الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الترتيبات الأمنية لأوكرانيا مستقبلا - 1 -

مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب

(Marzouk Hallali)

2023 / 6 / 12
الارهاب, الحرب والسلام


رغم أن قبول عضوية أوكرانيا في الناتو لا تزال عالقة ، إلا أنه أضحى لا مندوحة عن التوصل - مع الغرب - إلى إقرار ترتيبات أمنية قابلة للتطبيق على المدى القريب والمتوسط والبعيد. فأوكرانيا في حاجة ماسة لتدريب جيشها وتجهيزه ، وتقعيد ودعم صناعة الدفاع المحلية في البلاد ، وهذا أمر لن يستقيم فعلا إلا بانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.

في هذا السياق اقترح "إريك سياراملا" ( *) - Eric Ciaramella – ترتيبات أمنية طويلة الأمد ومتعددة الأطراف تمكن كييف من حيازة جيش قوي مدعوم بتعهدات مقننة بدعم التدريب والتجهيز والتعاون الصناعي الدفاعي من طرف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وهي ترتيبات تعطي الأولوية لاستراتيجية الردع من خلال نشر جيش قوي وحديث وجيد التدريب ، وهذا من شأنه رفع تكلفة العدوان، مما سيؤدي بروسيا أن تفقد الثقة في تفوقها العتادي والكمي وتقليص قدرتها على تحقيق أهدافها بأوكرانيا بالقوة.
-------------------------------------------------------
(* ) - باحث في مؤسسة "كارنيغي للسلام الدولي" - Carnegie Endowment for International Peace - يركز أبحاثه على أوكرانيا وروسيا ضمن برنامج "روسيا وأوراسيا". عنوان بحثه:
« Envisioning a Long-Term Security Arrangement for Ukraine »
-----------------------------------------------------

يقر "إريك سياراملا" في بحثه هذا، أن على أوكرانيا وشركائها - بغض النظر عن التطورات في ساحة المعركة - التفاوض على ترتيب أمني طويل الأجل الآن وحاليا. فإن التوصل إلى توافق في الآراء عاجلاً وليس آجلاً بشأن إطار عمل يكون أكثر منطقية من تأجيل القرارات المثيرة للجدل حتى تنتهي الأعمال العدائية واسعة النطاق. إذ يمكن للترتيبات الأمنية أن تقوض قناعة الرئيس فلاديمير بوتين بأن روسيا يمكن أن تصمد أمام أوكرانيا والغرب وتفقده الثقة في نفسه. كما يمكنها أن تجعل أوكرانيا قادرة على الدفاع عن سيادتها حتى لو لم تحرر كامل أراضيها قريبا.

وهذا، علما أن النموذج الأمني المقترح ليس بالضرورة بديلاً لعضوية الناتو ، التي تتمتع بدعم قوي من قادة أوكرانيا وشعبها . لقد وعد حلفاءها بمكانة نهائية في الناتو ، لكنهم أوضحوا أن هذا لن يندرج في جدول الأعمال أثناء استمرار الحرب، وسيتطلب وقتا لتصبح أوكرانيا.عضوا في الحلف. لذلك ، يصر الاقتراح على تعزيز قدرة الدولة على الدفاع عن نفسها لأنها ستظل خارج حلف الناتو لفترة قد تطول. لكن في ذات الوقت ، تؤكد المقترح على الدور الحاسم الذي سيلعبه انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي بخصوص أمنها على المدى الطويل. وعلى الولايات المتحدة - من جهتها - أن تقود المحادثات حول ترتيب أمني مستقبلي، لا سيما المزيد من تفعيل قدرتها على المساعدة الأمنية وتقوية التنسيق متعدد الأطراف باعتباره حيوي لنجاح هذا الترتيب الأمني ، وقد يساهم تعهد أمريكي واضح وطويل الأجل لأوكرانيا في دفع أوروبا إلى توسيع التزاماتها وتقويتها ، مما سيساهم في تقاسم الأعباء بين حلفاء أوكرانيا . كما أنه على سيكون الترتيب الأمني المقترح أن يكون مرنًا ليشمل التزامات من الاتحاد الأوروبي بشكل جماعي، ومن الدول الأعضاء الفردية، ومن الدول الأخرى.

يحدد هذا المقترح خمسة عناصر ضرورية لترتيب أمني مستقبلي:
- الإقرار السياسي والقانوني القوي الذي يضمن استمرار الترتيب بغض النظر عن الدورات الانتخابية وتغييرات القيادة في الولايات المتحدة وأوروبا،
- قنوات متعددة قابلة للاشتغال لسنوات للإمدادات العسكرية تمكّن أوكرانيا من التخطيط والحفاظ على قوة قادرة على ردع العدوان الروسي،
- دعم صناعة الدفاع الأوكرانية ،
- آليات للمشاورات السياسية ، وتبادل المعلومات ، والتنسيق لضمان تلبية الاحتياجات العسكرية لأوكرانيا في الوقت المناسب،
- ارتباط واضح بعملية انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي وإعادة الإعمار بعد الحرب.


سيكون أمن أوكرانيا على المدى الطويل من بين أكثر الأسئلة المربكة التي ستواجهها الولايات المتحدة وأوروبا في السنوات المقبلة. و نظرًا لعدم العضوية في الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) حاليا أو في المستقبل القريب ، فإن أوكرانيا ستبقى في منطقة "رمادية خطيرة" ، خارج النظام الأمني الأوروبي و هي تواجه تهديدًا عسكريًا حادًا إلى أجل غير مسمى، علما أن واشنطن و أوروبا لن يرسلا قواتهما للدفاع عن أوكرانيا أثناء تعرضها للهجوم، وأقصى ما يمكن القيام به هو الحفاظ على مستويات عالية من المساعدات العسكرية .

لهذا السبب، يرى المقترح أنه يتعين على أوكرانيا وشركائها التوصل إلى ترتيب أمني الآن دون انتظار، وعليه أن يكون ترتيبا أمنيا قويا بما يكفي لزعزعة اعتقاد الكرملين بأن انتظار حسم انضمام كييف للاتحاد الأوروبي في صالحه . فمن الضروري الاتفاق حالا على الترتيب الأمني حتى تتمكن كييف من بناء قوة دفاع عن النفس قوية ومستدامة، وهذا حتى لو احتدمت الحرب مستقبلا.

ويرى المقترح، ولو أن المطلوب قد يبدو مهمة صعبة، ولا يوجد نموذج دقيق لمثل هذا الترتيب المتعدد الأطراف المعقد، فإن الترتيب الأمني المقترح قابل للتطبيق. يعد الدعم العسكري الهائل الذي قدمته الولايات المتحدة وأوروبا وغيرهما منذ بداية العدوان الروسي الشامل، والابتكارات السياسية والبيروقراطية التي رافقت هذه المساعدة، أساسًا متينًا لرسم خطة طويلة الأجل. وقد قدمت الحكومة الأوكرانية اقتراحًا مع ميثاق كييف الأمني لترجمة هذا الدعم المستمر إلى إطار عمل أكثر ديمومة ، كما يمكن أن تقدم العلاقات الدفاعية الوثيقة للولايات المتحدة مع الحلفاء غير الأعضاء في المعاهدة - ولا سيما إسرائيل - تصورا لكيفية إنجاز الترتيب الأمني المقترح على أرض الواقع.

إن شكل هذا الترتيب الأمني طويل الأجل لأوكرانيا وكيفية جعله موثوقًا ومستدامًا يعتمد على تحليل المتطلبات الأوكرانية والرؤى والنماذج الأمنية الناجحة الحالية ، وذلك ليقترح شبكة من الاتفاقات والالتزامات متعددة الأطراف تتمحور حول تدريب وتجهيز قوة عسكرية كبيرة في المستقبل، مما سيُلزم الأطراف بضمان قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها ، دون القتال نيابة عنها.

إن قيادة النقاش حول الالتزامات الأمنية لأوكرانيا موضوع على عاتق الولايات المتحدة - مع أوروبا -، ولا يمكن لأي جهة أخرى أن تضاهي قدرة واشنطن على توفير وتنسيق وتقديم مساعدة أمنية مؤثرة في الوقت المناسب ودعم استخباراتي وحلول صناعية دفاعية. كما أن تعهد الولايات المتحدة القوي لأوكرانيا من شأنه أن يدفع أوروبا إلى تقديم التزامات أمنية أكبر وأكثر ديمومة ، وبالتالي خلق صيغة مستدامة لدعم أوكرانيا للدفاع عن النفس بغض النظر على الوقت الذي سيتطلبه ذلك.

طبعا، يجب أن يرتبط الاتفاق طويل الأجل ارتباطًا وثيقًا بعملية انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي أيضًا ، مع تكامل السياسة الأمنية للبلاد والقاعدة الصناعية الدفاعية تدريجيًا مع تلك الخاصة بالاتحاد ، وإن كانت مرتبطة بشدة بالولايات المتحدة. وبمجرد انتهاء الحرب ، يمكن تعزيز الترتيب لتجسير الفترة حتى تنضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي ، مما يمنحها ضمانات أمنية خاصة بها.

الخطة المقترحة ليست بديلاً للعضوية في حلف الناتو - والتي ستظل مطلبًا رئيسيًا من قادة وسكان أوكرانيا- بدلاً من ذلك ، وإنما هي خطة تدرك أن الحلفاء ليسوا مستعدين لقبول أوكرانيا حاليا عضوا، لمنها تقدم طريقة لترسيخها (أي أوكرانيا) في نظام الأمن الأوروبي ومنظومته في الوقت الحالي. إنه ، بشكل من الأشكال ، حل مؤقت، ولكن مع استمرار وجود احتمالات - رغم أنها غير مؤكدة حاليا - لعضوية الناتو ، إلا أنه يجب أن يكون هذا الحل ذا مصداقية بما يكفي ليسمح بالتطور. كما أنه ينطلق من فهم واضح بأن روسيا ستظل تشكل تهديدًا لسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها - وبالتالي لأمن أوروبا - لفترة طويلة ، مع الحفاظ على مساحة للمناورة مع موسكو إن هي غيرت مسارها.
__________________ يتبع _____________________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة