازيل - باكستان - الهند - غانا - اندونيسيا - أستراليا ..
فى حين ذهبت أموال دولة الكويت في سبيلها لاقتناء أراضى زراعية في الخارج إلى دول مثل : كمبوديا - لاوس - ميانمار - الفلبين - السودان ..
وجاءت البحرين - وهى دولة خليجية لا تمتلك فوائض بترولية كبيرة - بالاستثمار الزراعى فى الفلبين وتركيا ..
وبالإضافة إلى دول الخليج التى شكلت الموجة الأولى ، دخلت دول عربية أخرى فى مجال شراء الأراضى الزراعية فى الخارج مثل مصر وليبيا - قبل ٢٠١١ - والأردن ..
وقد قامت مصر بشراء أراضى زراعية في دول مثل السودان واوغندا ، فى حين ذهبت ليبيا إلى مالى وأوكرانيا وزيمبابوى ..
ومن الواضح أن الدول العربية - وخاصة دول الخليج - تقوم بتنويع استثماراتها على مجموعة كبيرة من الدول ، خوفا من حدوث اضطرابات أو قلاقل سياسية واجتماعية فى بلد ما ، فيكون لديها بلاد أخرى كثيرة كبديل ، وقد ساعدها على ذلك وفرة الأموال لديها ..
وردا على ذلك ، ومع ما يستتبع شراء الأراضى الزراعية فى الخارج من توفير الغذاء لدول كثيرة بتكاليف معقولة ، وبعيدا عن تحكم الغرب فى إنتاج الغذاء واستخدامه كسلاح سياسي ، بالإضافة إلى زيادة النفوذ السياسى لتلك الدول وقفت دول الغرب موقف غير المشجع لتلك السياسة الجديدة ، وحاولت عرقلتها ، وخاصة بالنسبة لمنافستها الرئيسية في عالم اليوم .. وهى الصين .
فبدأت بعض الدوائر فى الغرب فى الترويج بأن أسلوب شراء الأراضى الزراعية فى الخارج أسلوب استعماري ، فيه معنى الاستيلاء والاستحواذ وليس معنى التعاون والفوائد المشتركة ..
وكان ذلك غريبا جدا من دول هى من بدات الظاهرة الاستعمارية في العصور الحديثة ، ومع ما رافقها من ظواهر وحشية كبيع وشراء العبيد في افريقيا ، واستنزاف المستعمرات اقتصاديا وماليا واجتماعيا وحتى نفسيا ..
ربما يكون التعاون بدلا من التشاحن فى قضايا المياه ، والتعاون بين الشعوب فى مشروعات الغذاء والزراعة هو السبيل الوحيد لحل مشكلة ستكون فى مقدمة جدول أعمال المهام الوطنية فى اغلب دول العالم فى العقود القليلة القادمة ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو