الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل غيرت جبهة البوليساريو قواعد الاشتباك ؟

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 6 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


" للأسف حين اردت فتح الحاسوب لاشتغل على الساعة السادسة صباحا ، مدير البوليس السياسي الجلاد ، المجرم المتآمر ، يقطع الكونكسيون عن منزلي . جبان . سأضطر للخروج لإرسال الدراسة من Cyber " .
هل غيرت جبهة البوليساريو قواعد الاشتباك العادية ، لتنتقل بها الى مستويات جد متقدمة ، حتى تقلل فجوة الفارق بينها وبين الجيش المغربي الأكثر تجهيزا ؟
وهل ستُدْخل الجبهة تكتيكات جديدة في حربها التي تخوضها منذ 13 نونبر 2020 ، لتشمل الحرب ضرب المدن ، وكل الأراضي المتنازع عليها ، خاصة التركيز على المنشآت الاقتصادية ، أي جميع أراضي ما بعد سنة 1975 ؟
في شهر مايو الفائت ، وبالضبط في 21 منه ، وعلى اثر تفجير الحزام الناقل للفوسفاط " ببوكراع " ، تحول نقاش الناس ، خاصة أبناء المنطقة ، فاصبح الحديث والتساؤل ، مركزا حول أسباب توقف الحزام بشكل مفاجئ ، وانكب الناس للتأكد من صحة الخبر ، ومعرفة ملابساته التي ظلت في عمومها مضطربة ، لغياب الدليل حول ما حصل . هل هو انفجار ، وانْ كان الامر كذلك ، من يقف وراءه ، وفي هذا الظرف بالذات . فبدأت الروايات الشعبية تنسج الحقيقة ، وتنسج الخيال من هنا الى هناك ، لأنه في ظل صمت اطراف النزاع ، الذين هما جيش النظام المخزني ، وجبهة البوليساريو ، يصعب على الشخص العادي الوصول الى عين الحقيقة ، ومن ثم تحميل المسؤولية للطرف الذي يقف وراء التفجير المدوي . وعندما نتكلم عن المسؤولية ، فلا يعني هذا ، المسائلة من " المينورسو " ، " هيئة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية " ، وتوجيه اصبع الاتهام الى الطرف الذي قام بالتفجير ، خاصة وانه حصل في المناطق والأراضي المتنازع عليها . لكن نعني بالمسائلة ، فقط معرفة المسؤول عن التفجير ، حتى يمكن القول بحصول تغيير جوهري في الحرب ، مع ما سيترتب عن هذا التغيير من نتائج ، قد تطال المدن نفسها المتنازع عليها ، أي خلق الازمة الكبرى لتقريب الانفجار المنتظر ، الذي سيساهم المساهمة الفعالة في تقريب السقوط . ومما اربك البحث لتحديد المسؤول عن الانفجار ، ان جبهة البوليساريو التي تخوض حربها ، التي تعتبرها حرب تحرير وكفاح مسلح ، لم تعلن مسؤوليتها عن الانفجار ، وهي التي عودت جمهور الصحراويين سواء " بتندوف " ، او بالأراضي والمدن التي تخضع لسيادة النظام المغربي ، او صحراويو المهجر ، خاصة في اسبانية وفرنسا الذين خلدوا الذكرى الخمسين لتأسيس الجبهة ، وبدأ حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد .
لذا وامام غياب السند الصحيح ، لتحديد الجهة الواقفة وراء التفجير ، يطلق العنان للأخبار الرائجة والمتداولة . فمن الروايات ، وفي غياب اعلان الجهة المسؤولة عن التفجير ، هناك من أرجع سبب الانفجار ، وتوقف الحزام عن الاشتغال ، الى حصول خلل في الكهرباء ، بالرغم ان الخلل في الكهرباء وأيا كانت درجة علّته سيتم إصلاحه في اسرع وقت ، ليعود الحزام الى الاشتغال . لكن اخبار أخرى شبه مؤكدة وصحيحة ، ونظرا للتفجير المدوي ، تحدثت عن عملية عسكرية ، تم الارتقاء بها لتوصف بالنوعية ، الغير عادية . فالعملية استهدفت النقطة السابعة من الحزام ، وهذا لم يحصل حتى في الحرب الضروس ، التي خاضتها الجبهة ضد جيش النظام المخزني ، طيلة السبعينات والثمانينات ، أي حتى سنة 1991 ، سنة توقيع اتفاق وقف اطلاق النار بين الطرفين المتحاربين ، وبإشراف الأمم المتحدة ، لانّ الحرب التي دامت ستة عشر سنة ( 16 ) ، عُرِفتْ بالحرب الشاملة ، التي كان ينتج عنها قتلى من كلا الطرفين ، وسقوط اسرى حرب خاصة في صفوف الجيش الملكي ، كما كانت تعرف توغل للجبهة داخل الأماكن التي يسيطر عليها جيش النظام ، واحتلالها جزءا من الوقت ، لقطعة من الأرض ، طبعا للدعاية ، خاصة وان كل الحروب تقوم على الدعاية للتغليط ، وللحفاظ على المعنويات مرتفعة ، وحتى لا تفقد الحرب الدعم الشعبي ، البعيد عن معرفة الحقيقة . فكانت تعرض امام الصحافيين غنائم الأسلحة التي غنمها طرفا الحرب ، مع حرص الجبهة على تقديم اسرى الحرب المغاربة ، ومن مختلف الرتب العسكرية الى الصحافة الدولية ، خاصة الصحافة الاسبانية والفرنسية . وكم كانت البهجة ساطعة على مُحيّا جنود الجبهة ، وهم يتفاخرون بإسقاط طائرات مغربية رديئة من نوع Mirage بصواريخ " سام " الرديئة ، والقليلة الفعالية ، وتقديم طياريها الى الصحافيين كأسرى حرب ، حيث كانوا يتبرؤون من الحرب ، ويعلنوا ادانتها كليا ، وانهم مجبرين عليها لا مخيّرين ، لان الحرب ليست حربهم ، بل هي حرب النظام حتى يستولي على خيراتها المتنوعة ، ويستعملهم في بقاء وديمومة وجوده .. كما يجري عادة من قبل جيوش العالم ، عندما يسقط اسرى حرب ، وكيف ما كان عددهم (الحرب العراقية الإيرانية ) ..
اذن . هل سبب الانفجار الذي ضرب النقطة السابعة من الحزام ، واعْتُبرت بالعملية النوعية ، ولم يسبق لها مثيلا خلال الحرب التي دامت ستة عشر سنة ، هو عمل نوعي مقصود ، أم حصل نظرا لطارئ ما ، لا دخل ليد الانسان فيه ، ام ان للعملية اذا كانت مبرمجة ، تفسير وصيت آخر، يتعدى صوت وتفسيرات حرب الستة عشر سنة .
واذا كانت جبهة البوليساريو قد لزمت الصمت ، ولم تتبنى مسؤولية التفجير ، فان حديث العديد من العائلات التي تقطن في الجانب الجنوبي الشرقي للمدينة ، عن سماع ذو انفجار ضخم وكبير ، حصل يوم الجمعة 26 مايو الفائت ، اثار من جديد التساؤل ، والاستفسار عن الجهة التي وقفت وراء التفجير ، بعد ان اصبح حقيقة ، وليس مجرد وهم او اسقاط .. فهل جبهة البوليساريو هي من تقف وراء التفجير الذي اضحى حقيقة ، وإنْ كانت هي المسؤولة ، ما المانع الذي حال دونها ، ودون إعلانها مسؤوليتها ، وهي التي عودتنا على نشر كل الهجمات ، وليس فقط الحرب التي تقوم بها ضد الجيش الملكي ، ولم تؤثر فيه لا من قريب ولا من بعيد ، الى درجة اصبح كل مهتم ومتابع لما يجري ويدور ، يضع علامة استفهام حول شيء يصفونه بالحرب التي تدور .. فمن 13 نونبر 2020 ، وقصاصات الجبهة ( الحربية ) يتناقلها فقط الاعلام الجزائري الرسمي ، والخاص المعارض لمغربية الصحراء ، وتُخْبر بها فضائية الجبهة ، والمواقع الالكترونية المنتمية الى الجبهة ، او تلك التي تتعاطف معها .. كما ان مجموعة من الخونة المغاربة ، الذين تورطوا في الخيانة الكبرى ، بالتشجيع وبالتطبيل للجيش الجزائري ، ولجيش الجبهة على حساب الجيش المغربي ، يتفاعلون مع اخبار الحرب الدائرة ، حيث ينفخون فيها عُدة وعددا ، ويكيلون للجيش الملكي من الذم والسباب ، ما لم تقم به منظمات سياسية ناصرت في وقت من الأوقات استراتيجية " البؤرة الثورية " ، التي ستخلقها حرب بالصحراء ، لإسقاط النظام الملكي ( العميل ) لمن ؟ واسقاط الجيش ، والانتهاء بتقسيم المغرب العاصي عن كل غدر و تآمر ، يحاك ليلا في الاقبية والدهاليز .
الحرب بالمنطقة ، ليست وليدة الاختلاف عن عنوان وجنسية الصحراء . بل ان الحرب سابقة عن نزاع الصحراء الغربية ، منذ ان اشتعلت بين النظامين المغربي والجزائري من اجل الصحراء الشرقية ، التي سُميت بحرب الرمال في سنة 1963 .. فمنذ ها ، وبنادق النظامين موجهة لكل واحد منهما ، رغم فترات الهدوء المصطنعة التي كانت تعم المنطقة ، لكن ذاك الهدوء القصير الاجل ، سرعان ما يغادر ليحل محله التوتر المهدد لاستقرار المنطقة ، التي تغلي على بركان من نار .. فالحرب قائمة منذ سنة 1962 ، ولم تتوقف ابدا ، فقط كانت تأخذ لها اشكالا تتماشى مع الظرفية السائدة ، ومع الاطماع المحلية للأنظمة المتصارعة للسيطرة على المنطقة ..
فالحرب ليست وليدة اليوم ، ولم يكن سببها الصحراء الغربية ، كما لم يكن سببها الصحراء الشرقية ، لكن أسبابها التي ترخي بظلالها المكفهرة اليوم ، تعود الى سنة 1962 التي استقلت فيها الجزائر عبر حرب الشعب الطويلة الأمد ، ونتج عن حسم المعركة ، ان تماهى النظام الجزائري مع شعارات المرحلة التي غدتها الحرب الباردة ، وكانت تلك الحرب البادية للعيان ، تترجم في الموافق التي يتخذها النظامان المختلفان مذهبيا ، ضمن المؤتمرات الدولية ، كالمؤتمرات التي كانت تنظمها حركة عدم الانحياز ، والقرارات ذات الصبغة العالمية آنذاك ، من القضايا الدولية التي كانت تحظى بعناية واهتمام دول الحرب الباردة .. فمن خلال خطابات النظام الجزائري في هذه المؤتمرات ، ومن خلال الأوراق التي كان يقرأها ممثل النظام المغربي في هذه اللقاءات الدولية ، كل ذلك كان يعكس الحرب الدائرة بين النظامين المغربي والجزائري ، تلك الحرب التي كانت تتخذ لها مستويات تختلف باختلاف الوضعية الداخلية لكل نظام ، وكانت تختلف باختلاف القضايا الدولية التي يأخذ فيها النظامان المغربي والجزائر مواقف متناقضة ، تبعا للتناقض الحاصل في السياسة الدولية ، وفي العلاقات الدولية . وفي كثير من المرات كان ينهي الصراع الايديولوجي بانقلابات عسكرية ، وكان ينتهي بظهور منظمات سياسية تؤمن بالسلاح في مواجهة النظام القائم في بلادها . فمثل هذه الحركات كانت تتلقى الدعم المادي والمعنوي من قبل الدول الحاضنة لها ، والمتعارضة مع النظام المسيطر على البلاد التي تنتمي اليها تلك الحركات . فالصراع منذ ان كان ، كان صراع وجود ، ولم يكن ابدا صراع حدود بالمعنى الضيق ، لان من يمسك وينتصر في صراع الوجود ، مَلَك وحده كل المنطقة ، وملك كل ما فيها ، وطبعا تحت المراقبة والتوجيه الذي تفرضهما الدول الكبرى ، التي تُصَرّف اختلافاتها بالانابة في دول المحيط التابع .
عندما ظهرت البوليساريو كحركة تحرير ، لم يستوعبها النظام الجزائري في سنة 1973 ، لكن النظام الجزائري سيركب على الخطأ القاتل للنظام المغربي ، عندما رفض التعامل مع الجبهة ، وادخل مناضلوها الى السجون ، خاصة اثناء مظاهرة موسم طنطان سنة 1972 ، وسيغدي العداء الجزائري للنظام المغربي في حرب الصحراء ، اقتسام الصحراء مع موريتانية ، والبداية في تشكيل الاحلاف الاقليمية ( النظام المغربي والنظام الموريتاني ) ، وبالمقابل لجوء الجزائر للتحالف مع النظام الليبي ، الذي كان يكن العداء للنظام المغربي . فاستعملت قضية الصحراء ، كفزاعة بالمنطقة ، يجب حسمها باي طريق ، خاصة اذا كانت طريق الحرب الشعبية الطويلة الامد ، وهي حرب مقتبسة من الادبيات الايديولوجية والتنظيمية للحزب الشيوعي الصيني ، وهي الحرب التي انتصر بها الفيتناميون الشماليون ، على الفيتناميين الجنوبيين ، وانتصروا على حاضنة الجنوب ، الولايات المتحدة الامريكية في حرب الفيتنام ، او حرب الهند الصينية ..
فكان للافكار الاشتراكية العربية ، باسم اشتراكية جمال عبدالناصر المثالية ، وباسم ثورة الفاتح من سبتمبر 1967 الليبية ، والمد البعثي في الشرق العربي ، خاصة في سورية والعراق الملوحيْن بالاشتراكية الانسانية ، والوضع السياسي بلبنان الذي كان يتخذ له اشكالا ، بسبب نفود السفارات الفرنسية ، والامريكية ، والسعودية ، والايرانية ... كان لكل هذا الارث الثقافي الثوري البرجوازي الصغير ، صداه عند تبني النظام الجزائري والليبي ، جبهة البوليساريو كجبهة عربية تقدمية واشتراكية .. وكان المسار العام دالا على طبيعة الاختلافات المذهبية والايديولوجية بالمنطقة ، كما اتضح للانظمة البرجوازية الصغيرة ( الجزائر ، وليبيا ، وسوريا ، واليمن الجنوبي ، وصومال زياد بري ، ومنظمة التحرير الفلسطينية ) ، انّ الوقت يلعب لصالح هذه الانظمة المتعارضة مع النظام المغربي ، ذي المرجعية الغربية ، خاصة الفرنسية ، والامريكية ، والاسرائيلية ، وذي المرجعية الثيوقراطية التي تتعارض مع نوع اسلام النظام الجزائري ، والنظام الليبي ، والسوري ( المذهب المالكي ) .. ورغم مشاركة الجيش الملكي في حرب اكتوبر ، فان الاختلافات ظلت جذرية بين هذه الانظمة ، وبين النظام المغربي ، حيث جرت محاولات شتى لقلب النظام المغربي ، كما جرت محاولات لاغتيال الملك الحسن الثاني ، لتقصير واختزال طريق السيطرة على النظام . وقد زاد من حدة الصراع والاختلاف بالمنطقة بين الانظمة ، اللقاءات التي كان يجريها الحسن الثاني مع قادة الدولة العبرية ، واحتفاظ النظام المغربي بعلاقات قوية مع الدولة الصهيونية . وطبعا فهذه اللقاءات كانت مؤيدة من الغرب الديمقراطيى ، المسيحي ، الكاثوليكي البروتستاني ، وحتى الملحد الذي لم يكن يحرج الحسن الثاني ، رغم الخرق الفضيع لحقوق الانسان في المغرب . فسجن " تازمامارت " Tazmamart ، والسجون السرية الموزعة عبر ربوع كل المغرب ، اهتمت به فرنسا من خلال المثقفين ، والحقوقيين ، والسياسيين ، واهتمت به الولايات المتحدة الامريكية بسبب Nancy Touil زوجة الملازم أول الطويل . فالرئيس الأمريكي بوش الاب Le président Bush ، هو من مارس الضغط الكبير على الملك الحسن الثاني لإطلاق المختطفين ، ومنهم طبعا Le lieutenant Toiul زوج Nancy Touil .
لكن كل هذه المعطيات التي تولدت بسبب الضغوطات الخارجية ، لم تصل في يوم من الأيام انْ تخلى الغرب عن نظام الحسن الثاني ، خاصة باريس ، وواشنطن ، وتل أبيب ، كما حصل ويحصل اليوم مع نظام وشخص محمد السادس المعزول .. وهذا ما أجج مواقف الأنظمة العربية الشمولية ، باسم القومية العربية ، انْ تخطط لإسقاط النظام في المغرب ، ومن هذه المواقف المفروضة ، سيكون هناك تجاوب بين شعارات القوميين العرب ، خاصة حركة القوميين العرب في صورتها القومية / الماركسية والتي مثلتها " الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين " ، " FPLP " ، وستنتقل المعارضة الجماهيرية والشعبية المغربية ، بالشباب المتأثر بهذه الابجديات السياسية ، انْ يتنظم في مجموعات أخذت لها تسميات شتى ، وكل إسم او عنوان ، يحيلك الى واقعة ، او الى حدث راسخ في الوجذان الشبابي المغربي ، واستجابة لصوت فلسطين ، وتعلقا بالقضية الفلسطينية كقضية وطنية ، سيُشجّع هذا الشباب على التخطيط لإسقاط النظام ، وإقامة آخر محله ..
نعم كانت حربا ضروسا استغرقت ستة عشر سنة ، لم تكتفي فقط بمحاولات الانقلابات العسكرية ، ولا بالدعوة للثورة الوطنية الديمقراطية ، بل كانت حربا شاملة ، ولا تزال كذلك الى اليوم ، وبأدوات سياسية وقانونية خطيرة ، تحلل الحرام وتحرم الحلال ، وهو خلاف واختلاف كان يترجم بالانشقاقات ، وبالتصفيات والاغتيالات ، التي عمت الشرق ، وعمت أوربة الغربية ، الحاضنة السياسية لكل المنظمات السياسية المتصارعة باسم القضايا القومية ، والقضايا الوطنية ، وباسم فلسطين ، وباسم التصحيح للمسار ، وباسم رفض الارتدادية ، والانتهازية ، ومحاربة المنظمات والأنظمة البرجوازية الصغيرة .
فالساحة الوطنية المغربية ، تفاعلت مع كل هذه التأثيرات السياسية والأيديولوجية الواردة من خارج المغرب ، وبما فيها انتفاضة المثقفين الغربيين ، والشباب الغربي ، حتى ضد التيارات السياسية الضيقة ، التي وصفوها بشتى الاوصاف التي تغدي فقط الانشقاق ، وضد رأب الصدع .. ان ثورة الطلاب والمثقفين الغربيين ، ومنهم المثقفين الفرنسيين ك Jean Paul Sartre ، و Simone de Beauvoir ، و Maxime Rodinson ..... الخ ، خرجت من Le Panthéon – La Sorbonne ، ولم تخرج من الأحزاب الرجعية آنذاك . فكانت بذلك ثورة شمولية ضد التكلس ، وضد الارتداد ، وضد الأفكار الرجعية ، فكانت ثور ثقافية تم اجهاضها ، عندما انقلب عليها من كان شعلة فيها ، كما حصل لما سمي ب " الربيع العربي " ..
فالحرب بين النظامين المغربي المخزني ، وبين النظام الجزائري ، مرده ثبات الذات ، وتأكيد الوجود ، قبل ان يكون صراع حدود ، او منافع اقتصادية وسياسية ، لان من يربح حرب الوجود ، سيربح طبعا حرب الحدود ، وما سيتبعها من منافع اقتصادية ترفع من مستوى عيش سكان الأنظمة المنتصرة ، وبالمقابل تنتهي بمأساة الشعوب التي تحكمها الأنظمة المنهزمة ..
ففي هذا الاطار الذي يلخص الأيديولوجي ، بالسياسي ، وتكملة للإرث المتولد عن مرحلة الصراع ضد الدخيل الأجنبي ، سيتبلور الصراع بين النظامين المغربي والجزائري ، حيث ان لكل نظام مرجعيته التي تعكسها سياسيا وايديولوجيا ، طبيعة الحرب الباردة التي كانت تدور بالوكالة ، وتعكسها اطماعه الضيقة ، واستغلال أي شيء لتسفيه الطرف المقابل ، وهي الحرب التي بدأت منذ سنة 1962 ، واستمرت من دون توقف ، و بأشكال وتكتيكات مختلفة ، ترجمته بالضرورة الاحداث الحاصلة ، والتي وصلت الى حرب الرمال في سنة 1963 ، ووصلت اكثر في حرب " أمغالة " Amgala ، وخوض الجزائر حربها بالوكالة عن طريق جبهة البوليساريو ، لتحقيق الانتصار العظيم المنتظر، ضد النظام المخزني المغربي الذي يمتح مضامين ثقافته السياسوية ، من الثقافة الغربية ، لكنه ،أي النظام ، لا يلتهم دفعة واحدة ذاك الإرث الغربي ، ولكنه يأخذ منه ما يرضيه ، وما يحافظ على وجوده كنظام طقوسي ، غارق في التقاليد المرعية ، التي سماها الحسن الثاني عندما استعمل مصطلحات غريبة عن الغرب الديمقراطي ب " دار المخزن " ، و ب " تْرابي " ، التي يجلدك فيها المخزن بالجلد ، لكنه لا يسجنك ، لكنه يترّكك بالسيطرة على ثروتك . فبعد الغنى تصبح فقيرا شأنك شأن أيها الناس .
عندما اندلعت الحرب الأولى من اجل الصحراء ، كانت جحافل البوليساريو متفوقة ، لان الحرب التي كانت تدور ، لم تكن حروب الجيوش النظامية ، بل كانت حرب العصابات الأقرب هنا الى حرب الجيوش ، لأنه كانت تستعمل فيها كل الأسلحة ، وتمارس فيها تكتيكات حرب العصابات التي خلقت للجيش الملكي ، اكبر تحد نال من سمعته . فهجوم البوليساريو الموجه والمشجع من قبل الجزائر ، خاصة عندما كانوا ينجحوا في اختطاف عسكريين ، لم تعترف لهم الجزائر ولا جبهة البوليساريو بالوضع القانوني لأسرى الحرب ( اتفاقية جنيف ) ، وعندما كانت تعرضهم على الصحافة الدولية ، خاصة الاسبانية ، والفرنسية ، والسويسرية ، مع عرض غنائم الأسلحة .. كل هذا اثر في الحرب ، وفي كيفية ادارتها ، واصبح النظام المغربي محرجا امام الاخبار التي تتداول عن الحرب ، وعن الهجمات . بل أصبحت الحرب ، وبالطريقة التي كانت تجري بها ، تهدد النظام الملكي بالسقوط ، وتهدد في تغيير جغرافية المنطقة لصالح التجزئة والتفتيت .. فاذا كانت الصحراء صمام أمان لوضع ولمستقبل النظام المغربي ، فالحرب التي تدور في الصحراء ، وبمستوياتها المختلفة ، تهدد الأمان الذي لم يعد صماما للنظام الذي ظهر اكثر من متهالك ، خاصة وان الرئيس الأمريكي Ronald Reagan ، لم يوافق على بيع لأسلحة الدفاعية ، وليس الهجومية للمغرب ، التي كانت تؤدي ثمنها السعودية ، والامارات ، ودول الخليج ، وحتى الأردن ساهم في مد المغرب بالأسلحة، الاّ بعد الهجوم على مدينة " طنطان " التي تنتمي للحيز الجغرافي الذي لا علاقة له بأراضي بعد سنة 1975 .. ورغم رفع الحظر هذا ، استمرت الجزائر في حربها ضد النظام الملكي ، الذي اضطر الى الاعتراف بالاستفتاء وتقرير المصير ، في مؤتمر منظمة الوحدة الافريقية OUA في العاصمة الكينية " نيروبي " الثانية ، واثناء انتفاضة 9 يونيو بالدارالبيضاء 1981 ، وتعهد بالأشراف بنفسه على تنظيم الاستفتاء ، الذي تخلص منه عندما تعافى ، وخرج من الورطة المفتعلة لإسقاط النظام ، عندما طرح على منظمة الوحدة الافريقية ، حل الاستفتاء التأكيدي الغير موجود في القانون الدولي .. ويكون بذلك النظام قد تخلص من تنظيم استفتاء نتيجته ستصل الى 99 في المائة لصالح استقلال الصحراء عن المغرب .
ورغم مواصلة البوليساريو لهجوماتها التي كانت عنيفة بدعم النظام الجزائري، سيتم تنظيم مقلب للجبهة ، وللنظام الجزائري ،عندما وجه الملك رسالته الى مجلس الامن ، يدعوه الى وقف الحرب التي كانت تهدد بإسقاط النظام ، وبشروع مجلس الامن بعد حصول بعض الترتيبات ، من تنظيم الاستفتاء في غضون 1991 ، او 1992 ، وفي ابعد تقدير في سنة 1993 .. وبفعل الكياسة في اتقان السياسة ، ستقبل جبهة البوليساريو بتوقيع وقف اطلاق النار في اتفاق 1991 ، لكن وقف اطلاق النار استمر لما يتعدى واحد وثلاثين سنة ، من انتظار تنظيم الاستفتاء الذي اضحى مجرد حلم وليس بحدث واقعي .. فطيلة هذه المدة التي كان أهمها بناء الجدار الرملي والحجري ، نظم النظام الجيش بمساهمة الأصدقاء ، والمتضامنين ، واصبح جيشا آخرا ليس هو جيش 1975 .. وارتكنت الجبهة التي تنتظر الاستفتاء ، الى سبات عميق ، فاق سبات الذِّببة ، والقنافد ، والافاعي .. ، والبوليساريو التي سقطت في الفخ ، وهضمت خطأ توقيعها لاتفاق 1991 ، كمن تجرع السم ، لم تستطع التحرك ، لأنها مكبلة باتفاق 1991 الذي ضمنته الأمم المتحدة التي أشرفت على ابرامه . ولو كان للجبهة من اطر ، هل كان لها ان تحلم بشروع النظام المغربي في تنظيم الاستفتاء ، وهو يدرك الادراك التام ، نتيجته التي ستؤدي الى الانفصال ، وستنتهي بسقوط النظام ؟ . فهل النظام المغربي المشغول ببناء الجدار ، سيوقع على وثيقة إعدامه ، والجدار سيصبح حاميه .. وهل من يبني الجدار الرملي ، سينظم حقا استفتاء اصبح مع نهاية بناء الجدار في خبر كان . الم تتعطل المادة 690 الناتجة عن اتفاق 1991 ؟
وبعد مرور كل هذا الوقت " 31 " سنة من سبات الجبهة ، ستعود البوليساريو من جديد لإعلان الشروع في حربها التحريرية في 13 نونبر 2020 ، لكنها حرب غير مكشوفة ، وغير مؤكدة ، وتعتمد على سلاح البلاغات العسكرية ، التي تنشرها الجزائر ، وتنشرها الأجهزة الإعلامية للجبهة .. فمنذ 13 نونبر 2020 ، التي تعتبرها الجبهة عودة الى حربها الثانية ، لم نشاهد سقوط اسرى حرب ، ولم نرى غنم عتاد عسكري ، وحتى عدد سقوط الضحايا من الجيش الملكي ، مع ذكر عددهم و أسماءهم ، وذكر المدن التي ينحدرون منها ... كل هذا يذل على التشكيك في حرب تدور ، اللهم عند الجزائر ، وعند الجبهة .. لكن سمعنا ومن خلال أجهزة الدعاية عند البوليساريو، والجزائر ، ان طائرات Drone فعلت فعلتها الساحقة في الثلث المفروض ، ان يكون منزوعا للسلاح ، ويكون تحت اشراف الأمم المتحدة ..
سنساير اعلام الجبهة ، واعلام الجزائر ، لنثق بحرب تدور ، من دون مؤشرات تدل على نشوبها .. ان ما يسمى بحرب التحرير الثانية التي دخلتها الجزائر ، ومنها الجبهة ، تعتمد على القصف من بعيد ، لكن دون معرفة نتائج القفص هذا ، من حيث عدد الذين سقطوا بهذا القصف ، والجرحى ، ونوع الغنائم التي من المفروض ان يغنمها المتحاربان عند نهاية كل معركة .. مع ذكر عدد الاليات التي تضررت من القصف العشوائي الغير مركز، وانواعها ومصادر صناعتها ... الخ كما كان يجري خلال كل معركة ابان الحرب التي ذامت لأكثر من ستة عشر سنة .. وهذا طبعا لم يحصل ، ولن يحصل مع استمرار الجدار الرملي ثابتا .. لكن هل للبوليساريو وللجزائر من وسائل تقنية لاقتحام الجدار الرملي ؟ والى متى ستستمر جبهة البوليساريو تكتفي بالقصف من بعيد ؟
وهنا الم يسبق لوزير الدفاع الصحراوي ومن موريتانية بتهديد الجيش الملكي بطائرات Drone التي وحدها قد تغير مسار المعارك ، لربح الحرب ؟ هل النظام الجزائري سيمنح البوليساريو هذه الطائرات الانتحارية ، ام ان احترام قواعد الاشتباك بين الجيش الملكي والجيش الجزائري ، سيحصل تجاوزها اذا عجزت الأمم المتحدة ، وعجز مجلس الامن في إيجاد نهاية لهذا الصراع الذي دام لأكثر من سبع وأربعين سنة مضت ، دون نجاح الجبهة في تحقيق نصر تاريخي تحلم به منذ تأسيسها في سنة 1973 .
والسؤال الذي حير كل مهتم . لماذا يسود الأقاليم الجنوبية سكوت ، وهدنة وطمأنينة ، من حصول هزات اجتماعية وسياسية عنيفة ، ترفع شعارات الجبهة المطالبة بالاستقلال ؟ . فعند أي ذكرى باستثناء اقلية ، وهم مجرد نسوة من دون ذكور يرافقونهم ، لا يتعدى عدد النسوة الخارجين للشارع عشرة نساء . و مع ذلك يتعرضون لقمع السلطة . فهل مدينة العيون ، وبوجدور ، والسمارة ، مجرد عشرة نسوة ، المحتجات ، ام ان سكان الصحراء الغربية ، هم مع المغرب ، لا مع الجمهورية الصحراوية .. والساحة تبين هذه الحقيقة المطمورة ، خاصة دعاية اعلام الجبهة الذي يضخم الاحداث للركوب عليها قصد التسويق للجمهورية الصحراوية ، وخلخلت الرأي العام الدولي الذي يجهل اصل وأسباب الصراع المفتعل بالمنطقة ..
ان الصراع الجاري الآن بين النظام الجزائري ، مستعملا الجبهة ، والنظام الملكي ، لن يتوقف ، وربما اذا تطورت الاحداث بتأثير الضغوط الخارجية التي حشرت انفها في صراع عصي عن الحل ، ولن يحل ابدا الاّ بالقضاء على احد اطراف الصراع ، النظام المغربي ، او النظام الجزائري . فربط بقاء نظام ببقاء الصحراء في عهدته او ضياعها ، بالنسبة للنظام المغربي ، وربط بقاء نظام بانتصاره الساحق على النظام المنافس والمتعارض معه ، وضياعه نظامه اذا فشل في القضاء على النظام الملكي ، وفشل في بتر الصحراء عن المغرب ... هو دليل ساطع ان الحرب التي تدور بين النظامين الجزائري والمغربي ، هي حرب وجود لا علاقة لها بحرب الحدود المستعملة ، في تبرير الصراع بالمنطقة ، للشعوب التي تعاني من هكذا ازمة أصبحت عصية عن الحل . وانّ من سيربح حرب الوجود ، سيربح حرب الحدود التي ستتلاشى عندما تصل جزمات الجيش الجزائري الى مياه المحيط الأطلسي الباردة ، وتصبح الدولة الجزائرية وباسم وحدة مصطنعة مع الجمهورية الصحراوية ، او باسم نظام فدرالي او كنفدرالي ، ليتم تطويق المغرب ، ومن ثم خنقه ، وتسهيل تشتيته .
ان النظام الجزائري ذي الحساسية المفرطة من الصحراء ، يصعب اعادته الى الصواب ، والى الحجة ، والمنطق ، لان المعادلة القائمة بالمنطقة ، ترتبط بضرورة انْ لم نقل بحتمية زوال نظام ، كي يعيش النظام الاخر ، وترتبط بضرورة زوال دولة ، كي تبقى فقط دولة بالمنطقة . فعندما يصرح المسؤولون الجزائريون بان مدن " فگيگ " و " وجدة " هي مدن جزائرية ، وفي نفس الوقت يتمنون استقلال الجمهورية الريفية ، ويخوضون حربهم المفتوحة ضد مغربية الصحراء ، واسسوا واعترفوا بالجمهورية الصحراوية .. ويباركون أسبنة سبتة ومليلية والجزر المغربية ، واثناء ازمة جزيرة ليلى ناصروا بوجه مكشوف ومن دون خجل الاستعمار الاسباني للثغور المغربية ... فان مثل هكذا مواقف تفسيرها الواضح الذي لا يحتاج عناء تفكير ، ان النظام الجزائري هو من يقف وراء حرب الوجود التي يشتغل عليها ، قد ينهي وبالسرعة القصوى حرب الحدود . فبالمنطة حل لا حلان .. اما النظام الملكي ، واما النظام الجمهوري .. فإذا التقى ساكنان فاحذف ما سبق .
ثم ماذا نسمي ونعتبر دعوات ابواق النظام الجزائري ، باشعال المقاومة في الجنوب المغربي ، وهي مقاومة مسلحة ، تتماشى مع الحرب الجارية التي يسمونها بحرب التحرير الثانية ، وتظافر عامل المقاومة بعامل الحرب ، لخدمة الانتفاضة الشعبية المنتظرة في الاقاليم الجنوبية المغربية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مطعم للطاكوس يحصل على نجمة في دليل ميشلان للمطاعم الراقية


.. فاغنر تتكاثر في ليبيا وتربط بين مناطق انتشارها من السودان إل




.. الاستئناف يؤكد سَجن الغنوشي 3 سنوات • فرانس 24 / FRANCE 24


.. روسيا تتقدم في خاركيف وتكشف عن خطة لإنشاء -منطقة عازلة- |#غر




.. تصعيد غير مسبوق بين حزب الله وإسرائيل...أسلحة جديدة تدخل الم