الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدل الديمقراطية والإرهاب في الأردن: ما هي حدود حرية التعبير؟

باتر محمد علي وردم

2006 / 10 / 31
الارهاب, الحرب والسلام


أثارت قضية نواب جبهة العمل الإسلامي في الأردن الذين زاروا بيت عزاء الزرقاوي قبل أشهر وتمجيده خطابيا جدلا وطنيا هاما حول العلاقة بين الديمقراطية والإرهاب، وبين اختلاف الاجتهادات حول حدود حرية التعبير، أو عدم وجود حدود لها وهو جدل لم يقتصر على الأردن بل تدخلت به جهات أخرى من ضمنها منظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومان رايتس ووتش). وفي الواقع فإن هذا الجدل مهم جدا لأنه يرتبط بحالة دراسية واضحة ويتجاوز التنظير إلى تحليل الواقع ويساهم في حساب الأضرار والخسائر في معادلة حرية التعبير وكيف يمكن أن تصل إلى مستوى تهديد المصلحة الوطنية والأمن وأيضا تهديد حياة المواطنين.

بعد أن تم إغلاق معظم فصول القصة بعد الحكم على النواب بالسجن وبعد ذلك قيام الملك بإصدار عفو خاص خول المتهمين الخروج من السجن ولكن مع فقدان قانونية تمثيلهم النيابي وفرصهم في الترشح للانتخابات النيابية المقبلة لكونهم مدانين بجرائم، يجب استعادة الدروس المستفادة من هذه القضية.

نحن بحاجة إلى تحليل كل المواقف حتى نصل إلى صورة متكاملة، وبطريقة بعيدة عن الشد العصبي ولهجة التحدي والتصعيد التي كانت طابع الجدال في الأسابيع الماضية، وهو تصعيد مفهوم لأن القضية التي نحن بصددها غير مسبوقة على الساحة الأردنية منذ أكثر من ثلاثة عقود لأنها تتجاوز التعبير السياسي السلمي إلى إبداء مواقف تأييد واضحة تجاه العنف واستهداف حياة المدنيين.

زيارة نواب جبهة العمل الإسلامي إلى بيت عزاء الزرقاوي لم تكن عملا بدافع الواجب الإنساني بل رسالة سياسية واضحة من النواب لإظهار نوع من التأييد لسيرة حياة الزرقاوي وربما بشكل أكبر للتعبير عن تضامن ايديولوجي مع دوره في العراق وطريقة مقتله من قبل القوات الأميركية. هذه الزيارة كان يمكن أن تمر في تداعيات سياسية كبيرة ولكنها قابلة للاحتواء لو لم يتبرع محمد ابو فارس بإطلاق تصريح غير مقبول شكل إساءة بالغة لا للحكومة بل لمواطنين أردنيين مفجوعين باستشهاد أبنائهم وبناتهم وزوجاتهم وأطفالهم في عملية إرهابية من تخطيط الزرقاوي، فجاءت ردة الفعل قوية جدا تجاه هذه التصريحات.

ردة الفعل ليست كما تحب جبهة العمل الإسلامي تصويرها بأنها حملة حكومية، بل كانت في البداية عفوية وناجمة عن الغضب والاستياء من هذه التصريحات بحق الضحايا والأسر المفجوعة وبما يبدو وكأنه تأييد من جبهة العمل الإسلامي، أكبر الأحزاب الأردنية لسلوك الزرقاوي الإرهابي. ربما تكون الحكومة قد استفادت من الموقف للتصعيد ضد الأخوان والجبهة اللتين وقفتا بحدة ضد الحكومة في قضية أسلحة حماس، وهذا في الواقع حق للحكومة لأن الجبهة نفسها تقوم باستغلال كل موقف سياسي للتحريض ضد الحكومة، فلماذا ترضي لنفسها بدور المستفيد من هذه اللعبة الإعلامية وترفض أن تكون الخاسرة في جولة ما؟

المشكلة الحقيقية ليست الزيارة والتصريحات بل في رد فعل الجبهة والذي أظهر تحديا غير متوقع وغير مقبول لمشاعر الناس، وبالاعتماد على نسبة لا يستهان بها من كوادر الجبهة والمتعاطفين معها ومع ما يسمونه جهاد الزرقاوي ضد الجيش الأميركي صممت الجبهة على عدم الاعتذار بل وشنت حملة مضادة فيها الكثير من الاستفزاز وأكدت بأن ما قامت به الحكومة هو انتهاك لحرية التعبير المكفولة للنواب وحقوقهم الدستورية، وهو نفس موقف منظمة هيومان رايتس ووتش.

هناك معضلة أخلاقية سياسية في هذا الجدال. نحن نعرف في قرارة أنفسنا وتعرف الجبهة أيضا أن الحركة الإسلامية غير معنية كثيرا بحقوق التعبير للتيارات والأفكار المخالفة لها، بل أنها حرضت الحكومة عدة مرات على استخدام المادة 150 من قانون العقوبات ضد أفراد وإعلاميين ومثقفين طرحوا آراء تخالف توجهات الحركة الإسلامية، ولكنهم طبعا مهتمين باستخدام هذا التبرير لحماية حقوقهم الخاصة في التعبير. بالنسبة لنا كمثقفين معنيين ومهتمين بحرية التعبير ونناضل من أجلها منذ سنوات طويلة سواء في الإعلام أم في البرلمان ما هو موقفنا تجاه ذلك؟ وبمعنى أخر هل تعتبر تصريحات ابو فارس المقيتة نوعا من حرية التعبير أم تجاوزا لكل المعايير؟

لي رأي شخصي يحق لي التعبير عنه ولكن لا أستطيع فرضه على الآخرين أو توجيه الاتهامات لمن يخالفني، وهو أن تصريحات أبو فارس تمثل نموذجا للحد النهائي لحرية التعبير المسوح بها في الأردن لأن حرية التعبير التي تقود إلى العنف وقتل الأبرياء يجب ألا تكون مسموحة. التعبير السياسي السلمي الذي يندرج ضمن النقد للسياسات العامة يجب أن لا يتم المساس به ولكن "التعبير" الذي يؤدي إلى التحريض على العنف والكراهية لأسباب دينية وطائفية وعرقية لا يمكن أن يكون حرية تعبير. في الكثير من الأحداث والحالات التي شهدت مجازر وحروب أهلية وعمليات عنف كانت التصريحات التي تحض على الكراهية هي السبب الأول. لقد حدث ذلك في لبنان وفي البوسنة وفي كوسوفو وكان أسوأ الأمثلة في رواندا حيث كانت تصريحات قادة الفتنة العرقية في الراديو الفتيل الأول لاشتعال المذبحة.

طبعا الأردن بلد مستقر أمنيا والغالبية العظمى من الناس متفاهمين وهناك نظام أمني وعسكري وسياسي يحفظ الاستقرار، ولكن هناك نسبة لا يستهان بها (حوالي 15% حسب استطلاعات مركز الدراسات الإستراتيجية) تعتبر أن الزرقاوي بطل، وعندما يأتي شخص يمثل رمزا فقهيا وسياسيا مثل أبو فارس ليصرح بأن الزرقاوي شهيد فإن هذه رسالة واضحة لهؤلاء 15% بأن موقفكم صحيح ولكم الحق في التعبير عنه حتى بالعنف لأن الغطاء الفقهي والشرعي متوفر. هنا تماما تكمن خطورة تصريحات أبو فارس والتي يستحق عليها العقاب من خلال تنفيذ بنود القانون ضده، وهي المادة 150 التي أرسلت الكثير من المثقفين والصحافيين إلى السجن لأسباب أقل تحريضا بكثير وبطلب واضح من الحركة الإسلامية.

الحد الفاصل بين حرية التعبير والخروج عن القانون هو الحض على العنف وتمجيد الإرهابيين وهذا الحد تجاوزه أبو فارس والنواب الآخرين. صحيح أن منظمة هيومان رايتس ووتش انتقدت سجن النواب وطالبت بحرية التعبير، ولكن هذا الموقف ينطلق من "مسطرة" من المعايير الأخلاقية الخاصة بحرية التعبير والتي يمكن أن تكون مناسبة في دول وليست مناسبة في دول أخرى. لو أطلق أبو فارس تصريحاته في قلب لندن لما كانت هناك مشكلة لأن غالبية الناس ستنظر لها باستهزاء أما في المجتمع الأردني فإن مثل هذه التصريحات تشكل خطورة كبيرة لوجود نسبة من المواطنين تحكم الفتاوى الدينية كل سلوكها ويمكن لتصريح كهذا أن يحول مئات الشباب إلى مؤمنين بجهاد الزرقاوي وهادفين بالسير على خطاه وبالتالي تشكيل تهديد حقيقي لأمن المواطنين الأردنيين. أن حق جبهة العمل الإسلامي في التعبير عن الرأي يجب أن يرتبط مع واجباتها في تحمل مسؤولية رفض التكفير وعدم تحدي الدولة الأردنية.

الديمقراطية الأردنية يجب أن تكون واسعة المجال لتضمن حريات التعبير السياسية وهذا من شأنه حماية المجتمع من التطرف ولكن هذا لا يعني أبدا الاستكانة إلى "دور جبهة العمل الإسلامي" في مكافحة الفكر المتطرف وهذا دور بدأ يتراجع بشكل كبير ويحل مكانه دور سلبي يساهم في المزيد من التحدي للدولة وتأمين غطاء سياسي وفقهي لفكر التكفير وفي هذا السياق من واجب الجميع أن يقولوا لجبهة العمل الإسلامي توقفوا عن اللعب بالنار بدون التردد والتخوف من أن يتم تفسير موقفهم بتأييد الحكومة.

الكثير من الإعلاميين والمثقفين الأردنيين قرروا اتخاذ موقف محايد من الأزمة، وبعضهم لم يكتب شيئا عنها، والبعض الآخر طالب بالمزيد من الحريات لمنع التطرف حتى لا يحدث استقطاب في المجتمع، والبعض قدم دعما واضحا أو مواربا لجبهة العمل الإسلامي ربما من منطلق مناكفة الحكومة، ولكن علينا أن نفهم بأن القضية تتجاوز حرية التعبير السياسية إلى حق الشخص في الحياة والتركيز التام على منع الإرهاب.

لقد كتبت مئات المقالات لنقد الحكومة، ولكنني قررت أن أكون مباشرا في نقد جبهة العمل الإسلامي هذه المرة من منطلق ايماني بأن حق الأطفال والأبرياء في الحياة الذي سلبه الزرقاوي أهم مليون مرة من حق أبو فارس في التعبير عن رأيه أو حق الأخوان في التعبير عن موقفهم السياسي. وبالرغم من كل التهم بتأييد الحكومة وهي التهم الجاهزة التي تستخدمها الجبهة ضد معارضيها فلن تكون هناك مجالات كثيرة للجدل في ترسيخ موقف ثابت وهو دعم حرية التعبير السياسي السلمي إلى أقصى الحدود ورفض كل أشكال التكفير وتبرير الإرهاب وتمجيد الإرهابيين إلى أقصى الحدود أيضا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد قضية -طفل شبرا- الصادمة بمصر.. إليكم ما نعرفه عن -الدارك


.. رئيسي: صمود الحراك الجامعي الغربي سيخلق حالة من الردع الفعال




.. بايدن يتهم الهند واليابان برهاب الأجانب.. فما ردهما؟


.. -كمبيوتر عملاق- يتنبأ بموعد انقراض البشرية: الأرض لن تكون صا




.. آلاف الفلسطينيين يغادرون أطراف رفح باتجاه مناطق في وسط غزة